(تركيا) ... الى أين؟ (22) إيجابية الظروف الموضوعية لكورد الشمال
د. مهدي كاكه يي
في البداية أحب أن أشير الى أن عدداً من المواقع الإلكترونية الكوردية لم تنشر الحلقة السابقة من هذه السلسلة من المقالات و التي فيها حددتُ الأخطاء الإستراتيجية لحزب العمال الكوردستاني. هذا الإجراء كان موضع أسف و خيبة أمل لي، ليس بسبب عدم إتاحة الفرصة للمزيد من القراء للإطلاع عليها، حيث سأنشر هذه السلسلة من المقالات في كتاب مستقل، كما أقوم بترجمتها الى اللغة الكوردية أيضاً ليكون في متناول القارئ الكوردي، بل لأن هذا العمل دلالة على أن قسماً من الإعلاميين و (المثقفين) الكورد لا يزالون يعيشون تحت تأثير التربية و الثقافة الشمولية التي تم تلقينهم بها من قِبل الأنظمة المحتلة لكوردستان. الفكر الشمولي يقوم بإلغاء الرأي الآخر و يتبنى إيديولوجيات ضيقة التي أصبحت تعيش خارج الزمن، حيث يعاصر الإنسان الآن العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات و بدأ الفكر الديمقراطي يفرض نفسه في كافة أنحاء العالم. كان الشعب الكوردستاني و لا يزال ضحية الفكر الشمولي و بذلك نختار طريق الفشل و الإستعباد لو نقوم بتبنّي الفكر الشمولي الذي يحمله محتلو كوردستان. لا يمكن أن يتحرر شعب كوردستان و يحقق إستقلال بلاده بدون خلق مجتمع متحضر، يؤمن بحرية الفكر و الرأي و المعتقد. هذه الظاهرة تؤكد لنا بأننا سنكون بحاجة الى وقت أطول و جهود أكبر لخلق مجتمع كوردستاني تسوده الحرية و الديمقراطية و التعددية الفكرية و العقائدية و قبول الآخر و إحترام الرأي المختلف. إنني كشخص أكاديمي، أتّبع الموضوعية و العلمية في كتاباتي التي تهدف الى تقديم خدمة متواضعة لشعب كوردستان، بعيداً عن الذاتية و الإيديولوجية الحزبية و النزعة المناطقية و اللهجوية. لا أدّعي بأنني أمتلك الحقيقة المطلقة و التي هي من سمات الفكر الشمولي، بل أعبّر عن وجهات نظري و قد أصيب أو أخطأ. لذلك من المفيد جداً الدخول في مناقشات نقدية موضوعية هادئة، يتم فيها نقد بنّاء للأمور التي يراها الآخر مختلفة عما هو يعتقد بها، لإثراء المواضيع المنشورة و الأفكار المطروحة و التي ستساهم بشكل كبير في تحرر الأمة الكوردية من العبودية و الإحتلال و الذوبان.
يصل تعداد نفوس الشعب الكوردي الى حوالي 50 مليون نسمة. يختلف الشعب الكوردي عن غيره من الشعوب في اللغة و التأريخ و الثقافة و الشعور الداخلي. إذا لم يكن الشعب الكوردي أقدم شعوب منطقة الشرق الأوسط و العالم، فأنه، بلا أدنى شك هو أحد أقدم شعوب منطقة الشرق الأوسط و العالم. الشعب الكوردي يعيش على أرضه منذ آلاف السنين و تم إطلاق إسم كوردستان على وطن الكورد منذ زمن بعيد، حيث ظهر إسم كوردستان كوطن للكورد منذ أكثر من 1000 سنة.
جاء العرب الى كل من كوردستان و العراق و سوريا من شبه الجزيرة العربية خلال حكم عمر بن الخطاب. الأتراك نزحوا من آسيا الصغرى و إستقروا في المنطقة في القرن الثاني عشر الميلادي، بينما الفرس إستلموا الحكم بعد زوال الإمبراطورية الميدية الكوردية.
عراقة الشعب الكوردي و عمق جذوره التأريخية في كوردستان تعتبران من أهم عوامل قوة هذا الشعب و تشبثه بأرضه و لغته و ثقافته و تراثه عبر التأريخ رغم تعرضه لمحاولات الإلغاء و التهميش و إفتقاره لكيان سياسي في وطنه، حيث أن بلاده محتلة من قِبل عدة دول. حاول محتلو كوردستان أن يقوموا بإلغاء تأريخ الشعب الكوردي و لغته و ثقافته أو تزوير تأريخه للقضاء على وجوده كشعب و إدّعوا بأن أصل الكورد يعود الى شعوبهم، إلا أنهم فشلوا في مساعيهم و كان من أهم أسباب هذا الفشل هو عمق إمتداد جذور الكورد في كوردستان الذي كان و لا يزال العامل الحاسم في ديمومة الشعب الكوردي و قدرته على التصدي لمحاولات الإذابة و الإلغاء و التعريب و التتريك و التفريس، بينما نرى شعوباً أخرى قاموا بتأسيس إمبراطوريات و دول و حكموا شعوباً أخرى، إلا أنهم إختفوا كشعوب و إنصهروا. لذلك فشل محتلو كوردستان في إبادة الشعب الكوردي أو إلغاء وجوده و سلخه عن كورديته و تزوير تأريخه و إلغاء لغته و تراثه. فشلوا في جعل أصل الكورد منتمياً الى شعوبهم. في الوقت الحاضر، حيث نعيش في عصر العولمة و ثورة المعلومات و الإتصالات، أصبحت محاولاتهم غير مجدية و تثير السخرية في إرجاع أصل الشعب الكوردي الى الفرس و الأتراك و العرب. كما أنه في هذا العصر يستحيل عليهم أن يلغوا وجود الشعب الكوردي، بل أن الشعب الكوردي بدأ يسير بخطىً ثابتة نحو تحقيق حريته و إستقلال كوردستانه و سيستلم المحتلون لإرادة الشعب الكوردي و عزيمته. النظام العالمي الجديد سيرغمهم على الإعتراف بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه، حيث أن حقوق الشعب الكوردي تكتسب الشرعية لعراقته في المنطقة و عيشه في وطنه و كما أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يعترف بحقه بالتمتع بحقوقه، حيث ينص على أن كل شعب له الحق في تقرير مصيره بنفسه.
الشعوب المحتلة لكوردستان لا تزال تعاني من ضريبة إحتلالهم لكوردستان، حيث أنهم يحسون في دواخلهم بأنهم محتلون و لذلك نراهم يعيشون في خوف و هلع، يُرعبهم إسم كوردستان، حيث أن في العراق يطلقون عليها إسم الشمال و في سوريا و (تركيا) ينكرون وجود الكورد كشعب، حيث قاموا في سوريا بتسمية البلاد بالجمهورية العربية السورية و التي هي إعتراف صريح بأن السكان هناك ليسوا عرباً فقط، و في (تركيا) يطلقون على الكورد أتراك الجبال و في إيران يدّعون بأن الفرس و الكورد ينتمون الى شعب واحد، حيث ينحدرون من الجنس الآري. يقوم المحتلون بتغيير أسماء المدن و القصبات و القرى و الأماكن الكوردية و يمنعون تسمية أطفال الكورد بأسماء كوردية و يسرقون مفردات اللغة الكوردية و التأريخ و التراث الكوردي. هذه الإجراءات تبرهن على أنهم يشعرون في دواخلهم بأنهم محتلون، يعيشون في هاجس إغتصابهم لكوردستان وفي رعب دائم من أنّ إحتلالهم معرّض للزوال، و إلا لُكانوا لا يعملون على طمس معالم الشعب الكوردي و وطنه، كوردستان.
جميع الدول المحتلة لكوردستان هي عبارة عن دول مصطنعة، حيث قام الأوروبيون بإنشاء دول قومية للأتراك و العرب و الفرس بعد الحرب العالمية الأولى و ربطوا كوردستان بالقوة بتلك الدول المصطنعة. لذلك فأن إنبثاق أي نظام ديمقراطي في هذه البلدان يعني بداية لحرية الشعب الكوردستاني و بداية النهاية لهذه الدول المحتلة، حيث ستنهار كياناتهم السياسية. الدول المحتلة لكوردستان لا تواجه هذا المصير الأسود لوحدها، بل ستواجهه أيضاً كل الدول المصطنعة في العالم إنْ عاجلاً أو آجلاً. إنهيار دول الإتحاد السوفيتي و يوغسلافيا و جيكوسلوفاكيا هي أمثلة حيّة لزوال الدول المصطنعة. لهذا السبب تقف الدول المحتلة لكوردستان بكل قوة ضد الديمقراطية و التعددية و ترفض كل المساعي الرامية لحل القضية الكوردية عن طريق الحوار الديمقراطي لأن المحتلين يجدون في الديمقراطية نهايةً لدولهم القومية و نهايةً لسلطتهم المستبدة. لهذا السبب، فأن الحل الوحيد عندهم لحل القضية الكوردية هو القوة و العنف و الإرهاب. القضية الكوردية هي قضية سياسية و كان يجب أن يتم حلها بالطرق السياسية، إلا أن محتلي كوردستان جعلوها مشكلة عسكرية، يتم حلها عن طريق الحروب و سفك الدماء و التدمير و إستعمال أسلحة الدمار الشامل لإبادة الشعب الكوردي و بالتالي التخلص من القضية الكوردية. من هنا نرى أن رفع الأحزاب الكوردستانية لشعار الحكم الذاتي و الفيدرالية هو شعار خاطئ و غير قابل للتحقيق لأن أي نوع من الحكم الذاتي أو النظام الفيدرالي هو خطوة نحو إستقلال كوردستان عاجلاً أو آجلاً و هذا ما لا يريده المحتلون. لهذا السبب، لا يمكن لأية مفاوضات أن تحقق الحكم الذاتي لكوردستان أو النظام الفيدرالي لذلك الكيان السياسي إذا لم تستند على قوة الكورد، أي حالة التكافؤ بين الجانبَين. هذا يعني بأنّ تحقيق حرية الكورد يتم فقط في حالة إمتلاك الكورد لدولتهم الخاصة بهم لفرض إرادتهم على المحتلين. من هنا ندرك بأنه لا يمكن تحقيق حرية الشعب الكوردي إلا عن طريق الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية التي تحكم الدول المحتلة لكوردستان و من ثم ممارسة حق تقرير المصير من قِبل شعب كوردستان.
الطبيعة الجبلية لكوردستان التي تجعل سكانها منعزلة، تتمتع بالحرية و الإستقلالية، خلقتْ شعباً يعشق الحرية و الإستقلال و مستعداً للتضحية بحياة مواطنيه من أجلهما. من جهة أخرى، الطبيعة الجبلية القاسية لكوردستان منحت الكوردستانيين الشجاعة و تحمّل الصعاب و الصبر. هذه الميزات التي إكتسبها شعب كوردستان من تضاريس بلاده و التي تراكمتْ عبر تأريخه العتيد، تُعتبر أحد أهم العوامل التي تُشكّل مصدر قوة للكورد و تكوّن إحدى مؤهلات النصر في نضاله و الوصول الى أهدافه.
الشعب التركي بشكل عام شعب متخلف، حيث أنه يُعادي الغرب و إسرائيل. تسلّم حزب العدالة و التنمية الإسلامي في (تركيا) الحكم و فوزه بأغلبية ساحقة في الإنتخابات يدلّان على تبنّي غالبية الأتراك للفكر الإسلاموي رغم مرور أكثر من 85 عاماً على تأسيس (تركيا العلمانية). هذا يقودنا الى القول بأن الشعب التركي يفتقد الى الوعي لتطوير نفسه و العمل على اللحاق بالمجتمعات الديمقراطية المتقدمة و يفضّل الإنتماء الى المجتمعات الإسلامية المتخلفة فكراً و إقتصاداً و إجتماعياً و تكنولوجياً. هذا يعني بأنّه مهما حاولت (تركيا) الإدعاء برغبتها لتكون جزءً من العالم الغربي المتحضر، فأنها تجد نفسها في المجتمعات الإسلامية و أن علاقاتها مع الغرب و إسرائيل هي علاقات مرحلية مؤقتة، حيث أن هذه العلاقات تتقاطع إستراتيجياً مع كل من الغرب و إسرائيل، بينما الشعب الكوردستاني، كشعب مضطهَد، بلده محتلة و مقسّمة، يكون حليفاً طبيعياّ للشعوب المتحضرة و تلتقي مصالحها مع هذه الشعوب إستراتيجياً و على المدى البعيد. هذه نقطة ضعف ل(تركيا) و مصدر قوة لشعب كوردستان لأنّ (تركيا)، كدولة محتلة لجزء من كوردستان، تتناسب قوتها عكسياً مع قوة الشعب الكوردستاني، أي كلما تقوى عناصر القوة عند (تركيا) كلما تضعف عناصر القوة عند الكوردستانيين و العكس بالعكس. هذه نقطة مهمة تُشكّل عنصراً مهماً من عناصر قوة شعب كوردستان و تحرره.
تُقدّر نفوس الكورد في إقليم شمال كوردستان و (تركيا) بحوالي 25 مليون نسمة. قد تكون نفوس الكورد هناك أكثر من نفوس الأتراك لو نقوم بإحتساب الكورد الذين تم تتريكهم أو إستتركوا، إلا أن الكثير منهم قد إنسلخوا عن شعبهم الكوردي بمرور الوقت و يعتبرون أنفسهم الآن أتراكاً. إنهم يفتقدون الى روح الإحساس بالإنتماء الى الأمة الكوردية. لذلك لا يمكن إعتبار هؤلاء المنسلخين عن قوميتهم كورداً، بل يمكن الإشارة إليهم كأشخاص لهم جذور كوردية، لأن الشعور بالإنتماء لأمة ما، هو من أهم شروط إنتماء الفرد لتلك الأمة.
من جهة أخرى فأن نسبة نفوس الآريين (العلويين) في (تركيا) تصل الى حوالي 30% من مجموع السكان، أي حوالي 21 مليون نسمة. لو قمنا بتقدير نسبة نفوس العلويين الكورد على أساس النسبة السكانية للكورد الى المجموع الكلي للسكان، لتوصلنا الى أن نفوس العلويين الكورد هي 7.5 مليون نسمة (000 000 21 x 35%)، بينما تكون نفوس العلويين الأتراك حوالي 13.5 مليون. هذا يعني أن مجموع نفوس الكورد و العلويين في (تركيا) هو 38.5 مليون نسمة، أي أكثر من نسبة 54% من مجموع سكان (تركيا)، و عليه فأن الكورد و العلوييين معاً يُشكلون الأكثرية السكانية في (تركيا). لو يقوم الكورد و العلويون بتنظيم أنفسهم و يتحالفون مع البعض، حيث أن كلاً من الكورد و العلويين يتعرضون للإلغاء و الإضطهاد من قِبل الحكم التركي السُنّي، فأنهم سيستطيعون حكم (تركيا) من خلال الإنتخابات التشريعية و الرئاسية. هذا بالإضافة الى المكونات القومية المسحوقة الأخرى مثل الآشوريين و العرب و الأرمن و اليونانيين و الشركس و السريان و اليهود الذين يجدون حريتهم و خلاصهم من الإضطهاد القومي و الديني من خلال تحالفهم مع الكورد و العلويين. كما أنّ هناك دراسات تشير الى أن نفوس الكورد في (تركيا) ستصبح أكثر من نفوس الأتراك بحلول عام 2020.
بالنسبة لمصطلح العلوي يذكر الدكتور جمال نبز في كتابه المعنون المستضعفون الكورد واخوانهم المسلمون، طُبع سنة 1994 بأن أصل كلمة علوي يعود الى الكلمة الكوردية هالاف. هالاف يعني بالكوردية بخار الماء المغلي المشبه بالنار المستعرة وكذلك لظى النار نفسها. يقال في الكوردية لظى النار و نورها . وقد إقتبست اللغة التركية هذه الكلمة من الكوردية وحورّتها الى الفي التي تعني (لظى النار). تُستعمل هذه الكلمة في اللغة التركية كمصطلح للانتماء الى هذه الديانة.
تم تهجير ملايين الكورد من إقليم شمال كوردستان الى المدن التركية أو أن الظروف السياسية و المعيشية أجبرتهم على الهجرة الى هناك. تشير بعض التقديرات بأن أكثر من ثمانية ملايين كوردي يعيشون في إسطنبول و يعيش عدة ملايين أخرى منهم في أنقرة و إزمير و قونية، حيث أنّ قسماً من هؤلاء كانوا يعيشون هناك قبل مجئ الأتراك الى المنطقة.
إن القيام بتنظيم هذه الأعداد الكبيرة من الكورد المُهجّرين و المهاجرين سياسياً و إجتماعياً و ثقافياً و إقتصادياً، سيضمن لوحده تحرير الشعب الكوردي من العبودية و بالتالي إستقلال كوردستان و بذلك نتجنب جعل كوردستان ساحة للحروب و الدمار و الخراب، بل قد لا يحتاج الشعب الكوردي الى تقديم كل هذه التضحيات الكبيرة في الأرواح و الممتلكات و البيئة و في الجوانب الإجتماعية و النفسية و الإقتصادية. إن تنظيم هذه الأعداد المليونية من الكورد، الذين يعيشون في المدن و الأرياف التركية سيُغيّر المعادلة غير المتكافئة بين الترك و الكورد و سيجعل كفة الكورد راجحة و بذلك يضطر الترك الى الإعتراف بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه. أترك هذا الموضوع، حيث سأخصص حلقة كاملة له ضمن هذه السلسلة من المقالات.
يُقال أنّ رجلاً قد إشترى قطعة أرض سكنية ليبني عليها بيتاً له، إلا أنّ الرجل إكتشف بأن القطعة السكنية كانت موبوءة بالأفاعي و لا تصلح للبناء و السكن. لم يستسلم الرجل لليأس، فسرعان ما فكّر بجعل قطعة الأرض مزرعة لتربية الأفاعي و الثعابين و من ثم القيام ببيع سمومها و جلودها و بناء معرض صغير لعرض أنواع مختلفة من الحيّات و الأفاعي ليتفرج عليه الناس لقاء مبالغ مالية. إزدهرت صناعته للسموم و الجلود و إزدحمت الناس طلباً لرؤية أفاعيه و و ثعابينه. هكذا أصبح الرجل تاجراً مشهوراً في المنطقة و أصبح أحد أغنيائها. إن الرجل لم يستسلم للأمر الواقع ولم يترك قطعة أرضه الموبوءة بالثعابين، بل إستغلها في تجارة رابحة و نجح بذلك في حياته العملية و بنى قصراً كبيراً له و لعائلته بدلاً من أن يبني بيتاً متواضعاً. هكذا بالنسبة لشعب كوردستان، حيث يمكن تحويل السلبيات الى الإيجابيات، كما هو الحال بالنسبة الى تهجير الكورد من كوردستان الى المناطق التركية في (تركيا). بتنظيم الكورد الذين يعيشون خارج كوردستان و الذي كانت الحكومة التركية تهدف من ورائها الى تتريك كوردستان، يمكن تحويل الجالية الكوردية هناك الى قوة جبارة و عنصر نصر حاسم.
الإسرئيليون أوجدوا أرضاً ليعيشوا عليها و قاموا بإحياء اللغة العبرية التي كانت لغة مندثرة و كانوا يتألفون من عدة ملايين، كما أنهم كانوا مشتتين في بقاع العالم، بينما الكورد يملكون أرضاً مترامية الأطراف يعيشون عليها منذ ما قبل التأريخ و لهم لغة حيّة يتحدثون بها و التي كانت اللغة الرسمية للإمبراطورية الساسانية، و نفوسهم تبلغ عشرات أضعاف الإسرائيليين. كانت تكاد أن تنعدم أية إمكانية أمام الإسرائيليين لبناء دولة قومية و دينية لهم، إلا أنهم بكفاحهم و إصرارهم و خططهم و برامجهم و أعمالهم الجبّارة و تضحياتهم إستطاعوا تحقيق حلمهم الذي كان يبدو الوصول إليه مستحيلاً و أسسوا دولة ديمقراطية متقدمة في قلب الشرق الأوسط الذي لا تزال شعوبه تعيش في ظلمات الجهل و الفقر و العنف و الإستبداد. لم يؤسس الإسرائيليون دولة عصرية متقدمة فقط، و إنما جعلوا من إسرائيل أقوى دولة عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط و من بين الدول الأقوى في العالم و الأكثر تقدماً في المجالات العلمية و التكنولوجية و الإقتصادية. بعد 19 سنة فقط من تأسيس إسرائيل، إستطاع الإسرائيليون صنع أسلحة نووية، حيث قاموا بصنعها في عام 1967.
تغيير النظام العالمي و ثورة المعلومات و وسائل الإتصالات تجعل مستحيلاً على محتلي كوردستان إضطهاد الشعب الكوردستاني و إبادته و كتمان جرائمهم. بعد إنتهاء الحرب الباردة ظهر عالم جديد لا تسمح فيه الدول و القوى الديمقراطية أن تقوم الحكومات الشمولية و الدكتاتورية بإضطهاد شعوبها و الإعتداء على الشعوب الأخرى، حيث كانت الدول الديمقراطية مضطرة خلال فترة الحرب الباردة الى غض النظر عن إنتهاك حقوق الإنسان و الشعوب في الدول الشمولية نتيجة حاجتها لدعم الحكومات الدكتاتورية في صراعها المصيري مع الإتحاد السوفيتي السابق و حلفائه. كما أن زيادة دور و نشاطات الجمعيات الإنسانية و منظمات المجتمع المدني و دفاعها عن حقوق الإنسان و تحرر الشعوب، هي لصالح شعب كوردستان، بل لصالح جميع الشعوب المضطهَدة.
بعد إنتهاء الحرب الباردة و إختفاء حلف وارشو، إنخفضت الأهمية الإستراتيجية ل(تركيا). هذا بالإضافة الى التطورات الأخيرة في العراق و التي أدت الى التواجد المباشر للأمريكيين في هذا البلد و بذلك فأن أمريكا الأن في غنى عن كثير من المساعدات التركية التي كانت تحتاجها في السابق. لا تزال (تركيا) تكتسب بعض الأهمية للغرب نتيجة وجود سلطة الملالي في إيران التي تهدد المصالح الغربية في المنطقة، إلا أن النظام الإيراني الطائفي المتخلف يعيش خارج العصر و عليه فأنه سوف ينهار و يختفي في المستقبل المنظور. هكذا فأن الأهمية الإستراتيجية ل(تركيا) تنخفض بمرور الوقت و التي هي لصالح الشعب الكوردستاني.
لو نظرنا الى دول جوار (تركيا)، لنرى بأن علاقات جميع هذه الدول سيئة مع تركيا ولها عداء معها لأسباب تأريخية و سياسية و دينية و مذهبية و إقتصادية. لا تزال (تركيا) تحتل أراضي يونانية [القسم الأوربي من (تركيا)، بضمنه مدينة إسطنبول] و أراضي أرمينية و سورية. هناك عداء تأريخي و مذهبي بين الإيرانيين و الأتراك. خلافات تأريخية و سياسية تُلبّد سماء العلاقات العربية-التركية و عداء تأريخي بين (تركيا) و بلغاريا. (تركيا) تحتل جزءً من قبرص. إذن ل(تركيا) علاقات متوترة مع هذه الدول و أنّ الهدوء في هذه العلاقات يعود الى المعادلة غير المتكافئة في القوة بين كل من (تركيا) من جهة و هذه الدول في الوقت الراهن و بسبب عضوية (تركيا) في الحلف الأطلسي. من هنا يمكن الإستدلال بأنّ حدوث أي خلل في هذا التوازن سيدفع هذه الدول للعمل على إسترجاع أراضيها المحتلة بالنسبة لكل من اليونان و أرمينيا و قبرص، بينما ستنتقم دول الجوار الأخرى من تركيا نتيجة الإضطهاد الذي عانته شعوب هذه الدول عندما كانت تخضع للإحتلال العثماني.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]