الكورد الفيلية في الميزان
كامل سلمان
قبل ايام أرسل لي صديق( منشور يوتيوب )على الفيسبوك ، صاحب المنشور يحاول أثبات أن الكورد لم يكن لهم وجود قبل القرن الثامن عشر ، وأن مسألة الكورد عامة بدعة روجها الاستعمار البريطاني لتكون عاملاً مساعداً لإسقاط الدولة العثمانية ، وأن أصل الكورد أقوام فارسية ومنغولية مهاجرة استوطنت ارض الجبال وتمت تسميتها فيما بعد بكوردستان ، ثم يتطرق الى ان الكورد الفيلية هم غجر القومية الفارسية .
الموضوع بأكمله يخلو من أية أدلة تأريخية فقط إدعاءات حاقدة لأن تأريخ الكورد وكوردستان أكبر من ان تمحيه أو تغطيه إدعاءات . وتأريخ الشعب الكوردي والثقافة والأدب الكوردي كفيل برد تلك التخرصات ، ولكن الافتراء على الكورد الفيلية أحضر في ذهني حدثين رواهما لي أحد الأخوة من الكورد الفيلية .
وهذه أفضل مناسبة لذكرهما ، الحدث الاول في بداية تسعينيات القرن الماضي وبعد هزيمة العراق امام التحالف الدولي وتحرير الكويت وإنخفاض قيمة الصرف للدينار العراقي بدأ الفساد يدب في مؤسسات الدولة العراقية ، والرشاوي أصبحت تسيطر على عقلية كبار موظفي الدولة وكذلك الأجهزة الأمنية ، في تلك الفترة يقول صاحب القصة كانت لي مراجعة لمديرية الجنسية العامة في منطقة( الكرادة داخل )في بغداد لأجل الحصول على شهادة الجنسية العراقية لوالدتي ، كانت المعاملة متوقفة عند أحد الضباط برتبة رائد وهو ضابط تحقيق محترف ، كان هذا الضابط يكرر القول استحالة الحصول على شهادة الجنسية لوالدتي لأن والدتي إيرانية كما يقول ويدعي ذلك الضابط رغم وجود المستمسكات الأصولية ، ولكن كثرة المراجعات واللقاءات مع هذا الضابط وتقبله لهدية صغيرة في بادىء الأمر ثم تقبله الرشوى وخروجنا سوية مساءاً لجلسة سمر وخمر ، تم تمرير المعاملة ومعاملات أخرى وكان حينها يشرح لي الضابط امور حساسة في طبيعة عمل دوائر الجنسية أثناء جلوسنا في السهرات ، المهم من هذه القصة كما يقول أنه في يوم من الأيام قال لي الضابط أن دائرة الجنسية عليها ضغوطات كبيرة في شأن الكورد الفيلية ، فأننا بين الحين والاخر وبناءاً على طلب معلومات من جهات عليا نكتشف مسؤولين كبار ولهم نفوذ في الحزب والدولة هم شخصيات من أصول فيلية والدولة تغطي عليهم لحاجتها إليهم ، وكأن الفيليين هم المحرك لعجلة الدولة وأننا كضباط تحقيق في دائرة الجنسية نعرف كيف نجعل من التوصيات والاوامر واقع قانوني ، لا يعصى علينا شيء ، نستطيع ان نعرف ( اللقيط من هو أبوه ) وقال لي أيضاً نحن ضباط التحقيق في الجنسية تدربنا جيداً أن نعرف أصل المواطن المراجع من خلال بعض العلامات الفارقة في شكله ، فمثلاً نستطيع معرفة الغجر ( الكيولية) من خلال تقاسيم الحاجب ، ونعرف أبن الجنوب ( الشرگاوي ) من خلال تقاسيم الجزء الأسفل من الوجه ( الحنچ )، والكورد الإيرانيين ويقصد ( الفيلية ) من نظرة الى العيون والجبهة ( الگصة) وهكذا ابن الغربية وابن اربيل والموصل والبصرة ثم قال لذلك تجد عندنا في الدائرة لكل محافظة متخصص وأنا تخصصي الكورد ( الفيلية ) فهؤلاء لهم طبيعة وتركيبة تقاسيم دقيقة لا تشبه بقية افراد المجتمع العراقي ولكن المشكلة عندنا كما يقول هذا الضابط أن أكثر العشائر شهرة في الجنوب تشترك مع الكورد الفيلية في صفاتها بحيث هناك العشرات من العشائر الجنوبية فيها شكوك بجذورها الفيلية ، وكلام هذا الضابط في وقته جعلني أشعر بشكل لا يقبل الشك بأننا الكورد الفيلية الأصل لهذه الأرض وأن أجزاء كبيرة من أبناء الفيلية تم إستعرابهم بمراحل زمنية لكي يبقى الفيليون أقلية تحت السيطرة رغم إيماني بأن هذه التشخيصات التي ذكرها الضابط لم تكن دقيقة نظراً لأندماج افراد المجتمع مع بعض ، ، الحادثة الثانية التي ذكرها يقول في نفس تلك الفترة استمعت في يوم من الأيام للمرحوم حميد شفي ومن لسانه كرئيس لعشيرة القره لوس الفيلية أن وفداً من أهل البصرة بزيهم وملبسهم الجنوبي وعاداتهم الجنوبية طرقوا باب منزل حميد شفي وجلسوا في ضيافته ليبلغوه بأنهم من أصول كوردية قره لوسية مندلاوية وأن جدهم الرابع مع أخوته زحفوا الى البصرة واستوطنوا فيها ، وأنهم عشيرة كبيرة منقطعة عن أصولها الكوردية وأنها تطالب الأعتراف بأصلها وتعدادهم أكثر من مئتي عائلة بصراوية ،،
الهدف من ذكر القصتين لتبيان كم من مجاميع عشائرية سكنت في أراض بعيدة عن ديار الأهل فأنقطعت الصلاة وأن من ينكر أصالة أهل الارض ، ارض العراق جبال العراق عليه ان يعرف هؤلاء هم الأصل ولا مجال لنكران الأصل ، فالكورد هم أهل هذه الأرض ولن تشفع جميع المحاولات لأنكارهم فملامح اهل العراق الاصليين تختلف كلياً عن ملامح اهل الجزيرة العربية واهل الخليج وحتى الفحوصات الجينية ( DNA )التي أصبحت الشاهد والدليل القطعي بلا منازع لأثبات الجذور تبين أن الكورد هم أبناء هذه الارض وغيرهم تكون جيناتهم بعيدة جداً ، فعلى الذين مازالوا يراهنون على الباطل عليهم أن يخجلوا من أصولهم المتشتتة قبل أن يحاججوا الكورد في أصولهم .
kamil.salman@gmail.com
[1]