الكورد الفيلية ريحانة الأرض
كامل سلمان
أنا لا أكتب هذا المقال بسبب حبي وانتمائي لهذه الشريحة الطيبة الأصيلة الواسعة ولكنني عشت مع ابناء الجنوب بمختلف اصنافهم وأبناء المناطق الغربية والموصل وكوردستان وابناء الديانات المختلفة بمختلف الطبقات والاعراق فوجدت بعض الظواهر يمتاز بها الفيليون عن غيرهم من مختلف الشرائح الاجتماعية .
في بغداد تحديداً عاش عشرات الالاف من الكورد الفيليين وكان تركيز وجودهم في مناطق الرصافة في قلب العاصمة بغداد ، ونادراً ما نجد كوردي فيلي يعيش في أطراف العاصمة او ضواحيها ، الأغنياء من الفيلية معظمهم كانوا من طبقة التجار وخاصة تجار المواد الغذائية والحبوب وتجارة الحديد والخشب والعدد اليدوية والمطاعم واصحاب العمارات ، كانوا جميعهم يسكنون أرقى البيوت واجملها وأوسعها منتشرين في مختلف مناطق الرصافة وبالاخص في مناطق شارع فلسطين وجميلة ومنطقة العقاري والمشتل ، بينما كان الفقراء من الكورد الفيلية ومعظمهم من( الحمالين ) والباعة المتجولين واصحاب الحرف البسيطة يسكنون بشكل جماعي أي ثلاثة أو أربعة عوائل او أكثر سوية في بيت واحد في مناطق الصدرية والدهانة وابو سيفين والكولات وعگد الاكراد ومناطق شارع الكفاح وما حولها ، ولم أجد في حياتي وحتى في أرقى الدول الغربية التي زرتها وعشت فيها تجمعات للفقراء بمستوى النظافة والالفة والقناعة التي كان عليها الكورد الفيلية في أماكن إقامتهم ، فقد كانت النظافة شيء مميز لهذه المناطق ، يهتمون في نظافة أنفسهم وملبسهم وسكنهم والاحياء التي يسكنونها بشكل ملفت للنظر ، يرمون النفايات في اماكن مخصصة للقمامة بعيداً عن مساكنهم ونساءهم يقمن يومياً بغسل الممرات والطرقات امام البيوت ، بحيث أن النظافة هي نقطة الجذب لسكان هذه الاحياء ، بينما لو ذهب أحدنا الى مناطق الفقراء في أي بلد وفي أية مدينة في العالم سيجد علامات البؤس والوساخات والقاذورات في كل مكان حتى داخل غرف معيشتهم وهذه تحسب للكورد الفيلية .. في مناسبات الافراح والاعراس يتجمع الفقراء والأغنياء من الكورد الفيلية في قاعات الاحتفالات فيصعب على الزائر أن يميز الغني من الفقير ، الكل يرتدون الملابس الجميلة الفاخرة والكل يتعطرون بأرقى العطور والكل وجوههم تدل على البذخ والراحة والسعادة والكل يهتمون بالإناقة والكل فرحون بتلك المناسبات ويشاركون بعضهم بعضاً الكيف والرقص الجماعي الكوردي والمرح ، السر يكمن وراء ذلك أنني لم أجد كوردي فيلي يبخل على نفسه وعلى عياله مهما ضاقت الدنيا عليه حتى ولو أضطر الى ان يقترض المال مؤقتاً لتغطية إحتياجاته والخروج بمنظر جميل و جذاب أمام الآخرين ، فهو يضع الاولوية لوجوده المحترم بين الناس ، وهذه ميزة أخرى لم أجدها عند أي مجتمع ، فقط عند الشريحة الفيلية . لو حسبنا معدل المشاكل الاجتماعية والجنائية عند الكورد الفيلية سنجدها الأقل قياساً ببقية شرائح المجتمع العراقي ، وهذا أيضاً يدل على سلمية السلوك الاجتماعي لهذه الشريحة .
هؤلاء القوم لم يطمحوا بالاستيلاء على السلطة في يوم من الأيام ولم يؤسسوا عصابات مليشياوية لإرهاب الناس ولم يشتركوا في سرقات أموال الدولة ولم يمزقوا السلم المجتمعي ولم يكونوا سبباً في أية فتنة او سبباً في معاناة أي عراقي ولم يمدوا أيديهم بالخفاء او بالعلن لأية جهة أجنبية بالضد من بلدهم ، هؤلاء القوم بتلك الطينة النقية وبتلك الرائحة الزكية وبتلك الاخلاق الرفيعة تعرضوا بدون أي سبب لأبشع أنواع الظلم وأقذر انواع المعاملة المهينة والهجمة العدوانية لسحق كرامتهم من قبل الحكام وأجهزتهم الأمنية التعسفية ، فقط لأنهم يحترمون الحياة ويحبون الناس وشعارهم الصدق والوفاء ، ولأنهم يريدون بلداً آمناً ويريدون كرامة لانتمائهم القومي الكوردي ويريدون مدينتهم بغداد وباقي المحافظات أن تكون أجمل ولأنهم يتطلعون الى حياة متفتحة ولأنهم قادرون أن يجعلوا البلد شمعة مضيئة بين البلدان ، فأجهزت عليهم سلطة الشر و أذاقتهم المر العلقم متأملين القضاء عليهم وتشتيت شملهم وسلب الضحكة من شفاه أطفالهم . لماذا ؟ والكل يعلم تماماً ان القضاء على الكورد الفيلية وإبادتهم يعني القضاء على جمالية العراق ( شعب وحضارة ) ، فمن هو الذي يقف وراء تلك الحملات اللعينة لأستئصال الكورد الفيلية من ارض العراق ولماذا ؟ هل أن الحاكم الذي يحب وطنه وشعبه يقوم بتدمير وطنه وشعبه ؟ ويبدأ بتدمير أجمل مافي وطنه وشعبه ؟. هذا ما فعلته الحكومات السابقة مع الكورد عموماً والفيلية خصوصاً ، فهل سيتعلم الحكام الجدد الدروس من فضاعة أخطاء من سبقهم بحق الكورد الفيلية ويعيدوا لهم كل حقوقهم المسلوبة ، أم أن عقول الحكام لم تنضج بعد ؟
kamil.salman@gmail.com
[1]