مكانة المرأة الإيزيدية (3)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6968 - 2021-07-24 - 16:23
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مكانة المرأة في الأديان الكوردية (22)
ليست هناك نصوص دينية في الأدب الشفاهي الإيزيدي التي تنتقص من دور المرأة وكرامتها. كما أنّ الدين الإيزيدي لا يفرض الحجاب على المرأة ولا يعزلها أو يمنعها من مخالطة الرجُل، حيث أنها تشترك مع الرجُل في حضور المناسبات المختلفة وتشارك بِنشاط في الطقوس الدينية ولها النصيب الأكبر في حمل مشاعل الفوانيس (چرا) والبخور في معبد (لالش) وغيره من الأماكن وكذلك تشارك بفعالية في إحتفالات نصب السنجق الطاووس و في الدبكات والرقصات التي تُجرى في المناسبات الدينية والإجتماعية.
الزواج
ينقسم الزواج عند الإيزيديين الى زواج طبيعي وزواج الخطف. الزواج الطبيعي يُراعي السسن الاجتماعية الإيزيدية، حيث أن المجتمع الإيزيدي هو مجتمع طبقي وأنّ الطبقات ظهرت بعد (شيخ آدي) (1). إذا كانت هناك معارضة لزواج الشاب أو الشابة، يجوز للشاب أن يختطف الفتاة، فيهرب بها الى إحدى القرى المجاورة، فيتزوجها شرعياً حسب السنن والآداب الإيزيدية (2) (3)، حيث أنّ خطف الفتاة ليس عاراً عند الإيزيديين ويبدو أنه يدخل في عادات وطقوس الزواج الإيزيدي.
في المجتمع الإيزيدي يُسمَح للرجُل أن يتزوج أربع نساء، كما هو الحال بالنسبة للمسلمين، رغم أنّ الشريعة الإيزيدية تعتبر الزواج من أكثر من إمرأة واحدة، أمراً مكروهاً. يسمح الدين الإيزيدي بالطلاق ويحقّ للرجُل أن يستعيد علاقته الزوجية بمُطلقته، إذا وافقت الزوجة. في حالة طلاقها، لا تتمتع المرأة الإيزيدية بحقوقها المشروعة، حيث يتم حرمانها من النفقة، لأنه ليس هناك نص شرعي يُلزِم الرجُل بِدفع نفقة لزوجته المُطلّقة. كما أنّ المرأة المُطلّقة لا يحق لها التمتع بِحق الأمومة وحضانة الأطفال وتربيتهم.
خيارات المرأة محدودة في الزواج بسبب تحريم الزواج بين الطبقات الدينية الإيزيدية (1)، بل يصل الأمر الى تحريم زواج المرأة الإيزيدية ضمن صفوف الطبقات الدينية نفسها. تحريم زواج الرجُل الإيزيدي والمرأة الإيزيدية من أفراد أتباع الأديان الأخرى، يُقلل أيضاً فرصة زواج المرأة الإيزيدية، حيث أنّ الدين الإيزيدي هو دين غير تبشيري. إذا خالفت الفتاة الإيزيدية هذا التحريم، فأنها يتم سلخها من الدين الإيزيدي، ولا يمكنها أن تعتنق الدين الإيزيدي من جديد حتى فيما لو فسخت عقد زواجها. نفس الحالة تكون بالنسبة للرجُل الإيزيدي الذي يتزوج من فتاة غير إيزيدية.
فيما يتعلق بتحديد المهر، جاء في الفقرة السادسة من قرارات إجتماع أحد المحافل الإيزيدية ما يلي (4):
فقرة 6. يكون المهر ثمانية مثاقيل ذهب، ثلاثة منها للأب وثلاثة للأم، ومثقال واحد للصندوق العام، ومثقال واحد لِمركز المقاطعة.
مع الأسف فأنّ المجتمع الإيزيدي لا يلتزم بِقرار إجتماع المحفل الإيزيدي أعلاه، حيث أنّ أهل الفتاة يطلبون مهوراً مرتفعة جداً، تؤدي الى حُرمان الفتيات الإيزيديات من فرص الزواج والذي بِدوره يرفع نسبة العنوسة في المجتمع الإيزيدي. لهذا السبب نرى هناك الكثير من النساء العانسات اللواتي يُشكلن نسبة كبيرة من المجتمع الايزيدي. إنّ ظاهرة العنوسة في المجتمع الإيزيدي تعود لِعدة أسباب، إلا أنّ أبرز هذه الأسباب هي المهور المرتفعة التي تدفع الشباب الى العزوف عن الزواج، خاصة في ظل الظروف الإقتصادية المتردية والوضع الأمني غير المستقر في البلاد والتي تتسبب في ترك آلاف الشباب الوطن، متوجهين الى الدول الغربية، بحثاً عن ملاذٍ آمن وحلاً لمشكلاتهم الاقتصادية، مولّين ظهورهم لمسألة الزواج، مُخلّفين وراءهم آلاف الشابات ومهورهن الغالية. على سبيل المثال، الكثير من الايزيديين الساكنين في ألمانيا يبالغون في طلب المهور والتي تبلغ مبالغ خيالية تتجاوز أحياناً (000 50) خمسين ألف يورو!! هكذا فأنّ ضخامة مبلغ المَهْر تأتي في مقدمة أسباب عنوسة الفتيات الإيزيديات، الى جانب تحريم الزواج بين أفراد الطبقات الدينية الإيزيدية وعدم جواز زواج الإيزيديين والإيزيديات من أفراد الأديان الأخرى. هذه الظواهر مجتمعةً تتسبب في بقاء الكثير من النساء الإيزيديات دون زواج ويفوتهّن قطار العُمر ويبقين عانسات.
في مراسيم الزواج، كان من المعتاد في السابق أن تُقدّم عائلة الفتاة التي تتزوج، هدايا خاصة من ذهب وأموال لِبنتها والتي تكون مُلكاً لها لِوحدها ولا يحق للزوج التصرّف بها، التي هي بمثابة حصتها من الميراث بعد تركها عائلتها ودخولها كعضوة في أسرة زوجها. هذا الحق تمّ إغتصابه في الآونة الأخيرة بِحُكم العادات والمستجدات التي حصلت نتيجة التغيرات التي حدثت في محيط المجتمع الإيزيدي بمرور الزمن. مع ذلك، فإن ما يعود للزوجة من ممتلكات وأموال بعد وفاتها، يذهب لأولادها فقط ولا يحقّ للزوج التصرّف بها. أما في حالة عدم وجود أطفال للزوجة المتوفية، فتعود ممتلكاتها لِأفراد أسرة أبيها.
من الجدير بالذكر أنّ الدين الإيزيدي يُحرّم الزواج من أُخت الزوجة بعد وفاة الزوجة أو طلاقها وكذلك من زوجة الأخ بعد موته أو طلاقه وزوجة إبن العم بعد وفاته أو طلاقه.
من الأعراف التي يتمسك بها الإيزيديون هي عدم إجراء مراسيم الزفاف في ليلة الأربعاء، بالإضافة الى عدم جواز إجراء الزواج في شهر نيسان الذي يُعتبَر شهراً مُقدساً لأنه أبو الورود وأنّ الأنبياء قد تزوجوا في هذا الشهر (5)، كما أنه في الدين الإيزيدي، فأنّ ممارسة الجنس في أيام الأربعاء والجمعة، غير مسموح بها، ماعدا أفراد طبقة الكواجك، حيث أنهم يُباح لهم الزواج في أي وقت يشاؤون [6].
العزاء
تقوم المرأة الإيزيدية بإقامة المناحات حزناً على المتوفين من أهلها وتُقيم مجالس العزاء في بيتها، حيث يكون مجلس العزاء للنساء منفصلاً عن مجلس عزاء الرجال. تلتزم المرأة الإيزيدية بِترك الزينة والثياب الملونة والكحل والعطر مدة أربعين يوماً بعد وفاة قريب لها، والتي تعتمد على درجة قرابة المتوفي.
أختتم هذه الحلقة بِعرض نص رسالة صديقي الأستاذ (Pir Xi-dir- Çêlki) التي بعثها لي مشكوراً عن حقوق المرأة الإيزيدية. ينتمي (Pir Xi-dir-)، كما هو مُبيّن من إسمه، الى طبقة (پیر PÎR) التي هي إحدى الطبقات الدينية الإيزيدية.
نص الرسالة
(بالنسبة إلى حقوق المرأة الايزيدية..... ليس هناك شيء رسمي وموثوق، لكن المرأة محترمة وحُرّة في الملبس وحضانة أطفالها عند الترمّل وليست هناك شريعة أو فرض أن تتزوج من شقيق زوجها المتوفي مثل المسلمون..... ليست لها حصة رسمية من الميراث بعد الزواج بإستثناء قرارات فردية أو قرارات محاكم حكومية...... بالنسبة الى حرية الزواج..... هناك قيود ومحرّمات خطيرة لأنّ الايزيديين يتكونون من ثلاث طبقات وكل طبقة من عدة طبقات والزواج محرّم بينهم، مثلآ أنا من طبقة (پیر) وليس من حقي الزواج من طبقة الشيخ أو المُريد. هناك پیر الاپيار الذي لا يمكنه الزواج من البقية ومثلهم الشيوخ وطبقة المُريد من الجميع. بالنسبة الى الطلاق فهو شبيه بتقليد المسلمين..... تُطلّق بالثلاث وتُحرّم وسواء كانت في جلسة عشائرية أو المحاكم. الشهود..... تقبل شهادة جميع الحضور وسواء كانت امرأة أو رجُل. حضانة الأطفال...... 90% يتم أخذ الأطفال من المُطلّقة بإستثناء بعض الحالات).
المصادر
1. شيخ زيدو باعذري. نتف من المراسيم الاجتماعية لدى الايزيدية. مجلة لالش، العدد 1، 1993، صفحة 60.
2. صديق الدملوجي. اليزيدية. مطبعة الاتحاد، الموصل، 1949، صفحة 299.
3. الدكتور خلف الجراد. اليزيدية واليزيديون. دار الحوار. اللاذقية، سورية، 1995، صفحة 124.
4. الدكتور سامي سعيد الأحمد. اليزيديون - احوالهم ومعتقداتهم. الجزء الأول، بغداد 1971.
5. إسماعيل بيك چول. اليزيدية قديماَ وحديثاً. 1934، صفحة 81.
6. الأب أنطونيوس شبلي اللبناني. مقالة في اليزيدية. المشرق، السنة 45، ج1، كانون الثاني/جانفي – آذار/مارس 1951، صفحة 34.
[1]