تتمتع منطقة الشرق الأوسط بالتنوع والتعدد والكثير من الشعوب والمكونات والمجتمعات التي تناضل وتكافح من أجل استعادة حقوقها التي تفتقد أدنى مقوماتها، ولنا في الشعب الكردي الأسوة، وغيره في مناطق عديدة بالمنطقة.
وفي إطار مساعي وكالة فرات للأنباء (ANF) المتواصلة لاستعراض تجارب تلك الشعوب أجرت مقابلة مع أكسل بلعباسي وهو سياسي جزائري قبائلي بارز ومستشار رئيس الحكومة القبائلية المؤقتة، تحدثت معه حول العديد من القضايا ذات الصلة بملف الشعب القبائلي في المنطقة، وكذلك وضعية الأمازيغ في ظل أن الشعب القبائلي شعب من الشعوب الأمازيغة، وحول التحديات التي تواجههم وظروفهم ورؤيتهم لحل قضيتهم.
وإليكم نص المقابلة:
*نود أن تحدثنا أولاً عنك وعن حركتك؟
- أنا أكسل بلعباسي قيادي في حركة استقلال القبائل في الجزائر (الماك)، والحركة تطالب بالاستفتاء لتقرير المصير للشعب القبائلي، وهو شعب من شعوب الأمازيغ الموجود تحت السلطة الجزائرية ويقع وسط الجزائر، ومناطق القبائل مطلة على البحر الأبيض المتوسط. وأنا كنت مناضل أولاً من أجل الثقافة الأمازيغية والدفاع عن التعددية ونؤمن بالديمقراطية، وفيما بعد مجزرة 2011 (شهد هذا العام مواجهات عنيفة عرفت في الجزائر بالربيع الأسود)، ذهبنا إلى إنشاء حركة طالبت بالحكم الذاتي، ثم فيما بعد عام 2010 تم تأسيس أول حكومة مؤقتة للقبائل تطالب بالاستفتاء والاستقلال، وأنا حالياً مستشار لرئيس حكومة القبائل فرحات مهني، وقد قمت بإنشاء الفريق الوطني القبائلي الذي سيشارك في كأس العالم للأقليات الذي سيقام في كردستان وقد تأهل إلى تلك البطولة.
*أين يتواجد الأمازيغ في الجزائر؟ وما هي نسبتهم لسكان الجزائر؟ وهل يتكلمون لغتهم؟
- في الجزائر هناك عديد من الشعوب الأمازيغية، ففي الشمال هناك الشعب القبائلي الذي يتراوح عدده بنحو 8 ملايين قبائلي وهناك نحو 4 آخرين ينتشرون في عدة مناطق بالعالم، وهناك الشعب الشاوي الموجود على الحدود الجزائرية التونسية وهؤلاء يتألفون من نحو 3 ملايين أمازيغي، وهناك مجموعة أخرى تتركز في ولاية غرداية وهؤلاء لا يتجاوز عددهم مليون، وهناك شعب الطوارق في صحراء الجزائر، وهم شعب واحد مقسمين على 6 دول جزء منهم في الصحراء الجزائرية، وهؤلاء لا يوجد عدد مدقق حولهم وإن كانوا يقدرون بنحو مليون إلى 2 مليون على التراب الجزائري، وهذه هي مختلف الشعوب الأمازيغية في الجزائر.
*هل جميعهم يتحدثون الأمازيغية؟
- ليس الجميع يتحدث الأمازيغية للأسف، فيتم الحديث بها بنسبة 100% في مناطق القبائل فقط، أما للأسف الشعوب الأخرى مثل الشاوية وبعض من الطوارق وغيرهم فقد فقدوا اللغة وخاصة الشاوية، ولكن إذا جمعنا كل من يتكلمون اللغة الأمازيغية فإنهم يتجاوزون 50% من سكان الجزائر.
لا يتوفر وصف.
*كيف كانت أحوال الأمازيغ في ظل النظم السياسية المتعاقبة؟ وكيف اختلفت من نظام إلى نظام بما في ذلك فترة الإسلاميين؟
- أود أن أشير إلى نقطة هنا وهي أنه لا يوجد شعب أمازيغي واحد وإنما هناك شعوباً أمازيغية، وبالنسبة للكرد فهم بالنسبة لي أقارنهم بشعب الطوارق الأمازيغي فهم شعب واحد من أصول أمازيغية مقسمين على 6 دول ولديهم نفس التقاليد واللغة، ونفس الأمر مع الكرد، لكن ليس كل الأمازيغ مثل الكرد، لأنني على سبيل المثال كقبائلي عندما أتحدث مع طوارقي نتفاهم بنحو 10% تقريباً من حيث اللغة هذا إذا كنا نعرف بعض اللغات الأمازيغية الأخرى، ولهذا هناك لغات أمازيغية وشعوب أمازيغية وجميعاً ننتمي للحضارة الأمازيغية، ولكن لم نكن أبداً يوماً شعباً واحداً.
*دعنا نطرح السؤال بطريقة أدق بعد هذه المعلومات القيمة، كيف كان حال الشعب القبائلي الذي تنتمي إليه في النظم الجزائرية المتعاقبة؟
- الشعب القبائلي كان مملكة موجودة في التاريخ قبل وجود الجزائر، وقد كان لدينا حكامنا بأسمائهم، ومع وصول الفرنسيين الذين استعمروا كل البلاد التي تجاور بلاد القبائل جاء عام 1875 وحاربوا بلادنا وضموها بالقوة إلى المقاطعة التي تسمى بالجزائر، ففرنسا هي التي أنشأت الجزائر واستعملت فرنسا القوة ضدنا وخسرنا الحرب، علماً أن وقتها إمارة القبائل كانت تديرها امرأة والتي رفعت السيف في وجه المستعمر الفرنسي، وقمنا بعدة ثورات ولكن للأسف الشديد كنا نخسرها. بعد ذلك ذهبنا لإيجاد التحالفات داخل الأراضي التي سميت فيما بعد بالجزائر، ومن هنا نشأت الحرب التي تسمى حرب الاستقلال ضد فرنسا في 1954، ومعظم القياديين الذين بدأوا الحرب ضد فرنسا كانوا قبائليين.
*ماذا عن مرحلة ما بعد استقلال الجزائر؟
- بعد استقلال الجزائر كنا نتمنى أن يكون لنا وجوداً داخل هذا البلد والحقيقة أننا لم نكن نمانع في ذلك إذا كان لنا مكاناً، لكن للأسف قوبلنا بالقمع ولهذا نشبت حرب عقب الاستقلال من قبل الجيش الجزائري ضد الشعب القبائلي واستمرت لعام بعد عام من خروج الاستعمار الفرنسي. وقد خُدعنا من طرف النظام الجزائري مرة أخرى عندما قام بمناورة مع المغرب فيما يسمى ب حرب الرمال المتحركة، حيث طلب النظام وقف الحرب بسبب أن هناك مشكلة مع المغرب، وبالفعل أنزل الشعب القبائلي سلاحه، ولكن قتل النظام من قتل ونفى من نفى وأصبح وضعنا هكذا حتى يومنا هذا. ولهذا أنا أقول إن الشعب القبائلي مختلف عن غيره من الأمازيغ، لأن ما عاشه ليس نفس ما يعيشه أو عاشه شعوب الأمازيغ الذين يعيشون على سبيل المثال في المغرب أو الجزائر أو تونس أو الصحراء، وبالتالي يجب على الأمازيغ أن يقوموا بنفس ما قامت به تلك الدول من خلال عدم الكذب على التاريخ، والتأكيد أن هناك شعوباً أمازيغية مختلفة، وأن نساند بعضنا البعض في تحديد ما يناسبه، وللأسف الشديد هناك شعوب أمازيغية أخرى داخل الجزائر لا تتضامن معنا، وهذا يبين اختلاف التوجهات بين الشعوب الأمازيغية في الجزائر.
لا يتوفر وصف.
*بعد أحداث ما عرف بالربيع العربي، هل تبدلت أحوالكم؟ وكيف تأثرتم بها؟
- حقيقة نحن لم نتأثر بما يعرف بالثورات العربية، فنحن ثورتنا تمتد إلى 1980 وتسمى بالربيع الأمازيغي ونحن من استعملنا لفظ الربيع لأول مرة، وهو في واقع الأمر ربيعاً قبائلياً لأنه لم يشارك أي من الشعوب الأمازيغية الأخرى في هذه الثورة، وقد كان من الصعب القول إننا قبائليين فكان يمكن أن نتعرض للاعتقال والاضطهاد فكنا نختبئ وراء الأمازيغية التي فيما يبدو كما لو كان ليس لديها مشروعاً سياسياً فهي ثقافة ولغة ولهذا فهي لا تخيف النظام، عكس القبائلية وهي صاحبة مشروع سياسي، وكان ربيعاً قبائلياً 100% وتم سجن واعتقال وقتل كثيرين من أبناء الشعب القبائلي، ولهذا الربيع العربي لم يكن له أدنى تأثير علينا ولم نشارك فيه ولم يعنينا بأي طريقة.
*ما التحديات التي تواجهكم حالياً؟
- حقيقة أقول إن الشعب القبائلي حالياً في سجن مفتوح، وأقول القبائلي فقط، فلا يوجد نضال آخر أو مشروع آخر واضح لدى الشعوب الأمازيغية الأخرى في الجزائر، الشعب القبائلي يعيش في سجن مفتوح منذ عام 2019 أي مع قدوم الرئيس عبد المجيد تبون، وهنا ظهر مشروع صفر قبائلي الذي طرح في مؤتمر برعاية الدرك الجزائري يهدف إلى إخراج القبائل من الحكم ثم من الاقتصاد الجزائري سواء بالسجن أو الحجز على الممتلكات، ومن لن يتخلى عن قبائليته ستتم تصفيته أو ينفى أو يسجن، والنظام الجزائري ينفذ حالياً هذا المشروع، فبدأ بسجن القبائليين حتى لو كنا نحن كقبائليين نصفهم بالخونة، لأنهم كانوا جزء من النظام رغم أنهم قبائليين مثل أحمد أويحيى الذي كان رئيساً للوزراء خلال فترة عبد العزيز بوتفليفة وغيره ممن تم الزج بهم في السجن لأنهم قبائليين. فيما بعد وبعد 2021 بدأت عملية التصفية وأشعلت المخابرات الجزائرية النار في مناطق القبائل وقتل 250 شخصاً، واتهمنا النظام بأننا خلف هذه الحرائق وتم تصنيفنا جماعة إرهابية، رغم أننا طوال تاريخنا حركة سلمية وليس هناك أي دليل يمكن تقديمه على صلتنا بهذا أو أننا نتبع العنف، فمن يجب أن يتصف بالإرهاب هو النظام الجزائري، أنا على سبيل المثال لدي 5 أحكام قضائية لمجرد أني أمارس السياسة ومن بينها 3 أحكام بالسجن 20 عاماً وكذلك هناك حكم إعدام صادر بحقي، وهناك مطالب بتسليمي ويتم الرفض من فرنسا وكل الدول الأوروبية لأننا لسنا إرهابيين وقدمنا الدلائل على أن من حرق البلاد هو النظام والمخابرات الجزائرية، وهناك كثير من القيود الصعبة التي تواجه القبائليين في الداخل والخارج، وهناك مساندات كثيرة دولية لنا منها الأمم المتحدة، وهناك تحركات عالمية من أجل القضية القبائلية.
لا يتوفر وصف.
*هل ترى صيغاً للتعاون بين الشعوب المضطهدة في الشرق الأوسط والنضال المشترك مثل القبائلية؟
- نحن بصفتنا شعوب أمازيغية نتعاون مع بعض، فالتعاون هنا واجب، ويجب على كل أمازيغي أن يساند شقيقه الأمازيغي، فعلى سبيل المثال في 14 يناير 2024 قمنا بمظاهرة كبيرة في باريس وقد تجمع عديد من ممثلي الأمازيغ من مختلف المناطق والدول التي يتواجد فيها الأمازيغ، وساندنا القبائليين وكذلك شعب الأزواد وما يجري في بلاد القبائل، وكانت هناك شخصيات بارزة، ونتمنى أن يكون هناك مزيداً من هذه الفعاليات في المستقبل، وتطوير التعاون من أجل مزيد من الديناميكية بعيداً عن الشعارات التي تأتي دون مشروع واضح، وألا نعيش فقط في الماضي.[1]