عنوان الكتاب: واقع الهجرة في كوردستان سوريا
إعداد :شفان إبراهيم
إشراف: د.آزاد أحمد علي
مؤسسة النشر: مركز رووداو للدراسات
تأريخ الأصدار: 2017
تُعتبر الهجرة من أكثر الظواهر التي تتكرر في حياة البشر، رغبة من الجميع في الحصول على الحياة الكريمة والعيش باحترام وحرية، ولم تتوقف موجة الهجرة خلال التاريخ البشري الحديث، سواء في الظروف الاعتيادية أو الاستثنائية، فقد كانت الجماعات أو الأفراد يتنقلون من مكان إلى آخر ومن بلد إلى آخر بحثاً عن ملاذ آمن أو عمل أفضل.
عادة ما تُرافق النزاعات والحروب موجات هجرة كبيرة، سواء خوفاً من الموت بين رحى الأطراف المتحاربة، أو خوفاً من عمليات الانتقام، أو هرباً من الوضع الأمني والرغبة في الحفاظ على حياة الأطفال والنساء، ولعل موجات الهجرة خلال الحربين العالميتين شكلت بداية جديدة من آليات التعاطي مع المهاجرين، كما شكلت موجة النزوح الكبيرة للكورد في كوردستان العراق في بدايات التسعينيات من القرن الماضي انعطافاً جديداً بالنسبة للكورد، لما رافقه من تبني دولي للحقوق الكوردية سياسياً.
في كوردستان سوريا حتى ما قبل 2011م كان المجتمع الكوردي يعاني من حالتين مركبتين للهجرة، الهجرة إلى الداخل السوري نتيجة مراسيم وقرارات مجحفة بحق الكورد، بحثاً عما يسد رمقهم، وهجرة ثانية كانت من الريف إلى المدينة ساهمت في توسيع نطاق الطبقة الوسطى، التي كان يمكن أن يكون لها مشاركة واسعة في اتخاذ القرارات السياسية، ولكن بعد عسكرة الانتفاضة السورية، وتداخل الأحداث، فضلاً عن تقاطع وتعارض مصالح الدول والجهات والأطراف المهيمنة في الموضوع السوري، تغيرت موازين القوة وتشعبت المسارات، رغبة من جهات عديدة في تفريغ المنطقة الكوردية، ساهمت هذه العوامل في المحصلة بتشجيع هجرة أعداد ضخمة من أبناء الشعب الكوردي من مناطقهم الأصلية، سواء في الأرياف أو المدن.
لكن نمطية الهجرة في كوردستان سوريا أخذت منحاً آخر، حيث لا تزال المناطق الكوردية مقارنة بباقي مناطق سوريا، تعيش حالة نسبية أفضل، وعلى الرغم من ذلك فإن موجات الهجرة تكبر وتزداد لأسباب ستُذكر لاحقاً، لكن الغريب في الأمر هو حالة الاستسلام الكبيرة التي عاشها الفرد الكوردي خلال الأعوام الثلاث الأخيرة، وتقبله فكرة الاستغناء عن كل ما عمل لأجله طوال حياته، في سبيل الظفر بخيمة في أحد مخيمات اللجوء، ما يعكس هشاشة عمل مختلف الجهات، خاصة السياسية في زرع فكرة التشبث بالأرض، وإن كانت المعطيات تشير إلى حالة اليأس وانعدام الثقة بمختلف الأطراف، لكن نوعية وكمية موجهات الهجرة، خلقت جرحاً لن يندملّ في المجتمع والوجدان الكوردي معاً.[1]