بقلم: تيمور خليل
ترجمة: #دلاور زنكي#
من المشقة بمكان أن أتحدث في “مقال” عن جهد قمنا به في مدى /80/ ثمانين عاماً من المثابرة. لذلك سأعرض لكم- في البداية- صورة كي تلموا بما بذلناه في سبيل تطوير اللغة الكردية “اللهجة الكرمانجية” المكتوبة ووضع المعايير والدساتير لها.
ومنذ البداية سأعلن أن ذاك الجهد الذي كنا نبذله كان يتم في ظل الدولة السوفياتية وبدعم رسمي من هذه الدولة أي أننا في خلال /80/ ثمانين عاماً كنا نقضي /8/ ثماني ساعات في اليوم في تطوير لغتنا وترقيتها وكذا تحسين آدابنا وثقافتنا. كان ذلك هو أول عمل لنا وقد ساهم فيه أولئك الأشخاص الذين تلقوا دراستهم في جامعات “يريفان” و “موسكو” وكانوا متضلعين من اللغة الكردية. ولا شك أن كثيرين منكم يصغون إلى إذاعتنا ويسمعون ما تبثه من الأغنيات. ولا شك إنكم تسمعون باسم صحيفتنا الكردية القديمة /ريا تزه/ Riya Teze، وتعرفون مكانتها التي تصدر منذ عام 1930م، وما تزال تصدر حتى الآن. ولكم معرفة بكتب الفولكلور والأعمال الأدبية الأخرى.
كان الأكراد يقيمون في الجمهوريات التالية: أذربيجان وتركمانستان، وأرمينيا وكرجستان “جورجيا” وكان العدد الأكبر من هؤلاء يقيم في أذربيجان. وكان هذا العدد يناهز /30/ ثلاثين ألفاً. وهؤلاء الأكراد أقاموا في “أذربيجان” منذ القرون الوسطى. ويأتي من بعدهم –من حيث العدد- أكراد “تركمانستان” وكانوا خمسة آلاف نسمة في القرن السادس عشر في عهد “الشاه عباس” قد هُجّروا من كردستان “إيران” لحماية حدود البلاد إلى “خراسان”، ومن هناك هاجروا إلى هذه البلاد. في تلك الأيام- أي قبل نشوب الحرب العالمية الأولى لم يكن عدد الأكراد في “أرمينيا” و “جورجيا” كبيراً وكان زهاء ألف كردي من عشيرة “روزكيان” (البدليسي ينتمي إلى تلك العشيرة – وأنا أيضاً أنتمي إليها). قد هاجروا من “بدليس”- إبان الحروب الروسية التركية عام /1827-1828/م إلى داخل الإمبراطورية الروسية. ولعل عدد الأكراد الجورجيين المقيمين لدى الحدود التركية كان يربو على ألف نسمة، وعندما رسمت الحدود التركية- الجورجية- وقع مكانهم ضمن الحدود الجورجية وليس التركية.
بعد اندلاع نار الحرب الكونية الأولى، بدأت المجازر في تركيا وكردستان الشمالية لإبادة الأرمن في عام 1915م. لم تكن حرب الإبادة تخص الأرمن وحدهم بل كانت تشمل كل من هم من غير المسلمين، لذلك وقع اليزيديون تحت نصْل سيف الدولة التركية التي يطلق عليها حتى الآن اسم “روما السوداء”. وهكذا فإن ألاف الأكراد اليزيديين وكذا الأكراد المسلمون الذين كانوا يناوئون الاحتلال التركي اختاروا طريق الهجرة هي من البطش والتنكيل وتوجهوا إلى أرمينيا الراهنة “أرمينيا هذه الأيام”. وبعد مرور الأعوام لجأ كثيرون من الأكراد-بقصد العمل- إلى “تبليس” عاصمة جورجيا. وتألفت منهم هنالك جالية كردية.
والجدير بالذكر أن عدد الأكراد على الأرض السوفياتية كان كبيراً حيث كانوا يعدون أحد الشعوب في البلاد فقد كان يصل عددهم إلى /150/ مائة وخمسين ألف نسمة. توجهت رئاسة الدولة السوفياتية إلى التفكير في تمهيد سبل الدعم لهذه الأقليات من القوميات لمحو الأمية من بينها وتطوير لغاتها وآدابها فأصدرت قراراً يوائم سياسة الدولة ويحسّن أحوال هذه الأقليات من الناس. وعرف هذا القرار أو هذا الدستور باسم “السياسة اللينينية بشأن الشعوب” وهكذا فإن سياسة بلاد موحدة أي سياسة الاتحاد السوفياتي ضمت /12/ اثنتي عشرة جمهورية. وكانت هذه السياسة تنص على أن لا بأس في صدور الكتب بأية لغة من لغات هذه الجمهورية ولكن المضمون يجب أن يكون اشتراكياً.
الأكراد أيضاً كانوا ضمن هذه الشعوب، لذلك تقرر افتتاح مراكز للتعليم ومؤسسات لمحو الأمية للأكراد في الجمهوريات التي يقيمون فيها، وبذل كل الجهود لتأهيل هذا الشعب للسير نحو كل ما هو نيُّر ومشرق وبلوغ مستقبل زاهر. ولما كانت الكثافة السكانية الكردية في أذربيجان وتركمانستان كبيرة جداً فقد انصب الاهتمام على أكراد هذه المناطق حتى أنهم –في منطقة أذربيجان- منحوا حكماً ذاتياً أطلق عليه اسم كردستان الحمراء وذلك في عام 1923م عاصمتها “لاجين” Lacîn.
ولكن الأمور في هذه الجمهوريات لم تسر سيراً حسناً لأن الأكراد في خلال عدة قرون كانوا قد انقطعوا عن ديارهم وأوطانهم وأشبعوا عزلة وهذا هو السبب الأول والسبب الثاني أن السلطات في هاتين الجمهوريتين لم تكن تنظر بعين الرضا والقبول إلى تحسن أحوال الأكراد ولا ترتاح إلى تطورهم نحو الأفضل، وليس ببعيد أن الدول التي تتقاسم أرض كردستان كانت وراء هذه “اللعبة”. والسبب الثالث هو أن معظم الأكراد في تلك المنطقة كانوا يعتنقون الدين الإسلامي وكان أكثرهم يعدون مسألة “الدين” أهم من مسألة العباد والبلاد “الشعب والوطن”.
ولم تجرِ الأمور في “جورجيا” كما ترام وكما كان مرغوباً فيها لأن “95%” خمسة وتسعين بالمائة من الأكراد كانوا مبعثرين في العاصمة. وأهم من ذلك أنهم لم يكونوا أصحاب قرى تحافظ على أصولهم وتحميهم من الانصهار.
ومن حيث تطور الأدب والقصة واللغة الكردية فقد غدت أرمينيا مركزاً في غاية الأهمية. تقدم العون في هذا الشأن لا للأكراد السوفياتيين بل لكل الأكراد في جميع أرجاء العالم. ولهذا التطور أسباب هي:
-لقد قدمت لنا أرمينيا وكذا الأرمن كل سند وعون بكل أريحية وإخلاص لأننا كنا جميعاً في المآسي والمجازر الجماعية سواسية. وكان الأرمن يدركون أن تقدمنا لا يرضى أحداً في دولة يعتبرها الأكراد والأرمن “عدواً”.
في البدء لم يكن بين الأكراد عناصر “كوادر” تعليمية أو تثقيفية فنهض المتنورون الأرمن الذين كانوا يتقنون اللغة الكردية اتقاناً جيداً بعبْ العمل لتحسين لغتنا وترقية آدابنا، حتى أنهم أصدروا صحيفة /ريا تزه/.
-إن أكراد “أرمينا” كانوا حديثي عهد بالهجرة من كردستان وكانوا يتحدثون بلغة كردية رصينة وجيدة. وكان أكراد منطقتنا أكثر وعياً وإدراكاً ومعرفة من أكراد “كردستان الشمالية” وكذا من أكراد الإمبراطورية العثمانية، لأن أكثر أكراد منطقتنا كانوا قد نزحوا من أنحاء “فرْس” و “سورملي” ومن مناطق أخرى كانت تحت الاحتلال الروسي. وكان بين المهاجرين اليزيديون الذين هاجروا من “وان”.
-كنا والأرمن مختلفين في الدين ولكنهم لم يفكروا في عزلنا وتجاهلنا.
-كانت العلوم والمعارف في “أرمينيا” أكثر اتساعاً من أذربيجان و “تركمانستان”. وكان أكرادنا يجيدون اللغة الأرمنية أكثر من معظم الأرمن أنفسهم، لأن أكثرهم كانوا يدخلون المدارس الأرمنية يجهلون اللغة الأرمنية. فإذا درسوها تعلموها بشكل صحيح ومتقن وكذلك كانت الحال بالنسبة لمن كانوا يدرسون اللغة الروسية.
-كان القرويون الأكراد يقطنون في أربعين قرية لا يشاركهم فيها أجنبي، وكانوا يقطنون في بعض القرى الأرمنية أيضاً يصل فيها عدد الأسر الكردية إلى /100/ مائة أسرة.
لنعد الآن إلى موضوع العمل في هذا المجال وكيف كانت البداية وكم شوطاً قطعنا وأيّ شأوٍ بلغناه: نعتقد أننا صنعنا ثورة في ناحية الثقافة الكردية وتقدمنا تقدماً رائعاً في التعلم وكسب المعارف باللغة الكردية.
لقد أُنجز ذاك العمل في ساحة خالية ومكان خاوٍ… لا نعرف شيئاً عن أعمال “أحمد خاني” و “علي حريري”… ولم نكن قد سمعنا باسم جريدة “كردستان” وفي ذلك تقصير ظاهر. وكان البدرخانيون قد شرعوا –مثلنا- في أعمالهم. وقد كانت غفلتهم عن حركتنا والأزمات التي خلقها الاتحاد السوفياتي لم تدع لنا فرصة سانحة لنكتسب تجربة وننتفع منذ البداية بمجلة “هاوار” و “روناهي” و “روزا نو”.
في عام 1921م أقدم صديق مخلص محب للأكراد هاكوب غازاريان ألأرمني المعروف في التاريخ باسم “لازو” (وكان الأكراد يدعونه “آبو” أي العم) على إعداد أبجدية لللغة الكردية بالحروف الأرمنية وألف بها كتاباً تعليمياً بعنوان “شمس” وطبعه. ولكن هذه الأبجدية عجزت عن بلوغ هدفها بين الأكراد لأن الحروف الأرمنية لم تكن كافية لأداء الأحرف الصوتية في اللغة الكردية.
في عام 1928م بقرار من الحكومة السوفياتية وتكليف من الجمهورية الأرمنية أنشأ “عرب شمو” و “إسحاق موروغولوف” الآشوري أبجدية كردية بالحروف اللاتينية. وبهذه الحروف أصدرا أول كتاب كردي بالحروف اللاتينية بعنوان (تعليم قراءة الكتابة الكردية ذاتياً). وبين يدي الآن نسخة من هذا الكتاب. وربما كانت هذه النسخة الوحيدة المتبقية من النسخ المطبوعة في مكتبة والدي وإنني الآن أرغب في إهدائها إلى المكتبة الكردية في باريس. وبهذا أرغب في إزالة ذلك الخطأ الشائع من أفهام الناس الذي يزعم أن الأبجدية الكردية بالحروف اللاتينية هي من وضع البدرخانيين. فلو وجد في تلك الأعوام من عرف عملنا وشكر لنا على هذا العمل فهو جلادت بدرخان. فقد كتب جلادت بدرخان نفسه في مجلة “هاوار” (1932-1943) في العدد /9/ التاسع يقول:
“تصدر في روان “يريفان” جريدة كردية بحروف جديدة ولغة كردية خالصة في شكل جميل وأنيق.
في الفترة الأخير وصلت منها أعداد إلى يدنا فأشرقت بها عيوننا وابتهج قلبنا وانشرح.
إضافة إلى الصحيفة أصدر الأكراد في “روان” بعض الكتب تمتعنا بمطالعتها عدة أيام. تفوح روائح زكية معطرة من صفحاتها الجديدة الزاخرة بأزهار جبل “الاغوز” ونسمات هضاب “سرحدان” المنعشة. في رسومها وجدنا الزي الكردي “شال وشابك” والخنجر وحمائله من تراث الآباء والأسلاف.
“ريا تزه” جديدة، يانعة كإسمها. حديثة عهد بالثمار، ولكنها أقدم من “هاوار” وأكبر حجماً وأول عدد وصل إلى يدنا كان العدد /59/ التاسع والخمسين”. علماً كانت “ريا تزه” صحيفة تصدر كل /10/عشرة أيام، ولكن قبل سنة وبضعة أيام تم إصدارها.
في عام 1930م صدر أول عدد من صحيفة “ريا تزه” بتلك الأبجدية وما زالت تصدر حتى هذه الأيام، وقد غدت أساً وقاعدة لإنشاء لغة كردية أدبية في أرمينيا وفي الجمهوريات السوفياتي بشكل عام كما غدت لغة هذه الصحيفة اللغة الرسمية في هذه البلاد بالنسبة للأكراد، وهي اللغة الصحيحة الخاضعة لقواعد اللغة وأصولها.
في عام 1931م أفتتح في “روان” “يريفان” مركز كردي “كلية” لإعداد مدرسين لتعليم اللغة الكردية وآدابها وقد أصبح أولئك الطلاب الأكراد الذين كانوا يتلقون دراستهم في جميع الجمهوريات السوفياتية، مدرسين وأساتذة في مناطقهم.
وهذه الأبجدية أصبحت فيما بعد سبباً لتقدم الأدب الكردي وتحسّنهِ ويعوّل عليها في إصدار الكتب ودواوين الشعر. ومنذ عام 1932 حتى عام 1936م صدرت كتب وبحوث في مختلف ضروب الأدب، ففي عام 1936م طبع كتاب (فولكلور الأكراد-أدب الأكراد الشعبي) في 650 ستمائة وخمسين صفحة وهو كالدرة التي ترصع تاج الأدب الكردي وهو أيضاً موضع فخارنا واعتزازنا. وفي غضون هذه الأعوام نشطت حركة الترجمة فازداد أدبنا رصانة ومتانة.
ومن المؤسف أن نظام ستالين في عام 1937م أفسد كل شيء يوماً بعد يوم ووضع حظراً على الأقليات للقراءة أو الدراسة بلغاتها بحجة أن لغات هذه الأقليات أخفقت في أن تكون لغة أدب في خلال هذه السنوات. ومنعت طباعة الكتب إضافة إلى جريدة “ريا تزه”. وزجّ هذا النظام عدداً من المثقفين والمتنورين في السجون بينهم: عرب شمو و جردويي كنجو و أحمد ميرزا وحاجي جندي وغيرهم بذريعة أن لهؤلاء علاقات مشبوهة مع أهاليهم وأقربائهم المقيمين في خارج الأراضي السوفياتية. وليس ببعيد أن تكون هذه الدسيسة قد صدرت من جهات معادية للأكراد.
وهكذا حدث في ساحتنا خواء وفراغ حتى منتصف أعوام الخمسينيات. باستثناء بعض البحوث التي صدرت بموافقة شبه رسمية. وبعد رحيل ستالين عام 1953م صدر مرسوم يقضي بمؤازرة الأقليات في تحسين وترقية آدابها ولغاتها. ولما كنا أرباب تجربة ومراس وكانت بيننا “كوادر” متخصصة فقد جرت الأمور على خير وجه في فترة وجيزة. كلفت الدولة “حاجي جندي” بإعداد أبجدية كردية بالحروف ال”كريلية” وبهذه الأبجدية أعيد إصدار صحيفة “ريا تزه” وكذلك صدرت كتب في الأدب الشعبي “الفولكلور” كما صدرت كتب منهجية للمدارس، وفي تلك السنة عادت الإذاعة الكردية إلى بث برامجها وثابرت على ذلك. ولتحسين هذا العمل وترقيته صدر مرسوم في كليات لدراسة اللغة الكردية في أكاديميات أرمينيا، و روسيا “موسكو ولينينغراد- بطرسبورغ الآن” وذلك في مجال اللغة “فقه اللغة” وإحداث قسم لللغة الكردية في مؤسسات الاستشراق. وهكذا تحسنت المعرفة اللغوية الكردية، فاحتاج الأمر إلى إصدار معاجم وقواميس كردية. فصدرت بعض المعاجم تباعاً مثل القاموس: الكردي- الروسي تأليف قناتي كردو وقاموس جركز باكاييف “كردي –روسي” وقاموس إيفان فاريزوف “روسي- كردي.
أريد هنا أن أبدي عن رأي قد تستغربونه: إن الأبجدية الكردية ال”كريلية” كانت ملائمة لأكرادنا أكثر من الأبجدية اللاتينية لأنها تحتوي على جميع الصوتيات في اللغة الكردية لأن الأطفال الناشئين الأكراد الذين يشرعون في الدراسة يجدون مشقة بالغة في تعلم الحروف اللاتينية “كانت المدارس في جميع القرى أرمنية” حيث توجد حروف خاصة، وكانت الحروف الروسية أيضاً ضمن المناهج المدرسية. فإذا كانت الكتابة الكردية بالحروف اللاتينية لأصبح لدينا ثلاث أبجديات وفي ذلك عنت مبين للصغار المبتدئين.
لقد رفعت ثورة البارزاني العظيم اسم الأكراد عالياً في العالم فاعتقدت الدولة السوفياتية أن لهم في الشرق الأدنى شأناً كبيراً وقوة كبيرة فرأت من الضرورة بمكان تحسين أحوال اللغة الكردية وتطوير آدابها والاهتمام بتاريخ الأكراد في الأراضي السوفياتية فصارت جريدة “ريا تزه” اللسان الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الأرمني أي أن صحيفتنا غدت إحدى الصحف الرسمية الأربع في البلاد. وحاولت الدولة السوفياتية أن تقول للعالم: إن عدد الأكراد في العالم يبلغ عشرات الملايين ولم تمنح لهم أية حقوق في غير الأراضي السوفياتية وفيها يتمتعون بكل حقوقهم. وبذلك كانت تسعى إلى استمالة الأكراد وجَعْلِهم أزراً وسنداً. وهذه المبادرة لقيت قبولاً حسناً لدى الأكراد وازداد اهتمام الدولة بنا. فاستغللنا هذه الفرصة وطالبنا بالمزيد من الحقوق. وهنا أرغب في تقديم مثال:
أرسل خليل جاجان الذي ظل مديراً للإذاعة الكردية مدة /24/ أربعة وعشرين عاماً في “يريفان”- في منتصف الستينيات كتاباً إلى رئاسة الإذاعة في “موسكو”: “كانت الإذاعة الكردية في يريفان في الأصل إذاعة سوفياتية وليست أرمنية وحسب” التمس فيه تمديد فترة الإذاعة الكردية واقتراح أن تكون هذه الفترة أطول من فترة إذاعة الأقليات الأخرى وأن لا تكون حسب عدد الأكراد المقيمين هنا لأن الأقليات الأخرى لها دول في الجمهوريات السوفياتية أولها دول وحكومات خارج الأراضي السوفياتية أما الأكراد فهم محرومون من هذه الامتيازات مثال ذلك:
إن حقوق الأرمن الأوكرانيين وحقوق الألمانيين في قازاخستان يجب أن تكون أدنى من الحقوق الكردية أي أن الحقوق الكردية يجب أن تكون من حقوقهم… ولقد لقي هذا الاقتراح رضا وقبولاً فامتدت فترة الإذاعة الكردية من ثلاثين دقيقة إلى تسعين دقيقة. مثال ذلك:
ان عدد الآذريين في أرمينيا كان ثمانية أضعاف عدد الأكراد ولكن فترة إذاعتهم كانت /40/أربعين دقيقة.
سأروي لكم حدثاً مهماً: عندما زار البارزاني العظيم عام 1958م “أرمينيا” وذهب إلى دار الإذاعة الكردية قال:”إن إذاعتكم تؤدي دوراً مهماً في سبيل نصرة ثورتنا” فشكر له مدير الإذاعة هذا الإطراء ورجاه أن ينقل هذا الكلام إلى رئاسة الاتحاد السوفياتي فوعده البارزاني أن يلبي هذا الطلب. لذلك نعتقد أن كلمة البارزاني كانت سبباً لإطالة أمد البث الإذاعي الكردي.
كنا نساعد بعملنا الأكراد المقيمين في الجمهوريات الأخرى وليست لهم وسائل لتحسين أحوال لغتهم وثقافتهم وأدبهم. مثال ذلك: إننا كنا نزوّدهم بالكتب التعليمية وكان فيهم مشتركون في صحيفة “ريا تزه”.. وكنا نقوم بطبع أعمال بعضٍ منهم. وكانوا يصغون إلى إذاعتنا أي أن التواصل كان قائماً بيننا.
دام هذا العمل حتى أيام انهيار الإتحاد السوفياتي الذي كان لنا سنداً وعوناً أمداً طويلاً ثم أدبر وولى وتركنا دون حول أو قوة في ظل دولة ضعيفة. إننا لا نستطيع أن نزعم أن جريدة “ريا تزه” والإذاعة بقسمها الكردي ما تزالان كسابق عهدها ولكنهما لم يُحظر عملهما بعد. لقد ألحق سقوط الإتحاد السوفياتي أفدح الضرر بأدبنا وثقافتنا بعد أن كان الداعم المؤيد لشعبنا ومثقفينا ومتنورينا. فلما وجد هؤلاء المتنورون أن الأحوال قد تبدلت ولم يعد في وسعهم العمل كما يشتهون تبددوا واختار كل منهم سبيلاً وذهب لطيته. وأشد فداحة وإيلاماً من هذا وذاك أن فئة من الأكراد “اليزيديين” وبعض “الرفاق” من كردستان الشمالية وأذربيجان الذين لا يمتون إلى أدبنا وثقافتنا ومعارفنا بأية صلة قد رفعوا هاماتهم يحاولون غزو أدبائنا ومفكرينا في عقر دارهم لينتزعوا مراكزهم وينصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب. ثم أن “الجمعية اليزيدية” تحركت بريادة جماعة أشباه جهلة وانصاف متعلمين تعلن على الملأ كلمة “لسنا أكراداً، نحن يزيديون” وقد وجدت كثيراً من الأنصار والمؤيدين، وقد فسحت الحكومة الأرمنية المجال لهم ومنحتهم نصف ساعة للبث الإذاعي أي باللغة “اليزيدية”. وتصدر جريدة باللغة الأرمنية باسم “صوت اليزيديين” وتم إعداد كتب تعليمية..والخ.
في عام 1991م حسب الإحصاء الرسمي الذي أجرته الحكومة الأرمنية انخفض عدد الأكراد في أرمينيا من /56000/ ستة وخمسين ألف نسمة إلى /4000/ أربعة آلاف نسمة أي أن /52000/ اثنين وخمسين ألف كردي تحولوا بين عشية وضحاها إلى “يزيديين” أي انتزعت منهم الصفة الكردية وفي هذا العام نفسه ارتفع عدد المشتركين في صحيفة “ريا تزه” من أربعة آلاف مشترك إلى خمسة آلاف مشترك. وبهذا الصدد أرسلت معلومات إلى أصحاب “كتاب غينيس للأرقام القياسية” لغرابتها. أما أكراد “الرفاق” فقد اندسوا بين صفوف الشعب وقالوا لنا: “أنتم دخلاء ومتطفلون على هذه البلاد… بلادكم هي كردستان” وهؤلاء أيضاً استطاعوا أن يكسبواً جمعاً غفيراً من الأنصار والمؤيدين.
أما جمعية “الاتحاد” التي كانت تشكلت بزعامة بعض الأكراد الأذربيجانيين “كان معظمهم من منطقة “كردستان الحمراء” سابقاً فقد بثت دعايتها وقالت:
“علينا استعادة أرضنا” وكانت ترى ان استعادة الأرض لا تكون إلا بعودة جميع أكراد الاتحاد السوفياتي –سابقاً إلى أرض “كردستان الحمراء” الواقعة بين “أرمينيا” و “قره باخ الجبل” لمقاتلة الآذريين. أي تهجير الشعب إلى ما بين دولتين “أرمينيا وآذربيجان” بينهما حروب وقتال. كل هذه الأحداث وهذه الدعوات كانت تقف حجر عثرة على طريق تقدمنا.
إننا لا نرى لنا ناصراً أو معيناً سوى “كردستان الحرة” ولا نجد خلاصنا إلا على يدها، وإننا نأمل ونرجو أن تمدنا بالأزر والعون كي نسير بحركتنا الثقافية نحو الأفضل كما كنا نفعل ذلك في الماضي. ولا سيما أن جريدة “ريا تزه” تفتقر إلى الدعم والمساندة؛ وقد يقول قائل: إن صحفاً كثيرة غابت عن الساحة ولابأس أن تغيب “ريا تزه” أيضاً. ولكننا- اذا استمر صدورها- سنستطيع أن نعلن للعالم أجمع: إن الأكراد قادرون على إصدار صحيفة على مدى أكثر من /80/ ثمانين عاماً بلغة كردية جزلة ونقية.
قلنا: إن الاتحاد السوفياتي كان وراء تطورنا ونجاحنا، وكذلك دعمتنا نقابة الأدباء والمتنورين في الدولة في سير عملنا بشكل يدعو إلى الفخار. لنضرب على ذلك مثالاً: لم يكن من السهل –في بلادنا- أن يصبح شاعراً أو كاتباً كل من رغب في ذلك. إذ كان ينبغي لمن شاء أن يصدر كتاباً أن يلجأ إلى “إتحاد الكتاب الكرد” الموازي “لاتحاد الكتاب الأرمن”… وكان هذا الاتحاد يطلع على هذا العمل ويدرسه ثم يصدر قراراً يسمح بطباعته أو يصدر قراراً بالرفض. كان بيننا كثير من الأشخاص كتبوا كماً هائلاً من “الشعر” و “السيرة” و “الرواية” وسواها. ولكنهم لم يصبحوا كتاباً أو شعراء لأن كتاباتهم لم تطبع. وكان انتخاب أعضاء اللجان الأدبية يتم بهذه الطريقة. أي أن الأشخاص الذين كانوا منعزلين عن المحيط الثقافي لم يكن يسمح لهم بالانتماء أو الانضمام إلى جمعيتنا الثقافية.
وفي خاتمة المطاف سأتحدث قليلاً عن أكراد “كازاخستان” و “قرغيزيا”. يوجد في هاتين الدولتين زهاء /50000/ خمسين ألف نسمة من الأكراد، وأغلبهم من أولئك الأكراد الذين كانوا يقيمون في “جورجيا” و “أذربيجان” لدى الحدود التركية. وكان ستالين قد نفاهم إلى هناك في عام 1937م. وبينهم قسم من الأكراد المسلمين والأرمينيين والأذربيجانيين الذين هاجروا إلى هناك بعد سقوط الدولة السوفياتية. ومن الغريب جداً أن الأحوال الأدبية والثقافية هنا تتطور وتتحسن أفضل من الجمهوريات الأخرى. فقد شُكّلتْ جمعية “اتحاد أكراد كازاخستان” برئاسة الأكاديمي الكردي الأول في العالم- نادر كرم ناديروف ورئيس جامعة “Almaat” البروفيسور: كيناز إبراهيم ميرزوف. وتصدر هنا مجلة كردية… وفي مدارس القرى الكردية تدرّس اللغة الكردية.. وتعقد المؤتمرات لبحث المسائل الكردية وقضايا الأكراد.. وتطبع دواوين الشعراء والكتاب الأكراد.
كانت أحوالنا ستسير على نحو أفضل لولا مساعي بعض المغرضين وحسد الحاسدين وإساءة المسيئين. وكانت معاناتنا كالتالي:
1-كانت كوادرنا الكردية الأولى من أولئك الأكراد الذين نزحوا إلى أرض “أرمينيا” بعد المذابح الأرمنية عام 1915م ولأنهم كانوا قد فقدوا أهاليهم وذويهم فقد أدخلوا دار الأيتام ونشأوا فيها. مثل:
حاجي جندي، وأمين عفدال، وجردو كنجو، وجاسم جليل. الذين لم يترعرعوا في قرى كردية بل عاشوا أعواماً طويلة بعيداً عن العادات والأعراف والثقافة الكردية وكادوا أن ينسوا اللغة الكردية بحذافيرها… كانوا يفكرون “بالأرمنية” ولم تكن اللغة الكردية متجذرة في تفكيرهم وعقولهم.. ولا ننكر أنهم تعلموا اللغة الكردية فيما بعد ولكن التعلم ليس كالمعرفة والعلم المكتسبين بالفطرة.
2-في السنوات الأولى، كان تعلم اللغة الكردية يجري بالأبجدية الأرمنية في مدارس القرى الكردية ثم تحولت إلى مدارس كردية بعد عدة أعوام. وكانت العلوم كالفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء تدرّس بلغة كردية ركيكة وبهذه اللغة كانت الكتب المدرسية تطبع. وفي ذلك يقع اللوم على مثقفينا لأنهم لم يُفهموا المسؤولين في الدولة بأنّ هذا النهج المدرسي سابق لأوانه ولا يتناسب مع اللغة الكردية… وهم الذين خلقوا لنا هذه الأزمة.
3-كانت العلاقات بالأكراد المقيمين في خارج الاتحاد السوفياتي ممنوعة ومحظورة. وكانت السبل التي تؤدي بنا إلى الاتصال بالمثقفين الأكراد في أرض غير سوفياتية غير سالكة. ولم نكن نجد فسحة في إذاعتنا أو صحيفتنا للتحدث أو الكتابة عن كردستان وأكرادها. كان يقال لنا بطريقة رسمية: “إن صحيفة “ريا تزه” ليست للأكراد… إنها صحيفة سوفياتية بلغة كردية”.
4-كان بيننا وبين العالم الخارجي “ستار حديدي”. وكان بعض متنورينا ومفكرينا وكتابنا الذين خلعت قلوبهم هولاً وملئت نفوسهم رعباً قد نشأوا في ظل هذا الحاجز الفولاذي.
5-والأزمة الكبرى هي أن بعض الموظفين في رئاسة الاتحاد السوفياتي ينقلون إلى الدولة أحوال الأكراد وأدبهم ولغتهم في تقاريرهم وكان هؤلاء الموظفون من بلاد الشرق أي كانوا آزريين وتتراً وأجناساً أخرى يحملون البغضاء والكراهية للأكراد.[1]