تيمور خليل
ترجمة: #دلاور زنكي#
من الأمور ما هو عجيب، وما هو عجيب جداً. والأمر العجيب هو أن الرواية الكردية الأولى “الراعي الكردي” التي سطرها قلم “عرب شمو” قبل /74/ أربعة وسبعين عاماً قد نَفَدَت أعدادها وربما لم يبق منها أكثر من /10/ عشر نسخ وقد جددت طبعها الآن مؤسسة “ليس Lis” للطباعة والنشر وجعلتها في متناول جميع القراء في صورة أنيقة ومن الأمور العجيبة أيضاً أن ناشر هذه الرواية ليس من مواطني “عرب شمو” وليس من البلاد السوفياتية (سابقاً) ولكنه كردي يحمل هم وطنه، حريص على آداب قومه ويضع صلاح الشعب فوق كل اعتبار. إنه الكاتب الباحث “مصطفى أيْدوخان”.
ربما بدا للبعض أن العبء الذي تحّملهُ “مصطفى آيدوخان” لم يكن عبئاً باهظاً أو عملاً جليلاً لأنه لم يفعل شيئاً سوى تغيير الحروف الروسية التي كتبت بها الرواية إلى الحروف اللاتينية التي تدوّن بها الكتابات الكردية في هذه الأيام. ولكن هل في وسعنا أن ندرك كم بذل من الجهد والعناء في مراجعة المكتبة الأرمنية الثرية بمدخراتها والمكتبة الكردية في ستوكهولم السويدية.. وكم كتاباً قرأ عن “عرب شمو” وعن أعماله وأحواله النفسية والاجتماعية حتى يستطيع ان يتقمص شخصه وينقله إلى القارئ بحذافيره ويضعه نصب أعين القراء ويحلل وينقد أدبه في المقدمة التي قدم بها الرواية التي ظهرت في حلتها الجديدة شارحاً للقراء مزايا هذه الرواية ومكانة صاحبها ليتمتع القارئ بلذة عميقة وحقيقية وهو يتابع أحداث الرواية فإذا قرأ القارئ هذه المقدمة ثم قرأ الرواية لوجد نفسه أمام عمل روائي شامخ. ولا شك في أن القارئ اذا انتهى من الرواية فسوف يقرأ المقدمة مراراً وتكراراً لأنها كتبت بلهفة الكاتب وأحاسيسه وعواطفه الصادقة الجياشة. وسيدرك أولئك الذين كانت الشكوك تخامرهم أن “الراعي الكردي” هي الرواية الكردية الأولى وأن عرب شمو هو الروائي الكردي الأول.
إن المقدمة زاخرة بكل المعاني النقدية والتحليلية والملاحظات الشمولية بحيث لم يترك لي الكاتب فراغاً لإضافة رأي أو ملاحظة.
ليس منا من لا يعلم أن الأدب الكردي تطور تطوراً حسناً في السنوات العشر الأخيرة، فإذا نظرنا من هذه الوجهة إلى رواية عرب شمو “الراعي الكردي” كان بوسعنا أن نقول: إن عملاً أدبياً أنجز في عام 1935م جدير به أن لا يكون عملاً جيداً من الناحية الأدبية. ولكنني أعتقد أن رواية “عرب شمو” هي أجمل وأروع رواية كردية كتبت حتى الآن ولا تضاهيها أية رواية أخرى في اللغة الكردية وبرهان ذلك أن هذه الرواية “وكتباً أخرى” نشرت باللغة الروسية والأرمنية في “روان” و “موسكو” بتكليف من روّاد الرواية والمثقفين، وهذا اعتراف بأن “عرب شمو” قد حاز جميع الشروط الفنية والعناصر الأدبية التي تقتضيها صناعة الرواية.
//
ومن البدهي أن الكاتب يحسن الكتابة باللغة التي درسها وتعلم بها في المدارس أي يكتب بطريقة أفضل مما لو كتب بلغة لم تتح له دراستها.
لقد كانت اللغة الروسية هي التي تعلم بها عرب شمو منذ نعومة اظفاره وهي لغته الأكاديمية. ولا ننكر أن عرب شمو كان متضلعاً من اللغة الكردية وكانت متينة ورصينة ولكنها لم تكن اللغة التي تعلم بها، ولكنه اتخذ اللغة الكردية منهجاً ونظاماً للكتابة والتأليف ليترجمها فيما بعد إلى لغة أخرى أو يأتي طرف آخر للنهوض بمهمة الترجمة.
ففي ذلك العهد لم توجد أسس أو أنظمة لكتابة اللغة الكردية ولم تكن الألفباء الكردية قد ظهرت آنذاك ولم تكن الصحف والمجلات الكردية تدخل الديار السوفياتية، ولم يكن عرب شمو قد سمع باسم مجلة “هاوار1932-1943″ ولم يكن يعرف عنها شيئاً وقصارى القول فقد كان عرب شمو منعزلاً كل الانعزال عن اللغة الكردية وآدابها وفنونها، ولم يكن بين يدي عرب شمو أي مصدر من المصادر الكردية يستطيع أن يتعلم منها أو يحذو حذوها في الكتابة.
وبقرار من الحكومة السوفياتية السابقة والحكومة الأرمنية لوضع صيغة للأبجدية الكردية بالأحرف اللاتينية (الروسية) أسندت هذه المهمة إلى عرب شمو “واسحاق ماركولوف” الآشوري. وقد أنجزا العمل المسند إليهما في عام 1928م وفي عام 1929م نشرت جميع الكتب الكردية في كل أرجاء العالم بالأحرف اللاتينية (الروسية).
وهكذا نجد شخصين ينجزان الألفباء الكردية بالأحرف اللاتينية الأولى بتكليف من الحكومة السوفياتية وهي أول الفباء لللغة الكردية ونرى بداية للطباعة بهذه الحروف في عام 1929م. وصحيفة (ريا تزه Riya Teze) هي الصحيفة الأولى التي تصدر بهذه الحروف.
في مجلة “هاوار” الصادرة في عام 1932م في العدد الثامن (8) يعترف صاحب المقال: “هركول أزيزان (اسم مستعار من أسماء الأمير جلادت بدرخان)” بأن مجلة “ريا تزه” أقدم من مجلة “هاوار”.
فإذا كان الأمر كذلك فلماذا ننكر ونرفض أن يكون “عرب شمو” أول واضع ومؤسس للأبجدية الكردية اللاتينية ولماذا ننكر ونرفض أن يكون أكراد السوفيت كانوا سباقين إلى طبع ونشر أول كتاب بالحروف اللاتينية؟ إن جلادت بدرخان هو الذي وضع الأبجدية الكردية بالحروف اللاتينية التي يكتب بها جميع الأكراد… ولكنه ليس المؤسس الأول لها… المؤسس الأول للألفباء الكردية.
وبعبارة أخرى يقول الأكاديمي السوفياتي المستشرق الكبير يخيازاريان ودار النشر السوفياتية بالدليل القاطع: إن عرب شمو هو الذي أسس الأبجدية الكردية اللاتينية ووضع لها القواعد، والحكومة السوفياتية تؤكد هذه المقولة. ويعتقد البعض أن المؤسس الحقيقي هو إسحاق ماروكولوف وأن عرب شمو كان له معاوناً ومؤازراً وليس واضع أبجدية، وهؤلاء البعض ليس بين أيديهم ما يثبت هذا الزعم. وقد قرأت في بعض المنشورات الكردية ان إسحاق ماروكولوف كان مؤسس هذه الأبجدية. وهذا الزعم غير صحيح جملة وتفصيلاً أو أنه ينطوي على شيء من الصحة ولا يخلو من الخطأ.
//
لقد تمرس مصطفى آيدوخان بدراسة الرواية من كل أطرافها وبحث في أمر الأبجدية الكردية ولم يترك مندوحة للشك والارتياب. ولم يدع شاردة أو واردة دون تمحيص ودراسة عميقين ولم يدع أي منفذ لسائل يسأل.
وهذه المنشورات هي التي تجلب الشكوك للقراء. ويبقى للقراء أن يعلموا أن إسحاق ماروكولوف الآشوري كان معلماً في قرية ولم يكن يستطيع منافسة عرب شمو الذي كان واسع المعرفة وعالماً كبيراً في هذه المسائل. ولقطع دابر الخلاف في هذه القضية نقول: إن الحكومة الأرمنية كانت قد اسندت مهمة الأبجدية الكردية الى عرب شمو عام 1928م فأنجز تلك المهمة بمشاركة اسحاق ماروكولوف. وقد نشرت وثيقة بهذا الصدد آنذاك مرفقة ببعض المعلومات في صحيفة “آرمانجArmanc = الهدف”.
سنعود مرة أخرى إلى الرواية الكردية الأولى.
ان الأمر الأكثر خطراً ونفاسه هو أن هذا الكتاب ترجم في عام 1935م من الكردية إلى الروسية وطبع في موسكو. وقبل أن يطبع هذا الكتاب كان الكتاب والنقاد الروس قد تدارسوه وحبذوا نشره وطبعوه بصفته محتوياً على رواية نالت إعجابهم. فإذا وضعنا نصب أعيننا بأن اللغة الأصل هي أمتن وأكثر جزالة من اللغة التي ترجمت إليها الرواية أدركنا رونق اللغة التي كتبت بها الرواية. وهذا برهان ساطع وحجة دامغة في الرد عن أسئلة المرجفين الذين تنكروا دهراً للأدب الكردي وحاربوا اللغة الكردية بكل ما يمتلكون من كيدٍ وحقد وليعلم أولئك الحاقدون أن رواية “عرب شمو” طبعت أول مرة عام 1935م في موسكو ثم أعيد طبعها مرات كثيرة باللغة الروسية. والعنصر المهم في هذه الرواية هو لغتها الرصينة البليغة المتخمة بالمصطلحات اللغوية والحكم القديمة والمفردات المعجمية التي غابت عن أفهام الكثيرين فربما قال أحد القراء “كنت اسمع هذه الكلمات من جدتي وها أنذا أقرأ رواية عرب شمو لتعود إلى ذاكرتي”.
إن واضعي كتب اللغة والمعاجم سيحسنون صنعاً لو رجعوا إلى هذه الذخيرة وأضافوها إلى مؤلفاتهم.
لو أن “عرب شمو” أخرج كتبه باللغة الروسية لكان أسهل وأهون عليه، ولكنه آثر الكتابة باللغة الكردية وهو يعلم أنه لو كتب بالروسية لكان قراؤه أكثر عدداً وكانت أحواله الاقتصادية أكثر ثراء وغنىً.
إن جميع كتابات “عرب شمو” التي صدرت باللغة الروسية والأرمنية والأزرية والجورجية والانكليزية والفرنسية والألمانية والعربية كانت مترجمة عن الكردية.
وفي الختام نثبت هنا بعض المعلومات عن حياة عرب شمو وسيرته:
*في الأعوام الطويلة التي قضاها عرب شمو في معتقلات سيبيريا كان يسرد ويروي لنفسه العبارات حتى لا ينسى لغته الأصلية، لغة الأم ويغفل عنها.
*كان عرب شمو إذا التجأ إليه أي طالب حاجة من عامة الشعب ارتدى ملابسه ووضع على صدره أنواطه وأوسمته ثم ذهب إلى المسؤولين والزعماء في الجمهورية الأرمنية ووجد حلاً لطلب ذي الحاجة.
*كان شديد الشغف ب”الكباب” وكان يعده بيده ولا يرضى أن يكون معداً بيد غيره، وكان يتناوله مشفوعاً بكأس من “الكونياك”.
*كان عرب شمو يتقن /7/سبع لغات في أقل تقدير. الكردية، والأرمنية، والتركية العثمانية، والروسية، والجورجية، والألمانية ، والأزرية.
*بعد أن أمضى في السجن /17/ سبعة عشر عاماً أدرك أن شخصاً كان قد افترى عليه ووشى به إلى الحكومة فسجن هذه المدة الطويلة من غير وجه حق ولكنه لم يطالب بمثوله أمام المحاكم وغفر له جريرته قائلاً: حتى لا يقال إن الأكراد يتنازعون ويشي بعضهم ببعض.
*بعد رحيله خصصت في الحكومة الأرمنية جائزة أدبية باسم “عرب شمو”.
*كان متوقد الذهن، وكانت ذاكرته تصل إلى درجة خيالية، وكان اذا خالط أحداً عرفه وعرف أسلافه حتى الجد السابع وكان يترك سامعه حائراً مذهولاً بسبب معرفته الواسعة.
*على جدار المنزل الذي أقام فيه “عرب شمو” لوح من الرخام نقشت عليه هذه العبارة: “في هذه الدار عاش الكاتب الكردي البلشفي القديم المناضل الاجتماعي الشهير: عرب شمو شاميلوف”. يقع بيته في وسط مدينة يريفان:”زقاق آبوفيان 7″ وهذه الكتابة ما زالت قائمة حتى الآن.
كتبت ابنته “زيني” رسالتها في الحديث عن سيرته لنيل شهادة “الدكتوراة”.
*كان عرب شمو عضواً في أكاديمية بغداد.
*كان ينتمي إلى اسرة من رجال الدين وكان يستطيع أن يسلك الطرق الدينية الصوفية ولكنه لم يفعل وكرّس كفاحه لمحاربة أولئك الذين يتخذون الدين مطية لاستلاب أموال الناس.
*كانت لديه مكتبة زاخرة بالكتب.
*كان اذا قرأ في كتاب سياسي فقرة عن شعب نال استقلاله أو يحاول ذلك وضع تحتها خطاً بالقلم الأحمر وكتب إزاءها: هكذا يجب أن يفعل الأكراد.
*وبغض النظر عن كون عرب شمو رجل علم ذائع الصيت في الجمهورية الأرمنية وسائر الاتحاد السوفياتي فقد كان ممثلاً للشعب الكردي.
عندما حضر البارزاني العظيم في عام 1958م إلى أرمينيا أعدَّ عرب شمو ورئيسي إذاعة “روان” خليل جاجان والبارزاني الكبير/الخالد/ صيغة رسالة إلى رئاسة الاتحاد السوفياتي لإطالة مدة البث الإذاعي الكردي. ولما سافر الملا مصطفى البارزاني إلى موسكو حمل تلك الرسالة ثم ما لبثت مدة البث أن بلغت الضعف.[1]