أرداشار (أرمينيا) – تقع قرية أرداشار على بعد 30 كيلومترا غرب العاصمة يريفان. وينتمي معظم سكانها البالغ عددهم 700 إلى المجتمع الإيزيدي.
ويشرح الزعيم الروحي المحلي جوندي جوندويان البالغ من العمر 68 سنة، أن لله، وهو الشمس أيضا، 3 آلاف اسم وسبعة ملائكة كبار. وقد خلق العالم من لؤلؤة، كما بعث الحياة إلى آدم وحواء وأجبر الملك الطاووس (رئيس الملائكة) على خدمتهما. لكنه رفض: لماذا ينحني المرء لأهواء اثنين من البشر الفانين؟ وسوّي هذا الخلاف بينه وبين الله في النهاية، وفدي رئيس الملائكة أخيرا.
ويصل أتباعها إلى نصف مليون في الشرق الأوسط ونصفهم الآخر في الشتات. وليس الإيزيديون في الأصل من جنوب القوقاز ولكن من مكان ما في شمال بلاد ما بين النهرين. وذكر جوندويان هذا في الكرمانجية (اللهجة الكردية المستخدمة في تركيا وسوريا).
وفرّ الكثيرون إلى القوقاز في بداية القرن العشرين مع الأرمن والسريان هربا من الإبادة الجماعية في الأناضول. وتحدث جوندويان عن ذلك قبل دخوله إلى غرفة فيها عشرات البطانيات المكدسة، ويزعم أنها تحافظ على الكنوز التي جُلبت من لالش (أقدس معابده في شمال العراق).
ويقع أكبر معبد إيزيدي في العالم على بعد بضعة كيلومترات من هذا المكان. وشُيّد في 2019 بفضل مساهمات خاصة، كما أنه يحوي مجموعة من التماثيل لرجال أرمن إيزيديين عظماء وتمثال لامرأة كردية عراقية هي نادية مراد، إحدى الشابات اللاتي استعبدهن تنظيم الدولة الإسلامية في 2014 خلال الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد الإيزيديين في سنجار (شمال العراق). ونالت مراد جائزة نوبل للسلام بعد أربع سنوات.
الإيزيديون البالغ عددهم 700 يعانون في أرمينيا من مصادرة أراضيهم بذرائع قانونية وعدم احترام حقوقهم اللغوية والثقافية
وتساءل جوندويان “ماذا فعلت فرنسا وأميركا وغيرهما عندما ذبح تنظيم الدولة الإسلامية الآلاف من شعبنا في العراق واستعبد كل هؤلاء النساء؟”. ومرّت فترة صمت قبل أن يرفع نخب “الشهداء في الأناضول قبل أكثر من مئة عام، أو شهداء الفترة الأخيرة في العراق”.
ثم إن هناك من رحلوا، إذ كان الإيزيديون الأرمن يقاربون 100 ألف فرد في عهد الاتحاد السوفياتي، لكن آخر تعداد (في 2011) لم يُحص سوى 35 ألفا. ويحاول من بقي منهم كسب عيشهم في العمل الزراعي أو الرعي. وأشار جوندويان إلى أن “الجميع يهاجرون إلى روسيا”.
وتأسس المركز الإيزيدي لحقوق الإنسان كمنظمة غير حكومية في 2018 ويركز على حماية حقوق هذا المجتمع. وكان أحد أكثر أعضائه نشاطا هو ساشيك سلطانيان، وهو محام يبلغ من العمر 27 سنة ويواجه ست سنوات سجنا بتهمة “التحريض على الكراهية”. وتسببت له مقابلة أجراها في يونيو 2020 على قناة إذاعية إيزيدية بالعراق في شكوى من منظمة فيتو أرمينيا، وهي منظمة يمينية متطرفة.
وتولى أحدهم ترجمة محادثة (من الكردية إلى الأرمينية) تحدث فيها سلطانيان عن “تمييز” تجاه شعبه. وندد بمصادرة أراضي الإيزيديين بذرائع قانونية وعدم احترام حقوقهم اللغوية والثقافية. ويتحدث مكتب المدعي العام الأرمني عن إجراء وفق “القانون الوطني والدولي”.
ونددت منظمة العفو الدولية من جانبها بالاعتداء على حرية التعبير، وطالبت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أرمينيا بسحب التهم الجنائية التي وصفتها ب”التخويف”.
وقال سلطانيان من مكتبه في يريفان إن التمييز “حقيقي مثل تلك الكليشيهات حول مجتمعه التي يكررها التلفزيون ووسائل الإعلام بلا هوادة”، فهُم يُصوّرون دائما على أنهم فلاحون أو رعاة أمّيون.
وذكر بخصوص قضية الأراضي أن “اللصوص هم الأوليغارشية وليس الأرمن كما جاء في ترجمة المقابلة”. ثم هناك أيضا قضية اللغة. فعلى الرغم من تقديم دروس في الكرمانجية في مدارس الأطفال الإيزيديين، فإنها ليست جزءا من المنهج الرسمي.
إلى جانب ذلك، فإن الكتب المدرسية مكتوبة بالحروف السيريلية بينما الأمر الأكثر منطقية، كما يصر سلطانيان، هو استخدام الأبجدية اللاتينية التي يعتمدها أكراد تركيا وسوريا.
وأضاف سلطانيان “عندما نتحدث عن حقوق الإنسان نصرّ على ضرورة توخي الحذر على أساس يومي. لسوء الحظ، لا يفهم الكثيرون الأمر بهذه الطريقة. إنهم يرفضون أن يكونوا أقلية لأنهم يخشون أن يؤدي وضع خاص إلى إلحاق الضرر بإخوتهم مع الأرمن. لكن الأخوة لا يمكن أن توجد دون مساواة”.
وأبرزت حرب قرة باغ في 2020 المجتمع الإيزيدي الذي خسر الكثير من أبنائه الذين قاتلوا في صفوف الجيش الأرمني خلال الصراع الذي استمر 44 يوما وانتهى بانتصار ساحق لأذربيجان.
كان أحد هؤلاء صمد سلويان الذي يقيم والداه، يوري ونينا، في قرية زارتونك قرب المعبد الإيزيدي. وحوّلت الأسرة غرفة المعيشة إلى ما يشبه الضريح إحياء لذكرى الابن، مع صور له عندما كان طفلا، أو مرتديا زي جندي، كما يوجد علم إيزيدي (أبيض وأحمر مع شمس في الوسط) بالإضافة إلى مجموعة من أوسمة الجيش والميداليات التي تخلّد انتصاراته الرياضية.
جُنّد ابنها وهو في الثامنة عشرة من عمره، وكان على وشك التخرج عندما اندلعت الحرب. ونجا لمدة 42 يوما ثم قتلته قنبلة من طائرة مسيرة بمعية ثلاثة آخرين.
حرب قرة باغ في 2020 أبرزت المجتمع الإيزيدي الذي خسر الكثير من أبنائه الذين قاتلوا في صفوف الجيش الأرمني خلال الصراع الذي استمر 44 يوما
ويؤمن الإيزيديون بالتناسخ المتكرر لتنقية الروح حتى تتوحّد مع الله.
لكن هذا لا يريح عائلة سلويان. ولم يكن ممكنا تغيير الموضوع قبل أن يجفّ السيل الأول من الدموع.
هل يذهبون إلى المعبد؟ هل يمارسون الاحتفالات الإيزيدية؟ “نعم. نوعا ما”. وكيف كانت حياتهم هذا العام؟
أشار يوري إلى قلة هطول الأمطار وشحّ في المياه والمحاصيل. وأصبحت تلبية الاحتياجات تحديا حقيقيا. ومن يستطيع أن يضمن لهم أن حربا أخرى مع أذربيجان لن تندلع؟ حيث تتكرر الحوادث المسلحة بشكل متزايد على طول الحدود.
ورفعت نينا رأسها وحدّقت في يوري. وذكرت أن لديهما أقارب في روسيا، وسيلتحقان بهم على الأرجح.[1]