ب. د. #فرست مرعي#
دون شك فإن الشعب الكوردي هو إحدى الشعوب الإسلامية الكبيرة التي طالما دافعت ونافحت عن الاسلام والمسلمين، مثلهم في ذلك مثل: العرب والفرس والترك والهنود والمالاويين والسواحيليين والامازيغ وغيرهم، وإن كان للكورد قصب السبق في الاسلام في المضمار التاريخي بسبب قربهم الجغرافي من شبه الجزيرة العربية.
كان الكورد يعيشون كتجمعات سكانية وقبيلية في عدة اقاليم جغرافية ضمن الجغرافية القديمة التي أشار إليها البلدانيون (= الجغرافيون) والرحالة اليونانيون والرومان والبيزنطينيون في التاريخ القديم، والسريان والارمن والمسلمون في التاريخ الوسيط (= الإسلامي)، وهي كالاتي:
1- بلاد ميسوبوتاميا (= بلاد الجزيرة الفراتية).
2- أرمينيا (= بلاد هكاري والزوزان).
3- أتروباتين (= ميديا الكبرى - أذربيجان).
4- إقليم الجبال الغربي (= ميديا الصغرى - لورستان).
5- اقليم خوزستان.
6- إقليم فارس (= الزموم الكردية)
وكان العديد من الرحالة اليونان والرومان قد زاروا بلاد الكورد ضمن زياراتهم للدولة الاشورية والبابلية في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، كهيرودوت وسترابون وزينفون وغيرهم، وفيما بعد المسلمون، كابن جبير، وابن بطوطة وغيرهم.
وبخصوص المؤرخ هيرودوتس الهاليكارناسي (480-420 ق.م ) الذي كتب عن مقاطعات(= السترابات) الدولة الاخمينية ( بضمنها بلاد الكورد التي كانت تحت سيطرتهم) خلال حقبة الدولة الاخمينية الفارسية، والرحالة اليوناني زينفون (430 -354 ق.م) الذي كان قائدا عسكريا لحملة العشرة الف مقاتل، ومن الذين شاركوا أيضاً في حملة قورش الأصغر الفاشلة للمطالبة بعرش الدولة الأخمينية من أخيه الامبراطور(أردشير الثاني)، وسرد هذه الأحداث في كتاب (أناباسيس) أي البعث من الداخل. وقد وصف زينفون في هذا الكتاب للمدن والمواقع التي مر بها في بلاد الكورد ( مضيق زاخو) سنة401ق.م.خلال حملته العسكرية أثناء الصراع بين أفراد الاسرة الاخمينية . وجوبه بمقاومة شديدة من قبل قوم اشداء يدعون بالكوردوخ، ففي الترجمة الإنكليزية لكتاب الاناباسيس يسميهم (Kurds) حيث ان ( وخ) هي لاحقة الجمع في اللغة اليونانية القديمة، تصبح كوردوس أي الكرد في اليونانية الحديثة، وكان الكوردوخ قد سيطروا على منطقة ممتدة من تبريز إلى مدينة آمد (ديار بكر) إلى جنوب بحيرة وان، وقد تكبد الاغريق في معركتهم خسائر جسيمة إلى ان وصلوا إلى أرمينيا ويذكر زينفون تفاصيل مهمة عنهم وكيف انه سمع من جنوده ان هؤلاء قوم شرسون وقد كبدوا جيشا فارسيا تعداده مئة الف جندي خسائر فادحة حينما حاول هذا الجيش مهاجمة معاقلهم الجبلية وكيف ان هذا الجيش قد ابيد عن بكرة ابيه. وكان الرومان قد سيطروا على بلاد الكردوخ وعلى مدينتهم آمد بعد قتال دموي مرير وشكلوا مقاطعة كوردوئين وكانت جزءا من الامبراطورية الرومانية.
وفي العصور الوسطى الاسلامية لا يمكن اغفال الرحالة والسائح اليهودي بنيامين التطيلي الذي زار العراق وكوردستان في زمن الخليفة العباسي المقتفي بالله (1143– 1119م) ووصل الى الصين مارا ببلاد المشرق الاسلامي وعنى في رحتله بدراسة أحوال اليهود في الاقاليم المختلفة وبضمنها بلاد الكورد ( مدينة العمادية تحديداً)، وكتب عن رحلته باللغة العبرية، ثم نقلت إلى اللغة اللاتينية ومن ثم إلى أغلب اللغات الاوروبية، ونقلها من العبرية إلى اللغة العربية اليهودي العراقي (عزرا حداد ) وطبعت في بغداد في المطبعة الشرقية سنة 1945م.
إن انتخاب البروفيسور الدكتور علي محي الدين القره داغي كرئيس للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين وانتخاب شخصية كردية أخرى ( محمد جرموز) من شمال كوردستان كنائب لرئيس الاتحاد العالمي، وأربع شخصيات كوردية أخرى، اثنان من شمال كوردستان، وواحد من شرق كوردستان، والرابع من جنوب كوردستان كأعضاء في مجلس الامناء ضمن (31) مرشحاً لهذا المنصب؛ لما يبعث على الفخر والاعتزار للكورد كأحد الاعضاء الفاعلين في هذا المؤتمر الذي يضم أكبر تجمع علمائي إسلامي على وجه الكوكب؛ وهذا يدل بما لا يقبل مجالاً للشك في أن الكورد استطاعو اللحاق بالركب في فترة قياسية نسبةً الى بقية الامم الإسلامية التي تفوقهم في نسبة السكان أو عدد دولهم المنضوية تحت راية المؤتمر الإسلامي.
إن هذا الانجاز الكبير الذي تم لا يمكن أن يمرر دون النظر الى ما يشكله الكورد من رقم صعب في المعادلة الدولية والإسلامية على الصعيد العالمي عامةً والشرق الاوسطي خاصة، لاسيما بعد معرفة العالم بما ذاق الكورد من ويلات ومآسي طيلة قرن من الزمان في القرن العشرين على يد الانظمة الباطشة التي كانت تحكم كوردستان في الاجزاء الاربعة منها بالحديد والنار، فضلاً عن الجهود الحثيثة التي بذلها الكورد في جنوب كوردستان للتحرر والانعتاق من نير الدكتاتورية والتسلط، بعد تشكيل إقليم كوردستان لفيدرالية معترف بها ضمن الجمهورية العراقية ابتداءً من عام1992م والى كتابة هذه الاسطر.
وكان للشيخ الدكتور القره داغي دور كبير في إغاثة كوردستان الجنوبية (= العراق) اعتبارا من سنة 1991م ولحد الآن ومساهمته في إنشاء المئات من المساجد والجوامع التي دمرها النظام السابق ضمن عمليات ما يسمى بالانفال، فضلا عن انشاء العديد من المستشفيات والمدارس ودعم العديد من الجامعات والكليات بالمختبرات والكتب والوسائل الاخرى.
وكان الشيخ الدكتور القره داغي خريج جامعة الازهر و الاستاذ في كلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة قطر في نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين، قد صرح لوسائل الاعلام ونشر عدداً من المقالات حول الجرائم التي الحقها النظام البعثي بالكورد في قصف حلبجة بالغازات السامة وعمليات ما يسمى بالانفال السيئة الصيت؛ مما جعله عرضة للتساؤول في تلك الحقبة من قبل حكومة قطر؛ ولكن شاء القدر أن يغزو العراق في تلك الحقبة دولة الكويت؛ لذلك بدل اخراج القره داغي من قطر أصبح محل ترحيب وتكريم من قبل تلك الدولة الخليجية، حيث حصل فيما بعد على الجنسية القطرية وأصبح احدى الشخصيات التي ينظر لها بمنظار خاص من قبل الديوان الاميري وبقية المجالس الحكومية والشعبية في دولة قطر، فضلاً عن عضويته في العديد من المحافل والبنوك الدولية كخبير اقتصادي إسلامي يشار له بالبنان، اي بعبارة أخرى أصبحت المصائب التي الحقها النظام الصدامي بالشعب الكوردي وبالاشقاء الكويتيين عامل وجداني مشترك بين الجانبين.
ومما عزز هذه المكانة الدولية للكورد أنه بعد سقوط نظام صدام حسين في شهر نيسان/ ابريل عام2033م ومشاركة الاحزاب الكردية بكل قوة في المجلس التأسيسي العراقي (= البرلمان) وتشكيل الحكومة العراقية، ومنح الكورد لاول مرة منصب رئيس جمهورية العراق كعرف متداول، واعتبار اللغة الكوردية كلغة رسمية الى جانب اللغة العربية؛ كل هذه المنجزات زادت من مكانة الكورد؛ في الوقت التي كانت الانظمة الشمولية قد حاولت بكل ما أوتيت من قوة وسلطة تهميش الكورد وتحييدهم وكأنهم إثنية صغيرة من بقايا الشعوب البائدة بقيت تعيش على قمم الجبال كعرقٍ منسي على غرار بعض الاثنيات التي بقيت فقط في صفحات التاريخ!!
والنقطة الاخرى المهمة أنه بعد سيطرة تنظيم داعش المتطرف على الجزء الاكبر من أراضي سوريا والعراق، لم يستطع أحد أن يتصدى لهذا التنظيم إلا البيشمركه الكورد والمقاتلين الكورد في كلا الدولتين العراق وسوريا، وهذا ما عزز مكانة الكورد في كافة الاوساط وجعلهم رقماً صعباً في المحافل الدولية يشار إليم بالبنان، وبالتالي لا يمكن تمرير أي خطة أو مشروع دولي على صعيد الشرق الاوسط دون النظر الى المطالب الكوردية أو مشاورة قادة الكورد وطلب النصيحة منهم، وما الزيارات الكثيرة والمكوكية للكثير من قادة الدول الكبرى والاقليمية والسيد الامين العام للامم المتحدة وغيره من الساسة (الوزراء وأعضاء البرلمانات وغيرهم من الشخصيات المعتبرة على الصعيد الدولي)؛ إلا نتيجة لما تقدم.
كما لا يمكن نسيان أن الكورد قد حموا الالاف بل الملايين من اللاجئين الذين تدفقوا على إقليم كوردستان العراق بعد هجمات داعش الارهابية: من العرب من أهل السنة، ومن التركمان في تلعفر وأطرافها، ومن الكورد الايزيديين في منطقة سنجار وأطرافها، ومن المسيحيين بمختلف طوائفهم من الكلدان والسريان والآشوريين في مدينة نينوى وسهلها، فضلاً عن كورد غربي كوردستان، وأسكنوهم بين ظهرانيهم رغم قلة الموارد والامكانيات الشحيحة ؛ بسبب منع الحكومة الاتحادية صرف المستحقات الخاصة باقليم كوردستان ضمن الميزانية الاتحادية اعتباراً من عام2014م في مخالفة واضحة للدستور العراقي ولحد كتابة هذه المقالة.
ومن جهة أخرى فإن رسائل التهنئة التي بعث بها الزعيم الكوردي السيد مسعود البارزاني، ونجله السيد مسرور البارزاني رئيس مجلس وزراء أقليم كردستان وغيرهم من الساسة الكورد للبروفيسور القره داغي، لهو أكبر دليل على أن هذا المنصب الذي نالته شخصية إسلامية كوردية معتبر على الصعيد الدولي مبعث فخر واعتزار من القادة الكورد بشتى انتماءاتهم الفكرية والسياسية.[1]