الدور الهش للاعلام ومنظمات المجتمع المدني في تغطية مظلومية الكورد الفيليين وسير المحكمة الجنائية العليا
صباح زنكنة
#11-03-2009#
يمكن القول ان مأساة الكرد الفيليين هي اكبر من ان تبلغه اقلامنا واعظم من ان يستهان بها ذلك لان الذي جرى على الكورد الفيليين من تهجير وابادة تعد صفحة سوداء لطخت هامة التاريخ وعارا مابعده عار لما لحق بهذه الشريحة من نكبات لعقود طويلة ولمرات ومرات ومرات ، مرة عندما اضطهدوا ومرة اخرى عندما تغاضى التاريخ والاعلام بصورة متعمدة عنهم لتُجرد هذه المآسي من حقيقتها بتعتيم قل نظيره ، ومرة اخرى عند موسم حصاد ثمار الدماء اى بعد سقوط النظام حين توفر ممثلون ذوي مناجل متكسرة اي سياسيين ضاقت عليهم المساعي والوسائل من ان ينتزعوا ثمار بٍِِِِِركة كبيرة من الدماء ومرة اخرى واخرى ووووو ..
ومع مرور الوقت تكشفت حقيقة واحدة واتضحت معالمها بما لاتقبل الشك ان الاعلام الذي كان ينبغي توفره في زمن الظلم والاقصاء، توفر في الوقت الحالي بعد عمليات قيصرية متتالية ولكنه ولد وللاسف الشديد طفلا مشلولا تخطى مرحلة الاجهاض باعجوبة، حيث لايزال الاعلامي الفيلي ان صح التعبير وللاسف الشديد يراوح مكانه لدرجة عده بعض المتابعين ان وجوده مثل عدمه .
نعم رب معترض يقول كيف تنفي وجود الاعلام وهناك اذاعات خاصة وصحف وما الى ذلك من وسائل تعمل بشكل مستمر؟
وللجواب نرى بان العبرة ليس في ان تمتلك سيفا او بندقية ولكن العبرة في كيفية استخدامها !! وهل تم استخدامهما بالفعل او جيد في استخدامه؟.
ومع ذلك لا يمكنني ان انفي جهودا حثيثة بذلت من هنا وهناك من قبل بعض الجهات الاعلامية المعنية بالشأن الفيلي رغم نزرها وندرتها ،فضلا عن محاولات جادة بدرت من مثقفين واعلاميين سواء كانوا كوردا فيليين او مهتمين بالشأن الفيلي ،وهي بالنتيجة اشبه بجرف او رافد صغير يصب في بحر هائج من الماكنات الاعلامية الضخمخة التي تتعامل مع مؤسسات اعلامية عملاقة لا حدود لدعمها تقصي عبر كاسحاتها الخبرية اي خبر لا يتفق مع اجندتها .
وما دمنا في هذا الصدد لابد من ان أذكر بعض ما اوردته هذه الماكنات الاعلامية العملاقة وكيفي تعاملت مع القضية الفيلية ويمكن ان نختار نموذجين مع عدم الاشارة الى مصادرهما لان الاسلوب هذا ورد في اكثر من مصدر ،صحيفة كانت اوفضائية ، والعبرة ليس في (من قال؟) ولكن في (ماذا قيل؟) مادام المهم كيف يراك الاخرون لا كيف تراهم .
فقد اوردت احدى الوسائل الخبرية خبر محاكمة الجناة في قضية الكرد الفيليين بالشكل التالي :
(استأنفت المحكمة الجنائية العراقية العليا ببغداد اليوم جلساتها لمحاكمة مجموعة يعتقد انهم وراء تهجير كورد عراقين من اصول ايرانية اوائل ثمانينات القرن المنصرم )او (ابان الحرب العراقية الايرانية)
والصورة هذه تضم في طياتها امور مهمة منها ان ماحصل كان في حكم الطاغية صدام, ولكن دون التصريح بذلك وان ايراد عبارة (يعتقد )تأتي بمثابة التشكيك وان كان المدار اللغوي يبين ان هذه العبارة تعني بمعنى الاعتقاد ،والاعتقاد من المراحل العالية للجزم اواليقين بخلاف التصور، ومع ذلك جاءت العبارة للتشكيك في الجرم الذي اقترفه النظام المباد ،ثم ان هذه السياقات التي عادة ما تتتداولها بعض وسائل الاعلام العربية تهدف الى تحقيق غايات مريبة وهي التشكيك في التهمة الموجه الى النظام وتبرزها كانها تهمة ضعيفة للغاية ،لاسيما وانها اقتصرت على الاتهام بالتهجير دون الاشارة الى اعدام المئات والاستحواذ على الممتلكات وذلك لتبرئة ساحة صدام مما ووجه اليه من اتهامات.
كما ان ايراد الخبر بان (المحاكمة تأتي لتهمة تهجير كرد عراقين من اصول او جذور ايرانية)!! تعد عملية اقصاء واضحة لعراقية هذه الشريحة واشعار المتلقي انهم ايرانيون ويستحقون ما يجري عليهم لاسيما وان مرحلة الثمانينات شهدت حربا ضروسا مع ايران امتدت لثمانية اعوام و ان وجودهم يشكل خطرا على الامن الوطني والقومي (في ترسيخ واضح للصراع العربي الفارسي التي تحاول الوسائل الخبرية العربية توسيعها بعد بروز ايران في المنطقة كقوة عظمى يتخوف منها) ، باختصار هم يرومون ايصال رسالة مفادها عدم التعاطف مع قضية الفيليين ما داموا يشكلون خطرا سابقا وحاليا وهي رسالة لاتنطلي على السذج فكيف باليقضين!!.
وفي وسيلة خبرية اخرى ورد الخبر بالشكل التالي من ان (المحكمة الجنائية العليا استأنفت محاكمتها لافراد من اعوان نظام صدام حسين يعتقد انهم وراء تهجير عدد من الكرد الشيعة )
ولا داعي لاكرر ماشرحته آنفا ولكن تستوقفنا نقطتان الاولى كلمة( افراد) والاخرى (الكورد الشيعة) ،فعبارة افراد يأتي ضمن سياق التقليل من هول المصيبة من ان ما حدث ليس لشريحة باكملها انما لافراد منها، والتي تعني بها مجموعة قليلة حسب التعبير الاعلامي وايراردها لعبارة الكرد شيعة بمعنى انهم من مخلفات المد الصفوى! وهم ليسوا اصلاء كاكراد كردستان ، في اشارة طائفية واضحة تشبة الى حد بعيد بالتشكيك بعروبة العرب الشيعة في العراق ،في وقت يجدون فيه بان العرب السنة الايرانيين( اي ايران مهد الدولة الصفوية عندهم!) انهم عرب اقحاح! وهذه النقطة تثير السخرية واللطم ايضا !!.
ومعروف للقاصي والداني الحراك العربي الكبير لتغذية العنف في العراق وترويجها على اعتبارات طائفية التي القت بظلالها حتى على هذه الشريحة التي هي مزيج بين الكردي والشيعي .
ولايفوتني ان المثل المذكور اورد عبارة افراد من اعوان نظام صدام ما يعني ان القائمين على هذا الجرم هم جماعة صغير ربما ان مافعلته كان باجتهاد شخصي منهم اي انتهم ليسوا منظومة مرتبطة بنظام قمعي!.
والنموذجان التي اوردتهما يكفي لابراز كيفية تعامل الاعلام العربي مع قضية ساخة كهذه وليس لدي علم عن الاعلام الغربي كيف انها تعاملت مع القضية ذاتها.
وحتى لانذهب بعيدين عن انفسنا ومراجعتها ينبغي هنا القول ان هناك اخفاقات كنا السبب ورائها منها:
التظاهرات المنددة والاعلام الضعيف:
فقد شاهدت وسمعت لدى محاكمة المجرمية في قضية الفيليين اصواتا اعلامية دعت الى انزال اقصى العقوبات بحق المتجاوزين على حقوق الانسان وللاسف كانت من مساعي اعلاميين ومثقفين حاولو الالتقاء مع بعض الوجوه السياسية والحزبية للغرض نفسه فضلا عن محاولات من مدنيين من هذه الشريحة ، في ظل غياب كبير وواضح لذوي الضحايا الذين يعتبرون هم الشاهد والحقيقة في آن واحد ، وغياب هذه الفئة تحديدا كانت بمثابة صفعة مؤلمة في وجه القضية !.
فضلا عن مشاهدتي لتظاهرة واحدة نددت بالاستخفاف الحاصل في هكذا محاكمة تاريخية .
فالتظاهرة التي قامت بها بعض المنتظمات المدنية مشكورة، لم تؤتي اكلها بالشكل المطلوب،اذ كانت ضعيفة من حيث حجم المتظاهرين ونحن نعلم ان قوة التظاهرة لا تكتمن فقط في قوة القضية التي انطلقوا لاجلها ، بل ان قوة المشاركين فيها تعد ضغطا كبيرا من الراي العام على القوى الساسية والتنفيذية ، كما ان حجم التغطية الاعلامية والسعي وراء المطالبة بنتائج التظاهرة كان ضعيفا ايضا .
اما كورد المهجر فقد تلمست منها نشاطات مماثلة ولكنها ورغم التكاليف الكبيرة في اقامتها لم ترتقي الى المستوى المطلوب، فالشيء المهم الذي يمكنهم استغلاله ان الكرد الفيلين المنتشرين في المهجر يجيدون العربية فضل عن الانكليزية اجادة تامة بخلاف غيرهم من الكورد ، لذا فان الفرصة الذهبية مواتية لديهم للضرب على اي الطبل اعلامي متوفر في اوربا والغرب من منطلق الشعور بالمسؤولية والحرص ازاء قضيتهم وان لاينتظروا من يأخذ بيدهم للدفاع عن القضية التي هم معنيون بها اكثر من غيرهم وهو ما اثر بشكل ملحوظ على الاعلام الاوربي وكان بوسعهم استغلال الاعلام الناطق بالعربية والموجه الى دول المنطقة حتى يتسنى تعريف المنطقة العربية بهذه المظلومية .
توجيه اللائمة الى وسائل الاعلام
اعتقد ان توجيه الائمة الى وسائل الاعلام امر مطلوب اذا كانت برسالة مكتوبة اوشفوية او اي طريقة ودية بعيدة عن التجريح ، واذا لم يكن هناك تجاوب فيمكن اللجوء عندئذ الى النقد عبر الصحف التقليدية والصحف الالكترونية، أما اللجوء الى طريقة التجريح ونشرها عبر وسائل مقروئة من دون اشعار القناة بشكل مباشر (كما قام به مجموعة من الاعلاميين حينما هاجموا قناة العراقية لانها لم تغطي الجلسات المباشرة للمحاكمة) فهم وان كانوا محقين بعض الشي في دعواهم الا ان التجاؤهم الى الطعن والتشهير قد يأتي على اثرهما ردت فعل عكسية ربما تدفع بعض الوسائل الاعلامية لاخذ موقف مضادا من القضية كأهمالها بدللا من مساندتها!! .
وللحقيقة لابد من ابراز الاهتمام الكبير الذي اوجدتها قناة العراقية لمسالة الكرد الفيليين في بثها الصباحي المباشر الساعة السابعة و النصف صباحا بالتعاون المباشر مع اذاعة جمهورية العراق حيث خصصت البرنامج المعروف (تحت نصب الحرية) الذي كان يعده ويقدم الكاتب والشاعر وجيه عباس وكيف ان البرامج اوجد صدا كبيرا ما حدى بان يشغل مأسات الفيليين الصدارة حتى ان الزميل وجيه عباس معد ومقد البرنامج اكد لي مرارا بالقول : اشعر اني كردي فيلي وان لم انتمي وان من المعيب ان تقتصر المسالة الكردية على الكرد فقط دون غيرهم ؟!؟.
كما ان العراقية التي عملت بها سابقا بصفة سكرتير تحرير دائرة الاخبار ورئيسا لقسم المراسلين اعلنت لمرات عديدة من ان لديها التسجيل الكامل للمحاكمات الفائته مؤرشفة عندها ،يمكن للجهات الاعلامية الاستفادة منها مجانا .
اما الاتهام الموجه الى بعض القنوات الحكومية من انها اعطى مساحة اعلامية واسعة لقضية الدجيل وحلبجة فضلا عن اعدام البرزانين واعدام التجار واحداث جامع المحسن ولكنه في محاكمة الكرد الفيليين شوهد الترك المباشر للبث واقتصاره على قنوات اخرى تابعة لها تقل اهميتها لدى المشاهد وعرضها في اوقات فضية او نحاسية، فهذا امر ينبغي على المعنيين النظر اليه بجدية ما دام اعلام الدولة يشمل الكل وليس فئة دون اخرى .
ومن هنا لابد من التوقف ونسأل انفسنا ماذا قدم اعلامنا لهذه القضية او غيرها من القضايا القومية؟ فهناك وسائل اعلامية كردية من فضائيات وصحف ومجلات جلها تتحدث بالكردية ومكتوبة بالكردية حتى غدا وكأن المجرمين هم من الكرد ليتمكن من ايصال المظلومية اليهم ، او كأن القضية مقتصرة علينا دون غيرنا ويمكننا ان نحلها بانفسنا دون اللجوء الى اطراف اخرى مساندة نكتسب خلالها تعاطف شعبي عربي واجني !! فماذا يعني ان تكون هنا 6 فضائيات كردية فقط واحدة منها تتحدث بالعربية ؟!! فطريقة الانحسار والتقوقع على الذات قد يشل من حراك الكثير من القضايا التي تستدعي كسب وتأيد العالم العربي والغربي ايضا .. فاذا اقتصر آيصال آلامنا على اللغة الكردية فاننا سنظع انفسنا في عزلة تامة لدرجة لانجد سندنا يحمينا من المخاطر المحدقة بنا في المستقبل ..لما ذا لا نسعى الى تأسيس فضائية بعيدةعن لسان الكرد او قضيتهم ونجعلها عامة لكي نمرر مانحب من قضايانا العالقة ؟ فالمعروف لدى القاصي والداني ان قناة العربية وجريدة الشرق الاوسط هما من تمويل سعوي فالوسيلتان وان لم تذكر السعودية في اخبارها بشكل مباشر ومكثف ولكنها خدمت السعودية اكثر من القنوات الرسمية المحلية في الرياض ، وكذلك الحال بالنسبة للعديد من الفضائيات الاخرى .
ومن هنا لابد من الاشادة الى دور قناة الحرية بما لديها من امكانيات متواضعة فانها تمكنت من تمرر آلام الكرد الفيلي وقضايا كردية اخرى بشكل ملحوظ ،ولكنها في النتيجة تحتاج الى اسناد آخر لان اليد الواحدة لاتصفق!!..
ثم لنأتي الى الوسائل الاعلامية الفيلية .. لماذا الاقتصار على اسم( الفيلي)( جريدة فيلي... مجلة فيلي... وربما في المستقبل فضائية فيلي ...! ولما نقرا في أخبارها مثلا اضطهاد الفيليين في التاريخ ..شخصيات فيلية ...معالم فيلية...الابادة الجماعية للكرد الفيلين ووو غيرها من معالم الانحسار والتقوقع على الذات حتى كاد الاعلام الفيلي ان يشل اخطر قضية لديها عبر اللجوء الى الاعلام التعبوي وليس الاعلام العام يكرس خلاله كل القضايا ويدعمها كانه قضيته بمعنى ان عليه التعاطي مع القضايا الاخرى ويقف منها بمسافة واحد .. فالابتعاد عن الاعلام الانطوائي كفيل في تحرير القضية من اطارها القومي والطائفي وتعظيم شأنها عبر المداخل الانسانية وعاطفية ومن خلال اعلام حر غير مقيد بلغة او بمخاطبة فئة بعينها .
ضعف الاداء السياسي:
اداء السياسيين كان هشا في متابعة القضية او ترويج لها عبر مؤتمرات وندوات حيوية ،فالسياسيين برلمانيين كانوا و متحزبين لم يجيدوا فن انتزاع الحق من افواه السباع، بل للاسف لجأوا الى فن التسول السياسي عبر الطلب بانكسار وترغيب الاطراف الاخرى للدفاع عنهم، حتى غدى كانه ليس ثمة قضية ساخنة سفكت خلالها دماء بريئة لتُنتزع خلالها الحقوق .
فانتشار ظاهرة التشكي وكسب الاشفاق (وبحسب المراقبين) ربما هو اضعف سلاح التجأ اليه الفيليين لدرجة قيل بان السياسيين الفيليين او الكرد الذين يعنيهم الشأن الفيلي هم اقل من ان يعتمدوا لدرجه وُجه الى بعض منهم عبارة (ان حضر لا يعد وان غاب لا يفتقد!!) وهذا بحد ذاته تجني واضح على بعض المثلين الناجحين او السياسيين المخلصين من الكرد .
وحدها قوة القضية ليست كافية لجني المكاسب بقدر ما ان قوة الموقف هو المطلوب لحسم القضايا المتشنجة والمتبعثرة او الغامضة، فكيف بقضية لا تحتمل التأويل لوضوحها ربما كانت من اكثر القضايا تعلقا في الذاكرة العراقية ذلك لان نزاعات الملكية وازمة بيوت المسفرين زمن النظام المباد و ما بعده اعطى بعدا اعلاميا اجتماعيا كبيرا بين ابناء الشعب العراقي من ان هناك ابرياء سُلبت حقوقهم وهذا ماجعل القضية ساخنة لمدة طويلة حتى بعد سقوط النظام المباد الامر الذي دفع القاعدة الشعبية للمساهمة والتعاطف مع هذه القضية اكثر من قضية الدجيل وقضية البرزانيين التي لا تمتلك اثرا قويا في الذاكرة العراقية رغم بشاعتها وهولها ، باختصار ما اعنية ان هناك امورا كثيرة كانت ساخنة و في متناول اليد تم اهمالها وهي سخونة القضية فضلا عن عدم استثمار قوة الموقف وموقف القوة اذا احتدم الامر واعني بها القوة الدبلوماسية في الاطارين اعلاها .
في وقت تلمسنا مواقف ملحوظة لاينبغي التقليل منها ازاء هذه القضية ومجريات سير المحاكمة قد صدرت من سياسيين معنيين بشان الكرد ولكنها بشكل عام مواقف خجولة قد لا تتعدى الموازرة الاعلامية او مجاملات سياسية وهي بالنتيجة لا ترتقي الى تحقيق منجز او انتزاع حق مستلب.
ولا اداعي لان اذكر كيف ان النائب عباس البياتي يقيم الدنيا ولا يقعدها في دفاعة عن حقوق التركمان يؤازرة في ذلك النائب فوزي اكرم ترزي ومعلوم انها من كتلتين متنافرتين قلما تجمعهما طاولة واحدة، وموقفهما يستحق التامل فضلا عن التبجيل وجدير بالاهتمام والاحترام .
وقد شاهدنا كيف ان الاحزاب السنية المشاركة في العملية السياسية كيف انها تقلب الدنيا ولا تقعدها ازاء اي قضية من شانها المساس بادنى مكتسب جنوه او حينما يصاب نائب او عضو لها بمكروة او يتعرض لاهانة معينة كيف انهم يوظفون الممكن والمستحيل بغية خلق اجواء شفقة وتأييد وجذب اكبر عدد من اصوات المويدين فضلا عن تحشيدها للطاقات العربية تجاه مسألة ما والدفاع عنها ،فهم بهذه الطريقة اكتسبوا مغنمان المغنم الاول تبييض صورتهم امام من يمثلونهم من الشعب والمكسب الاخر وضع الامور في نصابها اي احرازهم للفوز السياسي ،ولا يتوقفون عند هذا الحد فحسب بل يسعون الى الابعد من ذلك فقد شاهدنا الرحلات المكوكية والمتناوبة والمتتالية لبرمانييهم الى الاردن وتركيا و الامارات وقطر وغيرها من دول الخليج لايصال اصوات تظلم حيال ما يجري عليهم لدرجة هاجت وسائل الاعلام العربية وماجت، ولشد هوس الاعلام بطريقتهم لاثارة القضايا العالقة وقع بعض وسائل الاعلام في فخ صابرين الجنابي فضلا عن ايقاع الاعلام بعض الشخصيات الكبيرة في ورطة لنفس القضية بفعل التسويق الاعلامي الناجح وتحريكهم لمشاعر الاخرين تجاه اوجاعهم وارجاع الصدى لتنصب في النهاية لصالحهم .
وليس بعيدا فان هناك مواقف متماثلة وما فعله التيار الصدري تجاه الهجمات الامريكية على مدينة الصدر والشعلة وبعض المحافظات الجنوبة فضلا عن اتباعها لنفس الآلية خلال اعتراضاها على عمليات صولة الفرسان وغيرها ووجدنا كيف انهم دفعوا قنوات عراقية ممولة من الخارج الى التعاطف مع قضيتهم، سواء كان دافع تلك القنوات ضرب جهات اخرى عبر توظيفها الاعلامي لمشكلة معينة او كانت غايتها فعلا هي الدفاع عن المواطن الذي لحقه الضرر بفعل العمليليات العسكرية، فهذا ليس من مدار البعث، انما ما اردت قولة اننا لا ننمتلك الصيغة التي نهيج بها الاعلام المحلي او العالمي ونكتسب تعاطف الاخرين تجاه قضية ساخنة وواضحة وضوح الشمس .
وتسويقي لهذه الامثال المطولة هي لابراز ما نحن فيه من خمول ومماطلة شديدين، فاذا لم تكن لدينا تجارب خاصة بهذا الصدد، فليس عيبا الاستفادة من تجارب الآخرين ....وهناك اسباب كثيرة اخرى اخفق فيها السياسيون احجمت عن ذكرها خشية الاطالة او التجريح .
منظمات المجتمع المدني
يبقى هنا ان نذكر دور منظمات المجتمع المدني :فالمجتمع المدني معلوم انه بمثابة السلطة الخامسة بعد سلطة الاعلام وربما من طاقاتها ان تهيج الاعلام وتخبرها بخفايا الامور اكثر من الاعلام نفسه، ولكن هذه السلطة بشكل عام غير مفعلة او مستمرة في فعالياتها ، فغالبا ما تأتي اكلها قرب حلول الانتخابات اوفي اوج حملات الدعاية الانتخابية، وربما دفع بعضا من المعوزّين المستفيدين من هذه الظروف ان يقولوا ساخرين :(جعل الله كل ايامنا انتخابات)!!،ناهيك ان اغلب السلع التي تمنح لا تسد حاجة الفصول في اوانها فما بين سلعة شتوية توزع في الصيف واخرى صيفية يُستغتى عنها في الشتاء!! واذا كان هذا واقع بعض المنظمات المدنية او اغلبها وبخاصة تلك التي تعمل تحت مظلة الكرد الفيليين او التي تنطلق باسمها فانها غير مفلحة لا في رحلة الشتاء ولا الصيف!! .
فبحكم عملي في مجال الاعلام ولفترة قد لاتتجاوز الاحد عشر عاما وجدت في السنوات الخمس الماضية ضمن مقابلات كثيرة اجريتها مع منظمات مدنية وجد ان عنصر التحاسد والتنافس اللامشروع سمة طاغية على اغلب مفاصلها فضل عن تلمسي طابع التسقيط والتشهير اكثر من ان يعد اويحصى لدرجة كل منهم يدعي الافضلية على غيره حتى غدا لسان حال متابعيهم يقول:
قومي رؤوس كلهم ... أرأيت مزرعة للبصل !!.
في حين ان هناك مظلوميات كبيرة تعرض لها الفيليون سابقا وحاليا في ظل المحكمة و هوس اعلامي جموح لاقصاء الحقيقة عن مسارها والتقليل من حجمها في حين انها من اولويات اهتمام منظمات المجتمع المدني .
وما لايمكن التغالفل عنه قيام العديد من السياسين والمثقفين المغتربين بالالتقاء مع المرجعية الدينية والمتمثلة من بينها المرجع الديني سماحة السيد علي السيسياني لما لهذه الشخصية من اثر فاعل في الحراك السياسي بدعمه لكل القوى السياسية والوقوف منها بمسافة واحد ، وكيف انهم تمكنوا من كسب تأيد المرجعية لهذه الشريحة، واعتقد ان كثرة طرق ابواب المرجعية والتوقف عند هذا الحد ربما سيقلل من قيمة الكرد الفيليين لانه سيشكل صورة مستهلكة لدى المتابع من ان الفيللين لايمتكلون سياسيين ماهرين ما يدفعهم للجوء الى المرجعيات، فضلا عن ان اللجوء الى المرجعيات الدينية قد تعطي بعدا آخر يقرأها اطراف اخرى من انها زيارات تأتي من دوافع طائفية وفي الوقت الذي لا اويد فيه هذا الكلام فان من الحق للكردي ان يزور المرجعية بعنوان الانتماء من جهة وليس ثمة عيب ان يزور مرجعية دينة ولديه مرجعية سياسية مثلما لايجد الممثلون المسيحيون من زيارة شخصياتهم الدينية وهم في خضم العمليةالسياسية .
وهنا لدي اسألة كثيرة ،واسئلة تطرح على المنظمات المدنية هل قامت بتهيئة مؤتمر ضخم يضم نخبة من المفكرين والمثقفين والكتاب مدعومة بوسائل اعلامية فاعلة لتوصيل صدى اوجاع هذه الشريحة ؟
هل اعلنت هذه المنظمات عن مهرجان لافضل كتاب او مقال او بحث حول هذه المعضلة عبر اشراك شخصيات عربية واجنبية لتحويلة هذه القضية الى قضية عالمية وانسنتها اي تحويلها الى قضية انسانية والابتعاد قليلا عن الاطارين القومي والطائفي ؟
فمحارق النازية في بولونيا اوماتسمى ب (الهلوكوست) التي هزت العالم والتي اتهم فيها اليهود النازية بتذويبها للآلاف منهم في محارق كبيرة يعرفة القاصي والداني انتشرت بفعل قوة الماكنة الاعلامية اليهودية واثرها الفاعل في العالم وقوة المنظمات المدنية الداعمة لها والتي اكتسبت لتراجيديتها وعمقها الانساني اقلام العديد من الكتاب المنددين لما حصل والمدافعين عن ضحاياها ، وبعض الحقائق تشير الى ان الذين قتلول لايتجاوزون المئات او الاآلاف من الاشخاص ويشككون من صحة الارقام التي تقول بان: 6 ملايين او في اقل تقديرات مليون وستمائة الف وقيل 180 الف يهودي(وقيل اقل من ذلك ) استفاد النازية من شحومهم لصناعة دهون المحركات ومن اجسادهم وقود للطاقة ..وما الى ذلك من قصص رآها البعض انها مبالغ فيها بشكل كبير ..فهي بشكل او بآخر اصبحت حقيقة يتغني بها الكل...فهل يمكن لمنظمات المجتمع المدني المعني بالشأن الفيلي ان تأتي بعشر معشار هذا المنجز؟
لا بد ان اشير الى شيء مهم ربما تلمسها المتلقي بين السطور، الى ان الاهتمام بشريحة الكورد الفيليين في خضم المحاكمة ليس امرا معدما ننسف خلالها الجهود الخيرة التي بذلت من هذا اوذاك ، ولكنها جهود تراوحية لاتتعد ى الدوران في بوتقة الضعف، وكان من الافضل الخروج الى ميدان اوسع والخلوص بنتائج مُرضية وليست مَرَضيّة!!.
*************
• كلمة أُلقيت في الندوة التي اقامتها مؤسسة شفق للثقافة للاعلام والبيت الثقافي الكوردي الفيلي والتي جائت تحت شعار( المحكمة الجنائية العليا ومظلومية الكورد الفيلين) وهي مدعمة ببعض التوضيحات الشفوية التي عززت بها البحث اثناء القائها . سنة 2009/3/11
[1]