أنس شواخ
مقدّمة
ترجع العلاقة بين التحالف الدولي و#قوات سوريا الديمقراطية# إلى 8 أعوام؛ حيث دعم التحالف تأسيس قسد باعتبارها شريكاً محليّاً في تنفيذ مهامه الرئيسية المتعلّقة بمكافحة الإرهاب في سورية ، شهدت العلاقة بين الطرفين استقراراً نسبياً؛ فلم تكن هناك محطّات استثنائية من أزمات أو توتُّرات أو تغيُّرات في شكل وطبيعة الشراكة والتنسيق الثنائي.
بالمقابل، هناك عوامل يُمكن أن تؤثر مستقبلاً على العلاقة بين قسد والتحالف، أبرزها: العمليات العسكرية التي تشنّها تركيا باستمرار بريّاً أو جوياً ضد قسد، والتي زادت بسببها من التنسيق مع النظام السوري وحلفائه، لا سيما روسيا، إضافة إلى احتمال انسحاب القوات الأمريكية جزئياً أو كلياً من سورية، ومسار المفاوضات الكردية – الكردية الذي تم استئنافه برعاية أمريكية منذ عام 2019، فضلاً عن علاقة قسد مع المكوّن العربي لما يترتب عليها من تأثير على بنيتها الداخلية وتماسُكها العسكري.
تُقدّم هذه الورقة وصفاً عاماً لواقع العلاقة بين قوات التحالف الدولي وقسد، وتستعرض عناصرها، وتضع عدداً من السيناريوهات لمستقبلها المتوقع.
أولاً: واقع العلاقة بين التحالف الدولي وقسد
منذ تأسيس التحالف الدولي في أيلول/ سبتمبر 2014 عملت قواته على دعم مجموعات أو أجسام عسكرية مسلحة في سورية والعراق لتأخذ دور الشراكة المحلية في إتمام مهام قوات التحالف في محاربة داعش وضمان هزيمته، وما يستوجبه ذلك من عمليات عسكرية أولاً وأمنية واستخباراتية لاحقاً، وهذه المهام بطبيعتها تحتاج لقوى محلية قادرة على التحرك والتمركز في المناطق التي يتم طرد التنظيم منها.
في سورية توجّه دعم التحالف الدولي بشكل رئيسي إلى ذراعَيْ حزب العمال الكردستاني في سورية؛ وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ وشاركت هذه الوحدات إلى جانب مجموعات مسلّحة عربية وسريانية؛ حيث قامت بدعم من قوات التحالف الدولي بطرد تنظيم داعش من مناطق سيطرته حينها ، وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر 2015 دعم التحالف تأسيس جسم عسكري واحد لكل المجموعات التي شاركت معه في عمليات مكافحة الإرهاب تحت مسمّى قوات سوريا الديمقراطية، وقد خضع هذا الجسم لسيطرة كاملة عليه من قِبل وحدات حماية الشعب والمرأة الكردية.
حظيت قسد منذ تأسيسها بعلاقة الدعم والشراكة مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وعمل حزب العمال الكردستاني عَبْر أذرعه العسكرية على استثمار هذا الدعم واستغلاله لتحقيق سياساته وأهدافه الخاصة في سورية التي كانت تركّز أولاً على إنشاء إقليم غرب كردستان (روج آڤا) لتتحوّل لاحقاً إلى تأسيس مشروع الإدارة الذاتية وتعزيزه ، في الأثناء كان كوادر الحزب وقادته قد هيمنوا بشكل كامل على الإدارة الذاتية ومفاصل القيادة العسكرية والأمنية في قسد، دون أن يُؤثّر ذلك أو يحدّ من دعم التحالف الدولي لقسد في إطار مهامه الرئيسية.
بعد سقوط تنظيم داعش في آذار/ مارس 2019، تأثّرت العلاقة بين التحالف الدولي وقسد نسبياً بموقف الولايات المتّحدة من العمليات العسكرية التي تقوم بها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري في مناطق شمال وشمال شرق سورية؛ حيث خسرت قسد مناطق سيطرتها في تل أبيض ورأس العين مما دفعها لزيادة التنسيق مع النظام السوري وروسيا بغرض توفير حماية بديلة لها في مناطق حلب والرقة التي انسحبت منها قوات التحالف الدولي.
حاولت قسد إبداء الاستياء من موقف وسياسات التحالف الدولي بشأن العمليات العسكرية التركية التي باتت تقتصر بعد عملية نبع السلام على الضربات الجوية المرّكزة؛ حيث أعلنت قسد لأوّل مرّة مطلع كانون الأوّل/ ديسمبر 2022 تعليق مشاركتها في عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة ، التي تنفذها مع التحالف بعد تصعيد جوي تركي استهدف حزب العمال الكردستاني وقسد ووحدات مكافحة الإرهاب التابعة لها YAT . رغم أنّ هذه الخطوة من قسد لم تتكرّر وكانت شكلية أكثر منه فعلية إلّا أنها عبّرت بوضوح عن مخاوفها إزاء مستقبل العلاقة مع التحالف.
بعد تغيُّر الإدارة الأمريكية ووصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض عام 2020 تضاءلت احتمالات انسحاب القوات الأمريكية من سورية بشكل كبير، ولم يَحُلْ ذلك دون إيقاف العمليات الجوية التركية المستمرة ضدّ قسد وحزب العمال الكردستاني ، بالمقابل لم تستخدم الولايات المتحدة حالة التصعيد التركي ضد قسد للضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي من أجل دفع المفاوضات مع المجلس الوطني الكردي قُدُماً، خصوصاً أنّها توقّفت عند قضية العلاقة مع PKK .
ثانياً: عناصر العلاقة بين قوات التحالف الدولي وقسد
1.الدعم المالي:
تحصل قسد على حصة دعم مالي سنوي من دول التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكيّة التي خصّصت مبلغ 542 مليون دولار من ميزانية وزارة دفاعها عام 2023 لبرنامج تدريب وتجهيز القوات الشريكة لها في سورية والعراق، وتحديداً الجيش العراقي وقسد وجيش مغاوير الثورة (جيش سورية الحرة) في سورية.
تستفيد قسد من هذا الدعم المادي بشكل رئيسي في صرف رواتب وأجور مقاتليها وإدارييها التي تتراوح بين 100 إلى 800 دولار أمريكي، وتُعتبر هذه الأجور الأعلى مقارنةً ببقية المجموعات المسلّحة المحلية الأخرى في سورية ومن ضِمنها قوات النظام السوري مما ساعد قسد إلى حدّ كبير في ضمان استمرار التجنيد في صفوفها.
من جانب آخر، تُوفّر قوات التحالف الدولي حماية لحقول النفط الرئيسية لمنع تنظيم داعش من الوصول إليها، وهي بذلك أيضاً تُسهم في دعم قسد التي تعتمد على عوائد النفط في دعم ميزانيتها السنوية؛ حيث أنشأ التحالف قواعد عسكرية في تلك الحقول مثل الرميلان والشدادي والعمر وكونيكو. كذلك، كانت هناك محاولة متعثّرة عام 2020 قامت بها مجموعات ضغط تابعة لقسد ومسؤولون أمريكيون لتوفير دعم لوجستي لتلك الحقول بتأمين غطاء سياسي يسمح بدخول شركات نفط أمريكية أو دولية لتتولى عمليات الترميم والإنتاج والتصدير، والذي كان من شأنه إرساء مزيد من الدعم لقسد .
ومنتصف عام 2022 أعفت الولايات المتحدة مناطق قسد من العقوبات المفروضة على الاستثمارات الأجنبية، وقد ترجمت قسد هذه الخُطوة على أنّها دعم لجهودها في إعادة تأسيس البِنْية التحتية ضِمن مناطق سيطرتها .
2. دعم عسكري ولوجستي:
يصل جزء من الدعم المالي الذي تقدمه قوات التحالف والقوات الأمريكية لقسد على شكل دعم عسكري ولوجستي يُنقل ضِمن قوافل الدعم العسكري واللوجستي التابعة لقوات التحالف الدولي التي تصل بشكل دوري إلى قواعدها المنتشرة شمال شرق سورية قادمةً من قواعدها في العراق، وتتضمن أسلحة وذخائر ومعدات ومدرعات عسكرية، إضافة لمساعدات لوجستية تتضمن معدّات وأدوات للمراقبة والاتصال، ولتعزيز أنظمة الرقابة والأمن في المخيمات والسجون التي تضم عناصر وعوائل تنظيم #داعش# في مناطق سيطرة قسد.
بالمقابل، إن نوعية وحجم الدعم الذي تقدمه قوات التحالف الدولي لقسد كانت دوماً مرتبطة بمحدّدات معينة؛ أهمها طبيعة وحجم العمليات التي تشارك فيها قسد، والتي تحوّلت للإطار الأمني في معظمها منذ إعلان سقوط تنظيم داعش عام 2019 وحرص قوات التحالف على إبقاء دعم قسد محصوراً بتطوير قدرتها على أداء دورها كشريك محلي في مكافحة الإرهاب إضافةً لمراعاة الولايات المتحدة مخاوف تركيا من الدعم واحتمال استخدامه من قِبل قسد أو حزب العمال الكردستاني لاستهداف أمنها القومي.
أدت المحدِّدات السابقة لضبط نوعية دعم قوات التحالف لقسد وحصر تسليحها بالذخائر والأسلحة الفردية والرشاشات الثقيلة والمتوسطة ومدافع الهاون مع تزويد وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لقسد YAT بعدد محدود من المدرعات وناقلات الجند التي تستخدمها في عملياتها الأمنية المشتركة مع قوات التحالف.
3. تدريب واستشارة:
تُعتبر عمليات التدريب وتقديم الاستشارة من ضِمن المهام الرئيسية التي تقوم بها قوات التحالف لدعم شركائها المحليين في سورية والعراق ومن ضِمنهم قسد، يظهر هذا الدعم مع قسد بشكل مناورات عسكرية مشتركة مع قوات التحالف وضِمن قواعدها العسكرية غالباً، زادت هذه المناورات بشكل واضح منذ منتصف عام 2022 ، مع ازدياد عمليات الاستهداف الصاروخي الذي تنفذه الميليشيات الإيرانية ضد قواعد قوات التحالف في محافظتَي الحسكة ودير الزور.
تقوم قوات التحالف والقوات الأمريكية بشكل خاصّ بعمليات تدريب مستمرة منذ عام 2014 لعناصر قسد بشكل عامّ ضِمن عدد من القواعد العسكرية التابعة لها والمجهّزة لهذا الغرض كقاعدة هيمو الواقعة على طرف مدينة القامشلي، لكن معظم عمليات التدريب هذه موجهة لعناصر وحدات مكافحة الإرهاب التابعة لقسد YAT والتي تحظى بالدعم والتسليح الأعلى من جانب القوات الأمريكية؛ حيث تعتمد عليها في العمليات الأمنية البرية أو عمليات الإنزال الجوي التي تنفذها في سورية ضدّ عناصر تنظيم داعش.
تشمل عمليات التدريب استخدام الأسلحة الرشاشة والقناصات وتدريب مجموعات محددة على استخدام الطائرات المسيّرة في عمليات المراقبة إضافة للتدريب على استخدام أجهزة الاتصال وتحديد المواقع والمراقبة والتشويش، ومؤخراً تمّ تزويد هذه الوحدات بمجموعات من الكلاب البوليسية المدرّبة K 9 وتدريب عناصر الوحدات على التعامل مع هذه الكلاب واستخدامها في عمليات التفتيش والبحث عن المتفجرات والمواد الممنوعة.
لكن منذ أواخر عام 2023 حصل تغيير نَوْعِيّ هو الأكبر في عمليات التدريب لوحدات مكافحة الإرهاب YAT عَبْر قيامها -وبرعاية كاملة من قوات التحالف الدولي- بتنسيق عمليات تدريب مشترك مع الشريك المحلي الآخر لقوات التحالف، وهو جهاز مكافحة الإرهاب التابع لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في مناطق سيطرته في السليمانية بإقليم كردستان العراق، وقد مهّدت التدريبات المشتركة لقيام الجهازين الأمنييْنِ المذكوريْنِ بتنفيذ عمليات أمنية مشتركة ضدّ تنظيم داعش داخل مناطق سيطرة قسد برعاية ومشاركة قوات التحالف الدولي حيث وصل عددها خلال عام 2023 إلى 8 على الأقل.
ثالثاً: مستقبل العلاقة بين الطرفين
لا توجد مؤشرات حالياً على وجود رغبة لدى قوات التحالف أو قسد لتغيير حجم أو طبيعة العلاقة القائمة بينهما، فما تزال حاجة التحالف لقسد كقوة محلية شريكة ضرورة قائمة مع استمرار أعماله ونشاطه ضد التنظيم في سورية، بالمقابل تنظر قسد أيضاً لهذه العلاقة على أنّها مصيرية وتضمن استمرارها كون التحالف الدولي هو المصدر الرئيسي لدعمها المالي والعسكري واللوجستي.
1. السيناريو الأوّل – حَصْر الدعم:
إنّ الارتباط العضوي بين حزب العمال الكردستاني وقسد -ربّما- يشكّل عائقاً رئيسياً لعدم تطوُّر العلاقة بين التحالف وقسد، خاصةً أنّ PKK مصنَّف كتنظيم إرهابي في عدد من دول التحالف وتركيا التي تضغط على الولايات المتحدة بشكل مستمرّ لإيقاف دعم قسد نتيجة هذه العلاقة، وعليه من المستبعَد استمرار هذا الدعم بشكله وحجمه مستقبلاً؛ حيث يُتوقّع أن تُجري الولايات المتحدة تغييرات في طبيعة الدعم الذي تُقدّمه إما عَبْر تقليصه أو حصره في تشكيلات ومجموعات محددة ضِمن قسد كوحدات مكافحة الإرهاب المدعومة والمدرَّبة بشكل كامل ومباشر من قوات التحالف الدولي، وذلك لضمان استمرار قدرة التحالف على تنفيذ مهامه الرئيسية في ضمان هزيمة تنظيم داعش.
ووَفْق هذا السيناريو يُتوقّع أن الولايات المتحدة قد تتجه في المدى المتوسط والبعيد إلى تقليص عدد قواتها في سورية أو وضع جدول زمني للانسحاب. وبموجبه يُمكن لقسد أن تُعزّز وتوسّع من علاقتها مع النظام وروسيا، بما في ذلك خيار انضمامها لقواته وفق الشروط التي وضعتها مسبقاً وتضمن فيها الحفاظ على خصوصيتها، وغالباً لن تلقى هذه الخطوات اعتراضاً من الولايات المتحدة والتحالف الدولي طالما أنّها لا تمسّ مهامّ مكافحة الإرهاب أو تشكّل تهديداً لها.
2. السيناريو الثاني – تعزيز الدعم:
إنّ استمرار دعم التحالف الدولي لقسد غير مرتبط بالعلاقة العضوية التي تربطها بحزب العمال، لذلك فهو لن يقوم بتخفيض دعمه لها أو حصر حجمه وطبيعة العلاقة بوحدات مكافحة الإرهاب فقط، لكنه قد يلجأ إلى اتخاذ خُطُوات من شأنها معالجة هذا التحدي من خلال بذل مزيد من الجهود لاستئناف المفاوضات الكردية – الكردية ودفعها قُدُماً.
من جانب آخر، إن استمرار التهديدات المتعلّقة بعدم الاستقرار في مناطق الجزيرة السورية؛ بسبب المواجهات بين المكوِّن العربي وقيادة قسد واحتمال قيام تنظيم داعش باستثمار هذه الظروف يجعل من المتوقع أن يُكثّف التحالف مستقبلاً من العمليات المشتركة مع قسد وتعزيز مستوى التدريبات والاستشارات العسكرية لها، بموجب هذا السيناريو يُعتقد أنّ الولايات المتحدة لن تعكف في المدى القريب والمتوسط على سحب قواتها من سورية؛ لأنّه قرار قد يترتب عليه عودة التهديدات المرتبطة بالإرهاب.
خُلاصة
العلاقة بين قسد وقوات التحالف هي علاقة مصيرية بالنسبة لقسد، وبقاؤها وَفْق المعطيات الحالية مرتبط باستمرار نشاط ومهامّ قوات التحالف الدولي في سورية، لذا فإن قسد تسعى لاستثمار هذه العلاقة لخلق حالة سياسية معترَف بها محلياً ودولياً، لكن قصور دعم الولايات المتحدة لمثل هذا التوجُّه وتأكيدها بشكل مستمر على حصر العلاقة مع قسد ضِمن مهامّ مكافحة الإرهاب أثّر بشكل كبير على هذه المساعي.
عموماً، تبدو العلاقة بين الطرفين مستمرة، لكنها قابلة للتغيُّر من حيث الطبيعة والشكل والحجم وفقاً لمصالح الولايات المتحدة التي تتأثر بعدة عوامل أبرزها استمرار وجودها في سورية مع تزايُد عمليات الاستهداف والضغط الذي تتعرض له قواعدها، إضافة للعلاقة مع تركيا وروسيا.[1]