الكاتب: لقمان ابراهيم
ليكن معلوماً أن هدفنا بيان الكثير من الأمور الخرافية والتي لا نستطيع للأسف حتى اليوم أن نفّهم الكثيرين بأنها روايات متناقضة ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وفي جانب آخر هناك فئة أخرى ينكرون هذه القصص من أصلها رغم وجود الكثير من الوثائق والآثار التاريخية، فكلا الفريقين ليسوا على الحق، هذه الحقائق موجودة ولو بأسماء أخرى ولكن مبالغ فيها لدرجة الخرافة.
آدم عليه السلام والذي بيّنا من خلال المقال السابق أن تاريخه محصور بين (6000-7000)، وهو ليس أول البشر؛ وكان نبيا لقومه، والتي سنتحدث عنه خلال المقال القادم.
ما يهمنا في مقالنا اليوم أين كان موطنه؟
إن الكتاب المقدس ربما يتوافق في هذه النقطة مع الأسطورة السومرية في بعض الجوانب حول شخصية آدم عليه السلام لكن باختلاف الأسماء، والسبب في ذلك أن التوراة وبعد ضياعه كتب في القرن السادس قبل الميلاد في ميزوبوتاميا بعد السبي، ربما هم سمعوا هذه القصة من الناس هناك ودونوها، لهذا نجد الكثير من الاخطاء لأنها أقرب إلى قصص شعبية وظنوا أن تاريخ البشرية بدأ من عند آدم.
نجد أن القصة السومرية بداية تعطينا موقع هذا النبي وأنه كان في ميزوبوتاميا، وأعتقد أن من إحدى المشكلات بين الشعوب ومن نفس العرق هي مشكلة دينية، وهذه هي المشكلة بين السومريين وأسلافهم الجبليين وأعتقد هذا من إحدى الأسباب التي أدى إلى هجرة السومريين إلى مناطق بعيدة عن منطقتهم الأصلية الجبلية للحفاظ على عقائدهم، كان السومريين ينتمون إلى عقائد أهل الجبل ولكن باختلافات، فمثلاً قبل السومريين نجد أن المرأة كانت الاساس في العقائد، ولكن لدى السومريين ظهر أيضاً العنصر الذكوري أيضاً، ولو تتبعنا أخبار السومريين وأسلافهم الجبليين نجد بينهم صراعات، ولا اعتقد كان الصراع الاساسي هو الأرض بل العقيدة، ولو قرأنا خلال التاريخ نجد أن هذا حصل مع كل الانبياء فمثلا قريش هاجمت المسلمين العرب الاوائل في المدينة عدة مرات رغم أن الطرف المسلم الهارب إلى المدينة والطرف المشرك المهاجم من المكة كانوا عرباً، وبعض الأحيان لحقوا بهم حتى الحبشة، وكل ذلك كان بسبب العقائد وليس خلافاً قومياً او بسبب الأرض، وجرت هذه القصة مع كل الانبياء، مع سيدنا إبراهيم وزرادشت، ولذلك بدأت هذه القصة مع آدم أيضاً، ونجد أن الكتب المقدسة تشير إلى الصراع ما بين آدم وإبليس، فمعنى إبليس هو الشخص الذي قلّ خيره، وليس كائنا آخر غير البشر، فقصة آدم وإبليس هو قصة الصراع البشري ما بين الخير والشر كما في الزرادشتية بين اهورا مزدا وأهريمان، وكذلك بين إبراهيم عليه السلام ونمرود وبين محمد (ص) وأبي جهل، آدم طرف الخير وإبليس طرف الشر، وكانوا ينتمون لنفس القوم. أما الذين خلقوا كائنات أسطورية في صراعهم مع الانبياء فلا يستحق الوقوف عليها، ووصف إبليس بالشيطان، فكلمة “شطن” أي أبعد عن الحقيقة.
وهناك من لا يقتنع بالحقائق ما لم تؤكدها النصوص الدينية، ولهؤلاء نقدم أدلة، من الكتاب المقدس، ومن القرآن.
الدليل التوراتي:
(العهد القديم، الاصحاح الثاني، الآيات 8-14):
{وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً.
8 وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ.
9 وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
10 وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ:
11 اِسْمُ الْوَاحِدِ فِيشُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ الْحَوِيلَةِ حَيْثُ الذَّهَبُ.
12 وَذَهَبُ تِلْكَ الأَرْضِ جَيِّدٌ. هُنَاكَ الْمُقْلُ وَحَجَرُ الْجَزْعِ.
13 وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّانِي جِيحُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ.
14 وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّالِثِ حِدَّاقِلُ، وَهُوَ الْجَارِي شَرْقِيَّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابعُ الْفُرَاتُ.}
الدليل القرآني:
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}.. [ البقرة: 36] حيث جاء:
” تحدد حدود تلك الجنة بجوار دجلة والفرات. وهناك من القرآئن ما يجعل شهادة العهد القديم أقرب إلى الصواب، فأحوال نوح عليه السلام وقومه تتصل بهذه المنطقة، وإبراهيم عليه السلام مولود في “أور” بالعراق، وتدل البحوث العصرية والحفريات الحديثة على أن هذه المنطقة كانت موطن أقدم حضارة إنسانية. كل ذلك يحمل على الظن بأن آدم عليه السلام مولود في أرض العراق، وأن الجنة التي ذُكرت في قصته تقع في موضع هذه المنطقة، وأنها سُميّت بالجنة لحسن نظام الذي وضعه آدم عليه السلام.” ( التفسير الكبير المصلح الموعود رضي الله عنه).
باقي التفاسير القرآنية لا تخرج خارج هذا الإطار.
وهناك قسم آخر لا يؤمنون بالروايات الدينية فنقدم لهم وثائق تاريخية وآثار:
يقول العالم الفلكي برتوميو في القرن الخامس عشر في رسالة مكتوبة باللاتينية والموجهة إلى رئيس أساقفة ساليرنو:
” الجنة الأرضية تقع في بلاد الكورد وهي منطقة قريبة من القدس وسوريا.”
” آدم طرد من الجنة وسكن سوريا ووصل إلى دمشق ومات بالقرب من وادي الخليل في فلسطين.”
وجاء في كتاب ” أنبياء سومريون”
(عثر في عام 1929م على لوحين طينيين مدونين باللغة الاوغاريتية يعودان إلى القرن الثالث عشر ق.م في سوريا
وفي سبعينيات القرن العشرين قام كل من الدكتورة كوريل ويوهانس بدراسة اللوحين، فالألواح تشير إلى اسطورة خلق آدم وحواء الكنعانية
ويذكر أن كبير الآلهة الكنعانية (إيل) مع زوجته (عشيرا) كانا على سفح جبل آرارات وكان يعمل في حقل كبير من حقول الكروم.)
وللعلم جبل آرارات يسمى بجبل كاردو أيضاً
جاء في كتاب الكورد في المصادر القديمة مايلي:
“وأطلق ايضاً اونكلوس على جبل آرارات الذي رست عليه سفينة نوح اسم كاردو Qardu، وفي نسخ العهد القديم فإن نفس الموقع سمي باسم كاردا واطلق على سكانه اسم كارودايا Qardawayya، وورد في العبرية القديمة بصيغة الجمع كاردوايين.”
نكتفي بهذا القدر رغم وجود روايات أخرى كثيرة تؤكد هذه الحقيقة الثابتة.
إذا تتفق الروايات والآثار على موقع هذا النبي انه كان في ميزوبوتاميا وهو الموطن القديم لأسلاف الكورد ولا زال أحفادهم يعيشون فيها..
وطبعا لا تستطيع الشعوب السامية إدعاء وجودهم في هذا التاريخ والجغرافية لأن تاريخهم لا يبدأ مع آدم بل بعد طوفان نوح بكثير، أي بعد أكثر من ألف سنة على أقل تقدير، وإن كنا لسنا على الحق فليكذبوا كتبهم المقدسة ثم نناقش الأمر بجوانبه العلمية.[1]
==============================
الصورة للرقيم الطيني والتي عثر عليه في سوريا في القرن الثالث عشر قبل الميلاد والذي يؤكد أن سيدنا آدم كان في جبل آرارات (جبل كاردو أيضا) مأخوذ من كتاب “أنبياء سومريون”