(تركيا) ..... الى أين؟ -29-
د. مهدي كاكه يي
تنظيم و إدارة شؤون الكوردستانيين القاطنين خارج الإقليم الشمالي
1. الكوردستانيون القاطنون في تركيا
ج. الحياة الإجتماعية و الثقافية
إن تنظيم و تشجيع و تقوية الروابط بين الجاليات الكوردية في تركيا و في الدول المحتلة الأخرى لكوردستان و تواصلها مع البعض و مع شعب كوردستان، تعمل على إحتفاظ هذه الجاليات بهويتهم و لغتهم و تقاليدهم و عاداتهم الكوردية و تراثهم الكوردي و تحول دون ذوبانهم في المجتمع التركي و العربي و الفارسي و الإنسلاخ عن أُمتهم الكوردية. كما أن التواصل الإجتماعي و الثقافي بين أفراد الجاليات يخلق حياة إجتماعية سعيدة لهؤلاء الأفراد و يرفع مستواهم الفكري و الثقافي. لذلك فأن وضع إستراتيجية ناجحة لهذا الهدف، يخدم بشكل كبير وحدة الشعب الكوردي فكرياً و ثقافياً و إجتماعياً و يحول دون إنسلاخ الكورد القاطنين خارج كوردستان، عن شعبهم.
بسبب إحتلال كوردستان و تقسيمها و حُكم الكورد من قِبل العرب و الفرس و الترك تحت أنظمة حُكم عنصرية شمولية و خضوع الكورد لثقافة الشعوب المحتلة لكوردستان لفترة زمنية طويلة، فأن الكورد متأثرون بثقافة الشعوب المحتلة لكوردستان و أن الشخصية الكوردية أصبحت ممسوخة بسبب الإحتلال. لذلك يحتاج الكورد الى ثورة ثقافية كبرى لإستعادة ثقافته الأصيلة و تراثه الثري و إعادة بناء شخصيته الكوردية. من هنا تكمن أهمية وضع برامج متكاملة لتحقيق أهداف هذه الثورة الثقافية للعودة الى الثقافة الكوردية الأصيلة.
يمكن أن يستمر تواصل الجاليات الكوردية مع اللغة و الثقافة و الحياة الإجتماعية الكوردية من خلال تأسيس جمعيات و إتحادات و منظمات لها فروعها في مختلف القصبات و المدن في كل دولة من هذه الدول التي تتواجد فيها الجاليات الكوردية. ينبغي أن يكون تأسيس هذه المنظمات مبنيّ على أساس وطني كوردستاني، بعيداً عن الإعتبارات الحزبية و المناطقية و أن لا يعتمد على أسس كلاسيكية بالية و متهرئة و أن يتحمل أناس وطنيون كفوؤون مسئولية إدارتها و تطويرها و تحقيق أهدافها لتكون هذه المنظمات بمستوى المسئولية و الطموح للوقوف بوجه التحديات التي يواجهها المهاجرون و ليصبحوا سفراء حقيقيين لشعبهم الكوردي هناك، حيث أن المؤسسات الكوردية الموجودة في الوقت الحاضر تفتقر الى برامج وطنية كوردستانية جامعة لخدمة المهاجرين و للحفاظ على هويتهم الكوردية و تواصلهم مع شعبهم. تحتاج الجاليات الكوردية الى إعادة تنظيم نفسها على أسس عصرية تتلاءم مع التطورات العالمية الكبرى التى حدثت و تحدث الآن و مع مستجدات القضية الكوردستانية و متطلبات تحقيق أهداف الشعب الكوردستاني. كما أن كورد المهجر بحاجة الى مراكز و نوادٍ ثقافية و إجتماعية و فنية و رياضية و ترفيهية لجمع شملهم و خلق فرص جيدة للتلاقي و الإجتماع معاً للتواصل مع لغتهم و ثقافتهم و تراثهم. ينبغي أن تحتضن هذه المراكز الجاليات الكوردية و تنظم لهم دورات لتعلم اللغة الكوردية و تُقيم محاضرات و ندوات لتعريفهم بالتأريخ الكوردي و المستجدات على الساحة الكوردستانية. كما يمكنها تنظيم دورات لتعلم الكومبيوتر و الرسم و التصوير و السباحة و بعض الأعمال المهنية، مثل الطبخ و الخياطة و التطريز و الصناعات اليدوية الأخرى. ينبغي تأسيس نوادي و فرق رياضية كوردية و جمعيات فنية للرسامين و النحاتين و المصورين و إتحادات مهنية مختلفة للعمال و الفلاحين و الطلبة و المعلمين و المهندسين و الأطباء و الصحفيين و الكُتّاب و السواق و الحرفيين و غيرهم من أصحاب المهن الأخرى و جمعيات للشباب و النساء و كبار السن، لجمع شمل أصحاب المهن و الطبقات الإجتماعية المختلفة و تواصلهم معاً في الملتقى الكوردستاني. كما أنه على هذه المنظمات و الأشخاص المتمكنين مادياً أن يبادروا الى فتح رياض الأطفال و المدارس و المعاهد و الجامعات الأهلية و مطابع و مكتبات و مطاعم و مقاهي في المهجر و إصدار كتب و صحف و مجلات و التركيز على تربية الأطفال و التوعية بحقوق الإنسان و الديمقراطية و البيئة. كما يمكن تأسيس أسواق و مجمعات سكنية كوردية في المهجر، حيث نرى أنّ بعض الجاليات نجحت في بناء مدن خاصة بها في المهجر، على سبيل المثال، فأنّ الجالية الهندية في بريطانيا إستطاعت أن تستقر هناك في مدن معينة و أن تصبح الأغلبية الإثنية في تلك المدن.
يجب على الجاليات الكوردية في المهجر تشكيل فرق موسيقية و غنائية و فنية و للدبكات الكوردية و الرقص الشعبي الكوردي و تشجيع المغنيين و الفنانين و الرسامين و النحاتين و الرياضيين و تنظيم حفلات غنائية و مباراة رياضية و معارض فنية و معارض تأريخية و تراثية و عرض أفلام و التعريف بالمطبخ الكوردي و الملابس الشعبية الكوردية لمختلف مناطق كوردستان و تعريف الإنسان الكوردي بالتطور التأريخي لمختلف مجالات الحياة الكوردستانية، لجذب الجاليات الكوردية و جلب إهتمامها و في نفس الوقت فأن مثل هذه النشاطات ستساهم بشكل كبير في نضال الكورد من أجل حريتهم و إستقلالهم و ذلك عن طريق وسائل حضارية متمدنة. كما يمكن تنظيم مسابقات رياضية و فنية و أدبية و إقامة سفرات جماعية منتظمة للجاليات الكوردية الى مناطق سياحية و تأريخية و إقامة لقاءات و إجتماعات و نشاطات و فعاليات، بإقامة مخيمات و معسكرات هناك للتعارف مع بعضهم البعض و تبادل المعلومات و إجراء المناقشات و تنظيم المحاضرات و النشاطات الفنية و غيرها. يمكن أيضاً تأسيس جمعيات و إتحادات مهنية للمهاجرين الكوردستانيين لتبادل الأفكار و الآراء و الخبرات و تنظيم أنفسهم و إيجاد مجالات و آليات لخدمة الجاليات الكوردية و شعب كوردستان. من الضروري أيضاً تشكيل لجان خاصة، تكون مهمتها مساعدة الجاليات الكوردية في مختلف المجالات.
هناك وسائل عديدة أخرى يمكن إتباعها لإدامة تواصل كورد المهجر مع شعب كوردستان و تعزيز هذا التواصل. يمكن العمل على تواصل التفاعل بين شعب كوردستان و الطلاب و الباحثين و الأساتذة و العاملين الكورد في منظمات المجتمع المدني و غيرها في المهجر عن طريق تبادل الزيارات و التعاون بين الجاليات الكوردية و الجامعات و المعاهد و المراكز العلمية و منظمات المجتمع المدني في مختلف المجالات في كافة أجزاء كوردستان و منح المراكز العلمية الكوردستانية و مختلف القُطاعات الأخرى في كوردستان زمالات دراسية لكورد المهجر القاطنين في الدول المحتلة لكوردستان و دعوتهم للمشاركة في دورات علمية و مهنية و تأهيلية ليتفاعل كورد المهجر مع كوردستانيي الداخل و يستمرون في التواصل مع اللغة و الثقافة و البيئة الكوردستانية. كما يتم تواصل الجاليات الكوردية في الدول المحتلة لكوردستان مع شعب كوردستان من خلال عقد إتفاقات لتبادل الزيارات بين الأساتذة و الباحثين و الطلاب من الجانبين و المساهمة المشتركة في إجراء بحوث و دراسات و إعداد برامج تدريبية و تأهيلية. من خلال هذه المبادرات، يستطيع الكوردستانيون المهاجرون الذين يعملون في الجامعات و مراكز و معاهد البحوث و الطلاب الجامعيون، العمل أو الدراسة في الجامعات الكوردستانية و التواصل مع شعبهم خلال فترة إقامتهم هناك. كما أنّ المهاجرين الكوردستانيين الذين يعملون في المهجر، من أكاديميين و مهنيين و غيرهم، يمكنهم الحصول على إجازات طويلة الأمد بدون راتب، لمدة ثلاث أشهر أو سنة مثلاً، و الإنتقال الى كوردستان و العمل هناك خلال فترات إجازاتهم لقاء رواتب يحصلون عليها. إضافةً الى أن هذه البرامج تساهم في تقوية الروابط بين كوردستانيي الداخل و الخارج و تفاعلهم مع البعض و تواصل المهاجرين مع لغتهم و ثقافتهم، فأن المهاجرين سيساهمون بدورهم في بناء و تطوير كوردستان و دفع عجلة تقدمها لما لهم من خبرات و معلومات في مجال إختصاصاتهم.
يمكن لكوردستانيي المهجر قضاء عطلهم السنوية مع أسرهم في كوردستان و مثل هذه الزيارات تكون ضرورية و مهمة جداً لأطفالهم المولودين في المهجر أو الذين كانوا أطفالاً عندما هاجرت عوائلهم من كوردستان، ليتمكنوا من التعرف على لغتهم و ثقافتهم و التواصل معها و العيش في البيئة الكوردستانية. كما يمكن لرأسماليي الكورد المهاجرين من إستثمار أموالهم في كوردستان و العمل هناك و الذي سيؤدي الى تواصلهم مع شعبهم و مساهمتهم في بناء كوردستان.
لا شك أن العولمة و التقدم الهائل في وسائل الإتصالات و نقل المعلومات، حيث أننا دخلنا عالم العولمة و الإنترنت و الفضائيات التلفزيونية و الموبايل، قد أزالت الحدود الدولية و إخترقت الحواجز و الموانع في عقر دار الإنسان و بذلك هدمت حواجز و معوّقات التواصل بين المجتمعات البشرية و جعلت من كوكبنا الأرضي قرية كونية صغيرة. هذه التطورات خلقت ظروفاً ممتازة للمغتربين المتشتتين في مختلف بقاع العالم، للتمكن من التواصل مع لغاتهم و ثقافاتهم و شعوبهم، بعد أن كانوا قبل نحو عقدَين من الزمن معزولين عن مجتمعاتهم الأصلية، فأنقذتهم هذه الإنجازات الإنسانية العظيمة من عزلتهم. بالنسبة للكورد المغتربين، فأن هذه الثورة الإتصالاتية و تأسيس إقليم جنوب كوردستان و إنتشار الأفكار الديمقراطية في العالم و البدء بزوال الحكومات الدكتاتورية و الشمولية في المنطقة، و خاصة في الدول المحتلة لكوردستان، كل هذه التطورات الإيجابية تساهم في زيادة و إدامة التواصل الكوردي مع بعضهم في المهجر و مع شعبهم في كوردستان و خارجها. ينبغي إنتهاز هذه الفرصة و ذلك بأن تقوم الفضائيات الكوردستانية بوضع برامج خاصة لجذب إهتمام المغتربين الكوردستانيين و شدهم الى متابعة تلك البرامج ليتمكنوا من التواصل مع لغاتهم و ثقافتهم. يجب أن تشمل تلك البرامج التلفزيونية على برامج خاصة بالأطفال و الشباب و الكبار و المرأة و التأريخ الكوردي و المجتمع الكوردستاني و أطيافه و أديانه و مذاهبه و الطبيعة في كوردستان و مناطقها و الموسيقى و الفن الكوردستاني و السياسة و أخبار الكورد في مختلف مناطق العالم. لتعليم أطفال المهجر اللغة الكوردية و لغات الأطياف الكوردستانية الأخرى، من آشورية و سريانية و كلدانية و أرمنية و تركمانية غيرها، يجب وضع برامج تعليمية يومية في الفضائيات الكوردستانية لتعلم اللغة و كذلك يمكن أن يتم ذلك أيضاً عن طريق الإنترنت. كما ينبغي أن تتضمن تلك البرامج تغطية لحياة المغتربين في مختلف دول المهجر و نشاطاتهم في مختلف المجالات.
يمكن أيضاً أن تلعب وسائل الإتصال الحديثة عن طريق الإنترنت مثل الفيسبوك و التويتر و سكايب و بالتوك و غيرها، دوراً مهماً في تواصل الجاليات الكوردية مع بعضها و مع شعب كوردستان و اللغة و الثقافة الكوردية، حيث يمكن أن تصبح هذه الملتقيات الإجتماعية مكاناً يضم الكوردستانيين في العالم و يجمعهم، يمارسون خلالها التكلم و الكتابة بالكوردية و مناقشة و إبداء الآراء في مختلف القضايا التي تخصهم و الإطلاع على الأحداث الجارية و الأخبار التي تهمهم و تتعلق بهم و بشعبهم.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]