الفيليون: أصالة و عَراقة و آمال و هموم (11)
الفيليون في المهجر و مخاطر فقدان هويتهم و ذوبانهم في مجتمعاتهم الجديدة
2. الخيارات المتاحة للحفاظ على الشخصية الكوردية
هنا أتحدث عن االمهاجرين الفيليين بشكل خاص و الكورد بشكل عام. إنّ الهجرة من الوطن و الإستقرار في المهجر، تَشكّل تحدياً كبيراً للأمة الكوردية، و خاصة أن الشباب و الأكاديميين يُشكلّون نسبةً عالية من أعداد المهاجرين الكورد الذين يحتاج إليهم شعب كوردستان للمساهمة في بناء الوطن و في دفع عجلة تقدمه. تُعتبر هذه المشكلة بالنسبة للمهاجرين تحدياً خطيراً لإحتفاظهم بهويتهم القومية، حيث أنهم بمرور الزمن، و خاصةً أبناءهم و أحفادهم، تنتهي صلتهم بشعبهم و لغتهم و ثقافتهم و تنقطع إمتداداتهم القومية و بذلك يفقدون هويتهم الكوردية. هنا أتحدث من منطلق قومي و وطني و لا أنظر الى المسألة من منظارها الشخصي، لذلك فأن أنجح حل لهذه المشكلة الخطيرة هو عودة أكبر عدد ممكن من هؤلاء المهاجرين الى أحضان الوطن، ليساهموا في عملية بناء و تقدم كوردستان و خدمة شعبهم و لإنقاذ أنفسهم من الضياع و الإختفاء.
إن الكثير من هؤلاء المهاجرين و المهجّرين هم من الشباب و الأكاديميين و أصحاب الكفاءات و الخبرات و يمكن الإستفادة من مؤهلاتهم و كفاءاتهم و خبراتهم. تحتاج كوردستان أيضاً الى المهاجرين الكورد الذين لا يحملون شهادات جامعية، حيث أنهم يكونون قد عاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية و في دول متقدمة، مكتسببين بذلك خبرات فنية في مختلف المجالات و إلمام و خبرة في الممارسات الديمقراطية التي قد إكتسبوها في هذه البلدان و إطلاعهم على الأنظمة السياسية و الإقتصادية و الإدارية و الخدمية و البيئية و الثقافية و التربوية و التعليمية و غيرها في البلدان المتقدمة التي عاشوا فيها. من هنا ندرك أنّ شعب كوردستان بحاجة الى كل مواطن كوردستاني مهاجر، يعيش خارج كوردستان. إنّ هذه الطاقة البشرية المهاجرة يًشكلون نخبة شعب كوردستان و المؤهلون للمساهمة في تأسيس نظام ديمقراطي و بناء مؤسسات المجتمع المدني و لعب دور محوري و حاسم في بناء البنية التحتية لكوردستان و نقلها الى مصاف الدول المتقدمة. إنه خطأ قاتل أن يتم تشجيع و مساعدة الشباب الكوردستانيين لترك كوردستان و الهجرة الى الخارج، حيث أنّ الشباب هم بُناة الوطن و بسواعدهم يعملون على إعمار بلادهم و تطويرها. إستغربتُ كثيراً من تنكّر حكومة إقليم جنوب كوردستان لأبناء كوردستان المهاجرين، حينما علمتُ بأنّ الحكومة المذكورة ترجو من حكومات السويد و بريطانيا أن لا تُعيدا طالبي اللجوء من الكورد، الذين تم رفض قبولهم كلاجئين في هذين البلدين، في الوقت الذي أنّ كوردستان بحاجة ماسة الى مساهمة كل مواطن كوردستاني في بناء و إعمار كوردستان المدمّرة، بل قد تحتاج كوردستان الى مئات الآلاف من الأيدي العاملة الأجنبية، الى جانب سكان الإقليم، للنهوض به و تطويره فيما لو وُضعت إستراتيجية و خطط تنموية شاملة و طموحة و التي بدورها تدفع عجلة التقدم و الرفاهية في هذا الإقليم الكوردستاني خطوات كبيرة نحو الأمام.
حكومة إقليم جنوب كوردستان بحاجة الى سن قوانين و محفزات لتشجيع عودة العقول الكوردستانية المهاجرة، بل عودة كل مواطن كوردستاني مهاجر للإسهام في بناء و تقدم و تطوير الإقليم في كافة مجالات الحياة، للإلتحاق بالدول المتقدمة و تأمين حياة حرة سعيدة لشعب كوردستان. إن عودة المهاجرين الكورستانيين الى الوطن، ستساهم بشكل حاسم في إعادة بناء البنية التحتية لكوردستان و تؤمّن مسيرة التقدم و التطور فيها و في نفس الوقت ستكون هذه العودة من أهم الوسائل العملية لمنع إنسلاخ مئات الآلاف بل الملايين (بتقدير زيادة نفوسهم خلال السنين القادمة) منهم عن الأمة الكوردية و ضياعهم و فقدانهم و ذوبانهم في شعوب البلدان التي يعيشون فيها، و إلا فأنّ هذه المشكلة ستؤدي الى حرمان الكورد من أهم شريحة كوردستانية مؤهلة للقيام بِدور تأريخي في بناء و تطوير كوردستان و خلق مستقبل مشرق للأجيال الكوردستانية و ستُشكل هذه المشكلة كارثة وخيمة لهذه الأمة.
بالنسبة للمهاجرين الفيليين، فأنّه على حكومة إقليم جنوب كوردستان أن تبادر الى تشجيع المهاجرين الفيليين، و خاصة الذين يعيشون في إيران في ظروف صعبة و غير إنسانية، للعودة الى مناطقهم المُعرّبة في محافظة الكوت و في مدن مندلي و خانقين و غيرها و إسكانهم هناك. هذه المبادرة القومية و الإنسانية تحتاج الى برامج متكاملة و تخصيص أموال لها، و ذلك بإعادة بناء مدنهم و قراهم و بناء مجمعات سكنية صحية لهم في تلك المناطق و توفير الخدمات من ماء و كهرباء و طرق المواصلات و مستشفيات و مستوصفات و دور حضانة و رياض الأطفال و مدارس و معاهد و جامعات و وسائل الإتصالات و منحهم مساعدات و قروض لشراء المكائن الزراعية و الحبوب و الأسمدة و المبيدات الكيمياوية للفلاحين منهم و وضع نظام تسليف لتشجيع الأعمال الحرة و تأسيس شركات و معامل و مصانع أهلية و جذب الإستثمارات الخارجية للمنطقة و إيجاد فرص عمل لهم و ذلك ببناء مشاريع تنموية و إنتاجية من صناعية و زراعية و خدمية، ليتمتعوا بحياة كريمة، بعدما عانوا كثيراً من الغربة و شظف العيش و الإستفادة من هذه الطاقة البشرية الهائلة و االكفوءة ليساهموا في إعمار كوردستان و رخائها و إعادة هذه المناطق الكوردستانية المُعرّبة الى أحضان كوردستان. كما أنه ينبغي تشجيع أبنائهم للإنخراط في صفوف القوات الأمنية الكوردستانية العاملة في مناطقهم، ليكونوا قادرين على حماية أنفسهم و ممتلكاتهم من الإرهابيين و القتلة. يجب إعادة الممتلكات المنقولة و غير المنقولة لهؤلاء المهجرّين و المهاجرين الفيليين و تعويضهم من قِبل الحكومة العراقية للأضرار المعنوية و المادية التي تعرضوا لها من لدن النظام البعثي المتخلف.
بنفس الطريقة المذكورة أعلاه، يجب مساعدة الفيليين في المهجر، الذين يرغبون العودة الى المناطق الأخرى من إقليم جنوب كوردستان، و إحتضانهم من قِبل حكومة الإقليم، ليستقروا هناك و يبدأوا حياة جديدة هناك، تمنحهم الأمان و العزة و الكرامة و الرخاء و توفّر لهم بيئة جيدة، يتفاعلون خلالها بمرور الوقت مع مجتمعهم الجديد في أحضان وطنهم.
الفيليون الذين يرغبون بالعودة الى العراق و الإستقرار هناك، فأنه يجب أن تُعاد إليهم ممتلكاتهم و يُعوضون عن الخسائر التي ألحقتها بهم السلطة البعثية النازية و مساعدتهم للإستقرار هناك و ذلك بتوفير السكن و العمل و الخدمات لهم، ليتمكنوا من العودة الى حياتهم الطبيعية، بعد معاناة و مصائب و مآسٍ و تشردٍ و جوع و مرض و إذلالٍ، دامت لعشرات السنين. حكومة إقليم جنوب كوردستان و منظمات المجتمع المدني الكوردستانية مدعوة للمشاركة في مد يد العون و المساعدة لهم و الضغط على الحكومة العراقية للإعتراف بحقوقهم وتلبية إحتياجاتهم و التعاون و التنسيق معها لخدمة هذه الشريحة الكوردية و الترفيه عنها و تطويرها و توفير حياة آمنة ومستقرة و هنيئة لها، بعد معاناة و أهوال دامت لعقود من الزمن.
بالنسبة الى الفيليين بشكل خاص و الكورد بشكل عام، الذين يختارون العيش في المهجر و لا يودّون العودة الى كوردستان أو العراق و الإستقرار فيهما هناك، يتطلب حفاظهم على هويتهم الكوردية و إكتساب حصانة ضد الذوبان في المجتمعات التي يعيشون فيها و لإستمرارية تواصلهم مع بعضهم و مع شعبهم الكوردي، يتطلب هذا الأمر تنظيم الجاليات الكوردية في المهجر و وضع برامج و مشاريع تساعد على تواصل هذه الجاليات فيما بينها و مع الشعب الكوردي و لمنع أو على الأقل إبطاء عملية إنسلاخهم عن أمتهم.
هناك وسائل عديدة يمكن إتباعها لإدامة تواصل كورد المهجر مع شعب كوردستان و تعزيزه. يمكن العمل على تواصل التفاعل بين الطلاب و الباحثين و الأساتذة الكورد في المهجر و شعب كوردستان عن طريق إبرام إتفاقيات بين الجامعات الكوردستانية و جامعات الدول المتواجدة فيها الجاليات الكوردية لتبادل الأساتذة و الباحثين و الطلاب بين الجانبين، و التي يستطيع الكوردستانيون المهاجرون بموجبها و الذين يعملون في الجامعات و مراكز و معاهد البحوث الأجنبية أو الطلاب الجامعيون، العمل أو الدراسة في الجامعات الكوردستانية و التواصل مع شعبهم خلال فترة إقامتهم هناك. كما أنّ المهاجرين الكوردستانيين الذين يعملون في بلدان المهجر، من أكاديميين و مهنيين و غيرهم، يمكنهم الحصول على إجازات طويلة الأمد، لمدة ثلاث أشهر أو سنة مثلاً، و الإنتقال الى كوردستان و العمل هناك خلال فترات إجازاتهم لقاء رواتب يحصلون عليها. بالإضافة الى أن مساهمة هاتين الطريقتين المذكورتين أعلاه في تقوية الروابط بين كوردستانيي الداخل و الخارج و تفاعلهم مع البعض و تواصل المهاجرين مع لغتهم و ثقافتهم، فأن المهاجرين سيساهمون بدورهم في بناء و تطوير كوردستان و دفع عجلة تقدمها لما لهم من خبرات و معلومات في مجال إختصاصاتهم. يمكن لكوردستاني المهجر قضاء عطلهم السنوية مع أسرهم في كوردستان و مثل هذه الزيارات تكون ضرورية و مهمة جداً لأطفالهم المولودين في المهجر أو الذين يكونون قد هاجروا و هم في مراحل طفولتهم، ليتمكنوا من التعرف على لغتهم و ثقافتهم و التواصل معها و العيش في البيئة الكوردستانية. كما يمكن لرأسماليي الكورد المهاجرين من إستثمار أموالهم في كوردستان و العمل هناك و الذي سيؤدي الى تواصلهم مع شعبهم و مساهمتهم في بناء كوردستان.
لا شك أن العولمة و وثورة الإتصالات و المعلومات، حيث أننا دخلنا عالم العولمة و الإنترنيت و الفضائيات التلفزيونية و الموبايل، أزالت الحدود الدولية و إخترقت الحواجز و الموانع في عقر دار الإنسان و بذلك هدمت حواجز و معوّقات التواصل بين المجتمعات البشرية و جعلت من كوكبنا الأرضي قرية كونية صغيرة. هذه التطورات خلقت ظروفاً ممتازة للمغتربين المتشتتين في مختلف بقاع العالم، للتمكن من التواصل مع لغاتهم و ثقافاتهم و شعوبهم، بعد أن كانوا قبل نحو عقدين من الزمن معزولين عن مجتمعاتهم الأصلية، فأنقذتهم هذه الإنجزات الإنسانية العظيمة من عزلتهم. بالنسبة للكورد المغتربين، فأن هذه الثورة الإتصالاتية و زوال الحكم البعثي الفاشي في العراق و إنتشار الأفكار الديمقراطية في العالم و البدء بزوال الحكومات الدكتاتورية و الشمولية في العالم، و خاصة في الدول المحتلة لكوردستان، كل هذه التطورات الإيجابية تساهم في زيادة و إدامة التواصل الكوردي مع بعضهم في المهجر و مع شعبهم في كوردستان و خارجها. ينبغي إنتهاز هذه الفرصة و ذلك أن تقوم الفضائيات الكوردستانية بوضع برامج خاصة لجذب إهتمام المغتربين الكوردستانيين و شدهم الى متابعة تلك البرامج لتواصلهم مع لغاتهم و ثقافاتهم. يجب أن تشمل تلك البرامج التلفزيونية على برامج خاصة بالأطفال و الشباب و الكبار و المرأة و التأريخ الكوردي و المجتمع الكوردستاني و أطيافه و أديانه و مذاهبه و الطبيعة في كوردستان و مناطقها و الموسيقى و الفن الكوردستاني و السياسة و أخبار الكورد في مختلف مناطق العالم. لتعليم أطفال المهجر لغتهم، يجب وضع برامج تعليمية يومية لتعلم اللغة الكوردية و لغات الأطياف الكوردستانية الأخرى، من تركمانية و سريانية و أرمنية و كلدانية، و كذلك يمكن أن يتم ذلك أيضاً عن طريق الإنترنيت. كما ينبغي أن تتضمن تلك البرامج تغطية لحياة المغتربين في مختلف دول المهجر و نشاطاتهم في مختلف المجالات.
القيام بتأسيس جمعيات و إتحادات و جمعيات و منظمات لها فروعها في مختلف القصبات و المدن و الدول التي تتواجد فيها الجاليات الكوردية، يُعتبر من الوسائل المهمة لعملية التواصل اللغوي و الثقافي بين أفراد تلك الجاليات. يوجد مثل هذه المنظمات الكوردية في المهجر، إلا أنها تستند على أسس حزبية و شخصية و أنها تعتمد على الأسس الكلاسيكية البالية و المتهرئة و تقوم بها أناس كلاسيكيون غير نشطين و التي تجعل هذه المنظمات عاجزة عن الإرتفاع الى مستوى المسئولية للوقوف بوجه التحديات التي يواجهها المهاجرون و ليصبحوا سفراء حقيقيين لشعبهم الكوردي في الخارج. كما أنّ هذه المؤسسات الكوردية تفتقر الى برامج عمل لخدمة المهاجرين و للحفاظ على هويتهم الكوردية و تواصلهم مع شعبهم. تحتاج الجاليات الكوردية الى إعادة تنظيم نفسها على أسس عصرية تتلاءم مع التطورات العالمية الكبرى التى حدثت و مع مستجدات القضية الكوردستانية و متطلبات إنجاحها. كما أن كورد المهجر بحاجة الى مراكز و نوادٍ ثقافية و إجتماعية و فنية و رياضية و ترفيهية و للشباب، لجمع شملهم و إلتقائهم و إجتماعاتهم و التواصل مع لغتهم و ثقافتهم و تأريخهم. ينبغي أن تكون تلك المراكز تحتضن الجاليات الكوردية و تنظم لهم دورات لتعلم اللغة الكوردية و محاضرات لتعريفهم بالتأريخ الكوردي و المستجدات على الساحة الكوردستانية. كما يمكنها تنظيم دورات لتعلم الكومبيوتر و الرسم و التصوير و السباحة و بعض الأعمال المهنية، مثل الطبخ و الخياطة و التطريز و الصناعات اليدوية البسيطة الأخرى. كما أنه على هذه المنظمات و الأشخاص المتمكنين مادياً أن يبادروا الى تأسيس أسواق و مجمعات كوردية في المهجر، حيث نرى أنّ بعض الجاليات نجحت في بناء مدن خاصة بها في المهجر، على سبيل المثال، فأنّ الجالية الهندية في بريطانيا إستطاعت أن تستقر هناك في مدن معينة و أن تصبح الأغلبية الإثنية في تلك المدن.
يجب على المنظمات الكوردية في المهجر تشكيل فرق موسيقية و غنائية و فنية و فرق رياضية كوردية في البلدان التي تعيش فيها الجاليات الكوردية و تشجيع المغنيين و الفنانين و الرسامين و النحاتين و الرياضيين و تنظيم حفلات غنائية و مباراة رياضية و معارض فنية تجذب الجاليات الكوردية و تجلب إهتمامها و في نفس الوقت فأن مثل هذه النشاطات ستساهم بشكل كبير في نضال الكورد من أجل حريتهم و إستقلالهم و ذلك عن طريق وسائل حضارية متمدنة. كما يمكن تنظيم مسابقات رياضية و فنية و أدبية و إقامة سفرات جماعية منتظمة للمهاجرين الى مناطق سياحية و تأريخية و إقامة لقاءات و إجتماعات و نشاطات و فعاليات، بإقامة مخيمات و معسكرات هناك للتعارف مع بعضهم البعض و تبادل المعلومات و المناقشات و تنظيم المحاضرات و النشاطات الفنية و غيرها. كما يمكن تأسيس جمعيات و إتحادات مهنية للمهاجرين لتبادل الأفكار و الآراء و الخبرات و تنظيم أنفسهم و إيجاد مجالات و آليات لخدمة الجاليات الكوردية و شعب كوردستان. كما أنه من الضروري تشكيل لجان خاصة، تكون مهمتها مساعدة اللاجئين الكوردستانيين الجدد و ذلك بتزويدهم بالمعلومات الخاصة بالبلدان التي يستقرون فيها و نظمها، للتأقلم مع مجتمعاتهم الجديدة و التزوّد بمعلومات خاصة بفرص الدراسة و العمل و الذي يقوم بتسهيل حياتهم الجديدة و النجاح فيها.
النظم الديمقراطية في الدول الغربية تسمح للجاليات الأجنبية بفتح مدارس أهلية خاصة بكل جالية قومية أو دينية أو مذهبية أو وطنية و تقوم حكومات تلك الدول بتقديم الدعم المادي و المعنوي لتلك المدارس. يجب على الجاليات الكوردية إستغلال هذه الفرص لفتح مدارس كوردية لتعليم الأطفال الكورد لغة الأم و تعريفهم بتأريخ شعب كوردستان و بكوردستان. كما يمكن فتح دور حضانة لهم لهذا الغرض. يجب على الجاليات الكوردستانية في الخارج التحرك لتنظيم أنفسهم و إيجاد أفكار و تقديم آراء و مقترحات للنهوض بهم و تطوير أنفسهم لصيانة شخصيتهم الوطنية و القومية و الإستفادة من الفرص المتاحة لهم في المهجر لتنظيم أنفسهم و إعادة النظر في إسترتيجياتهم و برامجهم و خططهم و إختيار آليات عملهم و فعالياتهم على ضوء التطورات العالمية الجارية و الثورة الكبرى في مجال المبادئ والأفكار و المعلومات و الإتصالات، بل في جميع مجالات الحياة.
دعوتي الى حفاظ كورد المهجر على هويتهم الكوردية و صيانة لغتهم و ثقافتهم و تكوين جاليات كوردية متميزة و متراصة الصفوف، لا تعني بأنني أدعو الى عزلهم عن مجتمعاتهم الجديدة في البلدان التي يعيشون فيها، و إنما أدعو الى الموازنة بين الإحتفاظ بهويتهم القومية و التكامل و التجانس مع مجتمعاتهم الجديدة، حيث أنهم يعيشون في تلك البلدان و تتحتم حياتهم الجديدة، كمواطنين لتلك الدول، المشاركة في حياة شعوبهم الجديدة و التفاعل معها. يجب على الجاليات الكوردستانية في المهجر المشاركة في الحياة الإجتماعية و السياسية للدول التي يستقرون فيها و ذلك بالإنتماء الى الأحزاب السياسية فيها و أن يكونوا ناشطين في مؤسسات المجتمع المدني في تلك الدول، من نقابات و جمعيات و إتحادات و المشاركة الفعالة في الإنتخابات الرئاسية و البرلمانية و البلدية، لتصبح هذه الجاليات ذات نفوذ و في موقع تستطيع خلاله التأثير على سياسة تلك البلدان و على الرأي العام فيها، و التي ستساهم في دعم و مساندة القضية الكوردستانية وخدمتها. كما يجب مساهمة الكورد في العمل الإعلامي و في مجالات الإقتصاد و البنوك لخلق جاليات قوية و مؤثرة، ذات صوت مسموع و قدرة ضاغطة في البلدان التي أصبحوا مواطنين فيها.
حسب معلوماتي الشخصية، فأنّ تواصل الفيليين في المهجر محصور فيما بينهم في نطاق إنتمائهم للكيان السياسي العراقي و إقليم جنوب كوردستان. على الشريحة الفيلية أن تكسر حواجز الحدود المصطنعة التي تُقسّم كوردستان الى أقاليم و توابع لدول عديدة و ذلك بفتح قنوات الإتصال و فرص التجانس مع إخوانهم في المهجر من أبناء إيلام و لورستان و كرماشان و خوزستان و كل الناطقين باللهجة اللورية الآتين من إقليم شرق كوردستان. لا شك أن اللور في الإقليم الشرقي يُشكّلون الأكثرية اللورية و بتكاتف و إتحاد أبناء هذه اللهجة سوف يُكوّنون قوة بشرية مؤثرة تُعطي زخماً و قوة للشريحة الفيلية و لشعب كوردستان. يجب التفاعل مع المهاجرين اللور في المهجر، بدلاً من التخندق مع العرب العراقيين الذي يقود الى تعريب هذه الشريحة الكوردية و سلخها عن هويتها و ثقافتها و لغتها. لو نتصفح كتب التأريخ، لَنكتشف تعريب و إستعراب الملايين من الفيليين في وسط و جنوب العراق خلال الحقب التأريخية السابقة. حدث ذلك بسبب تحكّم العرب الشوفينيين على رقاب الشعب الكوردي لفترة زمنية طويلة، إلا أن الظروف الكوردية و الإقليمية و الدولية و التطورات التكنولوجية و العلمية في السنين الأخيرة قلبت تلك الموازين الجائرة و في طريقها لإزالة العبودية القوموية و الإسلاموية و يلوح في الأفق إنبثاق نظام عالمي و إقليمي جديد يقوم على تحرر القوميات و الإثنيات و أصحاب الديانات و المذاهب المختلفة التي كانت مقهورة و مُستَعبدة من قِبل العروبيين و الطورانيين و الفرس العنصريين و الإسلامويين. إذن، على الفيليين بشكل خاص و الكوردستانيين بشكل عام أن يقوما بدراسة هذه المتغيرات العالمية و الإقليمية و الذاتية بعمق و تأنٍ و من ثم إختيار إستراتيجية جديدة لهم على ضوء تلك الدراسات، تتفاعل مع هذه التطورات و وضع خطط عمل لتحقيق أهدافهم في التحرر و التقدم و الرفاهية و حياة حرة كريمة لهم و للأجيال القادمة.
[1]