#بيار روباري#
المحافظات والمدن التي يتألف منها إقليم غرب كوردستان
1- مدينة باخاز:
تاريخ مدينة باخاز (باغوز) يعود إلى الأف (4000) الرابع قبل الميلاد، هذا بحسب رأي العلماء الذين نقبوا في موقعها وإستخرجوا أثارها ودرسوها، وقد سبقت مملكة “ماري” في نشأتها بقليل، والتي لا تبعد عنها سوى (7) سبعة كيلومترات فقط. وتعتبر أهم وأقدم من مملكة “خانه”، وجميع هذه الممالك، تقع في نفس البقعة الجغرافية وعلى ضفاف نهر الفرات الكوردي، أرضآ وماءً من أوله إلى أخره حاله عند خليج إيلام، حاله نهر تيگريس أي (دجلة) والتسميتين كورديتين.
وكما ذكرنا في الجزء الأول الذي خصصناه للكيان السوري، أن أول غزو سامي سرطاني لوطن الكورد كان في منتصف الألف الرابع أي (3500ق.م)، أي بعد إنشاء مدينة “باخاز” بحوالي (500) عام. فكيف باتت هذه المدينة والمنطقة المحيطة بها أراضي عربية؟؟ ومن الغزاة والمحتلين الذين تعاقبوا على حكم المدينة: الأموريين، الأكديين (البابليين، الأشوريين)، الفرس، التدمريين، الرومان، ثم العرب المسلميين، العثمانيين، والأن مرة أخرى يحتلها المستوطنيين العربان الأشرار.
إحتلها الغزاة العرب المسلمين المدينة في العام (640م) والذي كان يقود جحافل العربان هو “عياض بن غنم” وكان ذلك في عهد المجرم والطاغية “عمر بن خطاب”. وحكمها المحتلين الأمويين ثم العباسيين، ومن بعدها إقتحمها الجيش المغولي الدموي، وقام المغول بتدمير المدينة وكان ذلك في (1300) القرن الثالث عشر ميلادي. ومن بعدها إحتلها العثمانيين، ووطنوا فيها عدداً من العشائر العربية الذين جبلوهم من البادية، بهدف تغير ديمغرافية المنطقة ليتمكنوا من فرض سيطرتهم على الشعب الكوردي من سكان المدينة والمنطقة، ولكي يحمون الطريق التجاري الذي كان يصل حلب ببغداد، وكان المسافرين يتوقفون في المدينة للراحة والتزود بالمياه والطعام وكانت تتبع في العهد العثماني الأول لإيالة “الرقة”، لكنها عانت الخراب من جديد عام (1807م) بسبب حروبٍ وهجمات داخلية، إلى أن أتبعها “إبراهيم باشا” هي ومدينة “در- زور” لسنجق حماة، خلال فترة حكمه التي دامت من العام (1831-1840).
معنى تسمية باخاز:
Wateya navê Baxazê
المحتلين العرب حرفوا إسم المدينة بعد إحتلالهم لها والإستيطان فيها، إن إسم المدينة الأصلي والتاريخي هو باخاز. والتسمية كوردية قديمة للغاية ومركبة من لفظتين: االأولى (با) وتعني الهواء، والثانية (خاز) وتعني تعني طلب.
سميت المدينة بهذه التسمية بسبب وقوعها بين جبلين واحد في الجنوب والأخر في الشمال، والموقع الذي بنيت المدينة فيه فعليآ هو نفق، ولكن دون غير مسقوف، وكما ذكرنا أن النفق باللغة الكوردية يسمى “باخاز”. أي أن تسمية المدينة أخذت من جغرافيتها حالها حال مدينة: “درزور، رقا، هسك وجزيره”.
Ba: هواء
Xwaz: طلب
Ba + xwaz —– Baxaz: باخاز (باخوز)
2- مدينة در- زور:
Bajarê Derzorê
مدينة درزور (دير الزور) الأثرية قديمة للغاية، ويعود تاريخها إلى ألاف السنين قبل الميلاد، ولا علاقة للمدينة الحديثة الحالية بها نهائيآ، الشيئ الوحيد الذي يربط بينهما هو الموقع والإسم. والمدينة الأثرية كانت محاطة بسور مبني من الحجارة والطين، وعلى نفس طريقة البناء الخوري في التحصين وتشبه الطريقة التي حصن بها بقية المدن الخورية والميتانية، وكان السور يحمي المدينة من غزوات العربان البدو المستمرة والشديد، والمدينة الأثرية لم يعد منها الكثير للأسف الشديد وذلك لعدة أسباب منها:
أولآ: الغزوات المتكررة وخاصة من قبل العموريين، الكنعانيين، الأشوريين، البابليين، الفرس، الرومان.
ثانيآ: الدمار الهائل الذي لحق بها جراء المعارك، وبسبب الدمار الذي لحق بها، لم يكن ممكنآ التنقيب في قلعتها وإستخراج أثارها ودراستها. والأمر الأخر قام المحتلين العثمانيين ببناء المدينة الحديثة على بقايا المدينة الأثرية وهكذا طمسوا أثارها وتاريخها. وهذا إجرام بحق التاريخ الخوري – الكوردي والذاكرة الإنسانية، وفعلوا نفس الشيئ هؤلاء المحتلين الأوغاد الأتراك مع أثار مدينة “هسكيفا” الكوردية الواقع في شمالي كوردستان، حيث قاموا طمرها تحت الماء لمحو التاريخ الكوردي.
ثالثآ: هدم بقايا المدينة الأثرية على يد عصابة البعث الإجرامية في العام 1969 بأمر من محافظ المدينة. وسنأتي على ذلك بشيئ من التفصيل لاحقآ.
لهذل نعرف القليل عن تاريخ المدينة الأثرية وحياة سكانها، ولا ندري بالضبط متى أنشأت المدينة ومتى تم تدميرها وكم مرة، وما هو المستوى الحضاري التي وصلت إليها المدينة وسكانها، والدور الذي لعبته في تاريخ المنطقة. إلا أن المأكد أنها تعود إل عهد الخوريين أسلاف الكورد، هذا ما تأكد من خلال بقايا الأثار التي وجدت في قلعة المدينة، وأن الإستيطان البشري في المنطقة يعود تاريخه إلى (6000) ستة ألاف سنة قبل الميلاد، أي قبل أن توجد مدينة “در-زور” ذاتها. وقدر علماء الأثار تاريخها يعود للألف الرابع (4000) قبل الميلاد.
وكل ما بني في المدينة من مباني وقصور في الحقبة البابلية والأشورية والأمورية والفارسية، ليس لها علاقة بالمدينة الأصلية نهائيآ، وهي الطبقة السفلى من تلة مدينة درزور الأثرية. حيث دُمرت المدينة عدة مرات قبل الميلاد وبعده، حتى تكون منها تل أثري، أقيم فوقه ما سمي لاحقاً (الدير العتيق)، الذي بُنيا على أنقاض المدينة الأصلية، والتي كانت تتكون من خمسة طبقات فوق بعضها البعض. والتلة التي بنيت عليه (الدير العتيق) يعود تاريخه إلى العصر السومري – الأكادي. لقد بنيت المدينة قبل (4000) الألف الرابع قبل الميلاد، وكانت جزءاً من الدولة الخورية. وهذا أمر بديهي، كون في تلك الحقبة الزمنية لم يكن يعيش في هذه المنطقة سوى الخوريين الكورد. وثانيآ، تقع بين منطقتين خوريتين هما: منطقة أنبار في الشرق والجنوب، ومنطقة الجزيره الفراتية في الشمال، وهي عمليآ صلة الوصل بين جنوب-شرق كوردستان وشمال-غرب كوردستان.
قدر علماء الأثار، الذين زارو المدينة الأثرية قبل هدمها عام (1967)، على يد محافظها الوغد والمجرم بحق المدينة “أسعد صقر”، وشاهدوا هدمها، أرجعوا تاريخ المدينة الأثرية إلى ما قبل (4000) الألف الرابع قبل الميلادي، وهذا يعني أن المرحلة التأسيسية كانت في الفترة الخورية. والمدينة الحديثة تأسست في العام (1865) ميلادية، أي في عهد المحتل العثماني، وفصلوها إداريآ عن مدينة هلچ (حلب) الحالية، وأعلنوها متصرفية جديدة وحملت إسمها نفس إسم المدينة القديمة أي “درزور”.
حكمها الإمبراطورية الأكادية في عهد الملك “سرگون الأول”، ثم سقطت في يد الملك “حمورابي” ثم حكمها الآشوريين ومن بعدهم الكلدانيين والفرس. وبعد هزيمة الفرس أصبحت المدينة جزءً من الدولة الهلنستية في عهد “الإسكندر المقدوني”، ثم أصبحت جزءً من الإمبراطورية السلوقية، ثم إحتلها الغزاة العرب المسلمين بقيادة عياض بن غنم في العام (640) ميلادي، في عهد عمر بن خطاب.
وفي العام (1867) أعاد العثمانيون بناءها وأصبحت مركزآ إداريا تابعا للإدارة العثمانية إلى أن انسحبوا منها عام (1918)، وتعرضت عام (1919) للإحتلال البريطاني وسرعان ما تحررت منه في العام نفسه بعد ثورة شعبية في المدينة، وبعدها تعرضت للإحتلال الفرنسي في العام (1921)، لكن أهلها ثاروا على المحتلين الفرنسيين وتحرروا منه.
مدينة درزور الحديثة:
مدينة “درزور” الحديثة، أسسها العثمانيين وذلك في العام (1876)، هذا قبل أن تنفصل عن ولاية حلب عام (1881) لتغدو بعدها (متصرفية) تتبع مباشرة للأستانة (إسطنبول)، وكانت مركزاً ومحطة مهمة عهدت شؤونها بادئ الأمر إلى (خليل بك ثاقب الأورفلي) بوصفه قائم مقامآ للمدينة، فأنشأ فيها داراً للحكومة، وثكنة عسكرية ومستشفى، وإستمر هذا الحال (54) سنة تعاقب عليها 29 حاكماً أو متصرفاً. ثم إحتلها القوات الفرنسية عام (1921) ميلادية، وجعلتها مقراً لحامية عسكرية كبيرة للجنود. وفي عام (1946) أصبحت جزءاً من الدولة السورية اللقيطة المصطنعة على حساب الشعب الكوردي صاحب الأرض.
إحتل الغزاة العرب المسلمين الهمج المدينة في العام (640) ميلادي، والذي كان يقود الغزاة العرب هو “عياض بن غنم”، وكان ذلك في عهد المجرم “عمر بن خطاب”، فخضعت أولآ لحكم الأمويين ثم للحكم العباسيين، ومن بعدها إحتلها المغول أجداد الأوغاد العثمانيين في القرن (1300) الثالث عشر ميلادي، ودمروها عن بكرة أبيها. ومع نشوء الدولة العثمانية تم بناء مدينة حديثة رويدآ رويدآ على تلتها الأثرية، إعتمدوها كمركز لمتصرفية خاصة بهم، ووطنوا فيها أعادد كبيرة من العشائر العربية البدوية، بقصد التحكم في الكورد من خلال التغيير الديمغرافي للمدينة ومنع التمردات الكوردية، إضافة لحماية الطريق التجاري الذي يصل حلب ببغداد، حتى حالت من بعدها محطة للمسافرين، وقد تبعت في العهد العثماني الأول إيالة “رقه”، لكنها عانت الخراب من جديد عام (1807م) بسبب الحروب والهجمات الداخلية، إلى أن أتبعها “إبراهيم باشا” خلال فترة حكم لسنجق “حماة”، بين الأعوام (1831-1840) ميلادي.
معنى تسمية درزور:
Wateya navê Derzorê
إن إسم مدينة “درزور” الأثرية، التي دمرها حثالة البعث الإجرامية، تسمية كوردية قديمة ومجودة لليوم في اللغة الكوردية وتستخدم من بشكل يومي قبل الشعب الكوردي، وهي في الأصل تسمية مركبة من لفظتين: الأولى (در) وتعني مكان، والمفردة الثانية (زور) وتعني هنا الصعب أو القاسي. كلمة “زور” لها عدة معاني في اللغة الكوردية منها: ضغط، كثير، صعب، قاسي. التسمية ككل تعني “المكان الصعب أو القاسي”. بمعنى الحياة فيها كانت صعبة، بسبب ظروف المنطقة الطبيعة، من قلة الأمطار وقلة الغطاء النباتي، وإرتفاع دراجات الحرارة فيها، وتعرضها الدائم للغزو، كونها واقعة على الخط الفاصل بين الجزيره الفراتية ومنطقة البادية، ووقوعها على خط التجارة الواصل بين “هلچ” أي حلب ومدينة “بگدا”.
لا علاقة للإسم بكلمة (الدير)، لأن أول دير أو كنيسة مسيحية بنيت في المدينة كان في العام (1893م). فكيف أصبحت مدينة “درزور” عربية؟؟ ومخطط هذا الدير منشور أسفل هذه الفقرة، ليشاهده الناس ويعلموا مدى كذب العربان والتتار (العثمانيين والأتراك) وتزويرهم للتاريخ وتسويق الأكاذيب. وللمزيد من المعلومات التاريخية الحقيقية عن أثار هذه المدينة الأثرية، أحيلكم إلى الدراستنا التاريخية التي كتبنا عنها، وعن غيرها من المدن الأثرية والتاريخية في غرب كوردستان، وجميع هذه الدراسات منشورة في موقع “صوت كوردستان”.
Der: مكان
Zor: صعب، قاسي
Der + zor —– Derzor: درزور (دير الزور)
3- مدينة رقه:
Bajarê Reqê
بداية إن مدينة الرقه الحالية، هي ثلاثة مدن تاريخية أقيمت فوق أنقاض بعضها البعض وهذه المدن هي:
1- مدينة رقه الأصلية:
بناها الخوريين وهي المدينة الأصلية، ولكن تاريخ إنشائها غير معروف بالدقة، والسبب في ذلك أنها تعرضت للدمار الكامل، ويعتقد علماء الأثار كان ذلك بسبب الزلازل. ويعتقد هؤلاء العلماء الذين نقبوا في موقع المدينة، أن تاريخ إنشائها يعود إلى ما قبل ظهور الدولة الكوردية الميتانية، وكم نعلم أن هذه الدولة ظهرت حوالي العام (1600-1700) قبل الميلاد. هذا يعني أن مدينة “رقه” أنشأت قبل (1700) عام قبل الميلاد في حده الأدنى، ولكن متى بنيت بالضبط لا نعرف، ولكن وفق العديد من المؤرخين يعود تاريخها إلى (9000) تسعة ألاف سنة قبل الميلاد.
وفي عهد الهيتيين الكورد كانت مدينة رقه مركزآ أو محطة لنقل البضائع القادمة من گرگاميش عاصمة الدولة الهيتية الثانية، إلى منطقة “بابل وخليج إيلام والهند”، والعكس صحيح. أي أن البضائع القادمة من الشرق كانت تحمل في قوارب في مدينة “رقه”، وتذهب نحو الغرب عبر نهر الفرات.
لكن علماء الأثار الذين نقبوا في الموقع من أمثال عالم الآثار الألماني “وليام أولبرايت” الذي قام في العام (1926) بمسح موقع المدينة أثريآ، ومن بعده بعدة سنوات، قام العالم “مالوان” في عام (1938) بأسبار الموقع وإجراء دراسات أثرية، التي من خلالها إكشتف معلومات علمية مهمة ودقيقة عن تاريخ مدينة “رقه” الأثرية. وأكد العالمان بأن المدينة أسوار المدينة تمتد إلى موقع “تل البيعة” الحالية وهي مملكة
” توتول” الأثرية، التي تبعد عن المدينة حوالي فقط (5) خمسة كم إلى الشرق منها، أي عند ملتقى نهري الفرات والبليخ، ويعود تاريخ هذه المملكة الخورية إلى الألف الثالث (3.000) قبل الميلاد.
وبعض المؤرخين الأخرين، يقولون أن تاريخ مدينة “رقه” يعود إلى الألف التاسع (9.000) قبل الميلاد، ويربطونه مع بناء أول مسكن في التاريخ في موقع” تل المريبط” الذي غمرته مياه بحيرة سد الفرات بعد
بناء السد عند قرية الطبقة، وتؤرخ مساكن المريبط أولى الأفكار الهندسية لتطور فن العمارة والبناء، وبالتالي كل ما إدعاه ويدعي مزوري التاريخ من العربان والعرب المستعربين، كذبٌ وهراء.
2- مدينة كالينيكوس:
المحتلين الرومانيين – البيزنطيين بنوا هذه المدينة على أنقاض المدينة الخورية، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى “سلوقس الأول”، مؤسس المدينة ويعود تاريخ بنائها إلى العام (244 أو 242) قبل الميلاد.
3- مدينة الرافقة:
لقد بناها الخليفة العباسي منصور العام (772) ميلادي، بجوار مدينة “كالينيكوس” أي رقه القديمة. ومع الزمن وتوسع المدينة أصبح المدينتين مدينة واحدة. ولفترة طويلة من الزمن كانت المدينة شبه مهجورة وعاد إليها الحياة في مطلع القرن العشرين، وأواخر القرن التاسع عشر أي حوالي قبل (100) مئة عام.
وفي العام (639م) إحتل الغزاة العرب عندما شنوا حملة عسكرية بربرية على كوردستان ومن ضمنها كانت مدينة “رقه” وإسم قائد الغزاة العرب هو “عياضُ بن غنم”، وتمكن من طرد البيزنطيين من المدينة والمنطقة المحيطة بها، وبسط سيطرته على كامل المدينة وما حولها، وفي العصر الأموي بنى الخليفة “هشام بن عبد الملك” (743-724) ميلادية، فيها سوقاً تجارياً، وشق قنوات مائية وترعاً للمياه فإنتشرت زراعة الكروم والأشجار المثمرة من حول المدينة وضفاف الفرات، كما بنى مقابل الرقه على الضفة الغربية قصرين نشأت حولهما واسط الرقه، وكذلك أنشأ جسراً على نهر الفرات عند هذا الواسط. وفي العصرالعباسي، وتحديدآ في عهد الخليفة هارون الرشيد (809-786) ميلادية، توسعت المدينة شرقاً وشمالاً وشهدت إزدهارآ، حتى أن الخليفة الرشيد نقل إدارته إليها، ومكث فيها حوالي (12) عشر عامآ وباتت مركزاً لإعداد الجيوش لقتال البيزنطيين، وإستمر ازدهارها حتى يوم خرابها على يد “هولاكو” عام (1258) ميلادية.
أما العثمانيين التتار إحتلوا غرب كوردستان في العام (1616) ميلادي، بعد إنتصارهم على المماليك في معركة “مرج دابق”، شمال مدينة هلچ أي (حلب) في عهد السلطان “سليم الأول”، فسيطروا على هلچ ثم باقي البلاد ومنها مدينة “رقه”. وفي القرن (17) السابع عشر، جلب المحتلين العثمانيين عدد من القبائل العربية وأسكنوها في مدينة “درزور، باخاز، رقه، هسكه، إيمار”، ليتحكموا بالكورد من خلال إضعافهم عبر عملية تغيير ديمغرافي قذرة وتهجير الكورد من ديارهم في كل هذه المحافظات إلى أمكان أخرى، وجلبوا أيضآ مجموعات شركسية وتركمانية من القوقاز وأسكنوها في في نفس المدن والمناطق الكوردية ولنفس الأهداف الخبيثة، أي فرض سيطرتهم على الشعب الكوردي وحكمهم عبر الإخلال بديمغرافيتهم، تمامآ فعلوا في منطقة “أفرين، غريه سبي وسريه كانيه”.
معنى إسم رقه:
Wateya navê Reqê
أصل تسمية “رقه” يعود إلى المصطلح الكردي (رق) وتعني صلب. ومصطلح “رق” في اللغة الكوردية لها معنيين: صلب، السلحفة المائية. وإختيار هذه التسمية يعود لصلابة موقع المدينة التي بنيت عليها أي لها علاقة بجغرافية الموقع. وأسماء المدن الكوردية في أكثريتها لها علاقة بجغرافيتها، وهناك بعض الأسماء لها علاقة بالدين وأخرى بالأشخاص وهي قليلة.
Req: صلب، سلحفة مائية
4- مدينة هسكه:
Bajarê Heskê
بداية، المدينة التي نتحدث مطمورة تحت كنائس المهاجرين السريان والكلدان وهم ليسوا من أهل المدينة، والمنطقة نهائيآ. إضافة إلى ذلك الثكنات العسكرية التي بناها المحتلين العثمانيين المجرمين، كلها بنيت على التلال القديمة للمدينة الأثرية. وذلك لسببين:
الأول: عدم الوعي بأهمية تلك الأثار. الثاني:
المسيحيين بنوا كنائسهم على أنقاض المعبد اليزداني بالمدينة القديمة عمدآ، ونقصد الكنيسة السريانية المقيتة، وكان المعبد اليزداني يسمى معبد “شمش” أي معبد إله الشمس. وحتى مفردة الشمس نفسها أخذها اليهود والعربان عن الكوردية السومرية، ولهذا تجد لليوم كل أسماء الأيام الكوردية مأخوذة عن الإله (شمش).
لقد جاء في المجلد الثالث، الصفحة (429) من كتاب “تاريخ الطبري” ما يلي: “يذكر المؤرخون أن الخليفة “عثمان بن عفان” أمر معاوية بن أبي سفيان بإسكان بني ربيعة في الجزيره فعرفت باسم ديار ربيعة، وهكذا بالنسبة لديار بكر” أي مدينة “آمد” عاصمة كوردستان.
وذكر المؤرخ التركي ذو الأصول العربية “أحمد أغُير أجقه”، مؤسس والمستشار التعليمي “لأكاديمية اسطنبول” لتعليم اللغات، وينتمي للتيار الإسلامي الإخواني. في لقاء تلفزيوني معه ضمن برنامج يحمل إسم “ذاكرة إسطنبول” ما يلي:
“العرب في تركيا الحالية، هاجر قسم منهم قبل الإسلام وهم بني هلال، والهجرة الثانية كانت في عهد عمر بن الخطاب، والموجة الثالثة كانت في عهد عثمان بن عفان، والموجة الرابعة قدمت للمنطقة في عهد معاوية أي الدولة الإموية. وسميت المدن التي إسكنوا بأسماء القبائل العربية التي نزلت فيها، فمثلآ “آمد” سميت بديار بكر لأن قبيلة بكر نزلت فيها، الذي دخلها أبو موسى الأشعاري وخالد بن الوليد وفتحوها.
بينما الموجة الخامسة قدمت في عهد الدولة العباسية وسكنوا في مدينة “تلو”، بينما الموجة السادسة قدمت في عهد السلطان مراد الرابع وجلب معه عشرة عشائر من بغداد وزرعهم في الطريق بعدد من المناطق (الكوردية) منها منطقة الموصل، ماردين، وديار بكر، وذلك في عام 1640 ميلادية، بعد إسترداده مدينة بغداد من يد الصفويين الإيرانيين”.
وبخصوص التركمان القاطنيين شمال سوريا والعراق أي غرب وجنوب كوردستان وتحديدآ حوالي حلب وكركوك يقول المؤرخ “أحمد أغُير أجقه” ما يلي:
“هؤلاء هاجروا من أسيا الوسطى أمام الزحف المغولي، وسكنوا هذه البلاد ومازالوا يعيشون فيها للأن ويحافظون على لغتهم التركية. مثلما العرب هاجروا من ديارهم إلى الأناضول وسكنوا فيها وحافظوا على لغتهم العربية. ثم يطرح السؤال التالي هو على نفسه: من أين أتى الأتراك السوريين؟؟ وهذه حقيقة تاريخية يجب أن يعلمها الجميع ويتعلموا منها، ويجيب على سؤاله قائلآ: قدم هؤلاء الأتراك في العام (1040) ميلادي من الشرق إلى هنا أمام الزحف المغولي- التتري، وسكنوا شرق الأناضول وشمال سوريا والعراق. هؤلاء مهاجرين وليسوا فاتحين ولا شيئ”.
وللحقيقة أنه الشخص العربي والإسلامي الأول، الذي يصدق وينطق بالحق، ويميز صراحة بين الغزو العربي الإسلامي الإستيطاني والعثماني من جهة وبين الهروب التركماني أمام البطش المغولي والتتاري وفرارهم إلى كوردستان كمهاجرين باحثين عن الأمان.
والمدينة الحديثة الحالية بُنيت على أنقاض المدينة الأثرية، التي كانت تحمل نفس التسمية، وخير دليل على ذلك، أن التلة التي بنى عليها المحتلين العثمانيين ثكنتهم العسكرية عام 1907، هي في الأصل قصر الملك والحاكم الخوري، الذي كان يحكم المدينة وما حولها. والتلة الثانية التي بنى عليها السريان كنيستهم التي تسمى بكنيسة العذراء للسريان الكاثوليك، والتي تقع إلى الشمال الغربي قليلاً من كراج الانطلاق القديم (كراج بيت آدمو). وهذه التلة في الأصل هي معبد يزداني وكان يسمى معبد “شمش”. بينما الكلدان بنوا كنيستهم على تلة كانت في الأساس بيوت لعامة الناس من أهل المدينة من الخوريين، أسلاف الشعب الكوردي.
والمقبرة الخاصة بأهل المدينة الأثرية من الخوريين، تقع تحت بناية البلدية الحديثة، وسوق الصاغة الذي يمتد جنوباً إلى ما قبل سينما “دمشق”. وهكذا أضاعوا هؤلاء المحتلين والمستوطنيين الأشرار الوسخين، تاريخ مدينة “هسكه” وأثارها القديمة، وطمروها تحت أبنيتهم. وعلى الكورد هدم هذه الكنائس المشؤومة والثكنة العثمانية والتنقيب في هذه التلال، ومنح قطعتين من الأرض للسريان والكلدان، الذين يقطنون المدينة كي يبنون كنائس جديدة لهم في مكان أخر. ويجب أن يكون الطاقم الأثري واللغوي الذي سينقب في الموقع من الكورد فقط، حتى نتأكد بأنفسنا من تاريخ مدينتنا وندرسها بإمعان، وندون تاريخنا بأيدينا، ولا نعطي المجال للأخرين للتلاعب بتاريخنا كما يشاؤون.
أما تاريخ مدينة “هسكه” الحالية يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر (1890م)، ومن ثم توسعت البلدة بشكل تدريجي، بعدما هُجر إليها بعض المهاجرين السريان وأسكنوا فيها، وعند تأسيسها لم يكن للعرب أي وجود فيها على الإطلاق. وشهدت البلدة هجرة أخرى بعد الحرب العالمية الأولى، وخاصة من الأرمن والسريان وبعض الكلدان، جراء حرب “سفر برلك” عام 1915 ميلادية التي خاضتها الدولة العثمانية مع المانيا ضد دول الحلفاء. ولقد شهدت جميع المدن الكوردية في منطقة الجزيره، هجرات مشابهة بسبب الحرب والمجاعة، وعمليات القتل والتهجير، وليس فقط مدينة هسكه، التي كانت حديثة العهد.
في البداية جعلت السلطات العثمانية من البلدة ما يشبه ثكنة عسكرية، لاهمية موقعها الإستراتيجي، ولهذا بنيت كمركز لفرقة عسكرية وذلك عام 1907 ميلادية، وكانت تُعرف بفرقة “البغالة” بدلآ من الخيالة، لأنهم كانوا يستخدمون البغال في التنقل بدلآ من الخيول، وكان ذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
وبسبب الهجرات المتلاحقة التي إستمرت لعدة سنوات وأكثريتهم لا بل كلهم كانوا من (السريان، الأرمن، والكلدان)، من أتباع الديانة المسيحية، فقد جرى تغير في ديمغرافية المدينة الكوردية في بداية عشرينيات القرن الماضي، وأصبحت الكفة تميل للمهاجرين على حساب الكورد أصحاب المدينة والأرض. وفي وقت متأخر، وفد العرب البدو إلى أطراف المدينة مع مواشيهم، ومع تطور المدينة والخدمات فيها، وفد إليها بعض الكورد المقيمن في الريف القريب التابع للمدينة. ومع الوقت وفد إليها العرب البدوا وسكنوها أيضآ، وتحديدآ من البادية ومناطق دير الزور للعيش فيها.
وبعد إحتلال فرنسا لما إصطلح عليه إسم (سوريا)، توجه الجيش الفرنسي في شهر أيار سنة 1922 إلى منطقة الجزيره، ونشر الكولونيل “بيغو غراندوت” قواته في المنطقة، وكانت هسكه حينها بلدة صغيرة.
وبعد فترة قصيرة قام الفرنسيون ببناء الثكنة الحالية على أنقاض الثكنة العثمانية. وبعد إحتلالهم لمنطقة هسكه والجزيره، سمحوا للبدو بالتدفق إليها من كل صوب وحدب ونزلوا في هسكه وسكنوا فيها.
العربان وفدوا بشكل خاص من مناطق درزور، بوكمال والبصيرة، بعضهم سكن حي غويران والبعض الأخر بنى لهُ مساكن غرب السرايا وشمالها، التي بنيت في عهد تاج الدين الحسيني. وفي عام 1933 تم تسكين عدد كبير من الأشوريين في المدينة، وتحديدآ على ضفاف نهر الخابور رغمآ على إرادة الكورد بموجب وثيقة للأمم المتحدة. وهكذا إختل ديمغرافية المدينة مرة ثانية للمستوطنيين الوافدين من خارج أراضي كوردستان.
وعندما رحل الفرنسيين عن الجزيره في منتصف عام 1945 وبعدها عن كل سوريا، كانت أصبحت بلدة هسكه مدينة، وبات لها سراي وتم بنائها بعد عام (1930)، عندما إنفصلت هسكه عن متصرفية درزور. وأول متصرف عين لمدينة هسكه كان السيد “نسيب بن محمد صادق الأيوبي” الذي عُين في عام 1930. وفي عام 1937 عين بدلآ عنه السيد “بهجة الشهابي”، الذي لم يطيل إقامته في المدينة، أثر اضطرابات في منطقة الجزيره، مما إضطر للعودة إلى دمشق. وتم تعين “السيد حيدر مردم بك” محافظاً لهسكه بدلآ عنه، وذلك في شهر أذار سنة 1938، ولكن حظه لم يكن أفضل من سابقه. وشهدت مدينة “هسكه” أول مخطط تنظيمي في عام (1963م)، والمخطط الثاني جرى تنظيمه في عام 1992 ميلادي.
كيف كانت نهاية مدينة “هسكه” الأثرية ومتى بالضبط، للأسف لا نعلم بسبب بناء المدينة الحديثة على أنقاضها، وعدم إجراء أي تنقيبات في تلالها لإخراج أثارها ومن ثم دراستها، لمعرفة المزيد عنها وعن نهايتها وحياة أهلها. لكن الإعتقاد السائد بين علماء الأثار، أنها تعرضت لهزة أرضية قوية أدت إلى دمارها، وبقيت فترة زمنية طويلة غير مأهولة، حتى بدأ الكورد العودة إليها من جديد بشكل تدريجي من القرى المحيطة بسبب موقعها النادر.
معنى إسم هسكه:
Wateya navê Heskê
تسمية مدينة “هسكه” بهذه التسمية، له علاقة بجغرافية موقعها المميز، حيث أنها بُنيت داخل إلتقاء نهري الخابور وهرماس، وشكل موقعها يبدو على شكل كإناء أو وعاء نسميه باللغة الكوردية القديمة والحالية
“هسك” والتي تعني القصعة بالعربي. وهذا المصطلح لليوم موجود في اللغة الكوردية ويتم إستخدامه من الكورد يوميآ. وهذه المفردة ليست يتيمة في اللغة الكوردية، حيث إشتق منها الكورد مفردات عديدة منها على سبيل المثال: (هسكو)، والتي تعني المغرفة، و(هسكيڤ) إسم مدينة “حسنكيف” بشمال كوردستان التي طمرها الأتراك بالمياه رغم أهميتها التاريخية، وهذا دليل على أصل التسمية واللغة التي تنتمي إليها هذه المدينة.
Hesk: القصعة
Heskû: المغرفة
Heskîf: إسم مدينة هسكيڤ التاريخية
5- مدينة هلچ (حلب):
Bajarê Heleçê (Heleb)
وفق وثائق منظمة “يونسكو” للبحوث التاريخية والأثرية والتي تأخذ من باريس مقرآ لها، تعد مدينة هلچ أقدم مدينة في العالم، يُعتقد أن تاريخها يعود إلى (12.000) أثنى عشر الف عام، أي أنها أقدم من مدينة
أريحا بحوالي (1600) عام، وأقدم من دمشق بثلاثة (3000) ألاف سنة. ولمعرفة هوية المدينة القومية وبالتالي لغة سكانها الأصليين، علينا طرح السؤال التالي والإجابة عليه والسؤال هو: ما هو الشعب الذي كان يعيش في هذه المنطقة قبل (12.000) عام؟
الشعب الوحيد الذي كان يعيش في هذه المنطقة، التي يطلق عليها اليوم إسم شرق المتوسط (سوريا) في تلك الحقبة الزمنية البعيدة هو الشعب الخوري سلف الإمة الكوردية الحالية فقط. ومن أراد التأكد من هذه المعلومة فليعود إلى ما كتبه المؤرخ اليوناني المشهور”هيرودوت”، وليس ما كتبه المحتلين والمزورين العرب، الترك والفرس، لأنهم محتلين ومغتصبين لأرض كوردستان ولذلك لا يمكن الأخذ برأيهم نهائيآ.
للأسف الشديد، لم تجرى عمليات تنقيب في أعماق قلعة هلچ ولا في جوف أرض المدينة القديمة، لأن المدينة تعرضت للدمار والحرق عدة مرات عبر التاريخ، وكل مرة كان يعاد بناء المدينة على أنقاض المدينة السابقة، بهذا الشكل ضاعت الأثار الأولى والأقدم لهذه المدينة التاريخية. لذلك لا نملك أية معلومات عن أثار تلك الحقبة الزمنية الغابرة ولا نصوص كتابية، ولا أدوات الطعام ولا الفخار ولا بقايا المعابد والقبور، فيما يخص عصور ما قبل التاريخ. ولم نجد بعثة أثرية محلية أو أجنبية، قامت بإجراء عمليات تنقيب فيها ولا في موقع واحد على الإطلاق، حيث أن المدينة الحديثة تخفي تحتها أثار المدينة القديمة، وخاصة تلك التي تحيط بالقلعة والأحياء القديمة، فمثلآ أظهرت الحفريات في تل (السودا)، أن المدينة إحتلت هذا الموقع منذ حوالي (5000) سنة قبل الميلاد.
وأول مرة ذكر إسم مدينة هلچ في السجلات الرسمية، كان ذلك في العصر البرونزي في الألف الثالث قبل الميلاد، وجاء ذلك في السجلات التاريخية عندما كانت عاصمة لمملكة (أرماني) أو (أرمانوم) حسب التسمية الأكدية. وهذه السجلات وجدت في مملكة “إيبلا”. ووصف عالم الآثار “جوفاني بيتيناتو” مملكة أرماني بأنها كانت تشبه مملكة إيبلا في النرجسية. قام الملك “نارام سين” الأكادي حفيد سركون، بتدمير كلتا المملكتين (إيبلا وأرماني) في القرن (2300) الثالث وعشرين قبل الميلاد.
في العصر البرونزي المتوسط، سيطر البابليين على مدينة (هلچ) أثناء فترة الدولة البابلية القديمة، وقاموا بتغير إسمها وأطلقوا عليها تسمية (خلبا)، وعندما دخلها البابليون كانت تحت سيطرة مملكة (يمخد) في الفترة بين الأعوام (1800-1600) قبل الميلاد، وكانت أقوى ممالك المنطقة حينها، قبل أن تدمر من قبل الهيتيين الكورد ويسيطروا عليها وإستعادتها من المحتلين الغزاة الساميين، بقيادة الملك “مرسيلس الأول” وذلك في القرن (16) السادس عشر قبل الميلاد.
وفي العصر البرونزي المتأخر، قام الملك الميتاني “بارشطار” وهو ملك إحدى الممالك الخورية المهمة حيث إستغل فراغ السلطة الناجم عن ضعف الهيتيين فغزا مدينة “هلچ” في (1500) القرن الخامس عشر قبل الميلاد، لتجد المدينة نفسها على خط المواجهة ما بين مملكة الميتانية والهيتية الكورديتين والدولة الفرعونية. إستعاد الملك الهيتي “سابيليوليوما الأول” مدينة “هلچ” من أيدي الميتانيين في (1400) القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حيث كان لمدينة “هلچ” أهمية مقدسة لدى الهيتيين وغدت مركز لعبادة إلههم إله العاصفة المقدس.
ومع بداية العصر الحديدي، وإنهيار الدولة الهيتية في (1200) القرن الثاني عشر قبل الميلاد، أصبحت “هلچ” جزءً من مملكة أرپاد والتي عرفت أيضاً بإسم (بيت اغوشي) في بداية الألفية الأولى قبل الميلاد. وأصبحت هلچ جزءً من الإمبراطورية الآشورية الثانية، قبل أن تسقط في يد المملكة البابلية الثانية، والإمبراطورية الأخمينيية الفارسية.
بعد ذلك دخلت المدينة في الفلك الروماني الهيليني بعد إحتلالهم للمنطقة وإستيلاء “الإسكندر المقدوني” على المدينة عام (333) قبل الميلاد، وأقام “سلوقس الأول” مستعمرة هيلينية في المدينة بين 301-286 قبل الميلاد، وسموها (بيريا) نسبة على إسم مسقط رأس والد الإسكندر المقدوني “بيريا” مدينة بيرويا في مقدونيا. وإستمرت بيريا (هلچ) تحت حكم السلوقيين مدة (300) عام، حتى سلمها آخر سلالتهم للقائد “بومبيوس الكبير” عام 64 قبل الميلاد، وأصبحت بذلك جزءً من المقاطعة الرومانية. ظلت المدينة تحت الحكم الروماني ثلاثة قرونٍ أخرى، رغم أن روما لم تفرض عليها أسلوب الإدراة الرومانية، نظراً لأنها مقاطعة إغريقية قديمة يتكلم سكانها اللغة اليونانية. كانت مدينة هلچ وقتها أو بيريا المدينة الثانية من حيث الأهمية في المنطقة بعد مدينة أنطاكية على البحر المتوسط، في القرن (6) الميلادي. وذكرت المدينة المدينة في العهد القديم، في السفر (3:13).
إحتل الغزاة العرب المسلمين الأشرار في العام (637) ميلادي مدينة هلچ بعدما إنتصروا على المحتلين البيزنطيين وحلفائهم الغساسنة، وكان الذي يقود جيوش العرب “أبو عبيدة بن الجراح”، ومعه “عياض بن غنم و”خالد بن الوليد”. وكان هناك حامية بيزنطية تتمركز في المدينة بقيادة “يواخيم” ولكن هذه الحامية لم تصمد أمام الغزاة العرب.
وفي 24 آب (1516) نشبت معركة “مرج دابق” بين الجيش العثماني الذي كان يقوده السلطان “سليم الأول” والجيش المملوكي بقيادة “قانصوه الغوري”، وخلال المعركة إنسحب عدد من الأمراء المحليين والولاة المماليك والتحقوا بالعثمانيين. وبدأت عملية الانسحاب من قبل المماليك عندما مالت الكفة لصالح العثمانيين، وبعد إنتهاء المعركة سارت القيادات المملوكية مع السلطان العثماني إلى هلچ، التي كانت أول مدينة في طريقهم، فخرج الأهالي لاستقباله السلطان العثماني الغازي في العام (1516م)، وتجمعوا في الميدان الأزرق وقام محافظوا القلعة بتسليم مفاتيح القلعة له. وهكذا بسط العثمانيين سيطرتهم على المدينة وضموها إلى سلطنتهم.
وكان تعداد سكان حلب حينذاك حوالي (50.000) نسمة، وكانت مركز ولاية هلچ ولعبت دورا محوريا لموقعها الاستراتيجي القريب من الأناضول.
معنى هلچ (حلب):
Wateya navê Heleçê
سميت مدينة هلچ الخورية – الكوردية بتسميات عديدة، وذلك حسب الغازي والمحتل الجديد للمدينة وما
حولها من مناطق. ومن هذه الأسماء “خلبا” وكان ذلك في حوالى عام 1800 قبل الميلاد، عندما كانت عاصمة لمملكة يمخاد الأمورية، ويقال إن هذا الاسم تعريب لكلمة حلب السريانية، التي تعني البيضاء. بينما كانت تسمى في الألف الثالث قبل الميلاد “أرمان” و”هليا”، وسميت في الكتابات الأشورية “خلابا وخلوان”، إلا أنها حضرت في القرن السادس عشر قبل الميلاد باسم “خرب”، وباسم “خلبو”، و”حلبو”.
كما عرفت المدينة باسم “بيروا” أيضآ، وبعد إنقسام إمبراطورية إسكندر المقدوني إلى عدة ممالك، بقيت تعرف بذلك الإسم طيلة العصور اليونانية والرومانية والبيزنطية اللاحقة.
ياقوت الحموي، قال في كتابه (معجم البلدان): إن حلب سميت بذلك، لأن إبراهيم عليه السلام كان “يحلب فيها غنمه ويتصدق به فيقول الفقراء حلب حلب”، إلا أنه رأى أن في ذلك وجهة نظر، لأن إبراهيم وأهل الشام لم يكونوا عربآ، فلعل للتسمية أصلٌ في العبرانية أو السريانية، لأن كثيرآ من كلامهم يشابه كلام العرب”.
الحقيقة كل تلك الأسماء والقصص غير صحيحة، الصحيح أن إسم مدينة حلب مأخوذ من المصطلح أو التسمية الكوردية “هلچ”. كلمة هلچ الكوردية تعني الإنجاص، حيث كانت هذه المنطقة في تلك الحقبة مشهورة بهذه الفاكهة، التي إشتق منها إسم المدينة. حيث قام العرب بتبديل حرف (چ) الكوردي بالباء بسبب عدم وجود هذا الحرف في اللغة العربية وهذا أمر طبيعي، ونفس الشيئ فعلوا مع إسم جمهورية الصين لأنه يبدأ بنفس الحرف (چ). ومع الزمن بدلوا حرف (ه) بحرف الحاء لتسهيل نطق الإسم. وهكذا أصبحت ينطق ويكتب إسم المدينة بصيغتها الحالية حلب. العديد من الشعوب المجاورة للشعب الكوردي لا تملك حرف (ح) العربي حالهم حال الكورد، فيلفظونها (خلب) مثل الإخوة الأرمن، الذين لا يتقنون اللغة العربية، ومن هنا ورد إسم مدينة حلب بصيغة (خلب، خلبا) وهذا أمر طبيعي للغاية. وكلمة (خلبو) هي تصريف لهذه الكلمة وفق قواعد اللغات الأخرى غير العربية. وبالمناسبة إسم مدينة حلبجة الكوردية الواقعة في شمال مدينة السليمانية بجنوب كوردستان أيضآ مأخوذ من نفس المفردة.
Heleç: إنجاص
Heleç —- Heleb: حلب
Helebce: حلبجة
6- مدينة دلبين (إدلب):
Bajarê Dilbîn (Idlêb)
يعود تاريخ مدينة دلبين إلى (3000) الألف الثالث قبل الميلاد. وبنيت المدينة أصلآ حول معبد يزداني كان تابعآ للمركز الديني اليزداني الرئيسي الموجود في منطقة “أفرين” والذي كان يسمى معبد الإله “خور” إله الشمس، واليوم يطلق عليه تسمية معبد “نبي هوري”، ولكن المطلعين على الديانة اليزدانية يعلمون ليس للديانة اليزدانية نبي.
مثلما كان يتبعه معبد “دارزه، أگرو، ألالاخ، پاتين، أرپاد، أندارا، أزاز”. المحتلين البيزنطيين الأشرار حولوا المعبد الخوري اليزداني إلى كنيس مسيحي، وعندما إحتلها الغزاة العرب الهمج حولوا ذاك الكنيس بدورهم إلى جامع، ويسمى حاليآ بالجامع العمري، نسبة للمقبور عمر بن الخطاب. وتعاقب على مدينة دلبين أقوام كثيرة منها: الآشوريين، الفرس، الميتانيين، الهيتيين، الرومان، البيزنطيين، وأخيرآ إحتلها العرب المسلمون الأوغاد في العام (637) ميلادي.
المدينة الحديثة الحالية بناها پاشا كوردي أيام السطلنة العثمانية حوالي (1600م) القرن السادس عشر، وكان يدعى “أحمد باشا الكوبرلي”. ومن العائلات المؤسسة للمدينة الحديثة ثلاثة عوائل كوردية هي: عائلة الفنار، عائلة العياشي وعائلة هنانو.
معنى تسمية دلبين:
Wateya navê Dilbîn
إسم المدينة مأخوذ عن المعبد اليزداني الكوردي دلبين الذي بني على شكل قلب، والتسمية تتألف من مفردتين: الأولى (دل) وتعني القلب، والثانية (بين) تعني رؤية. وهكذا فالتسمية الكاملة تعني “القلب الرائي”. وفي العقائد الدينية التقرب من الألهة، تتم عبر القلوب أي الإيمان. والإيمان لا يتم إلا عبر القلوب. ولا وجود دين ومتديين، من دون أن يكون لقلب الإنسان دورآ أساسيآ في ذلك. وبعد إن إحتل العرب المسلون البرابرة مدينة “دلبين”، قاموا بتحوير إسم الدير البيزنطي إلى (دير- لب) لأن هذا الدير بني على شكل المعبد اليزداني أي القلب. كلمة الدير ذاتها كلمة كوردية رصينة تم تعريبها. ومن تسمية “دير- لب” إشتقت التسمية الحالية (إدلب).
Dil: القلب
Bîn – dîtin: رؤية
Dil + bîn —– Dilbîn: القلب الرائي
Dilbîn —– Dilb —– Idlib: إدلب
7- مدينة ألالاخ:
Bajarê Alalax
يعود تاريخ مدينة “ألالاخ” إلى العصر البرونزي (3300- 1200) قبل الميلاد، وإستمرت إلى العصر الحديدي (1200- 539)، قبل الميلاد. وتقع المدينة في الناحية الجنوبية من سهل الهمگ (العمق) عند إلتقاء مجرى نهر أفرين مع نهر العاصي، ويطل موقعها على سهل الهمگ ووادي نهر أفرين والعاصي معآ. حيث نهر أفرين يلامس التلة التي يتربع عليها المدينة مباشرة وذلك من الجنوب، والعاصي لا يبعد عنها سوى كيلومترين كأقصى حد. وإلى الشمال من المدينة، يجري النهر الأسود الذي يلتقي مع أحد فروع نهر أفرين، وثم يلتقون مع الفرع الثاني لنهر أفرين المندمج مع العاصي قبل دخولهم جميعآ كنهر واحد لمدينة أنطاكيا التي بناها المحتلين البيزنطيين مع مدينة إسكندرونة.
في هذه الفترة الزمنية من التاريخ لم يكن يعيش في كل منطقة الشرق الأوسط (تركيا، أذربيجان، لبنان، سوريا، اسرائيل/فلسطين، العراق، ايران، الكويت) سوى أسلاف الشعب الكوردي وهم: الزاگروسيين، التورسيين، الگوزانيين، الگوتيين، الخوريين السومريين، الإيلاميين”
هذه المدينة تأسست على يد أسلاف الكورد من الخوريين والميتانيين والهيتيين في الألف الرابع (4000) قبل الميلاد، وقدم الخوريين من منطقة شد-با وجبل ليلون وبنوا المدينة، ومع الوقت تحولت إلى مملكة على يد ملك مدينة “هلچ” والذي كان يسمى “أبائيل”، ضمن إطار الدولة الخورية – الميتانية، الذي قام بمنح “ألالاخ” لأخيه ياريم – ليم والد “إدريمي” كنوع من التعويض. إن ملوك مملكة “يمخاذ” ضموا إليهم مدينة آلالاخ وجعلوا منها مقرهم الملكي، وجلبوا إليها الكثير من الفنون والنماذج الفخارية الجديدة، وبنى الملك “ياريم- ليم” قصرآ له في مدينة آلالاخ، لكن بعد وفاة الملك “إيبوخ” لم يبني أحد قصرآ له في هذه المدينة التي هي “ألالاخ”.
تعرضت مدينة “ألالاخ” الخورية للعديد من الغزوات والإحتلالات كالإحتلال المصري، الأكدي إلا أنها بقيت مدينة ميتانية من حيث الديمغرافيا، وتحكم من قبلهم في أغلب الأحيان، وبعد الميتانيين حكمها الكورد الهيتيين إلى حين إنهيار دولتهم حوالي العام (1178) قبل الميلاد، على يد شعوب البحر البربرية التي دمرت غالبية المدن الخورية – الميتانية – الهيتية وأحرقتها في طريقها.
في أواخر عام 1572 قبل الميلاد، غزا الفرعون “تحوتمس الأول” فرعون مصر المنطقة وسقطت معها مدينة ألالاخ بيدهم، وكذلك تبعه خليفته “تحوتمس الثالث” الذي إحتل مملكة الميتانيين سنة (1488) قبل الميلاد، ثم سيطر على مملكة ألالاخ بشكل سلمي وفرض عليها الضرائب، وأقام عليها حاكماً إسمه حمل إسم “تاكو”، وهو الملك المؤسس للسلالة الجديدة التي تولت حكم مملكة “ألالاخ” خلال مئة عام مقبلة. ولا ننسى المنطقة التي عليها اليوم إسم هتاي بالتركي والعرب لواء إسكندرون، إسمها الحقيقي والأصلي
منطقة “ألالاخ”.
السؤال هناك: عندما تم بناء المدينة قبل الميلاد بنحو (3000) ثلاثة ألاف عام، هلك كان هناك للعربان والتتار (العثمانيين، الأتراك) وجود في هذه المنطقة، حتى تكون هذه المنطقة ومدينة ألالاخ تركية أو عربية؟؟
معنى تسمية ألالاخ:
Wateya navê Alalaxê
تسمية “ألالاخ” تسمية كوردية، مركبة من لفظتين: الأولى (ال-ال) وتعني الإله كترجمة مباشرة، والثانية (أخ) وتعني التربة أو الوطن. في اللغة الكوردي القديمة والحديثة هناك قاعدة لغوية معروفة ملخصها هو التالي: عندما تعظيم الشيئ والتأكيد على مكانته العالية، يتم تكرار الإسم أو المفردة للفت الإنتباه إليها وتعظيم صاحبها.
ومن هذه العبارات إسم (ال) وتعني الإله. أخذها الكنعانيين عن أسلاف الكورد وكانوا يستخدمونه للدالة على (إله الأرباب) أي الجبار، وعن الكنعانيين أخذ اليهود وحوروها إلى (إيلوهيم) وورد ذلك في سفر دنيال في كتاب التوراة، وبعدها أخذ العرب عنهم هذه التسمية وحوروها إلى (اللهما)، ثم إشتقوا منها كلمة (الله). و(ال-ال) كانت إلهة (إنثى) وليس إلهآ مذكرآ كما يعتقد البعض، العرب هم من حولوها إلى مذكر، لأن المرأة في ثقافة العرب لها مكانة دونية، وبالتالي لا يمكن لها أن تكون إلهآ ومسؤولة عن الكون!!
Ax: التربة، الوطن
El- El: الله
El- El — Elha — Elahim — Elah
Alal + ax —– Alalax: وطن الإله، أرض الإله
هذه هي المدن والمحافظات التي يتشكل منها إقليم غرب كوردستان، وأما بالنسبة لبقية المدن الأثرية لنا دراسات تاريخية عنها يمكن العودة لها لمزيد من المعلومات والوثائق، كاللغة، العبادات، الأثار، الكتابات والقبور والقصور، … إلخ. للتأكد من كوردية هذه المناطق والمدن والتي لم نتحدث عنها مثل مدينة: إيمار (مسكنة)، گرگاميش (جرابلس)، مبوگ (منبج)، باب، أزاز (أعزاز)، أرپاد (تل رفعت)، أگرو (جنديرس)، دارزه (دارة عزة)، سيپرا (سفيرة)، أوگاريت، أوركيش، وهموكاران، گوزانا، رستن، شمأل. وكل هذه المدن لنا دراسات تاريخية منشورة عنها ويمكن قرائتها في موقع “صوت كوردستان”.
السؤال: بعد تقديم كل هذه الوثائق كيف يمكن للسوريين أن يدعون عروبة هذه المدن والمناطق؟؟[1]