الفيليون: أصالة و عَراقة و آمال و هموم (9)
الشريحة الفيلية بحاجة الى إستراتيجية و برامج عمل للحفاظ على وجودها و هويتها القومية و التواصل مع شعبها
في هذه المقالة، لا أتحدث عن المسائل السياسية، حيث أنني تطرقتُ إليها في القسم السابع من هذه السلسة من المقالات. الفيليون بحاجة الى بذل جهود جبارة و القيام بإنجاز أعمال كبيرة ليكونوا قادرين على المحافظة على وجودهم و هويتهم الكوردية و ضمان تواصلهم و تفاعلهم و تجانسهم مع الشرائح الكوردية الأخرى. تقع على عاتقهم مسئوليات و واجبات تأريخية جسيمة، و خاصة بالنسبة للمجموعات السكانية التي تعيش خارج حدود إقليم كوردستان، سواءً التي تعيش في العراق أو في المهجر. تحقيق هذه الأهداف يحتاج الى رسم إستراتيجية واضحة و وضع خطط و برامج عمل و تصميم و صبر و إرادة و إيمان راسخ بقضيتهم لأن إنجاز هذه الأهداف يقرر مصير الفيليين و هويتهم، أن يكونوا كورداً أو مستعربين أو مستفرسين أو يذوبون في المجتمعات الغربية التي يعيشون في بلدانها. إنها قضية مصيرية لهم، قضية وجود أو فناء، تحدد مصير إنتمائهم القومي و إحتفاظهم بلغتهم و ثقافتهم و تأريخهم و يتوقف عليها مستقبلهم السياسي ليكونوا شريحة متميزة على الساحة الكوردستانية و العراقية و الإيرانية، لها ثقلها و نفوذها في مناطق تواجدها أينما كانت و التمكن من لعب دور مؤثر في كافة المجالات الحياتية من سياسية و إقتصادية و إجتماعية و غيرها. إنها صراع و نضال من أجل البقاء و إثبات الذات و تطوير النفس و المضي قُدماً نحو حياة حرة متقدمة و مترفهة و المشاركة الفعالة، الى جانب الشرائح الكوردية الأخرى، في بناء صرح الإنسانية. إنجاز مثل هذا العمل العظيم يتطلب من الفيليين المبادرة للإضطلاع بدورهم التأريخي من جديد في بناء الحضارات الإنسانية، حيث أنهم كانوا الرواد الأوائل في تشييد الحضارات البشرية منذ فجر التأريخ، خلال المسيرة التأريخية للإنسان. صروح الحضارات السومرية و العيلامية و البابلية و الميدية و الساسانية، التي تم بناؤها من قِبل الفيليين و بسواعدهم، تشهد على القدرة العظيمة لهذه الشريحة الكوردية و مواهبها القيادية الخلاقة و إرادتها و تصميمها و إنسانيتها.
في هذه المقالة سأركّز على الفيليين الذين يعيشون في العراق، خارج إقليم جنوب كوردستان. في القسم العاشر من هذه السلسة من المقالات سأتناول الشريحة الفيلية التي تعيش في المهجر، في أوروبا و أمريكا الشمالية و أستراليا و غيرها من الدول، و الخطط و الإجراءات التي تتطلب إتخاذها للمحافظة على وحدة هذه الشريحة و ديمومتها و تحصّنها ضد الذوبان و الإختفاء.
بعد تحرر إقليم جنوب كوردستان و زوال الحكم البعثي العروبي الفاشي في العراق و التطورات التأريخية التي طرأت على المجتمع البشري، و خاصة خلال العقدين الأخيرين، فأن الظروف المستجدة أصبحت مؤاتية للفيليين في العراق الجديد، الذين يعيشون في وسط و جنوب العراق، خارج إقليم جنوب كوردستان (جغرافية الإقليم تمتد من زاخو الى بدرة و جصان، حيث أن بعض القارئات و القراء الأعزاء يظنون خطأً بأن المقصود بالإقليم الجنوبي هو محافظات دهوك و أربيل و السليمانية فقط و التي يحكمها الكورد في الوقت الحاضر). [(على ذكر كلمة جصان، أحب أن أشير هنا بأنها كلمة مأخوذة من الكلمة الكوردية گه چ التي تعطي نفس المعنى لكلمة جص العربية، كما أنّ أحد فروع قبيلة قره ولس الكوردية التي تعيش في محافظة ديالى، يُسمّى بهذا الإسم، گه چيني (راجع كتاب المحامي عباس العزاوي المعنون عشائر العراق الصادر في عام 1937، الجزء الثاني، القبائل الكردية، لواء ديالى، 714 صفحة)]. هذه التطورات الكوردستانية و العراقية و العالمية تفرض مفاهيم و أفكار و إستراتيجيات و أهداف جديدة على الساحة الكوردستانية و العراقية و الشرق-أوسطية و العالمية. عليه، تحتاج الشريحة الفيلية الى دراسة و تحليل هذا الواقع الجديد و وضع أهدافها و إستراتيجتها و خططها و آليات عملها على ضوء هذه المستجدات التي ظهرت في العراق و في المنطقة و التي خلقت ثورة كبرى في المفاهيم و الأفكار و ولّدت معادلات و توازنات سياسية جديدة تستوجب الإستجابة لها و التفاعل معها لتحقيق الأهداف و الطموحات الفيلية. لذلك يتطلب الواقع الجديد ترك الأفكار و المفاهيم البالية التي ولدت في رحم الحرب الباردة و العقائد القوموية العنصرية و الأنظمة الشمولية الدكتاتورية. يحتاج الفيليون أن ينهوا التبعية السياسية و الثقافية للقوميات السائدة و ينقذوا أنفسهم من أسر هذه التبعية و الشعور بالنقص أمام الشعوب الحاكمة و أن يرجعوا الى ماضيهم المجيد و حضاراتهم العظيمة و شعبهم الأصيل، ليستلهموا منها الثقة بالنفس و روح الإستقلالية و التحرر و التخطيط و العمل لمواصلة عطاءاتهم الثرّة لشعبهم و وطنهم و للإنسانية جمعاء.
من المسائل المهمة التي تتصدر أولويات المهام الملقاة على عاتق الفيليين هي العمل على إلغاء كافة القرارات العنصرية و الطائفية المتعلقة بالفيليين و التي أصدرتها الحكومات العراقية المتعاقبة متذ تأسيس الكيان العراقي بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، و خاصة تلك التي أصدرها النظام البعثي العنصري. يجب إلغاء قانون شهادة الجنسية العراقية الذي يستند على تبعية سكان بلاد ما بين النهرين للإمبراطورية الفارسية و العثمانية. كما يجب عودة المهجّرين الفيليين الذين هجّرهم النظام البعثي الفاشي و ضمان حقوقهم المعنوية و المادية، و ذلك بإعادة مواطنتهم العراقية التي سلبها منهم النظام الدكتاتوري البائد و إعادة ممتلكاتهم المنقولة و غير المنقولة و تعويضهم عن كل الأضرار المادية و المعنوية التي أصابتهم خلال فترة غربتهم و تقديم إعتذار رسمي إليهم من الحكومة العراقية على تلك الإجراءات و الأعمال الوحشية التي قام بها النظام السابق. لا يخفى أنّ الفيليين هم السكان الأصليون لبلاد ما بين النهرين و أنّ الحكام السابقين و بطانتهم نزحوا من الجزيرة العربية و إحتلوا بلاد الرافدين، حيث أنهم لا ينتمون الى بلاد وادي الرافدين و هم غرباء عن أهل هذه البلاد، لذلك نراهم يتعاملون مع شعب بلاد ما بين النهرين كمحتلين و يحقدون على السكان الأصليين، يضطهدونهم و يرهبونهم و يحاولون تعريبهم و فرض عروبيتهم و ومذهبهم الوهابي الإرهابي المتخلف على الشيعة و الكورد و يحاولون طمس معالم حضارات السكان الأصليين و سرقتها و تزوير تأريخ شعوبها. كما يجب الكشف عن مصير الشباب الفيليين الذين غيّبهم النظام العروبي العنصري البائد، حيث أن مصير أكثريتهم مجهول لحد الآن. للبت بموضوع المهجّرين الفيليين و إنهاء معاناتهم و إعادة حقوقهم المغتصبة و الإسراع في رفع المظالم عنهم، يجب على الحكومة العراقية تشكيل لجنة خاصة من المختصين و المسئولين ذات العلاقة و من ممثلين لحكومة كوردستان و للشريحة الفيلية و منح تلك اللجنة صلاحيات كاملة لإكمال مهمتها و وضع آلية متطورة و جدول زمني محدد لتنفيذ أعمالها. حل هذه القضية الإنسانية يؤدي الى وضع نهاية لمأساة حوالي مليون إنسان، الذين تعرضوا لأبشع أنواع الإرهاب و الظلم و النهب و المجازر الوحشية. كما أن القضاء العراقي مُطالَب بتشكيل محكمة خاصة بقضية الفيليين لمحاكمة المسئوليين عن هذه المأساة الإنسانية الكبرى و معاقبتهم ليكونوا عبرة لغيرهم لكي لا يتكرر مثل هذه الجرائم البشعة في المستقبل و لإنصاف شريحة أصيلة و عريقة سكنت بلاد ما بين النهرين منذ فجر التأريخ و أقاموا فيها حضارات عريقة تشهد آثارها على عظمتها.
المصالح القومية للشعب الكوردستاني و الأمن القومي الكوردستاني و مصلحة الشريحة الفيلية نفسها تقتضي إعادة إسكان الكورد المهجّرين و المهاجرين من مناطق سكناهم في كوردستان، و خاصة في مناطق مثل بدرة و جصان و مندلي و خانقين للإستقرار في مناطق سكناهم الأصلية من جديد. إنّ هؤلاء تركوا ديارهم نتيجة التهجير القسري الذي تعرضوا له و الذي قام به النظام البعثي الفاشي و بسبب تعريب مناطقهم و ذلك بإسكان العرب فيها. قام النظام العراقي البائد بتهجير سكان تلك المناطق الى إيران أو الى مدن عراقية ذات غالبية سكانية عربية، مثل مدينة الرمادي و السماوة و غيرهما من المدن لتعريبهم هناك، بعد أن تمّ تعريب مناطقهم الكوردستانية و ذلك بتوطين القبائل العربية فيها. كورد آخرون إضطروا الى ترك مدنهم و قراهم، التي كانت موطن آبائهم و أجدادهم و التي ولدوا و ترعرعوا فيها، نتيجة الإرهاب العروبي للحكومات العروبوية العراقية و بسبب المضايقات و الضغوط التي واجهوها و قطع سبل العيش عنهم و حرمانهم من حق العمل، مما دفعهم الى الهجرة الى مناطق آمنة تُبعدهم عن عيون و ملاحقات السلطة و تؤمّن لهم و لأُسرهم مصادر العيش. هكذا إضطر هؤلاء الى الإنتقال الى المدن العراقية الكبرى، و خاصة مدينة بغداد، بينما آخرون توجهوا الى المدن الكوردستانية الأخرى مثل السليمانية و أربيل و إستقروا هناك. عودة هؤلاء المهجّرين و المهاجرين الى ديارهم حق إنساني و طبيعي لهم طبقاً للقوانين السماوية و الإنسانية و حسب ميثاق الأمم المتحدة. الحكومة العراقية مطالبة بتنفيذ بنود المادة 140 من الدستور العراقي و التي تنص على عودة كافة المهجّرين و المهاجرين من المناطق الكوردستانية الى ديارهم الأصلية و إعادة المستوطنين العرب الى مناطقهم في جنوب و وسط العراق. يجب تعويض المهجَّرين و المهاجرين عن الأضرار المعنوية و المادية التي تعرضوا لها بسبب سياسة التعريب العنصرية التي قامت بها الحكومات العراقية العروبية التي حكمت البلاد، و كانت الحكومة البعثية الفاشية الأسوأ و الأكثر وحشية و عنصرية من بين هذه الحكومات.
للحفاظ على ثقافتهم و لغتهم، يحتاج الفيليون الى إنشاء دور حضانة و روضات أطفال و مدارس و معاهد و جامعات كوردية خاصة بهم في المدن و القصبات و القرى العراقية التي يعيشون فيها و التي تقع خارج إقليم كوردستان. سيكون التدريس في هذه المدارس باللغة الكوردية و التي هي لغة رسمية في العراق حسب الدستور العراقي الدائم. من الضروري أن تتضمن مناهج التدريس في هذه المدارس التأريخ الكوردي و المجتمع الكوردي و الفنون و الموسيقى الكوردية و التراث الكوردي، الى جانب المواد الدراسية الأخرى. تحتاج هذه المدارس الى تهيئة كوادر تدريسية كفوءة و وضع مناهج دراسية طموحة و توفير البنايات و مستلزمات التعليم من أدوات و أجهزة و كوادر بشرية، من باحثين إجتماعيين و نفسيين و صحيين و غيرهم، لرعاية التلاميذ إجتماعياً و نفسياً و صحياً. تستطيع حكومة إقليم جنوب كوردستان القيام بتهيئة و تدريب الكوادر التعليمية، و خاصة في مجال اللغة الكوردية. كما أن الحكومة العراقية عليها تحمل الأعباء المالية لهذه المدارس، أسوة بالمدارس الأخرى في البلاد. تقوم الحكومات الغربية بتهيئة معلمين و مُدرّسين و مواد و أدوات التعليم لتعليم أطفال العائلات الأجنبية التي تعيش في بلدانها لغاتهم الأم للذين يرغبون في تعليم أطفالهم لغة آبائهم و تقوم هذه الحكومات بتحمل كافة تكاليف هذه البرامج الدراسية، كما هو الحال في السويد، لفسح المجال أمام هؤلاء الأطفال للتواصل مع لغات و ثقافات آبائهم. إذا كان أطفال اللاجئين الأجانب و القاطنين في البلدان الغربية يتمتعون بحقوق تعلم لغات آبائهم هناك، فكيف لا يحق للكوردي الذي يعيش في بغداد و البصرة و الديوانية و غيرها من مدن العراق الإحتفاظ بلغته و ثقافته و التعرف على تأريخ أمته؟ يجب على الفيليين تنظيم دورات و حلقات دراسية لتعليم الكبار اللغة الكوردية بالإضافة الى برامج تعليمية مهنية، مثل الخياطة و النجارة و الحدادة و الزخرفة و الرسم و الموسيقى و الطبخ و إدارة الفنادق و السياحة و غيرها من المهن التي توفّر مهناً ليعيشوا عليها و لإكتساب المعرفة و إشباع هواياتهم و رغباتهم.
الفيليون الساكنون خارج إقليم كوردستان، عليهم تشكيل مؤسسات المجتمع المدني الخاصة بهم، من جمعيات فلاحية و مهنية و نسوية و طلابية و ثقافية و فنية و منظمات حقوق الإنسان و حقوق المرأة و الدفاع عن حقوق الأطفال و كبار السن و منظمة الهلال الأحمر و العفو الدولية و جمعيات للبيئة و المحافظة على الطبيعة و جمعيات البناء و السكن و غيرها من الإتحادات و الجمعيات و المنظمات الأخرى الخاصة بهم، للعمل على المحافظة على هويتهم القومية و التراثية و اللغوية و الدفاع عن حقوقهم المشروعة و التواصل مع بعضهم البعض و مع شعبهم الكوردي. تكون هذه المنظمات و الإتحادات و النقابات و الجمعيات الفيلية جزء من مؤسسات المجتمع المدني العراقي. كما أنه يجب أن تتواصل هذه المؤسسات مع نظيراتها الكوردستانية و التعاون معاً و تبادل الخبرات و الزيارات فيما بينها و فتح الدورات التدريبية و التأهيلية لتطوير نفسها لإدامة تفاعلها و تكاملها.
يتطلب تواصل الفيليين مع بعضهم و مع لغتهم و ثقافتهم أن يقوموا بفتح أسواق و نوادي ثقافية و رياضية و ترفيهية و فنادق و مطاعم و كازينوهات و مراكز شباب و فرق رياضية و موسيقية و كازينوهات خاصة بهم و تأسيس مجمعات سكنية لهم، ليكونوا على تواصل مع البعض و للتمكن من المحافظة على شخصيتهم الكوردية، بالإضافة الى أنهم يستطيعون إعالة أنفسهم و أُسرهم عن طريق قسم من هذه المشاريع. كما ينبغي العمل على بناء معامل و مصانع و شركات و بنوك، ليكون لهم دوراً مهماً في الحياة الإقتصادية و التجارية في البلاد. يمكن للطبقات الميسورة القيام بمثل هذه المشاريع، إلا أنه من المفضل جعل المشاريع الكبرى مؤسسات مساهمة و ذلك بجعل رؤوس أموالها متأتية من أموال أشخاص تشترك في ملكيتها و تتوزع هذه الملكية على المساهمين في تلك المؤسسات على شكل أسهم مالية، كما هو المعمول به في الدول الغربية.
ينبغي على الفيليين العمل على تأسيس دور نشر لهم لإصدار صحف و مجلات ورقية و كتب باللغة الكوردية و فتح مواقع الإنترنيت الخاصة بهم لإصدار صحف إلكترونية و إفتتاح محطات إذاعية لبث برامج إذاعية و تأسيس قنوات تلفزيونية فضائية و التي تكون عاملاً مهماً في جمع شملهم و مساعدتهم على التواصل مع لغتهم و ثقافتهم و تأريخهم. من المفضل أن تكون وسائل إعلامهم مستقلة، بعيدة عن الأحزاب و الآيديولوجيا، لتكون ناجحة في تحقيق أهدافها في خدمة هذه الشريحة الكوردية بشكل خاص و الأمة الكوردية بشكل عام.
بالرغم من الإنفصال السياسي و الجغرافي للفيليين عن شعب كوردستان ، بالنسبة للذين يعيشون في العراق، خارج الإقليم، إلا أنه يجب إيجاد وسائل و قنوات إتصال بينهم و بين شعب كوردستان للتفاعل معاً و إحتضان شعب كوردستان لهذه الشريحة الكوردية التي إبتعدت عن شعبها و أن نعمل على إيجاد وسائل و آليات لمنع إنسلاخ هذه الشريحة عن أمتها بسبب عدم تواجدها على أرض كوردستان و لإبقاء العلاقات العاطفية و روح الإنتماء القومي مترسخة في ضمير هذه الشريحة. يمكن ذكر بعض الوسائل التي تحقق هذا الهدف، منها وضع برامج طموحة من قِبل حكومة جنوب كوردستان لإستقبال زيارات تلاميذ و طلاب و شبيبة الفيليين لكوردستان خلال عطلهم الدراسية و تأمين السكن لهم و تحمل أعباء معيشتهم طيلة بقائهم هناك و تهيئة برامج ثقافية و إجتماعية و ترفيهية لهم. كما يمكن إقامة برامج تعليمية في كوردستان، خاصة للفيليين لتعلم اللغة الكوردية و تعريفهم بالتأريخ الكوردي. هذه البرامج يمكن أن تتضمن أيضاً تعريف الفيليين على طبيعة كوردستان الخلابة و على أنواع و أسماء الأشجار و النباتات و الأوراد و الحيوانات البرية و زيارة المناطق السياحية و ذلك عن طريق زيارات ميدانية و بإشراف المتخصصين في تلك المواضيع.
إن جبال كوردستان و وديانها و سهولها و صخورها و قراها شهدت كفاحاً كوردستانياً دموياً طويلاً في إقليم الجنوب و إحتضنت عشرات الآلاف من المناضلين الذين ضحوا بحياتهم من أجل كوردستان حرة مستقلة. هذه الجبال و الوديان و السهول و القرى تحمل في ذاكرتها جانباً مهماً من التأريخ الكوردستاني الحديث الذي يجب على شعب كوردستان تسجيله و أن يدع الأجيال الكوردستانية المتعاقبة أن تطّلع على هذه الحقبة التأريخية المهمة التي مرت على شعب كوردستان و أن يحافظ عليه ليرويه لأبنائه و أحفاده، بل لكل الأجيال الكوردستانية القادمة. لذلك فأنه من الواجب الحفاظ على آثار الكفاح المسلح الكوردستاني و تدوينها و تسجيلها و الإبقاء على تلك الآثار التي تُظهر كيف عاش البيشمه ركة أثناء نضالهم المسلح، عن حياتهم اليومية، مأكلهم و منامهم و ملبسهم و الأسلحة التي إستعملوها و أسماء الذين وهبوا حياتهم للوطن و
صورهم و المعارك التي خاضوها و محطات الإذاعات التي قاموا عن طريقها ببث أخبار الثورة و الصحف التي أصدروها، ليطّلع أحفادنا على النضال الشاق الذي قام به أسلافهم و التضحيات الجسيمة التي قدموها بحياتهم و أموالهم و بكل ما ملكوا من أجل بزوغ فجر الحرية لشعبهم و تحقيق الإستقلال لبلدهم و خلق مستقبل مضيئ لأبنائهم و أحفادهم. عليه يجب المحافظة على مقرات البشمه ركة السابقة و خنادقهم و بيوتهم الصغيرة المتواضعة و نمط حياتهم خلال نضالهم و جعلها متاحف و مناطق تشهد على نضال الشعب الكوردستاني و تسجل جانباً من التأريخ الكوردستاني. يمكن تنظيم برامج زيارات للفيليين، بل للمواطنين الكوردستانيين و للأجانب لتلك المناطق للإلمام بتلك الحقبة التأريخية من نضال هذا الشعب و الإطّلاع عليها ميدانياً. إنّ عرض الآثار التي تروي نضال الكورد و الحفاظ عليها يجذب إهتمام الكورد و الأجانب لمشاهدتها و تصبح محط أنذار السيّاح و التي تصبح منطقة سياحية مهمة تساهم في إزدهار السياحة في كوردستان، بالإضافة الى تسجيل تأريخ فترة من نضال شعب كوردستان و إطلاع الآخرين عليه ميدانياً و بشكل مباشر.
يجب تخصيص زمالات و بعثات و مقاعد دراسية في الجامعات الكوردستانية للطلبة الفيليين للدراسة في كوردستان و عقد إتفاقيات بين الجامعات الكوردستانية و العراقية لتبادل الطلاب فيما بينها كطلاب ضيوف يقضون فصلاً دراسياً أو أكثر في الجامعات الكوردستانية، بالنسبة للطلاب العراقيين، و في الجامعات العراقية، بالنسبة للطلاب الكوردستانيين. يجب أن يكون الإهتمام بالطلاب الفيليين بشكل خاص في إتفاقيات التبادل الطلابي بين هذه الجامعات بأن تكون مع الطلاب الفيليين و مع الجامعات الفيلية العراقية التي ستُفتتح في المستقبل و التي أقترح إنشاءها في أقرب فرصة سانجة. كما يجب فسح المجال و تشجيع إستقدام العمال و الكوادر الفيلية للعمل في إقليم جنوب كوردستان. تبادل الزيارات و التواصل بين مؤسسات المجتمع المدني و الفرق الموسيقية و الفنية و الرياضية الفيلية و الكوردستانية، يساهم في تعميق التواصل بين الفيليين و المجتمع الكوردستاني.
يجب الإهتمام الكبير بالفيليين الذين يعيشون في جنوب العراق و الذين تعرضوا للتعريب و الإستعراب و الذين لا يزالون يواجهون خطر الإنسلاخ عن شعبهم الكوردي. يتحدث المحامي عباس العزاوي في الجزء الثاني من كتابه المعنون عشائر العراق الصادر في سنة 2002 (الناشر: دار المحجة البيضاء للطباعة و النشر و التوزيع، 1481 صفحة) عن قبائل الكِرد و الجريبة و البوخيري و البوخنياب الكوردية في لواء الديوانية، حيث أنه قام بدراسة ميدانية لهذه القبائل الكوردية في سنة 1934. علماً بأن القبائل المذكورة هي قبائل كوردية غير فيلية، لأننا لو عدنا الى تصفح كتب التأريخ، لتأكدنا بأن غالبية سكان وسط و جنوب العراق الشيعة ينحدرون من أصول كوردية فيلية. لذلك يجب بناء قنوات الإتصال مع كورد الوسط و الجنوب العراقي لمنع إنسلاخهم عن أمتهم الكوردية و ذلك بإتباع الكثير من الوسائل و الطرق التي أوردتها هنا في هذه المقالة عن التواصل الفيلي مع الشعب الكوردي.
[1]