الإنتخابات العراقية و تشكيل حكومة جديدة
د. مهدي كاكه يي
في البداية أعتذر للقراء الأعزاء على إنقطاعي عن الكتابة لفترة غير قصيرة بسبب ضيق الوقت، و مع ذلك سأسعى بالإستمرار في الكتابة بين حين و آخر و خلال فترات زمنية متقاربة. كما أنني سأكتب و أنشر الحلقات المتبقية من دراستي المعنونة تركيا الى أين؟ تباعاً. بالنسبة لهذه المقالة، في الحقيقة بدأت بكتابتها بعد إنتهاء الإنتخابات التشريعية العراقية الأخيرة و ها تجد طريقها الى النشر بعد مرور أكثر من ثلاث أشهر.
إن الإنتخابات البرلمانية العراقية تفتقد الى الشرعية و النزاهة و الشفافية لأسباب عديدة. الإنتخابات لم تستند على تعداد سكاني لتحديد المواطنين العراقيين الذين كان يحق لهم التصويت في إنتخاب أعضاء البرلمان العراقي، حيث أنه إستند حق التصويت على حيازة المواطن على البطاقة التموينية. نتيجة عدم وجود إحصاء سكاني حديث، تم تحديد المقاعد البرلمانية المخصصة للمحافظات على أسس سياسية و فئوية، بعيدة عن الأسس التي يرتكز عليها النظام الديمقراطي. هذه النقطة لوحدها تُفقد الإنتخابات العراقية شرعيتها و مصداقيتها. الإنتخابات العراقية تجرّدت أيضاً من مصداقيتها و شفافيتها نتيجة إغداق أموال البترول الضخمة لآل سعود على االكتلة لعراقية التي يقودها السيد إياد علاوي و التي هي كيان سياسي يجمع فلول البعثيين من أمثال السادة صالح المطلق و الأخوَين النُجييفي و طارق الهاشمي و غيرهم من الذين لا يزالون يحلمون بعودة صرحهم المنهار و أمجادهم الماضية و كذلك أموال ملالي إيران التي دفعوها للأحزاب الدينية الشيعية و تسخير وسائل إعلام الحكومات المساندة لتلك الكيانات و الأحزاب العراقية في خدمة عملائهم العراقيين. بهذه الأموال الطائلة قد إستطاعوا أن يشتروا ذمم مسئولي المفوضية العليا للإنتخابات و المشرفين على عملية إجراء الإنتخابات و حصر غالبية العاملين في المفوضية على المنحازين للقائمة العراقية و قائمة السيد نوري المالكي، حيث كانت أكثرية المشرفين على العملية الإنتخابية هم من البعثيين و أعضاء في حزب الدعوة الإسلامية التي يرأسها السيد المالكي. إن التفاوت في الإمكانيات المالية و الدعائية و السلطوية بين الكيانات السياسية أحدث خللاً في التنافس المتكافئ بين تلك الكيانات السياسية المشاركة في الإنتخابات التشريعية و الذي يعني إعطاء أرقام خاطئة للأصوات الحقيقية للمواطنين التي كانت من المفروض أن تنالها الكيانات السياسية المختلفة. بالإضافة الى القيام بعمليات تزوير واسعة خلال هذه الإنتخابات و التي تعني عدم إحترام المزوّرين لإرادة الشعب العراقي و عدم إيمانهم بالديمقراطية. خلاصة القول أنه يستحيل إجراء إنتخابات نزيهة و شفافة و ذات مصداقية، سواء كانت إنتخابات برلمانية أو رئاسية أو بلدية، في المجتمعات المتخلفة، مثل المجتمع العراقي. كما أن وضع دساتير متطورة لهذه المجتمعات لا يعني شيئاً لأنّ المجتمعات القبلية و العنصرية و الطائفية لا تلتزم بمواد الدستور بأي شكل من الأشكال.
لو كان السياسيون العراقيون يؤمنون بالنظام الديمقراطي و يحترمون الدستور، لَكانوا يفتحون المجال للسيد إياد علاوي، الذي حازت كتلته على أعلى عدد من المقاعد البرلمانية، بالقيام بمحاولة تشكيل حكومة عراقية جديدة و لَكانوا لا يحتاجون الى الدخول في فراغ سياسي كل هذه الفترة الطويلة. إن تكليف السيد علاوي بتشكيل الحكومة لا يعني بأنه سيصبح رئيساً للوزراء، لأنه يحتاج الى أصوات نصف أعضاء البرلمان العراقي زائداً واحد، أي 163 صوتاٌ من مجموع أعضاء البرلمان العراقي البالغ 325 عضواً. إذن يجب على السيد علاوي تأمين ذلك العدد من الأصوات ليصبح رئيساً للوزراء و الذي بدون أعضاء قائمة السيد نوري المالكي و المؤتمر الوطني اللتين حصلتا معاً على 159 مقعداً برلمانياً، يحتاج السيد علاوي أن يحصل على تأييد كافة الكتل السياسية الأخرى الفائزة في الإنتخابات البرلمانية إذا أراد تشكيل حكومة لا تشارك فيها كتلتا المالكي و الإئتلاف الوطني، و سيكون من شبه المستحيل تمكنه من الحصول على تأييد كافة تلك الكتل السياسية. من جانب آخر، فأن فترة تكليف القيام بتشكيل الحكومة هي فترة محددة حسب الدستور العراقي (أعتقد أنها شهر واحد) و إذا فشل المكلَّف بتشكيل الوزارة في مهمته خلال تلك الفترة الزمنية التي يحددها الدستور، فأنه يتم تكليف مرشح القائمة التي لها ثاني أكبر عدد من أعضاء البرلمان و الذي في هذه الحالة هو السيد نوري المالكي.
هنا أحب الإشارة الى أن القيادات الكوردستانية و الشيعية قد إرتكبوا خطأً خطيراً لا يُغتفر حينما سمحوا، منذ بداية سقوط نظام صدام حسين، للرموز البعثية العنصرية، من أمثال السادة إياد علاوي و طارق الهاشمي و الأخوَين النُجيفي و صالح المطلك و ظافر العاني و غيرهم، بالمشاركة في الحكم، بل تبؤ مناصب قيادية و مهمة في الدولة. هؤلاء الى يومنا هذا يمجدون حزب البعث ولا يدينون الجرائم الرهيبة التي إقترفها حزب البعث بحق الشعب العراقي و بحق البشرية جمعاء. بكل أسف فأن كثيراً من المثقفين و الكُتّاب لا يستوعبون الخطر الذي يُشكله الفكر البعثي العنصري الذي يفوق الفكر النازي في عنصريته و عنفه و وحشيته و بدأوا بترديد مقولة حكام العراق الجدد النظام البعثي الصدامي بدلاً من النظام البعثي و كأنما فكر حزب البعث هو فكر إنساني متحضر، و أن صدام حسين قام بتحريفه. طيب، ها هو الفكر البعثي الإجرامي نفسه يحكم في سوريا و صدام حسين لم يكن حاكماً هناك. لم يكن صدام حسين سوى عضو بسيط في صفوف حزب البعث عندما إقترف حزب البعث جرائم رهيبة، من قتل و إبادة، بعد تسلمه الحكم في سنة 1963. من المهم جداً العمل على إستئصال الفكر البعثي و التعامل معه كما يتم التعامل مع الفكر النازي.
كان على القيادات الشيعية و الكوردية الحاكمة التي إستلموا السلطة بعد زوال الحكم البعثي في العراق، إشراك قوى سنية غير بعثية و معتدلة في الحكم و التي تُدين جرائم حزب البعث و تؤمن بالنظام الديمقراطي. إن الأطراف المؤتلفة في الكتلة العراقية التي يقودها السيد إياد علاوي تجمعها أفكار حزب البعث و العنصرية العروبية و هدفها هو الإستيلاء على الحكم و الإنفراد به و أن الحكومات العربية السُنيّة و الحكومة التركية تساندها بكل قوة لتحقيق هذا الهدف لإبعاد الشيعة و الكورد عن الحكم و النفوذ في العراق. إن هؤلاء لا يؤمنون مطلقاً بالديمقراطية، و إنما يستغلون الوسائل الديمقراطية المتاحة في العراق لتحقيق هدفهم في الإستيلاء على الحكم و إحتكاره تماماً كما فعل حزب البعث عندما إستلم الحكم في عام 1968، حيث في بداية حكمه، عندما كان ضعيفاً و غير مسيطراً على الوضع في العراق بشكل كامل و مطمئن، تحالف، كتكتيك مع قيادة الثورة الكوردستانية و الحزب الشيوعي العراقي الى أن قاموا بتثبيت حكمهم فقاموا حينئذ بنكث الإتفاقات التي أبرموها معهما و بضرب الحركة الكوردية و الحزب الشيوعي. لذلك فأن هؤلاء يشكلون خطراً كبيراً على النظام العراقي الجديد و خططهم ترمي الى التسلل الى الجيش و القوى الأمنية ليكونوا قادرين على القيام بإنقلاب عسكري للإستيلاء على الحكم في العراق. صحيح، أن الظروف في العراق و العالم تختلف الآن عما كانت في سنة 1968 عندما إستولى البعثيون على السلطة، إلا أنهم سيقومون بتخريب العملية السياسية في العراق و يشعلون نار حرب أهلية مدمرة بأموال النفط السعودي و دعم الحكومات الخليجية الأخرى و الحكومة التركية و المصرية و الأردنية و التي قد تتحول الى حرب إقليمية شيعية – سُنيّة (بين إيران و حلفائها من جهة و السعودية و مصر و الأردن و تركيا من جهة أخرى) و يكون العراق الساحة الرئيسة لتلك الحرب الكارثية.
نتيجة التنوع القومي و المذهبي في العراق و طبيعة العوامل التي تتحكم بالعلاقات التي تربط هذه المكونات ببعضها، فأن هناك خياراً وحيداً أمام السياسيين في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وهو تشكيل حكومة (شراكة) بين العرب الشيعة و العرب السُنّة و الكورد. لا يوجد خيار آخر غيره. بدون الشيعة الذين يؤلفون حوااي 60% من نفوس العراقيين، لا يمكن أن تنجح أي حكومة يتم تشكيلها لأسباب عديدة، إضافة لكونهم الأكثرية، فأن الظروف قد تغيرت الآن مقارنة بالعهود السابقة، حيث أنهم الآن يمتلكون قوات عسكرية و لديهم الأسلحة و يحكمون مناطقهم بأنفسهم و كما أن الحكومة الإيرانية لا تقف مكتوفة الأيدي في حالة إبعاد حلفائهم عن الحكم. بالنسبة للعرب السُنّة، في حالة إبعادهم عن المشاركة في الحكم فأنهم سيكثفون من عملياتهم الإرهابية و بدعم من الحكومات الإقليمية السنية [حكومات آل سعود و (تركيا) و الأردن و مصر]. كما أنه نتيجة العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة الأمريكية و إيران، فأن أمريكا لا تريد أن يتمتع الشيعة بنفوذ كبير في العراق. أما إبعاد الكورد عن المشاركة في الحكم فأنه يعني الإقدام على قطع العلاقات بين الحكومة العراقية و حكومة كوردستان و بالتالي إستقلال هذا الإقليم الكوردستاني.
من هنا نرى أن نتائج الإنتخابات في العراق ليست لها أهمية كبيرة لأن في حالة الإصرار على الوحدة القسرية بين العرب السُنّة و الشيعة و الكورد و جمعهم في دولة واحدة ستؤدي الى تقاسم السلطة بين هذه المكونات المتنافرة التي لا تجمعها أهداف و مصالح و ثقافة مشتركة و بذلك يتم إنبثاق حكومة متخاصمة هزيلة فاسدة و كل الفرقاء يكونون من الخاسرين، حيث تستمر العمليات الإرهابية من قِبل القوى العربية السُنيّة لأنها لا ترضى بغير الإستحواذ على السلطة المطلقة في العراق كما كانت تتمتع بها منذ حوالي 14 قرناً و ستقاتل في سبيلها الى النهاية، بدعم من الحكومات الإقليمية السُنيّة. من جهة ثانية سيستمر نظام الملالي في طهران بعملياتهم الإرهابية في العراق لمواصلة نفوذهم فيه و ضمان مصالحهم، حيث أن العراق قد أصبح ساحة صراع مصالح و لحرب مذهبية إقليمية. في حالة الإصرار على إكراه الشعوب في العراق على العيش المشترك بدون أن تربطها مشتركات ثقافية و تأريخية و إجتماعية و إقتصادية، حيث لم تتمكن هذه الشعوب منذ إنشاء الدولة العراقية قبل حوالي 90 عاماً و خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة أن تندمج في بوتقة واحدة تجمعها أهداف و مصالح مشتركة و علاقات المواطنة المتكافئة، سيعيش العراقيون في تحارب و قتال ضد بعضهم البعض بالنيابة عن الحكومات الإقليمية و يقومون بسفك الدماء و تخريب الإقتصاد، حيث ينتشر الفقر و المرض و البطالة. منذ تأسيس الدولة العراقية الى يوم تحرير العراق من قِبل القوات الأمريكية، فأن المكونات العراقية كانت (موحّدة) بالقوة و البطش و الإرهاب، أو بالأحرى كان العرب السُنّة يستحوذون على الحكم و خيرات العراق و الشيعة و الكورد كانوا مُستعبَدين و مضطهَدين على أرض يعيشون عليها منذ ما قبل التأريخ، في حين كان الغرباء الذين إستحوذوا على الحكم في العراق كانوا يعيشون آنئذ في الجزيرة العربية.
إن الصراع الدائر على الساحة العراقية هو صراع مصالح بين كل من الولايات المتحدة و الحكومات السُنّية في المنطقة و خاصة كل من السعودية و (تركيا) و مصر و الأردن و الدول الخليجية الأخرى من جهة و بين الحكومة الإيرانية و حلفائها من جهة أخرى، حيث تلتقي مصالح الأمريكان مع مصالح الحكومات المتحالفة معها في جوانب تختلف من حكومة الى أخرى تبعاً للأجندة المختلفة لتلك الحكومات فيما تخص الحكم في العراق و المعادلات المذهبية و القومية بين المكونات السكانية العراقية.
رغبة الحكومة الأمريكية في مشاركة حزب البعث في الحكم في العراق، فأنها تعود لأسباب عديدة، أهمها هي مواجهة النظام الإيراني الذي يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة و يهدد الأمن القومي الإسرائيلي من خلال طموحه بالحيازة على السلاح النووي و ذلك من خلال تهميش نفوذ الأحزاب الدينية الشيعية الموالية لإيران أو المتعاطفة معها في العراق و إستقواء العرب السُنّة الذين يتحالفون مع الحكومات السُنّية في المنطقة ضد النظام الإيراني. كما أن الولايات المتحدة بسماحها للبعثيين بالمشاركة في الحكم يُراد منها تحييد أكبر عدد ممكن من البعثيين الذين يحملون السلاح ضد الوجود الأمريكي في العراق و ذلك لمنع تحالفهم و تعاونهم مع الإرهاب الدولي المتمثل بالقاعدة و لتقليل خسائر الأمريكيين في العراق و التمكن من سحب قواتهم من العراق حسب الخطة الموضوعة، و خير مثال على ذلك هو نجاح الأمريكيين بكسب قوات الصحوة الى جانبهم و التي كانت في السابق تحمل السلاح ضدهم. لا يخفى بأن القوات الأمنية للنظام السابق متدربة و تمتلك خبرات جيدة و التي تستطيع خدمة الأهداف الأمريكية، بعكس القوات الأمنية و العسكرية العراقية الحالية التي تفتقد الى الخبرة و المهنية العالية و مقسّمة على نفسها، حيث تتوزع ولاءاتها على أسس طائفية و قومية و حزبية و مناطقية و شخصية و بذلك تكون عاجزة عن حماية المصالح الأمريكية في المنطقة. قد تكون الضغوط التي واجهتها الحكومة الأمريكية من قِبل الحكومات السُنّية في المنطقة، وخاصة الحكومة السعودية و التركية قد لعبت دوراً في رغبة الولايات المتحدة الى إعادة البعثيين الى الساحة السياسية العراقية و إعادة نفوذهم من جديد. لا شك أن عجز القيادات الشيعية و الكوردستانية في السيطرة على الوضع الأمني في العراق بعد تحرير العراق من قبضة البعثيين و فشل هذه القيادات في إرساء نظام ديمقراطي و إنتشار الفساد المالي و الإداري في العهد الجديد و تناحر القوى الحاكمة، قد خيّبت آمال الأمريكيين في الحكام الجدد و إضطرتهم الى البحث عن قوى عراقية أخرى منسجمة فيما بينها و مع الحكومات الإقليمية الحليفة لأمريكا و المعادية للحكومة الإيرانية و البعثيون هم من الفصائل التي تتمتع بهذه المواصفات.
بالنسبة الى الحكومات الإقليمية، فأن حكومة آل سعود تحتل جزء من بلاد الشعب الشيعي و أن بترولها يتدفق من ذلك الجزء المحتل، بالإضافة الى مذهبها الوهابي الذي يفرض معتقداته المتخلفة على الآخرين بالإرهاب و العنف. لهذين السببين فأن الحكومة السعودية تشعر بأن عرشها مهدد بمشاركة الشيعة في حكم العراق ولعب دور رئيس في إدارة البلاد. كما أن الحكومة السعودية تقف ضد تطلعات الشعب الكوردستاني في إقليم جنوب كوردستان في الحرية و االمشاركة في حكم العراق لأنها تعتبر جنوب كوردستان أرضاً عربية و أن تحرر كوردستان و إستقلالها أو حتى الحرية النسبية التي يتمتع بها شعب كوردستان ستكون تهديداً لعرش العائلة السعودية، حيث أنها ستؤدي الى تغيير جذري في التوازن السياسي في منطقة الشرق الأوسط. كما أن تقدم العراق و إستقراره سيؤديان الى زيادة هائلة لإنتاج نفطه و سيصبح دولة رئيسة في المنطقة التي ستلعب دوراً هاماً في التوازنات الإقليمية في المنطقة و التي بدورها ستؤثر على الإقتصاد السعودي و الأهمية السعودية االنفطية العالمية على الإقتصاد العالمي. كما أن التعددية السياسية و نظام تداول السلطة تشكلان خطراً على إدامة حكم آل سعود.
من أولويات أهداف الحكومة التركية، بعكس الحكومات العربية السُنيّة، هي حرمان شعب كوردستان من التمتع بنفوذ في العراق و سعيها لإلغاء النظام الفدرالي في العراق ليعود الحكم المباشر لإقليم جنوب كوردستان من قِبل الحكومة العراقية، كما كانت في العهود السابقة. هكذا تعمل الحكومة التركية جاهدةً على محو النفوذ الكوردي في العراق و النظام الفدرالي العراقي الذي يتمتع في ظله شعب كوردستان بحقه في إدارة إقليمه بحُريّة نسبية. حسب التقديرات، تبلغ نفوس الكورد في إقليم شمال كوردستان أكثر من 25 مليون نسمة. لذلك فأن تمتع الكورد في إقليم جنوب كوردستان بحقوقهم سيؤثر سلباً على الحكومة التركية التي تًحرم الكورد في الجزء الذي تحتله من كوردستان من أبسط حقوقهم الإنسانية و السياسية و الإقتصادية و الثقافية و القومية. إحجام النفوذ الشيعي في العراق يحتل المرتبة الثانية من الأهمية بالنسبة للحكومة التركية، حيث أنها تتحالف مع الحكومات العربية السُنيّة في المنطقة لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة لأسباب مذهبية و تأريخية و سياسية و إقتصادية. المبادرات و التحركات التركية، مثل التظاهر بمعاداة إسرائيل و إرسال السفن المحملة بالمساعدات الى قطاع غزة، ماهي إلا حلقة من حلقات البرنامج الموضوع إسرائيلياً و أمريكياً و أوربياً ل(تركيا) للقيام بتنفيذه للحد من النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، و حصول (تركيا) على نفوذ و شعبية في الأوساط العربية و الإسلامية بشكل عام و الفلسطينية بشكل خاص لإحلال الإسلام التركي المعتدل محل الإسلام الإيراني المتطرف لأدجنة المنظمات الفلسطينية و خاصة حماس و تشجيع تطوير العلاقات التجارية بين (تركيا) و الحكومات العربية. كما أنه من المفيد التنويه بأن (تركيا) عاجزة تماماً عن معاداة إسرائيل، حيث أنها، بدون الدعم السياسي و الإقتصادي و العسكري الإسرائيلي و الأمريكي ستنهار (تركيا) ككيان سياسي و سيتحرر إقليم شمال كوردستان من الإحتلال التركي.
التعددية السياسية و نظام تداول السلطة تشكلان خطراً على النظام المصري و الأردني. صعود النجم الشيعي و الكوردي في العراق سيخلخل العرش الأردني و يؤدي الى تهميش الدور الأردني في المنطقة و الى تدهور إقتصادها الضعيف. كما أن مصر التي تعاني من مشاكل إقتصادية خطيرة، تطمح الى عودة الحكم السُني في العراق لتصدير قواها البشرية الى العراق من جديد و جعل العراق سوقاً رائجة لمنتوجاتها، كما كان الحال في زمن المقبور صدام حسين. هذا النظام الجديد في العراق و تحالفاته الإقليمية و الدولية تؤدي الى إنحسار الدور الذي تلعبه مصر كدولة كبيرة في المنطقة.
[1]