عُرفت مدينة السليمانية بطابعها المدني المتحرر، حتى أنها تسمى بالمدينة الأوروبية، لما فيها من حريات عامة للمدنيين والعوائل، وخاصة النساء اللواتي حصلن على حقوق متقدمة وقانون منصف قياسا بباقي محافظات إقليم كردستان والعراق بشكل عام، فضلا عن النشاط الثقافي والفكري فيها.
ولكن في السنوات الأخيرة، تشهد السليمانية تزايدا وانتشارا كبيرا للتيار السلفي المتشدد، ما يطرح تساؤلات حول أسباب انتشار هذا الفكر في مدينة ذات طابع مدني متحرر وإسلامية وسطية معتدلة.
وبهذا الصدد، يقول الكاتب والصحفي الكردي محمد فاتح، خلال حديث ل”العالم الجديد”، إنه “بعد نيل إقليم كردستان الحكم الذاتي في عام 1991 بدأ تيار إسلامي متطرف بالظهور في السليمانية، ويعتبر هذا التيار غريبا على أهالي الإقليم، لأنهم كانوا معروفين بالاعتدال والتعايش السلمي وتقبل الآخر”.
ويضيف فاتح، أن “انتشار التطرف في الإقليم بدأ مع ظهور هذا التيار، والسبب يعود إلى أنهم وجدوا مساحة لهم في كردستان لنشر خطاب الكراهية وقد نجحوا في مهمتهم، حيث استطاعوا زرع خطاب الكراهية داخل أغلبية أفراد أهالي الإقليم”.
ويحمل المسؤولية ل”سلطات الإقليم فهي فتحت الأبواب، وسمحت لهم بنشر خطابهم وزرعه في نفوس الناس من أجل مصالحها السياسية والحزبية الضيقة، دون الاكثرات بالكارثة الدينية والعقائدية التي حلت بكردستان”.
وعلى المستوى الديني، فالسليمانية هي منبع الحركات الصوفية المسالمة، ومنها تنحدر الطريقة الكسنزانية، وكانت تضم أكبر تجمع للتكايا ودراويش الطرق الصوفية المختلفة، ومن هذه المحافظة ظهر أشهر مشايخ التصوف، كالشيخ عبد الكريم بياره، والشيخ عبد الكريم المدرس وآخرون.
ولكن خطباء التيار السلفي ينفون ما يقال عنهم، ويؤكدون بأنهم يمارسون دورهم الديني والعقائدي، دون التجاوز على حريات الآخرين، وأنهم يبتعدون في خطبهم عن التطرف.
ويشير لقمان أحمد، وهو خطيب أحد الجوامع في السليمانية، خلال حديث ل”العالم الجديد”، إلى أن انتشار التيار السلفي لا علاقة له بالسياسة أو بدعم خارجي، كما يحاول البعض تشويه صوتنا لأسباب خاصة بهم”.
ويوضح أحمد، أن “مساجد السلفية تمارس العمل الديني والوعظي، ولا علاقة لها بالسياسة، وهناك محاولة لخلط التيار السلفي ودمجه مع خطاب داعش والتنظيمات المتطرفة الأخرى، وهذه مغالطة مقصودة من بعض الجهات، بهدف تشويه صورة الدين الإسلامي بشكل عام”.
ويردف أن “خطباء التيار السلفي في السليمانية، كانوا أول من وقف ضد أفعال داعش، ومحاولته الهجوم على إقليم كردستان في صيف 2014، كما أن التيار السلفي في الإقليم دان ممارسات التنظيم المتشدد ضد المكونات الدينية الأخرى”.
وفي جردة حساب بسيطة، لا تكاد منطقة أو شارع في السليمانية، إلا ويتوسطه مسجد للتيار السلفي، كما تتخلله إقامة الدورات القرآنية ودورات العلوم الدينية، ما يزيد المخاوف من تأثر الجيل الجديد للشباب بالفكر المتطرف للحركات السلفية.
من جانبه، يؤكد السياسي الكردي لطيف الشيخ، خلال حديث ل”العالم الجديد”، أن “أحزاب السلطة في الإقليم وتحديدا الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني، برئاسة بافل جلال طالباني، بدأت بالتقرب من التيار السلفي، وذلك لمصالحها الخاصة”.
ويلفت إلى أن “أحزاب السلطة تريد كسب تأييد الشارع الكردي عبر محاولة إظهار أنها تدعم الحركات الدينية، كون شعبيتها تراجعت، بسبب الفشل الإداري الكبير والأزمات التي يعيشها المواطن في الإقليم”.
ويبين أن “العلاقة الجيدة بين الحزب الديمقراطي وقادة كردستان مع دول الخليج وتحديدا مع السعودية والإمارات، هي واحدة من أهم الأسباب الرئيسية وراء انتشار التيار السلفي في الإقليم”.
وينبه الشيخ، إلى أن “الاتحاد الوطني الكردستاني، يعرف بأن هذا التيار لا يسبب إزعاجا للسلطة الحاكمة في الإقليم، لذلك يعطيهم الحرية والموافقات التامة لإقامة التجمعات والدورات وفتح المساجد والمدارس والمعاهد الدينية”.
يشار إلى أن الملا كريكار، واسمه نجم الدين فرج أحمد، هو أشهر داعي كردي من السلفية الجهادية، وهو من السليمانية وأسس فيها أول جماعة للإخوان المسلمين، وفي عام 2001 أسس حركة “أنصار الإسلام” في النرويج حيث يقيم، وحركته صنفت ضمن التنظيمات الإرهابية، وفي عام 2005 تم اعتقاله في إيران، ثم تم ترحيله إلى هولندا، حيث سجن فيها أربعة أشهر، وحققت معه المخابرات الهولندية والأمريكية والإيطالية، وبعدها عاد للنرويج وخضع لسلسلة تحقيقات ومحاكمات بتهم تتعلق بدعم التطرف وبأنه على علاقة بتنظيم القاعدة، وهو ما ينفيه.
بدوره، يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية بيستون مصطفى الجاف، خلال حديث ل”العالم الجديد”، أن “واحدة من أسباب انتشار السلفي هي فشل أحزاب السلطة في إدارتها والمقت الشديد لتلك الأحزاب من قبل أغلب المواطنين في الإقليم”.
ويؤكد الجاف، أن “الأحزاب الإسلامية ومنها، الجماعة الإسلامية الكردستانية (حزب العدل الكردستاني حاليا) بزعامة علي بابير، والحركة الإسلامية الكردية، والتيار السلفي برئاسة عبد اللطيف أحمد، استطاعوا كسب ود المواطنين، وخاصة من ذوي الدخل المحدود”.
ويردف أن “الأحزاب الإسلامية السلفية تمتلك عشرات المستشفيات والمراكز الطبية، ولديها مشاريع خيرية، وأطباء يقومون بإجراء العمليات بأسعار رمزية، وأجور المستشفيات رمزية، على عكس الأحزاب الحاكمة التي لم تقدم أي خدمات تذكر للمواطن الكردي، وبالتالي هذا الأمر زاد من شعبية التيار الديني السلفي في الإقليم”.
وكان الجيش الأمريكي قد نفذ في 22-03- 2003 عملية استهدف بها أوكارا ل”الجماعة الإسلامية” و”حركة أنصار الإسلام” في ناحية بيارة بحلبجة التي كانت تابعة حينها لمحافظة السليمانية، وأسفرت عن مقتل 57 عنصرا من الجماعتين.[1]