الكوتا الفيلية .. لماذا واسط !؟
بقلم : عصام أكرم الفيلي
مفاجأة ذهاب الكوتا الى واسط دفعت الكثيرين من الاشخاص والكيانات الفيلية الى التساؤل، وفي الحقيقة يحق لهم التساؤل والاستغراب، لأن ما حصل كان مفاجأتين مزدوجتين، الاولى هي تحقق الكوتا النيابية لأول مرة ، والمفاجأة الثانية والأغرب لمن لا يعرف التفاصيل هي ذهاب الكوتا الى واسط بدلاً من بغداد العاصمة ، ونود بهذا الصدد الادلاء بدلونا في الاحداث بما نستطيع في هذه العجالة ، وكما وعدناكم في مقالنا السابق ( اسرار الكوتا الفيلية ).
(1 )
204 ، هو عدد الاحزاب المسجلة في مفوضية الانتخابات، هذا العدد الكبير جداً منه ما بني على اساس طائفي او مكوناتي أو حتى محافظاتي، أي منه ما سيشارك في محافظات محددة دون الاشتراك في محافظات اخرى، ولكنهم ( بأجمعهم ) سوف يشاركون في بغداد، الأمر الذي يجعل المنافسة معهم لعباً خطيراً جداً وفي الوقت الضائع وخارج الملعب المناسب فيما لو كان الاضطرار الى لعبة واحدة فقط، اما بغداد أو واسط كما هي الحال التي افرزها تخصيص مقعد نيابي واحد فقط للكُرد الفيليين، وهذا أول الاسباب التي أدت لاختيار واسط ساحة للمنازلة الانتخابية على مقعد برلماني مضمون الوجود للمرة الاولى في التاريخ الفيلي ولكنه غير مضمون الوجهة ولابد من توجيهه بالشكل الصحيح، خاصة انه ليس هناك لحد الان ما يضمن ترك الساحة البغدادية للفيليين فيما يخص مقعدهم، ولا يوجد أي مانع يحول دون منافستهم من قبل الاخرين على هذا المقعد اليتيم، بل بالتأكيد سيتم زج بعض الفيليين كما حصل سابقاً في قوائم عامة اخرى لتشتيت الصوت الفيلي وزيادة شرذمته بين القوائم وبالتالي خنق الفيليين في خانة اليك !!
وفي الحقيقة ان هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها بالنسبة للشأن الفيلي على وجه الخصوص، فلأول مرة يكون لدينا قانون للأحزاب ، ولأول مرة لدى الفيليين اربعة احزاب فيلية مجازة ، وفي هذه الحالة فأن الفيلي الذي يقبل التخلي عن اهله ويذهب للمشاركة في قوائم اخرى غير الاحزاب الاربعة الفيلية سواء ناخباً أو مرشحاً، اراه يرتكب امراً يصعب تبريره ويستحيل تصحيحه، وواجب الجمهور الفيلي في هذه الحالة الانتباه لأبعاد هذا التشتيت المتعمد، ومن يرتضي لنفسه المشاركة في قوائم غير فيلية فهذا شأنه، وحسبي ان الجمهور الفيلي لديه من الوعي ما يجعله ينتبه لهذه الحالات ويستشف المآرب التي وراءها، وبناءً على ما تقدم، فإن مشاركة 204 حزب في بغداد على عكس الوضع في واسط ، تلك اول الاسباب للحالة التي اقتضت دعم المصلحة الفيلية العامة ، والتصرف بحصافة وذكاء من خلال اختيار الملعب المناسب للشأن المناسب وفي الوقت المناسب ، وهو ملعب واسط لا بغداد.
(2 )
من البديهي ان مقعد مجلس النواب يختلف عن مقعد مجلس المحافظة، فالثاني يمثل الحكومة المحلية ويختص بمحافظة واحدة وتمتد صلاحيات من يمثلها داخل المحافظة نفسها دون سواها ، على عكس المقعد البرلماني الذي يمثل كل العراق ويشمل مواطنيه في أي جزء منه، وليس اكثر من الفيليين انتشاراً على خارطة الوطن، ولا ادري كيف فاتت اهلنا تلك البديهة، واخذ بعضهم يتحدثون عن مؤامرات مضحكة يتصورونها تقف خلف انتقال الكوتا من بغداد العاصمة الى واسط، وفي الحقيقة كنت اتصور هؤلاء اكثر اهتماماً بالمصلحة الفيلية العليا ولو بقدر يسير ، واكثر وعياً وادراكاً وعمقاً واستقراءً لواقع الحال ولكن لا حول ولا قوة الا بالله.
( 3 )
عدد المقاعد النيابية لبغداد هو ( 69 ) مقعداً على عكس واسط التي مقاعدها ( 11 ) فقط، وهذا يعني ان المفاوض ولغرض تمرير الكوتا في بغداد عليه ان يقنع 69 عضواً بدل 11 ، وهذه صعوبة كبيرة جداً لكون هؤلاء ال ( 69 ) يمثلون اطرافاً فيها من يرفض رفضاً قاطعاً أي صوت فيلي بل أي صوت مغاير لما تعودوا عليه وما لديهم من تفاهمات ومصالح مضى على بنائها ثلاث دورات نيابية ، على عكس الوضع بالنسبة لاعضاء واسط الذين يشتركون مع الفيليين في المذهب وفيهم من يحرص على الكوتا الفيلية وهذه الجزئية هي سبب مهم وحقيقة اخرى استوجبت في اللحظات الحاسمة من نهاية المفاوضات ان تكون الكوتا في واسط لا بغداد .
( 4 )
الكثير من الفيليين في واسط ومن خلال معيشتهم في وسط عشائري قبلي، لديهم حالة الاستعراب الذي اضطرتهم اليها ظروف ما في حقبة ما ، الا انهم وبنسبة تختلف عن بغداد لا زالوا يعانون من هذه الحالة ، وقد عانى من ذلك الاستاذ حيدر هشام الفيلي وفريقه المخلص المتحمس في بدايات توليه لمقعد مجلس محافظة واسط، حيث قام في حينه بتشكيل فريق عمل كبير من الشباب الفيلي الواعي وتم تقسيمهم على الاقضية والنواحي والقرى بالاضافة الى مركز الكوت، وكانت مهمة هذا الفريق هي عمل احصائيات وجرد بالعوائل الفيلية لتحديد حجمهم الحقيقي وبالتالي جمعهم في عنوان موحد يضمهم ومن ثم المطالبة بحقوقهم بشكل اقوى يرتكز الى قوة وجودهم الحقيقي الموحد ، ولكن للأسف الشديد لم يلق ذلك المشروع الجبار النجاح بسبب الفيليين انفسهم، الذين رفض بعضهم مجرد المشاركة في الاحصائية، وبرر آخرون ذلك بخوفهم من المجهول ، وعدم ثقتهم باستحالة ظهور صدام جديد، وغيرها من المبررات التي لا يمكن قبولها من ابناء مكون تعرض لكل الاجرام والجبروت الصدامي وكان عليه الخروج بكل قوة من حالة القمع الذاتي بعد زوال الطاغية، ولهذا فأن منحهم المقعد البرلماني بعنوانه الفيلي، هو مصلحة فيلية عليا وكبيرة ورسالة هامة ودليل اطمئنان ووازع مهم جداً لاعادتهم الى الحضن الفيلي.
( 5 )
رغم اني بغدادي المولد والأصل ، الا ان مجتمع الكوت ومن خلال معاشرتي الطويلة له يختلف عن المجتمع البغدادي، فهو مجتمع منغلق تقريباً وتحكمه بشكل كبير العادات الطيبة والاخلاقيات والتقاليد التي لا تبيح الخروج عن دائرة المصلحة العامة بشكل اكبر بكثير عما في بغداد ، وبصورة عامة فمجتمع الكوت واقصد بها جميع الاقضية والنواحي التابعة لواسط لا زال بعمومه يلتزم بأمور افتقدناها جزئياً في بغداد، ولا زال لديه وازع من ضمير وابتعاد عن مرض حب الذات وتفضيل المصلحة الشخصية بنسبة تختلف بكل وضوح عما لدينا في بغداد ، الأمر الذي يجعله مجتمعاً يمكن الوثوق به بشكل اكبر على وجه العموم ، على عكس الحالة في بغداد التي تحولت خلال السنين العجاف الى حالة من اللا وجود بكل مفاصلها مع وجود بعض الاستثناءات طبعاً .
( 6 )
كما اشرنا آنفاً، فإن دائرة الصراع الواسعة في بغداد والمتألفة من ( 204 ) حزباً ، تجعل تصور المقبل من نتائج الانتخابات امراً صعباً للغاية بل مستحيل ، فاستناداً للمادة العاشرة من قانون انتخابات مجلس النواب ، يحق لكل حزب ترشيح ضعف عدد مقاعد الدائرة الانتخابية ، وبما ان عدد مقاعد بغداد كدائرة انتخابية هو ( 69 ) ، فهذا يعني وجود عدد هائل من المرشحين في بغداد يبلغ بالضبط ( 28.152 ) مرشح !! ، فمن هو الذي نتصوره ونضمن اخلاصه لأهله الفيليين في هذه المعمعة !؟ ، خاصة ان الكوت التي فيها قلوب فيلية متآلفة اشتهرت ولها بصمات هامة في اوساطنا مثل حيدر هشام وثامر القطبي والدكتور محمد محسن الكوراني والسيدة الفاضلة صباح الجادري والدكتور جوادين طالب الكوراني والعراب شاكر النعماني تختلف جذرياً عن بغداد التي تعاني من صراعات ذاتية بين الكيانات الفيلية نفسها وبين الشخوص انفسهم فضلاً عن صراعات 204 حزب واكثر من ثمانية وعشرين ألف مرشح !! ، صحيح ان بغداد انتجت عدداً من المخلصين من امثال طالب نوروز وياسر القطبي وسميرة رمضان والاستاذ المحامي عامر الشوهاني والدكتور دياري واخرون وهذا رأي شخصي اسمحوا لي به، الا ان بغداد في كل الاحوال ساحة فوضى وصراع مستديم وليس من الصحيح ابداً المغامرة بالمقعد الفيلي الوحيد ليكون ضمن تداعيات تلك الصراعات وهذه ايضاً مصلحة عامة يجب الوقوف عندها من قبل المخلصين للقضية الفيلية بعنوانها الشامل لا الفردي الضيق الأفق.
( 7 )
ها قد بينا خلال السطور الماضية بعضاً من اسباب انتقال الكوتا من بغداد الى واسط، وقد نكون مخطئين في بعضها، ولكن في كل الاحوال المقعد النيابي هو مقعد يشمل كل العراق وثابت القيمة والصوت والاعتبار إن كان في بغداد أو واسط أو أي محافظة اخرى ، وهذه هي بغداد تفتح ذراعيها لمن يرى نفسه أو كيانه على قدر المنافسة والمسؤولية، وهي فرصة يا ليتها تجبر المتصدين للشأن الفيلي على نبذ الخلافات والالتفاف حول عنوان موحد، وخوض المنافسة بروح رياضية .
عصام أكرم الفيلي
esam2002@gmail.com
[1]