بمناسبة يوم الشهيد الفيلي: الشهيد في القرآن الكريم والروايات (ح 2)
الدكتور فاضل حسن شريف
عن شبكة المعارف الاسلامية الثقافية عن الشهيد في الإسلام: أولاً: قدسية الشهيد: ثمة كلمات لها في عرف البشرية عامّة وفي عرف المسلمين خاصّة قدسية وعظمة واحترام. العالم، والفيلسوف، والمخترع، والبطل، والمصلح، والمجتهد، والأستاذ، والطالب والعابد، والزاهد، والمؤمن، والمجاهد، والمهاجر، والصدّيق، والآمر بالمعروف، والولّي، والإمام والنبيّ، كلمات بعضها مقرون بالعظمة والاحترام لدى أبناء البشر عامّة، وبعضها الآخر يحمل هذه الصفة عند المسلمين خاصّة. ومن الطبيعي أنّ اللفظ لا يحمل طابع القداسة بنفسه، بل بما ينطوي عليه من معنى. جميع المجتمعات البشرية تنظر بعين التقديس إلى بعض المفاهيم مع اختلاف طفيف بينها. وهذا التقديس يرتبط بجوانب خاصة من نفس هذه المجتمعات في حقل تقييمها للأمور غير الماديّة. وهذه المسألة تحتاج إلى دراسة فلسفيّة وإنسانيّة معمّقة لسنا بصددها الآن. والشهيد كلمة لها في الإطار الإسلامي قداسة خاصّة. والإنسان الذي يعيش المفاهيم الإسلامية ينظر إلى هذه الكلمة وكأنّها مؤطّرة بهالة من نور. كلمة الشهيد مقرونة بالقداسة والعظمة في جميع أعراف المجموعات البشرية مع اختلاف بينها في الموازين والمقاييس، ولسنا بصدد الحديث عن المفهوم غير الإسلامي لهذه الكلمة. الشهيد في المعايير الإسلامية هو الذي نال درجة الشهادة أي الذي بذل نفسه، على طريق الأهداف الإسلامية السامية، ومن أجل تحقيق القيم الإنسانية الواقعية. والإنسان الشهيد في المفهوم الإسلامي يبلغ بشهادته أسمى درجة يمكن أن يصلها الإنسان في مسيرته التكاملية. نستطيع أن نفهم سبب قدسية كلمة الشهيد في الإسلام وفي أنظار المسلمين من خلال الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن الشهادة والشهيد، وكذلك من خلال ما وصلنا من روايات في هذا الحقل. ثانياً: مكانة الشهيد في القرآن: القرآن الكريم يقول عن الشهيد: “وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (ال عمران 169). فالشهداء إذن “أحياء” و”عند ربهم” يرزقون، وما أعظمها من منزلة. والسنة تكثر من تشبيه المكانة السامية التي يمكن أن ينالها إنسان في حياته بمكانة الشهيد، لأنّها ذروة الرقي والتكامل في المسيرة الإنسانيّة. فالسائرون على طريق طلب العلم، من أجل التعرف إلى الحقيقة، وطلباً لمرضاة الله تعالى، لا بهدف الترفع والاتجار، هم شهداء في مفهوم الروايات الإسلامية إن توفّاهم الله على هذا الطريق. وهذا التشبيه يدل على علو مكانة طالب العلم إضافة لما له من دلالة على أنّ الشهادة هي الذروة في مسيرة الإنسان التكاملية. ونظير هذا التشبيه ورد بشأن الساعي على طريق إدارة دفَّة اقتصاد عائلته، وبالتالي على طريق إدارة اقتصاد مجتمعه، في الحديث: (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله). حقّ الشهيد: كلّ أولئك الذين خدموا البشرية بشكل من الأشكال لهم حقّ على بني الإنسان، سواء أسدوا خدماتهم عن طريق العلم أو الفكر أو الفلسفة والاختراع والاكتشاف أم الأخلاق والحكمة العملية. لكن أحداً من هؤلاء ليس له على البشرية حقّ كما الشهيد. ومن هنا فإنّ ما يكنه أبناء البشر من تعاطف وانشداد تجاه الشهداء يفوق ما يكنّونه تجاه سائر خدمة البشرية.
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع سماحة السيد منير الخباز عن الشهادة في رحاب القرآن وَالحديث: معنى الشهادة واحد لا يختلف، إلا أن مصاديق الحضور تختلف، الحضور له مصاديق متعددة، له درجات متعددة، له أمثلة متعددة، وإلا الشهادة معناها واحد وهو الحضور، هناك حضور حسي عبّر عنه القرآن بقوله: “أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ” (البقرة 133) شهداء بمعنى الحضور الحسي. وقد يكون الحضور حضورًا معنويًا، حضورًا ملكوتيًا، كما في قوله عز وجل: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ” (البقرة 143)، الشهادة هنا بمعنى الحضور، لكن الحضور ليس حضورًا حسيًا، وإنما هو حضور معنوي، أي أن الأمة الإسلامية إذا التزمت بالإسلام وطبقت مبادئ الإسلام كان لها حضور معنوي جذّاب بين الأمم، وهذا الحضور المعنوي الجذّاب عبّر عنه القرآن بالشهادة. وقد يكون الحضور حضورًا ذكريًا علميًا، كما في الشاهد الذي يشهد واقعة معينة، ثم يتحملها في عقله، ثم يدلي بها أمام القضاء، فإن الشهادة هنا بمعنى الحضور، إلا أن الحضور هنا حضور ذهني، حضور علمي، الشهادة بمعنى واحد وهو الحضور، مصاديق الحضور، أمثلة الحضور، تجليات الحضور، تختلف من مقام إلى آخر، ومن موقع إلى آخر. إذا جئنا لقوله عز وجل: “وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا” (النساء 69)، ما معنى الشهداء هنا في هذه الآية المباركة؟ كيف نفهم الحضور في هذه الآية المباركة؟ لاحظوا هذه الآية المباركة، هذه الآية المباركة تقول: من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم، ليس منهم، معهم وليس منهم، المطيع ليس من الشهداء، المطيع ليس من الأنبياء، المطيع معهم لا أنهم منهم، أي أن الله يوم القيامة يعطيه مقامًا مع الأنبياء والشهداء والصدّيقين، ولذلك قالت الآية في آخرها: “وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا” (النساء 69)، هو ليس منهم، وإنما هو رفيق لهم، المطيع لله ولرسوله رفيقٌ مع هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وليس منهم. من هم هؤلاء الذين أنعم الله عليهم؟ القرآن يفسّر بعضه بعضًا، انظر إلى سورة الفاتحة التي نقرؤها: “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ” (الفاتحة 6-7)، هؤلاء الذين أنعم الله عليهم هم أصحاب الصراط المستقيم، فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم، والذين أنعم الله عليهم هم أصحاب الصراط المستقيم، أنعم الله بأثمن نعمة ألا وهي نعمة الاستقامة، من حظي بنعمة الاستفامة فقد حظي بأفضل نعمة، “وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ” (الشورى 15)، “فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ” (النساء 69) أنعم الله عليهم بأن جعلهم أصحاب الصراط المستقيم.
جاء في الحوار المتمدن عن المسؤولية القانونية في قضية الكورد الفيليين للكاتب زهير كاظم عبود: الشوفينيون الذين تسلطوا على الحكم في العراق ارتكبوا بحق الكرد الفيلية جرائم ثلاث لايمكن أن تعفيهم من العقاب، أولها أنكارهم أن شريحة الكرد الفيلية جزء لايتجزأ من الأمة الكردية التي يراد لها أن تتشرذم وتصمت وتضعف على الدوام وفق رغبات السلطات الشوفينية المتعصبة وأن لاترفع صوتها تطالب بحقها وحقوقها ، وأن الأفتراء كونهم فرس يجانب الحقيقة ويتعارض مع حقائق التأريخ والجغرافية حيث ثبت أنهم اقاموا في الشريط المحادد لآيران منذ فجر التأريخ، يراد من تلك التهمة سلخهم عن أمتهم وحصرهم في زوايا لأضعافهم وخسارة أمتهم ، وثانيهما أنهم من أتباع آل البيت ومن تابعي المذهب الجعفري تحديداً وهذا الأعتناق المذهبي عرفه الفيلية من العراق قبل إن تكون إيران معتقدة بالالتزام بهذا المذهب، وكما ليس من المنطق أن يكون أتباع هذا المذهب من تابعي إيران، لأن حقائق التأريخ تقول أن الايرانيين هم من أتبعوا مذهب الأمامية في العراق وليس العكس، ومايلاقيه أتباع هذا المذهب من محاربة وتهميش وأضعاف من قبل السلطات التي تعاقبت على حكم العراق منذ تأسيس الحكم الوطني حتى سقوط سلطة الطاغية لأسباب طائفية مقيتة ونوازع مريضة تسيطر على ارواح وعقول الكثير من المتسلطين على الحكم في العراق، وثالثها أن الأكراد الفيلية أنخرطوا منذ وقت مبكر في الحركة الوطنية السياسية العراقية وخصوصاً في الأحزاب اليسارية منها بالنظر لشعورهم بالحيف والظلم الذي لحقهم من السلطات الحاكمة، ولذا لايمكن تناسي دورهم المهم في هذا التاريخ حيث سعت السلطات الى طمس معالم هذه الصفحات المشهودة في التاريخ العراقي الحديث. وهذه الاتهامات الثلاث التي تشكل قمة الفخر الأنساني لدى المواطن العراقي وتشعر الكردي الفيلي بالزهو والعطاء العراقي الأصيل، فأنها تبقى على الدوام مؤشر يشير الى تواصل النضال والعطاء المستمر للعراق من هذه الشريحة العراقية، مثلما يشير الى تواصل الأعداء وفق منطقهم وعقليتهم إلصاق الاتهامات بهم دون سند أو دليل وهو ما درجت عليه أضابير أجهزة الأمن والمخابرات والاستخبارات التابعة لتلك السلطات وهي المعبر الحقيقي لعقليتها وتفكيرها تجاه الشرائح والمكونات العراقية.
[1]