خالد جميل محمد
خلال عَقد من السنين، وتحديداً منذ عام 2012، انعطف مسار الاهتمام باللغة الكوردية في روجافا نحو اتجاهات أفضل، سواءٌ على صعيد التحدث باللغة الكوردية، أم على صعيد الغزارة في طباعة الكتب ونشرها، أم على صعيد اعتماد هذه اللغة.
يأتي ذلك في ظل كونها جزءاً من منهاج تربوي وتعليمي في المدارس والجامعات والمعاهد، بدءاً من مرحلة التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، حتى مرحلة التعليم الجامعي والدراسات العليا، في مختلف مناطق روجافاى كوردستان التي تدخل ضمن جغرافية الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا.
تشتمل مناهج التعليم على مواد باللغات الأمّ للمكونات الرئيسة هناك متمثلة في الكوردية والعربية والسريانية على امتداد مساحة تمتد من عفرين حتى ديريك وما بينهما من مناطق (الشهباء، منبج، كوباني، تل رفعت، الرقة، الطبقة، دير الزور، والجزيرة..).
عدم الاعتراف باللغة الكوردية دستورياً
الحكومات السورية المتعاقبة، منذ تأسيس هذه الدولة، حتى الآن، لم تكن تعترف بأي وجود للشعب الكوردي في سوريا، ولم تكن تعترف أيضاً باللغة الكوردية بصفتها اللغة الأم لهذا الشعب، ولاتزال الحال هناك كما هي، إذ إن أحداث الأزمة السورية منذ آذار 2011 حتى الآن (21/2/2024)، لم تدفع الحكومة السورية إلى أي اعتراف دستوري بالشعب الكوردي ولغته الأم في ذلك البلد.
بالمقابل لم تَخْطُ المعارضةُ السورية المتمثلة حالياً في (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية) أيَّ خطوة عملية تجسّد اعترافاً حقيقياً باللغة الكوردية على مستوى سوريا كلها، وعلى الأقل في المناطق الواقعة تحت سيطرتها (عفرين، سەرێ كانيێ، گرێ سپی).
على صعيد حق الشعب الكوردي في التحدث والتعلم والتعليم بلغته الأم (الكوردية)، فإن الحكومة السورية ومعارضتها تلتقيان وتتفقان ضمناً على التنكر لهذا الحقّ، فضلاً عن عدم الاعتراف الفعلي الحقيقي باللغة الكوردية.
منذ عام 2012، جعلت الإدارة الذاتية اللغةَ الأمَّ لكلّ من المكونات الرئيسة (الكوردية والعربية والسريانية..) من أولويات اهتماماتها، وأدخلت لغاتها ضمن المناهج التعليمية، فضلاً عن السماح بتداول هذه اللغات في المنابر الإعلامية المختلفة، في إطار ما لا يتعارض مع سياسات الإدارة الذاتية التي يؤخذ على مناهجها الكوردية خاصةً الطابع الأيديولوجي، حيث يُوجَّه إلى هذه المناهج نقدٌ كثير في هذا المجال، وفي مجال السويّة العلمية الأكاديمية والمنهجية لكتب التربية والتعليم.
الكورد يتطلعون لمستقبل أبنائهم
تحدث الكاتب والقانوني فرهاد باقر (من مدينة كوباني) عن واقع اللغة الكوردية في روجافا، مصرِّحاً لشبكة رووداو الاعلامية بأن التحدث باللغة الكوردية أو استخدامها في الدوائر الرسمية، سابقاً كان ممنوعاً، لكن الإدارة الذاتية منذ عام 2012، بمعزل عن تلك الملاحظات على مناهج التربية في إقليم شمال وشرق سوريا، حيث يتطلع الناس إلى مستقبل أبنائهم.
واستدرك أن الجيل الجديد يختلف عن جيلنا في أنه يستخدم لغة سليمة فصيحة، مما يجعلنا سعداء بذلك، ولهذا لابدَّ من الاهتمام باللغة الكوردية، ولا بد أن تسعى الإدارة الذاتية إلى التواصل مع اليونيسيف والمنظمات الدولية للحصول على شرعية للغة الكوردية في مناطقها.
ردّاً على النقد الموجّه إلى مناهج اللغة الكوردية في مدارس وجامعات الإدارة الذاتية، يرى أنصار خطوة الإدارة الذاتية في مجال الاهتمام باللغة الكوردية، أن البداية لا بدّ أن تتعرض لعقبات ومشكلات وهفوات يمكن أن تُزال مع مرور الزمن وتعمّق التجربة التي لم تكن يعرفها الكورد في روجافا كوردستان سابقاً، ولم تكن بين أيديهم مناهج تعليمية بلغتهم.
في حين أن الإحصاءات الرسمية للإدارة الذاتية، تشير إلى أن عدد الطلاب في الجزيرة وحدها يبلغ (204215) طالباً، يشرف على تعليمهم (17665) معلماً، حيث يشكل الكورد النسبة العظمى من السكان فيها.
رووداو في اليوم العالمي للّغةِ الأمّ
بمناسبة اليوم العالمي للّغة الأمّ (21 شباط)، رصدت شبكة رووداو الإعلامية واقع اللغة الكوردية في روجافا كوردستان بصفتها اللغة الأمّ بالنسبة إلى الشعب الكوردي.
ففي عفرين تغيَّر واقع اللغة الكوردية بعد آذار عام 2018 تزامناً مع سيطرة الجماعات المسلحة على تلك المنطقة التي احتلتها تركيا، حيث امتنع التعليم باللغة الكوردية وتحولت المدارس الكوردية إلى مقرات للمسلحين أو إلى مدارس لتعليم اللغتين العربية والتركية إلى جانب منع اللغة الكوردية، وهو ما عبّر عنه الكاتب هوزان روبار (من عفرين) مصرحاً لشبكة رووداو الاعلامية: لم يعد ثمة خوف من اندثار اللغة الكوردية، لأنها تطورت خلال القرن الحادي والعشرين، وشهدت خطوات جيدة جداً.
وأضاف: في روجافا وضع خاص، حيث يقرأ الكورد ويكتبون بلغتهم، لكن الخطر القائم هو في منطقة عفرين التي افتتحت فيها أول مدرسة باللغة الكوردية، بعد البدء ب(الثورة السورية) حيث افتتحت أولى جامعة كوردية بروجافا في عفرين، لكن مع الأسف فإن اللغة الكوردية اليوم في عفرين أمام خطر الاندثار، وتكاد تغيب اللغة الكوردية في عفرين، ذلك لأن الكورد هناك صاروا يشكّلون أقلّيّة.
اللغة هوية وقلعة الوجود
بمناسبة اليوم العالمي للّغة الأم أيضاً تحدث الباحث اللغوي دحام عبد الفتاح (من عامودا) لشبكة رووداو الاعلامية قائلاً إن لغتنا هي هُويَّتنا وقلعة وجودنا، وبقدر ما نستطيع أن نحافظ على لغتنا، فإننا سنستطيع أن نحمي أنفسَنا بلغتنا التي هي نسيج معارفنا. فلغتنا هي وجودنا، ويجب أن نحافظ عليها ونحافظ على أنفسنا بها.
الشاعر واللغوي دلاور زنكي، وهو من قامشلو، أكّد على وجوب إدراك الأهمية العظمى للغة في الحفاظ على الهوية القومية، قائلاً لشبكة رووداو الاعلامية إن على كل إنسان كوردي، رجلاً كان أو امرأة، أن يتعلم لغة آبائه وأجداده، ويعلم أبناءه بهذه اللغة.
أما الكاتب والباحث سلمان عثمان عبدو، وهو من قامشلو، الملقب ب (كونى رَش) فقد خصص لمناسبة اليوم العالمي للغة الأم لهذا العام (21 / 2 / 2024) حفلاً يوزع فيه ديوانه الشعري الجديد باللغة الكوردية، بعنوان (قامشلو.. سلاماً لك)، تمجيداً للغة الكوردية التي كرّس لها الكاتب معظم حياته.
وصرّح لشبكة رووداو الاعلامية قائلاً: بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، أصدرتُ ديواناً شعرياً للأطفال بعنوان (قامشلو.. سلاماً لك) سأوزع نسخاً منه على الأطفال.
دورات في المهجر لتعليم اللغة الكوردية
أما في المهجر فإن المسافات وبلاد الغربة لم تفصل أبناء اللغة الكوردية عن قضايا شعبهم التي تتصدرها قضية اللغة، حيث اندفع كثيرون من الكتاب والأدباء واللغويين من جميع أجزاء كوردستان عامة، ومن روجافا كوردستان خاصة، نحو خدمة لغتهم الأم (الكوردية) وأبناء الجالية الكوردية في تلك البلاد.
ففي ألمانيا صرحت الكاتبة والشاعرة الكوردية مزكين حسكو لشبكة رووداو الاعلامية قائلةً: حتى لا نفقد أبناءنا وتراثنا، علينا أن نعلّم أطفالنا لغتهم الأم في السنوات الأولى من حياتهم، فاللغة هي المفتاح الأول للبقاء والوجود، وهي الجسر الواصل بين الأجيال؛ ففي المهجر مجال لدورات متنوعة ودورات أونلاين أيضاً لتعلّم وتعليم اللغة الكوردية، لا بد من الاستفادة منها.[1]