يقول عالِم الآثار العراقي بهنام أبو الصوف في مقالٍ له بعنوان :
الآثوريون الحاليون (الآراميون النساطرة) وعلاقتهم بالآشوريين سكان العراق القديم ،
{ أن سكان جبال وقرى ومدن الجزء الشمالي الشرقي من العراق (جنوب كردستان) و إمتداداتها في شمالي غرب ايران (شرق كردستان) وشرق الأناضول (شمال كردستان) إعتنقوا الديانة المسيحية بمذهب يُدعى (النسطورية) نسبة الى الأسقف (نسطوريوس) أسقف القسطنطينية الذي أسس المذهب في سنة 431م ، بعد حرمانه وطرده من الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، ويُطلَق على كنيسة النساطرة إسم (الكنيسة الشرقية) } ،
ويضيف الدكتور أبو الصوف أنه :
{ في القرن الخامس عشر قامت الكنيسة الكاثوليكية بِجهد كبير لغرض تحويل أتباع الطائفة النسطورية الشرقية الى المذهب الكاثوليكي وقد نجحت جزئياً بذلك و حينما أرادوا اطلاق تسمية على النساطرة الذين إعتنقوا المذهب الكاثوليكي، تمت تسميتهم ب(الكلدان) وذلك بإعتبار أنهم من أرض بابل وليس لأنهم من سلالة الكلدانيين المنقرضين، اذ هي لا تعدو كونها مجرد تسمية جغرافية تعريفية } ،
وحول هذا يقول المؤرخ الكردي مهدي كاكائي :
{ أن المسيحيون الذين إحتفظوا بالمذهب النسطوري والذين كانوا يُشكلون أكثرية المسيحيين في كردستان ، هم الذين يدّعون بأنهم ينتمون الى الآشوريين } ،
أما المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني فيذكر أنّ :
{ تيمورلنك 1336م 1405م قام بِتدمير كنائس النساطرة ، فتبدّد شملهم، فإحتوتهم المنطقة الجبلية الواقعة في شرق تركيا (شمال كردستان) خلال الحرب العالمية الأولى، عندما إستولت القوات الروسية على ولاية (وان) في سنة 1915م } ،
وقد حثّ الإنكليز والروس هؤلاء النساطرة على الوقوف ضد الأتراك العثمانيين ، فأغدقوا عليهم السلاح للقيام بثورة ضدهم، إلا أنه بعد فشل الروس في حربهم هناك، إنسحبوا من المنطقة وهذا الإنسحاب منح الأتراك فرصة للفتك بالنساطرة في شمال كردستان وقتل الآلاف منهم ، وطاردوا البقية الباقية منﮪم إلى أن لجأوا الى شرق كردستان ،
بسبب العمليات العسكرية والمعارك التي إندلعت في منطقة الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى، نزح إلى جنوب كردستان وشمال العراق في سنة 1918م حوالي (35000) مسيحي نسطوري و (15000) مسيحي أرمني من شمال وشرق كردستان ، حيث قام الإنكليز بإسكانهم في مُخيّمَين ، أحدهما كان يقع قرب مدينة بعقوبة والثاني قرب الموصل ،
كان مُخيّم بعقوبة بإمرة الجنرال البريطاني (هنري أوستن) وكان تحت إمرته آمر سرية الحماية (جورج ريد) الذي ساعد النساطرة سياسيا ً، فأتقن لهجة النساطرة ، وترجم كتاب البعثة التبشيرية لرئيس أساقفة كارنتربري للنساطرة، وتم تعيين القس البريطاني (ويگرام) كضابط سياسي، مُهمّته هي حل مشكلة إستيطان النساطرة. إقترح (ويگرام) على رئيس أساقفة كارنتربري إعادة فتح الإرسالية التي توقف نشاطها مؤقتاً بسبب الحرب وأن يكون مقرها في مدينة الموصل التي كانت مركز الولاية الكردية الغنية بالنفط ، إلا أنّ المندوب السامي البريطاني (برسي كوكس) رفض الفكرة ، و تمّ إنهاء خدمات (ويگرام)، حيث أنه ترك العراق في سنة 1922م ، عائداً الى بريطانيا.
وقد قام (ويگرام) في بريطانيا سنة 1929م ، بإصدار كتابه المعنون :
الآشوريون وجيرانهم The Assyrians And Their Neighbours .
وهكذا فأنّ النساطرة الحاليين في جنوب كردستان سهل نینوی ، إنتقلوا إليه من شمال وشرق كردستان ، وان اصولهم كردية ، حيث أنّ الإسم “آثوريين” لم تكن معروفة قبل وصول بعثة رئيس أساقفة كانتربري القس الدكتور (وليم ويگرام) في سنة 1886م ، الى المنطقة التي يعيش فيها النساطرة، فإقترح رئيس أساقفة كانتربري، أن يتم تغيير إسم “النساطرة” الى “آثوريين”. لهذا الغرض قام الدكتور (ويگرام) بنشر دعاية واسعة حول التسمية الجديدة للنساطرة عن طريق الكتابة حول هذا الموضوع والقيام بجولات في كردستان و فتح مدارس فيها للنساطرة ،
بعد إنتﮪاء الحرب العالمية الأولى ، واجه المسيحيين النساطرة التِياريين والإنكليز مشكلة كبيرة ، فالأتراك لم يسمحوا لهم بالعودة الى قراهم في شمال كردستان بسبب تعاونهم مع الروس ضد الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى، فظل الإنكليز ينفقون عليﮪم من خزانتﮪم الخاصة ، لأنﮪم ﮪم مَن دفعوهم لمساندة الروس ، فبدأ الزعماء البريطانيون يبحثون عن إيجاد حل لمشكلة النساطرة. الكولونيل البريطاني (ليجمان) إقترح أن تقوم القوات البريطانية بِترحيل الكرد في جنوب كردستان من قراﮪم الواقعة على الشريط الحدودي تفصل الدولة العراقية الجديدة والدولة التركية ، عِقاباً للكرد الذين كانوا قد ثاروا ضد الإنكليز، و توطين النساطرة في هذه القرى ، حيث أنّ الكرد قد ثاروا على الإنكليز وقتلوا الحاكمَين السياسيين الكابتن (ويلي) واللفتنانت (ماك دوگل). وافق الحاكم البريطاني العام في العراق (ولسن) على هذا الإقتراح ، حيث تم تكليف القس (وليم ويگرام) ، الذي كان له خبرة جيدة في شؤون هؤلاء النساطرة ، بالإشراف على تنفيذ هذه الخطة ،
أرسل الحاكم البريطاني العام في العراق (ولسن) برقية الى وزارة الخارجية البريطانية ختمﮪا بﮪذه العبارة :
{ بعد قيام الثورة التحريرية في الثلاثين من حزيران من عام 1920م ، إستعان الإنكليز بِ(2000) من شباب الآثوريين لقمع ثورة العشرين وقتل قادتﮪا ، وكذلك في أعمال التجسس ونحوﮪا } ،
يقول المؤرخ عبدالرزاق الحسني أيضاً في هامش الصفحة 257 من كتابه المذكور أنّ الإنگليز قاموا بتشكيل فوج عسكري من النساطرة قوامه (2000) شخصاً وأطلقوا عليه (قوات الليڤي)، وتم منح عدد منهم رُتب عسكرية مختلفة ، حيث إستعانوا بهم في قمع ثورة العشرين التي إندلعت في العراق ضد الإحتلال البريطاني . بقيت قوات الليڤي حتى بداية الخمسينيات من القرن العشرين ، حيث كانت هذه القوات تحرس القواعد والمطارات البريطانية في الموصل والحبانية والبصرة وربما في كركوك أيضاً ،
ويستطرد المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني في حديثه قائلاً بأنّ الإنكليز هم وحدهم فقط يُطلقون على النساطرة إسم (الاثوريين) ، بينما الجميع يدعونهم (تِيارية) و لا علاقة عرقية لهؤلاء النساطرة بِآشوريي نينوى ،
وحتى أنّ التقرير البريطاني الخاص بإدارة العراق يطلق إسم (التِياريين) على مُنتسبي قوات (الليڤي) ،
بعد إغتيال البطريرك النسطوري (بنيامين) سنة 1918م ، صعد الشعور القومي للنساطرة وصدقوا فعلاً أنهم آشوريون ، وبقي الإنكليز يروَّجون لذلك عبر دوائرهم في العراق ، وكان للإنكليز قنصلية في مدينة (ديانا) الواقعة في جنوب كردستان قرب مدينة راوندوز ، التي ساعدت المسيحيين النساطرة (الآشوريين الجُدد) سياسياً وعسكريا ً، حيث كانت القنصلية تقوم بترويج كون النساطرة أحفاداً للآشوريين وتزوّدهم بالسلاح ،
من جهة أخرى ، يذكر الدكتور أحمد سوسه في الصفحتين 596 و597 من كتابه المعنون “العرب واليهود في التاريخ” بأن بعثة إنكليزية جاءت إلى جماعة البطريرك النسطوري “مار شمعون” وحاولت تغيير مذهب هذه الجماعة النسطورية إلى مذهبها البروتستانتي، إلا أنها لم تفلح في مسعاها ، ولكنها نجحت في إقناع النسطوريين بأن (النسطورية و النساطرة) لا تُليقان بهم ، ومن المفضل تغيير هذين الإسمَين الى (آثور و آثوريين) على التوالي لكي ترفعا من شأنهم في الأوساط العالمية وليُمهّد الطريق لهم للإنتساب إلى الآشوريين القدماء ،
ويستطرد الدكتور أحمد سوسه قائلاً أن رئيس البعثة (وليم ويگرام) لم يذخر وسعاً في لعب دور دعائي كبير لِنشر الإسم الجديد الذي أوجده للنساطرة ، في الوقت الذي أن هؤلاء النساطرة كانوا يجهلون هذا الإسم الجديد قبل قدوم هؤلاء المبشّرين ،
ويذكر المؤرخ أحمد سوسة أيضاً بأنه في الحقيقة لم يكن النساطرة يعتقدون أنهم منحدرون من الآشوريين القدماء ولم تخطر ببالهم هذه النظرية أو فكّروا بها قبل أن يدخل المُبشّر الانكليزي (ويگرام) بلادهم في أواخر القرن 19 الميلادي ، حيث لقَّنهم هذه الفكرة التي جاءت وفق رغبات البطريرك النسطوري الذي كان يطمع بتشكيل دولة آثورية.
المصادر :
* عبدالرزاق الحسيني: تأريخ الوزارات العراقية ، المجلد الثالث .
* مهدي كاكائي : هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين ؟
* كیوركیس بنيامين : الرئاسة ، شيكاكو 1987م .
* أحمد سوسة : العرب والیهود في التأريخ .
* أحمد سوسة : ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق ، بغداد ، عمان ، 2000 .[1]