نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (55) – الآشوريون.. تأسيس مملكة آشور
د. مهدي كاكه يي
قبل التحدث عن الموضوع الذي نحن بِصدده، أود أن أوضّح بأنّ غالبية الشعب الآشوري القديم كانت تتألف من السكان الزاگروسيين الأصليين من سومريين وسوباريين (خوريين - ميتانيين، كاشيين، لولويين) وميديين، بينما كانت الأقوام السامية الغازية لِشمال ميزوپوتاميا (جنوب كوردستان الحالية) تُشكّل أقلية سُكّانية آشورية، حيث يذكر الدكتور إبراهيم الفنّي بِأن أسلاف الكورد الخوريين هم الذين أعطوا الآشوريين تلك الملامح التي كانت تميّزهم عن الساميين1. هذا يؤكد ذوبان العناصر الآشورية السامية في الأقوام الزاگروسية. بعد تأسيس مملكة آشور، تمّ إطلاق إسم (الآشوريين) على الأقوام الزاگروسية من سكّان بلاد سوبارتو (جنوب كوردستان الحالية) وكذلك على الأقوام الأمّورية الغازية التي إستقرت هناك. في عهد الملك الآشوري (آشور باليت الأول Assur ballet I) (سنة 1363 – 1328 قبل الميلاد)، وخلال حُكمه تحوّلت (آشور) من دولة - مدينة إلى عاصمة مملكة سُمّيت (مملكة آشور). كما كان قسم من الحُكّام الآشوريين، زاگروسيين، وخاصة الملوك الأوائل والقسم الباقي كانوا أمّوريين. كما نرى أن إسم هذه الدولة الجديدة وإسم شعبها (آشور) مُقتبسان من إسم الإله السوباري (آسور) الذي كان يلفظه البابليون (آشور) ولذلك تحوّل الإسم من (آسور) الى (آشور).
هاجر الأمّوريون والبابليون الى بلاد سوبارتو في حوالي سنة 2000 قبل الميلاد، حيث عاشوا تحت الحكم السوبارتي. يذكر (هاري ساغز) أن سرجون الأول الأكادي (حكم بين سنة 2350 – 2294 ق.م) هاجم منطقة سوبارتو2.
الأقوام البابلية المهاجرة من جنوب ميزوپوتاميا والأقوام الأمّورية القادمة من الصحراء السورية الحالية، بعد إستقرارها في بلاد سوبارتو، تأثرت بحضارة السوباريين من لغة ودين وعبادة الآلهة وإقتبست منهم الطقوس الدينية وأسماء بعض المواقع3. بلاد آشور حتى حوالي سنة 1100 قبل الميلاد، كانت مؤلفة من عدة دويلات ضعيفة يتحكم بها أسلاف الكورد الزاگروسيين، حيث حكم الميتانيون بلاد آشور لفترة طويلة من الزمن4.
هاجر البابليون من بابل الى شمال ميزوپوتاميا بقيادة (شمشي أَدَد الأوّل Shamshi- Adad 1) (سنة 1813 – 1781 ق.م) وإبنه (إشْمي داگان Ishmi Dagan) (سنة 1780 – 1741 قبل الميلاد) وغزوا بلاد سوبارتو، وأسّسوا سُلالة حُكم هناك. في هذا المقال نواصل الحديث عن تأسيس مملكة آشور التي ستتألف سكانها من الأقوام الزاگروسية التي كانت السكان الأصليين لِجنوب كوردستان الحالية والأقوام البابلية والأمّورية التي هاجرت الى شمال ميزوپوتاميا (جنوب كوردستان الحالية) والتي إستقرّت بين شرق وشمال نهر دجلة والزابَين وعلى جانبَي خط عرض 37 تقريباً. هذه الأقوام الزاگروسية و البابلية والأمّورية ستتم تسميتها فيما بعد بالآشوريين.
عند إستقرار الأقوام البابلية والأمّورية الغازية في شمال ميزوپوتاميا، تَمَكَّنت مِن الإستحواذ على منطقةٍ مُحاذية لشمال المملكة البابلية وإستولت على مدينة ( ايكالاتIkalat ) المبنية فوقَ قلعةٍ على الساحل الشرقي لنهر دجلة واتخذتها مَقراً لحُكمها. بعد ثلاثة أعوام مِن استقرارها، في عام 1813 قبل الميلاد، إحتلت قوات (شمشي أَدَد الأوّل) مدينة آشور، الواقعة على الساحل الغربي لنهر دجلة ونصّب نفسه ملِكاً على مدينة آشور بإسم ( شمشي أدد الأول).
كانت مدينة آشور تتمتع بِموقعٍ إستراتيجي هام بسبب سيطرتها على مرور السفن والطوَّافات المارّة في نهر دجلة وهي في طريقها الى مدن سومر وأكد، ولذلك كانت تُشكّل مرفأً تجارياً تربط بين الشرق والغرب حسبما يُشير لوحٌ مكتوبةٌ عليه بنود مُعاهدة عُثِرَت عليها في تل مرديخ (إبلا).
بعد أن أتَمِّ شمشي أدد سيطرته على اقليم آشور، أعلن نفسَه ملكاً على آشور باسم ( شمشي أدَد الأول Shamshi-Adad the First) (1813 - 1781 قبل الميلاد) وبعد إستتباب أمره، عزم على القيام بتوسيع رقعة مملكتِه الفتية، فقادَ جيشَه نحو مدينة (ماري) واحتلَّها، فأصبحت مملكتُه تشمُل (آشور) و(ايكالات) على نهر دجلة و(ماري) على نهر الفرات. نصّب (شمشي أدَد الأول) إبنه ( يَسمَج أدو Yasmah-Addu ) حاكماً على مدينة (ماري) و وإبنه الثاني (إشمي داگان Ishmi-Dagan) حاكماً على مدينة (ايكالات) و الذي خلفه على عرش آشور سنة 1780 قبل الميلاد. بعد مرور ثلاث سنواتٍ على احتلاله لمدينة آشور، قام الملك (شمشي أدَد الأول) بإحتلال ثلاث أقاليم في شرق دجلة وهي إقليم (نينوى Nineveh ) وإقليم ( أرابخا Arrapkha) (كركوك الحالية) وإقليم (أربل Arbil-) (أربيل الحالية).
يذكر الدكتور فتوحي بأنّه بعد إستقرار (شمشي أدد الأّول) في شمال ميزوپوتاميا، قام بِنقل مقر الدويلة التي أسسها، إلى مدينة (إيكالات Ikallate) للإبتعاد عن السورباريين الذين كانوا يُشكّلون الأغلبية السُكّانية في مدينة آشور5. إنتقل (شمشي أدد الأّول) فيما بعد الى مدينة نِينوى التي قام بِتعميرها وجعلها مدينة كبيرة. بعد ذلك نشأت الدولة الجديدة حول أربع مُدن ترويها مياه نهر دجلة وروافده، وهي مدينة آشور (قلعة شرگات الحالية)، ومدينة أربل (أربيل الحالية) ومدينة الكلف ( نمرود) ومدينة نينوى (قويونجك).
المصادر
1. الدكتور إبراهيم الفني. التوراة. دار اليازوري للنشر والتوزيع، ، عمّان، المملكة الأردنية الهاشمية، 2009، صفحة 101.
2. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى و احمد غسان سبانو، دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، 2011، صفحة 29.
3. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، بغداد، 1973، صفحة 77.
4. محمد امين زكي. خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 91.
5. عامر حنا فتوحي. الكلديون / الكلدان منذ بدء الزمان. 2004، صفحة 99.
[1]