#بيار روباري#
في هذه الدراسة التاريخية، سوف نلقي الضوء على مفهوم الهگ (الحج)، وكيفية تبلوره تاريخيآ والمكان والشكل الذي ظهر فيه وأسباب ظهوره، وحتى أصبح نوعآ من الطقس الإعتقادي للناس والإيماني لاحقآ، قبل الميلاد بعشرة ألاف عام. كان الناس يمارسونه في البداية عندما كانوا يعبدون قوى الطبيعة، قبل أن يتحولوا إيمانهم من قوى الطبيعة، إلى شيئ أطلقوا عليه تسمية (يزدان، خودا، ديو، بوخ، الله)، جميعها أسماء لذات الشخص إذا إعتبرناه شخص، أو القوة إن إعتبرناه قوة.
ثم أهمية هذا الطقس في حياة الناس قديمآ قبل الميلاد وحديثآ، وكيف إنتشر هذا المفهوم في كامل منطقة شرق الأوسط، وتبناه المعتقدات القديمة المختلفة، وإعتنقها المعتقدات الحديثة أو ما يطلق عليه (الأديان)، وفي إطار هذه الدراسة سوف نتناول المحاور التالية:
1- مفهوم الهگ (الحج).
2- تبلور مفهوم الهگ تاريخيآ.
3- أول ماگ (مكة) حج إليها الناس.
4- ظهور مفهوم الهگ في مدينة أور السومرية.
5- أصل تسمية ابراهيم ومعناها.
6- شكل البيت (المعبد) وطقوس الهگ.
7- أصل ومعنى كلمة هگ.
8- كيف وصل مفهوم الهگ لليهود والعرب.
9- الخلاصة.
10- المصادر والمراجع.
أولآ، مفهوم الهگ (الحج):
Têgîna hegê
مفهوم الهگ قديم جدآ، ويعود بداياته إلى (12.000) الأف الثاني عشر عام قبل الميلاد. ولم يظهر هذا الطقس فجأةً بين ليلة وضحاها، ولا بقرار من زعيم أو ملك أو إله أو حاكم. وإنما تبلور تدريجيآ عبر سنوات طويلة ومع مفهوم الصلاة، وإذا أردنا تعريف “الهگ” بشكل مبسط كما بدأ، فيمكننا تعريفه على الشكل الأتي:
“الهگ عبارة عن زيارة يقوم بها مجموعة من الناس إلى مكان معين إتخذوا منه بيتآ أو معبدآ للألهة، للتوجه من هذا البيت إلى تلك الألهة، والدعاء لهم والطلب منهم الحماية لأنفسهم ولحيواناتهم وأرزاقهم من الأمراض والأوبئة وغضب الطبيعة وشرور الأخرين”.
ثانيآ، تبلور مفهوم الهگ:
Çawa têgîna hegê bihevket
بسبب ضعف الإنسان أمام قوى الطبيعة وتأثيراتها والأمراض والأوبئة، وخوفه من المجهول (الموت) ظل دائم البحث عمن يساعده ويمنحه الحماية والأمان من الأخطار وأهمها الراحة النفسية، فإتخذ أسلاف الكرد مثلآ من قوى الطبيعة ألهة لهم: كالشمس، القمر، النجوم، لإعتقادهم هم أنهم هم المسؤولين عن الكون وما يحدث فيه وبالتالي ما يحدث لهم، وبحثوا عن طريقة للتواصل معها لكسب رضاهم وبالتالي حمايتهم.
والأمر الثاني الإنسان بفطرته السليمة رغم وعيه المحدود في تلك الحقبة الزمنية، إلا أنه كان يطرح أسئلة كبرى على نفسه، ومازلنا لليوم نطرح العديد من تلك الأسئلة على أنفسنا، في صغرنا وعندما نكبر في العمر. وحتى العلماء والفلاسفة لاحقآ طرحوا العديد من هذه الأسئلة على أنفسهم، بسبب عدة قدرتهم وقدرتنا الإجابة على تلك الأسئلة ومن هذ الأسئلة:
مَن خلق الكون وكل هذه الكائنات الحية والمحيطات والبحار؟ أين يعيش هذا الخالق وكيف يبدو شكله؟ ومن خلق هذا الخالق نفسه؟ من المسؤول عن البرق والرعد؟ ماذا يحدث للإنسان بعد الموت؟ هل هناك حياة أخرى بعد الموت؟ وأسئلة أخرى كثيرة كان الإنسان يطرح على نفسه، إما بدافع المعرفة والتعرف على المحيط الذي يعيش فيه، أو نتيجة الخوف من الأشياء والحوادث التي تحدث خلال حياته ومن حوله. لهذا كان دائم البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة، بهدف معرفة أسباب ما يحدث حوله وحولخ وكيفية التعامل معها وليرتاح نفسيآ. والألهة نفسها من صناعة الإنسان وخلقها ليرتاح نفسيآ ويرفع عن كاهلة حمل ثقيل لم يجد أجوبة لها، وبالتالي الإتكال على هذه الألهة وترك الأمر لها، بعد عجزه عن الإجابة على تلك الأسئلة الصعبة التي مازالت بلا أجوبة. من هنا فإن مفهوم الألهة والهگ والصلاة والصياة والجنة والنار كلها صناعة بشرية مضة، أي من خياله.
هذا الوضع دفع بالإنسان في الماضي التفكير في طريقة فا للتواصل مع تلك الألهة، التي صنعها بنفسه ومنهحها قوة خارقة، ومنهحا هالة تقديس، ومع الزمن إهتدى اسلاف الكرد إلى فكرة بناء بيت للألهة وأطلقوا عليه تسمية “ماگ” وفي الكردية الحديث يسمونها “ماغ”. ليتواصلوا من خلال هذا البيت مع ألهتهم والدعاء لهم، وطلب الحماية منهم.
إتبع ذلك التفكير في كيفية بناء “الماگ” وشكله وموقعه وحجمه، فإختاروا موقعآ مميزآ وكان في حالة أول “ماگ” بشمال كردستان – في مدينة أورفا، تلة مرتفعة بعض الشيئ، وبني بشكل دائري وسنتحدث عن كل ذلك بالتفصيل لاحقآ في محور خاص بذلك.
طقس “الهگ”، لم يظهر أو يتبلور بشكل مستقل عن طقس الصلاة، بل تبلور هو ومفهوم الصلاة معآ. مفهوم “الهگ” تبلور بشكل تدريجي، في البداية كانت مجرد عبارة عن لقاء بعض الناس مع بعضهم البعض في مكان ما، وكانوا من خيرة المجتمع للتحدث عن شؤون حيتهم والكون وما يحدث لهم ومن حولهم. ومع الوقت إهتدى “الزاگروسيين” اسلاف الشعب الكردي إلى فكرة بناء أول “ماگ” أي بيت وكان ذلك حوالي الألف الثاني عشر (12.000) قبل الميلاد في مدينة أورفا الكردية في شمال كردستان كما ذكرنا أنفآ وأطلقوا على هذا البيت إسم “گر- زك”، وكان دائري الشكل ويعتبر أقدم “ماگ” أي مكة بالعربية أي بيت الله على الأرض وصورة “گر- زك” منشورة في مقدمة هذه الدراسة.
بني هذا البيت للألهة بهدف الإلتقاء فيه التوجه نحو السماء والدعاء للألهة، وطلب الحماية منهم لأنفسهم ولحيواناتهم وأرزاقهم، هذا إضافة إلى طلب الغفران عن أخطائهم، وكانوا يرددون تمتمات معينة وهم واقفين ويدعون للألهة، وللأسف لا نعلم بالضبط ماذا كان يرددونه، لأنه لم يكن هناك نصوص محددة في البداية تردد في مثل هذه الأمكنة. والتنقيبات الأثرية التي جرت في موقع بيت “گر- زك” في أورفا لم تكشف لنا عن هذا الجانب. ومع مرور السنوات، أخذ هذا المفهوم يكتسب مضمونآ وشكلآ معينآ. وفي كل منطقة كان الطقس يختلف عن طقوس “الهگ” الأخرى بعض الشيئ، ومع الزمن تفتق ظهن الإنسان الزاگروسي إلى فكرة تقديم القرابين للألهة (القربان مصطلح كردي رصين)، ومع الوقت أضيف لهذا قصص وإمور عدة، منها تقبيل الحجر، الدوران حول البيت (7) سبعة مرات، والتبرك بالبيت وترابه ومحيطه، وإشعال النيران فيها، ووضع قطع أقمشة بين جدران المعبد أو بطها بأعمدته، وقصص أخرى كثيرة.
ومن الضروري القول أن طقس (الهگ، الصيام، الصلاة) وغير ذلك من الطقوسالإعتقادية ظهرت، بعد تخلي الإنسان عن إيمانه بالسحر، الذي كان يسميه الكرد قديمآ “ماجيگ” كما ورد في كتاب “أفيستا”، وتحول الإنسان لاحقآ إلى عبادة قوى الطبيعة، كحال أسلاف الشعب الكردي (الزاگروسيين، الخوريين، السومريين، الإيلاميين، السوباريين، الكاشيين، الميتانيين والهيتيين)، وعبادة الأصنام كحال الشعوب الأخرى كالساميين والبوزيين وغيرهم.
ثالثآ، أول ماگ (مكة) حج إليها الناس:
Yekemîn heg kû xelkê serlêdana wê kir
ماگ گر- زك، الذي يسميه التتار (غوبكلي تَبه)، هو أول بيت أو هيكل بناء في التاريخ البشري وتم بنائه في منطقة خوران (هران) ولم يكن بيتآ وإنما ماگآ (بيتآ) للألهة، ويعود تاريخه إلى حوال (12.000) أثنى عشر ألف سنة قبل الميلاد. ويقع البيت على بعد (12) كيلومتر من مدينة “أورفا” الكردية في شمال كردستان، وتم إكتشافه في العام (1995)، وفي عام (2018)، تم إدراجه رسمياً في قائمة “اليونسكو” للتراث العالمي.
تقع أطلال هذا الماگ (البيت) وسط تلال، وهو أقدم وأكبر “ماگ” معروف في التاريخ. يعد هذا الموقع، الذي يتكون من أعمدة عملاقة حجرية منحوتة على شكل حرف (تاء) اللاتينية. والسبب في دائرية هذا المعبد وغيره من المعابد اليزدانية، هو إيمان أسلاف الشعب الكردي، بالإله “خور” والذي يعني إله الشمس. والشمس كما هو معروف قرص دائري، لهذا معابد الخوريين كلها بنيت بشكل دائري في البداية ومن ثم جرى التغير عليها. فهذا الإختيار لم يكن إعتباطيآ كما يظن البعض من الجهلة بحقيقة الديانة اليزدانية، وتاريخ أسلاف الشعب الكردي. وبما أن الشمس ترمز لي إله النور، والنور يرمز لها بالشمس في الديانة اليزدانية الخورية – الكردية، ولهذا فهي مقدسة مثلها مثل بقية عناصر الحياة الثلاثة ” الأرض والماء والهواء”.
والمعابد الدائرية الشكل، الموجودة في منطقة الجزيره الفراتية، وتحديدآ في الجزء العلوي منها ومدينة “گوزانا” التي تتصدر المدن التي تحتوي هذا الشكل من المعابد الدائرية اليزدانية، هي إستمرارية لهذا المعبد الأول، ومن زار المعبد يعلم بأنه خالي من التماثيل لأن الشعب الكردي لم يعبد الأصنام يومآ قط. وهذه الأحجار التي صنعت على حرف (التاء) اللاتيني هي ترمز للإنسان الخوري وهم واقفون ويعبدون الإله “خور”.
ومن منطقة الجزيره الفراتية في غرب كردستان إنتقل مفهوم “الماگ” أي بيت الإله والحج إليه، إلى جنوب كردستان حيث نزل قسم من الشعب الكردي من الشمال إلى الجنوب نزولآ مع نهري الفرات وتيگريس (دجلة) وإستقروا هناك ناقلين معهم معتقداتهم، طقوسهم، ثقافتهم، لغتهم، عاداتهم نمط البناء المعماري وغير ذلك. والحضارة إنتقلت من شمال غرب كردستان أي منطق الجزيره إلى الجنوب وليس العكس كما كان يعتقد العلماء سابقآ قبل إكتشاف مدينة “هموكاران” العريقة الواقعة شمال جبل شنگال على الحدود بين غرب وجنوب كردستان.
وفي هذا المجال يقول عالم الأثار الأمريكي “ماجواير جيبسون” من معهد الدراسات الشرقية في جامعة شيكاغو، المختص بأثار منطقة “ميزوبوتاميا”، موطن الخوريين حيث قال ما يلي:
“علينا أن نعيد النظر في الأفكار التي كوناها عن بدايات الحضارة الانسانية التي يبدو أنها بدأت قبل ما كنا نعتقد سابقآ”.
وأضاف قائلآ: هذا يعني أن تطور الممالك القديمة، حدث قبل اختراع الكتابة، وقبل ظهور العديد من المعايير الأخرى، التي كنا نقارن الحضارة بها. وقد كتشفت هذه المستوطنة القديمة في منطقة قرية “هموكاران” الحالية، الواقعة شمال شرقي سوريا. حيث إستوطنت المدينة الأثرية التي يدعوها الباحثون (تل هموكار)، لأول مرة ما بين (4000 – 3700) قبل الميلاد، وكانت تغطي مساحة (2كم²) كيلومترين مربعين. وكانت بلدة منظمة بشكل جيد ومحاطة بسور كبير. وتمثل تلك التواريخ تحديا للآراء العلمية التقليدية، التي كانت تقول أن الحضارة المدنية نشأت في الدويلات السومرية: مثل دولة أوروك الواقعة جنوبي العراق الحالي، ثم إنتشرت إلى الشرق الأدنى القديم خلال فترة “أوروك” التالية، الممتدة من (3500) وحتى (3100) قبل الميلاد. لكن هذا الإكتشاف كما يقول الباحثون يشير إلى أن الحضارة بدأت تتبرعم قبل ذلك، في شمال سوريا الحالية.
السؤال هنا هو:
هل كان هناك أي وجود للساميين بكل مسمياتهم (الكنعانيين، الأموريين، الأكديين، العرب المسلمين)، الفرس، الأرمن، المقدونيين، الرومان – البيزنطيين، المغول – التتار (العثمانيين)، شعوب البحر، في هذه المنطقة في تلك الحقبة الزمنية أي قبل (12.000) الألف الثاني عشر قبل الميلاد؟؟
الجواب بالتأليد لا. فأقدم غزو لبلاد الخوريين أسلاف الشعب الكردي، كان من قبل الكنعانيين، وكان ذلك حوالي منتصف الألف الرابع (3.500) قبل الميلاد، قادمين من “اليمن وإيرتيريا” هذه وفق ما دونه أبو التاريخ “هيرودوت” اليوناني.
رابعآ، ظهور مفهوم الهگ في مدينة أور السومرية:
Diyarbûna têgîna hegê li bajarê Ûra Somerî
مدينة “أور” أو تل المقير حاليآ، مدينة سومرية – كردية، تقع على بعد بضعة كيلومترات معدودة عن مدينة الناصرية الحالية جنوب العراق، وعلى بعد حوالي (100) ميل شمالي البصرة. وتعتبر واحدة من اقدم الحضارات المعروفة في جنوب كردستان، والتي تأتي في المرتبة الثانية من حيث القدم بعد المدن الخورية في منطقة الجزيره الفراتية في غرب كردستان، مثل مدينتي “گوزانا وهموكاران” اللواتي إنتقل اسلاف الكرد منهم إلى جنوب كردستان، وأقاموا حضارة سومر وكاش وإيلام العريقة.
ومدينة “أور” كانت عاصمة الدولة السومرية حتى عام (2100) قبل الميلاد، وكانت تطل على ضفة نهر الفرات عندما بنيت، ولكن مع الزمن وبفعل التغيرات المناخية والزلازل، إبتعد مجرى النهر عنها، واليوم تبدو معزولة في منطقة صحراوية، مع العلم كل المنطقة المحيطة بها كانت مغطاة بغطاء نباتي قبل لألاف السنين قبل الميلاد.
أور، كانت مسكونة منذ فترة العبيد، حيث كانت القرى عبارة عن مستوطنات زراعية، ولكنها اصبحت مستوطنة كبيرة مع حاجة هذه القرى إلى مستوى أعلى للسيطرة على الري والسقاية في أوقات الجفاف. وحوالي (2600) قبل الميلاد، أي خلال حكم السلالة الثالثة للمدينة شهدت المدينة إزدهارآ ثانيآ. وفي هذه الفترة باتت المدينة مقدسة وكانت الالهة “إنانا” هي التي تتصدر المشهد الديني.
++++++++++++++++
ثقافة العبيد (5300-4000 ق.م):
هي حقبة حضارية طويلة الأمد تنتمي إلى العصر الحجري النحاسي وقد وجدت مخلفاتها على طول نهري الفرات ودجلة في مواقع مختلفة، ويمكن تقسيم حضارة هذا العصر إلى قسمين:
جنوبي: وهو الأقدم وقد وجدت فخارياته بكثرة في كل من “إريدو” بالقرب من مدينة “أورك” ورأس العمياء بالقرب من كيش وفي أماكن أخرى.
الشمالي: وجدت نماذج منها بكثرة في الشمال، مثل موقع تل الثلاثات بالقرب من شنگال حيث نقبت بعثة يابانية أربعة مواسم بين سنتي (1956- 1966) وفي “تبه كورا” حيث نقبت بعثة بنسلفانية الأمريكية، وفي الجنوب في مواقع تل العبيد نفسه وأور وإريدو وأورك ومواقع أخرى.
“تل العبيد” تقع غرب مدينة “أور” في جنوب كردستان، ضاحية ذي قار، منح إسمه لفخار العصر الحجري الحديث العائد لفترة ما قبل التاريخ، ومنح إسمه أيضآ لحضارة العصر الحجري النحاسي التي تمثل أول المستوطنات في السهل الرسوبي لجنوب بلاد الخوريين.
تأسست السلالة الملكية الأولى في مدينة “أور” في بدايات (2700) الألف الثالث قبل الميلاد، وحينها كانت المدينة مركزاً سومرياً مهماً. وقد عُرف من القوائم الملكية (6) ستة من ملوك هذه السلالة، وانتهت هذه السلالة على يد “إيانا توم” أحد قادة مدينة “لگش”.
خلفت هذه الأسرة معالم تاريخية مهمة للغاية في المدينة منها: الزقورة (برج هرمي لأغراض دينية)، ثانيآ، المدافن الملكية ومن أهمها مدفن الملكة أو الكاهنة “يو أبي” التي عرفت في المراجع العلمية باسم “شبگاد”، واحتوت على لُقى بالغة الروعة والجمال ودقة الصنعة من الذهب واللازورد والفضة وغيرها مما كان يستعمله ملوك سلالة أور الأولى.
ولما تمكن الأكديون من توحيد بلاد مابين النهرين بعد قتال شديد دخلت مدينة أور تحت سيطرتهم. وبعد زوال الامبراطورية الأكدية على يد الگوتيين الكرد خضعت مدينة “أور” للسلطة الجديدة. وفي ظل حكم الگوتيين قامت بعض المدن السومرية القديمة باستعادة قدر من الاستقلال وكانت أور من بين تلك المدن.
بعد زمن تمكن أوروك “أوتو هيگال” من إستعاد الحكم تحرير الگوتيين بمساعدة “أورنامو”، الذي عين حاكماً على “أور”، والذي مالبث أن أعلن استقلاله بعد سبع سنوات عن أوروك، وجعل من نفسه ملكاً على مدينة “أور” وعلى بلاد سومر، وبذلك أسس سلالة أور الثالثة (2050-1950) قبل الميلاد، وفي عهده عادت “أور” تتصدر الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والإدارية في بلاد سومر وماجاورها مدة تزيد قليلاً على مئة عام.
++++++
مدينة لگش:
هي إحدى المدن السومرية – الكردية، تقع في محافظة (ذي قار) – قضاء الدواية، وتبعد عن مركز مدينة الدواية (16) كيلومترا من جهة الجنوب، وتحيط بها الأهوار من ثلاث جهاث، وتعتبر إحدى أقدم المدن السومرية. وتقع شرق مدينة “أوروك” وعلى بعد 22 كيلومترا شرق مدينة الشطرة في محافظه ذي قار. ويعود تاريخها إلى ما قبل الألف الثالث قبل الميلاد.
بدأ التنقيب في لكش عام (1886) على يد الآثاري الألماني كولد واي. وفي عام 1952 نشر الأمريكي جاكبسون دراسة عن المدينة لفتت الانتباه إليها، الأمر الذي جعل جاكبسون نفسه يقود رحلة استكشافية مع الآثاري العراقي فؤاد سفر. في العامين 1984 و1990 نُقب في مدينة لكش من قبل بعثتين أمريكيتين، إلا أن الظروف السياسية للبلد أدت إلى توقف التنقيب منذ ذلك الوقت حتى الربع الأول من عام 2019، حيث باشرت بعثة أمريكية التنقيب في الموقع.
تميز عهد سلالة “أور” الثالثة بإحياء الثقافة السومرية، إذ كُتبت معظم وثائقها بالسومرية إلا أنها لم تبطل الكتابة باللغة الأكدية، وأخذت بالفكرة القائلة: “إن الملكية هبطت من السماء، وقد منحتها في مدة محدودة مدنٌ أخرى ومالبثت أن عادت إلى أور. ويبدو أن ذلك كان محاولة من “أورنامو” لإضفاء الشرعية على حكمه. وبذلك بات حكام المدن الأخرى أتباعاً “أورنامو” ملك أور. أما الفن في هذه الحقبة فكان أقرب إلى فن مدينة “لگش” السومرية أكثر منه إلى الفن الأكدي الغريب عن المنطقة.
الملك أورنامو:
هو مؤسس سلالة أور الثالثة في مدينة “أور” عاصمة السومريين، كما أنه مؤسس أول شريعة قانونية في التاريخ التي سبقت شريعة الملك البابلي حمورابي بثلاثة قرون. وحكم الملك أورنامو في الفترة بي (2047-2030) قبل الميلاد
تمكن “أورنامو” من توحيد المدن السومرية من جديد وهي: (أور، إريدو، أوروك، لگش، نيپور، كيش، أداب، اوما)، بعد إستعادتها من يد الگوتيين، الذين سيطروا على وأسقطوا الإمبراطورية الأكدية الشريرة ولقب نفسه ملك بلاد “سومر وأكد”.
الملك أورنامو تمكن من بناء عدة مباني عظيمة، منها مبنى الزقورة العظيمة في “أور”، الذي أخذ عنه المصريين فكرة بناء الأهرامات، بعد هجرة مجموعة من الكرد الكاشيين إلى صعيد مصر. هذا إضافة إلى قيامه ببناء معابد في مدن أخرى مثل: كنيپور، لارسا، كيش، أداب واوما. ومن ضمن المعابد التي بناها هو معبد يزداني وسماه “ماگ”.
أثناء عمليات التنقيب في موقع مدينة “أور” السومرية – الكردية العريقة عثر العلماء علة مسلة أو لوح
دون عليه كل تلك المعلومات التاريخية، التي لا تقدر بثمن. بلغ طول المسلة المكتشفة في الموقع (4,5) متر، وعرضها (1,5) متر ودون فيها ما يلي، بحسب اللغويين الذين قاموا بترجمة الكتابة السومرية التي إستخدمت في الكتابة وهي إم اللغة الكردية الحالية:
“الملك سومير بنى (ماگ) أي بيت للألهة وكان دائري الشكل، وبعد حدوث الطوفان /2300-2200/ قبل الميلاد، هدم هذا البيت جراء الطوفان. وعندما إستلم الملك أورنامو أو أورنوم سدة الحكم، في الألف الثاني قبل الميلاد، قرر بناء (ماگ) جديدة بعد أن أوحى الإله له، وساعده في ذلك إبنه (دنگي)، وبنوه على شكل شبه مربع. وبعد بنائه وكان يهگ (يحج) إليه السومريين ويطوفون حوله (7) سبعة مرات، على أيام الإسبوع، إيمانآ منهم بأن الإله خلق الكون في سبعة أيام”.
قبل إستلام الملك “أورنامو” سدة الحكم في مدينة “أور” وكافة بلاد سومر وبناء (ماگ) المدينة من جديد، أمر بتقديم المواشي والحيوانات الأخرى كقرابين بدلآ من البشر. لأن قبل ذلك كان أسلاف الكرد الأوائل يقدمون الإنسان كل كقرابين للألهة. والقصة التي وردت في القرأن على أن سيدنا ابراهيم رأى في المنام أنه يذبح إبنه إسماعيل من قفاه، وأرسل الله كبشآ كبشآ ليذبحه مكان إبنه كي لا ينحس بقسمه، هي تحريف وتزوير واضح وجلي في حقيقة تاريخية جرت في مدينة “أور” السومرية – الخورية – الكردية في عهد الملك أورنامو.
لأن الملك “أورنامو”، هو الذي قام بتغير هذا التقليد لأنه أدرك فداحة ذلك، فأمر الناس في بلاد سومر وما حولها منع تقديم الروح البشرية كقربان للألهة، وأمرهم بذبح حيوانآ مكانه مثل: الكبش، الخاروف، ماعز، التيس، البقر، الثور، أي حيوانآ يؤكل لحمه. وإنتقل هذا التقليد مع الوقت إلى كافة المدن الخورية في ربوع كردستان برمتها، وحسنآ فعلا، وهذا يدل على مدى وعيه الإنساني، وبقراره ذلك حفظ حياة الألف من البشر. لقد قتل الملك “أورنامو” سنة (2030) قبل الميلاد أثناء إخدى المعارك الگوتيين الكرد، بعد أن تمكن من إعادة السيطرة على كامل خليج إيلام الذي كان يسيطر عليه الگوتيين، وبعد موته خلفه في الحكم ابنه “شولگي”.
مسلة أورنامو التي تحدثنا عنها والكتابات المدونة عليها، فقد مُثل عليها مشهد يظهر الملك أورنامو نفسه في الأعلى، يقدم قرباناً أمام أحد الأرباب، وفوقه ربة تحمل إناء ينساب منه الماء القادم من السماء، وفي “الحقل” الذي يليه، يتكرر المشهد نفسه ويشاهد الملك متجهاً مرة إلى اليمين ومرة نحو اليسار، وقد يمثل هذا النُصب طقوس العبادة التي كان الملك أورنامو ومعه السومريين يقومون بها للرب “نانار” وشريكته “ننگال”.
ومن أهم ما خلفه هذا الملك المنير من نصوص قانون أورنامو هو “السجل العقاري”، ويبدو أن الباقي من القانون والسجل، ماهو إلا نسختان عن الأصل السومري المفقود. وقام أورنامو بحفر القنوات والمنشآت المائية وتوسيع القائم منها، كما أعاد بناء الزقورة المعروفة، وأضاف إليها إضافات كبيرة.
لا شك بأن الملك أورنامو لعب دورآ مهمآ في تاريخ سومر والشعب الكردي والبشرية جمعاء. كما ذكرنا آنفا إن نجله “شولگي”، خلف في الحكم، وإستمر هذا الأخير في سدة الحكم مدة طويلة وصلت تقريبآ إلى (49) تسعة وأربعين عاماً، سعى خلالها إلى فرض سلطته على بلاد بابل، وأطلق على نفسه إضافة إلى ألقاب أبيه (ملك الجهات الأربع)، وأله نفسه كما لم يفعله أي ملك ممن سبقوه في الحكم، وكان مثل والده مهتمآ بالثقافة السومرية، فسعى إلى إحياء كل ماهو سومري واهتم بمدينة “إريدو” المركز الديني المهم.
وللتأكيد بأن السومريين كرد أصلاء وأن لغتهم هي إم اللغة الكردية مع اللغة الخورية، إليكم مقارنة بين اللغة الكردية والسومرية، التي توضح لنا وبجلاء الرابط التاريخي والحضاري بين المصطلحات الكردية والسومرية، وهذه الأمر يدحض أكاذيب الكتاب العربان والأشوريين الناصبيين المحتالين الذين إدعوا بأن أن أصل السومريين ساميين.
عربي كردي سومري
مَن؟ Min Mû
ذباب Mêş/mîş Mûş
جدة Nene Nane
لا يعرف Nezan Nûmûzû
خبز Nan Nînda
عشرة (10) Dehe Ha
بيت/ نادي Yane Yî
القلب dil Del
عربي كردي سومري
قطع bir Br
سماء/ إلهة السماء Esman An
جرة ماء Kûzik Kuzg
بطن Zik Zig
موقد النار Atûn Adun
ماء Av/Aw A
خبز Nan Nanda
راس Ser/serî Sak
طحن Hêra Ara
الدين Dîn Deyne
بئر إرتوازي، ميناء العمر Avzê Avzû
ما هذا؟ Ar? Ar?
حديد/ محراث Asin Apin
رأس النبع Aşûkanî Aşûkani
أو An An
أرض Erz Erz
دموع Astir/ êstir Asir
مستودع Ambar Ambar
ثمانية (8) Ayşt/heyşt As
الشتاء Astin/zivistan Antin
رسالة Ûrname/name Ûrnimû
اليوم Emro/hîroj Ûrî
الساقية/ جدول Robar Bar
تعب Mandû Ûmîne
مطر Baran Baran
ذارع Bale Bale
عبد Ben/ezbenî Ben
أخ Bira Bra
عربي كردي سومري
جّد Bapîr Babînge
حظيرة (الحيوانات) Turge Tur
مكان Cî Ci
الجبل الأحمر Çiyasor Çiyasor
اليد Da Da
شجرة Dar Dar
رئيس البلدة/ أمير البلدة Dîbşar Dîbşar
جرة كبيرة Gundok Dok
التحدث/ التكلم Duwa Du
كاتب Dîbsar Dîbsar
حار Dax Dî
إثنان Dudu Dîdo
دين Dîn Deyne
متدين Dînger/ dîndar Dînger
إستقامة Rast Rast
معرفة Zanîn Zo
ثور Ga Ga
رأس الثور Serga Sakga
الرأس Serî Sak
معبد Sondgeh Sanga
راعي Şivan Sipa
حارث Sîpa Sîpa
ستة (6) Şeş Şeşe
العمل Kar Kar
الأخ الأكبر Kake Kake
عجوز Kal Kal
قوي، بطل Galge Galge
قبر Gor Or
جبل Ko Kor
بركة Gom Gom
شعب Gel Gel
عام/ جميع Gîştî Gîştû
ضفاف Gûh Gûh
الرجل العظيم Lalûkalk Lalûkalk
ملاحظتين مهمتين في نهاية هذا المحور:
الملاحظة الأولى:
هناك حوالي ما يقاري (100) كلمة مشتركة بين اللغتين السومرية والكردية الحالية. ولا يوجد لغة أخرى تشترك مع السومرية بنفس المصطلحات ما عدا اللغة الكردية.
الملاحظة الثانية:
لو أمعنتم النظر في الحطة (غطاء الرأس) لملوك سومر وكاش وإيلام ستجدون، هي ذات الحطة التي يرتديها لليوم نساء ورجال الكرد اليزدانيين (الإيزيديين) في كل مكان، لأنهم أبوا أن يعتنقوا دين العرب الشرير (الإسلام)، وأن يتخلوا عن دينهم ولباسهم الكردي الذي يمتعد عمره لألاف السنين قبل الميلاد، ولن تجدون أحدآ سوى أبناء الشعب اليزدانيين يرتدونه، ولم أجد أجمل من هذا اللباس البهي. وهذا اللباس جزء أصيل من تاريخنا الكردي وثقافتنا وهويتنا القومية، وأحيي أبناء شعبنا الكردي اليزدانيين الذين لم يتخلوا عن دينهم، ولا عن لباسهم هذا على مدى ألاف السنيين، رغم كل المذابح والمجازر التي تعرضوا لها عبر التاريخ، وأخرها كانت على يد تنظيم داعش الإسلامي الإجرامي عام 2018.[1]