نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (42) – أسلاف الكورد: الميديون.. ديانة الميديين ومعتقداتهم
د. مهدي كاكه يي
4. بقايا المعتقدات اليزدانية في المجتمع الكوردستاني
هناك معابد كثيرة في منطقة الشرق الأوسط تُعرف بأسماء قدّيسي اليزدانيين والمسيحيين والمسلمين، والتي هي في الأصل معابد ميثرائية، خاصةً تلك المعابد الموجودة في المناطق الجبلية والقريبة من الكهوف وينابيع المياه. كما أن آثار الديانة الميثرائية لا تزال باقية في كنائس الغرب ومعابدها، وخاصةً في مدينة روما الإيطالية. من الجدير بالذكر، أنّ كلمة (محراب) العربية مأخوذة من كلمة (مهر آب) التي تعني (مكان عبادة ميثر)ا18.
كما أنه لا تزال شعوب الشرق الأوسط وشعوب البلدان الغربية تتبع بعض المعتقدات الميثرائية دون أن تعرف مصدرها، على سبيل المثال، عند القيام بِتقليم الأظافر أو قص الشَعر أو عند سقوط الأسنان، يتم إخفاؤها في شقوق الجدران أو بين الصخور والأحجار. كما أنّ هذه الشعوب تُقْسِم بالشمس وتقوم بِصلاة الفجر قبل بزوغ الشمس والتي هي من بقايا المعتقدات الميثرائية.
تظهر كذلك بقايا معتقدات الديانة المثرائية بوضوح في فروع هذه الديانة، الإيزدية والهلاوية والدروزية واليارسانية والشبك، مثل تناسخ الأرواح والإعتقاد بوجود قوتَين متضادتَين: الخير والشر، وكذلك قُدسية الشمس والنار وتقديم القرابين (النذور) للأحياء والأموات و تقبيل الأرض الذي هو طقس ديني للتعبير عن حب الإنسان للأرض وشكرها، حيث يعيش الإنسان عليها و أن إستمرارية حياته مرتبطة بها.
في هذه الفروع الدينية، يتم تقديم القرابين، مثل لحم الثور و الغنم والدجاج خلال إجتماعات دينية خاصة وهذه الفريضة هي إمتداد لتقديم الثور قرباناً في الطقوس الميثرائية، حيث كان ميثرا يقوم بتقديم الثور كقُربان ووجهه إلى الشمس ويهجم عليه عقرب وثعبان كمخلوقَين لأهريمن. يحاول كلب ميثرا إبعاد العقرب والثعبان ويتحول ذيل الثور إلى سنبلة ومن دم الثور ولحمه وعظامه وجلده ينبت الخضار والزرع وتزدان الطبيعة من جديد، وتنبت الكروم من دم الثور ومن عنبها يُصنع الخمر. كانت هذه الطقوس تُجرى في كهفٍ أو بالقرب منه، وكانت تُمارس بمصاحبة الرقص والأغاني و حرق أعشاب ال (هوم، سوم) أو (سوما). لذلك كانوا يطلقون على هذه الرقصة (سەما SEMA) والتي هي إسم لِعُشب مقدس. لا تزال كلمة (سەما) حيّة في اللغة الكوردية وتعني نفس المعنى، أي (رقص). كان يتم ذبح الثور في المعابد الميثرائية في مراسيم خاصة كقربان للشمس، ويُقطع إلى أوصال ثم يُطبخ ويتسابق الميثرائيون للحصول على قطعة منه. الى الآن اليارسانيون والهلاويون والإيزديون يمارسون نفس هذه الطقوس والمراسيم الميثرائية. من الجدير بالذكر أنه كان من الضروري أن تتم ممارسة هذه الطقوس عند الميثرائيين، في سرداب أو ما يشبه كهف مظلم يتم نقره و حفره في الصخر. هذا الإجتماع الديني كان يُسمى (جەم CEM) في الديانة الميثرائية ولا يزال يحمل نفس الإسم عند الإيزديين والهلاويين واليارسانيين. إنّ كلمة (جمع) العربية ومشتقاتها مثل (مجموع، جماعة، جِماع، تجمّع) كلها مأخوذة من الكلمة الخورية (جەم).
كان يعتقد أصحاب الديانة الميثرائية أنّ (ميثرا) هو إله الشمس الذي ولِد في كهف في 25 ديسمبر/كانون الأول الذي هو يوم الإنقلاب الشتوي، حيث أن الشمس تصل إلى نهاية إنحدارها في 23 ديسمبر/كانون الأول وتتوقف في مكانها في 24 من هذا الشهر وتبدأ بالنهوض والإعتراء في 25 من الشهر نفسه، والذي هو يوم تخلصها من قبضة (أهريمن) وهو رمز ولادتها ويوم ميلاد (ميثرا) من أم عذراء19. نشأت عبادة (ميثرا) في المغاور والكهوف وأنّ رمزه هو النور والشمس ومات في سبيل خلاص الشمس ودُفن وثمّ قام مرة ثانية من القبر و أحيي عند قيامته بإحتفال عظيم. كانت أعياده هي يوم الإنقلاب الشتوي في 25 ديسمبر/كانون الأول وهو يوم ولادته وأنّ يوم نوروز هو يوم قيام ميثرا ويوم الأحد هو يوم الشمس (Sunday) من كل أسبوع20.
عندما حكم الإمبراطور الروماني ( قسطنطين العظيم ) روما من سنة ( 306 – 337 م)، أصبحت المسيحية دين الإمبراطورية الرومانية المُهيمنf، g. خلال حكمه، أصدر (قسطنطين) مرسوماً والذي بموجبه جعل يوم الأحد هو اليوم الذي قام فيه السيد المسيح والذي يكون يوماً خاصاً للعبادة وتمجيداً لِاله الشمس (ميثرا) ويجب إغلاق أبواب المحاكم ودواوين الحكومة في اليوم المذكور ويكون هذا اليوم هو يوم الشمس (Sunday) ويكون عطلة رسمية لِإله الشمس (ميثرا)20.
كان يتم الإحتفال بِعيد ميلاد (ميثرا) الذي يصادف الخامس والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبرh. في هذا اليوم، يكون الليل هو الأكثر طولاً في السنة، حيث بعد هذا التاريخ يبدأ طول الليل بالنقصان ويزداد طول النهار. عند ميلاد الإله (ميثرا) في كهف مظلم في هذا اليوم الأظلم خلال السنة، أضاء (ميثرا) بِنوره الكون. لذلك كان أسلاف الكورد الميتانيون يعتقدون بأنه بولادة ميثرا، تخلصت الشمس من قُبضة إله الظلام وأخذت بالصعود إلی السماء وأنارت الكون والحياة.
كما نرى، فأن تاريخ ميلاد المسيح يصادف نفس تاريخ ميلاد (ميثرا)، حيث أنه بعد إنتشار الدين المسيحي في أوربا، وخاصة في روما، قام المسيحيون بِجعل تاريخ ولادة الإله (ميثرا) تاريخاً لولادة السيد المسيحh. هكذا نرى تبنّي الدين المسيحي لِيوم ميلاد (ميثرا) ليكون يوم ميلاد نبيهم (عيسى).
تبعاً لنصوص الإنجيل، فأن السيد المسيح وُلِد في فصل الربيع، حيث يشير الإنجيل الى أن رعاةً كانوا يرعون أغنامهم في الليل عندما سمعوا خبر ولادة المسيح {(لوقا 2:8 (Luke 2:8)}. هذا يوحي الى أن ولادة المسيح كانت في موسم الربيع، حيث تزامنَت ولادته مع فترة ولادة الخرفان التي تحصل في موسم الربيعi. من المرجّح أن المسيح مولود في 28 آذارj.
المصادر
18. توفيق وهبي (2010). اليزيدية بقايا الديانة الميثرائية. ترجمة شوكت إسماعيل حسن، دار سردم للطباعة والنشر، سليمانية، كوردستان، صفحة 8.
19. فاروق الدملوجي (1953). الآلوهية في الديانة الزردشتية، صفحة 27.
20. المصدر السابق، ص 28.
المراجع
f. http://www.roman-empire.net/decline/constantine.html
g. R. Gerberding and J. H. Moran Cruz, Medieval Worlds (New York: Houghton Mifflin Company, 2004. p. 55.
h. http://www.iranchamber.com/religions/articles/mithraism_influence_on_christianity.php
i. http://www.biblicalarchaeology.org/daily/biblical-topics/new-testament/how-december-25-became-christmas/
j. Sheler, Joseph L. placed Jesus's birth on March 28. U.S. News & World Report. In: Search of Christmas, Dec. 23, 1996, p. 58).
[1]