التحديات التي يواجهها شعب كوردستان في ظل الصراع الطائفي في العراق والمنطقة وخيارات التصدي لها -1-
د. مهدي كاكه يي
1. التحديات التي تواجه شعب كوردستان في ظل الصراع الطائفي في المنطقة
إن الأحداث التي يمر بها العراق هي إنعكاس مباشر للصراع الطائفي بين السُنّة والشيعة الذين يحملون العداء لبعضهم البعض منذ ظهور الدين الإسلامي. بسبب هذا الصراع الطائفي تمّ قتل الملايين من البشر من الجانبَين عبر تاريخهم الدامي. هكذا فأن الصراع السُنّي – الشيعي ليس وليد اليوم كما يزعم البعض، بل أن هذا الصراع مستمرٌ منذ 1400 سنة وسيستمر الى أن تتطور المجتمعات الإسلامية وينحصر دور الدين على المساجد والحسينيات ويصبح الدين عبارة عن علاقة روحية بين الإله والفرد، بعيداً عن إستغلاله لأهداف سياسية وللإستحواذ على السلطة والثروة وللحصول على الشهرة.
اللاعبون السُنّة الرئيسيون في المنطقة هم الحكومات السعودية والتركية وحكومات الخليج الميدي (الفارسي) الأخرى والحكومة المصرية والأردنية. الحكومة الإيرانية هي اللاعبة الرئيسة التي تُمثّل الشيعة في المنطقة والعالم وتدور في فلكها الحكومات السورية والعراقية وحزب الله اللبناني. فالصراع الحقيقي الحالي الناشئ بين الشيعة والسُنّة هو صراع بين هاتَين الجبهتَين المعاديتَين و الأحداث الجارية في العراق حلقة من حلقات هذا الصراع.
بالنسبة الى الجبهة السُنية، فأن النظام السعودي والأنظمة الخليجية الأخرى هي مصادر تمويل للقوى السُنّية التي تحارب الحكومة العلوية في سوريا والحكومة الشيعية في العراق وتقوم هذه الأنظمة أيضاً بتسليح وتدريب المحاربين السُنّة، بينما حكومة تركيا والأردن تقومان بتدريب هؤلاء المحاربين وتقديم مساعدات إستخباراتية ولوجستية لهم. الحكومة المصرية مشغولة الآن بمشاكلها الداخلية، إلا أنه بعد إستقرار الوضع فيها، ستصبح مصر مصدراً رئيسياً لتمويل الجبهة السُنّية بالمقاتلين والمعلومات الإستخباراتية والقيام بمُهمّات التدريب.
بالنسبة الى الجبهة الشيعية في المنطقة، فأن إيران تقود هذه الجبهة وتتحمّل معظم النفقات المالية و الإحتياجات البشرية وعمليات التدريب و تجهيز الأسلحة والمعدات العسكرية والمساعدات اللوجستية و الإستخباراتية والإعلامية التي يحتاجها هذا الصراع ويأتي العراق في المرتبة الثانية في إدارة هذا الصراع، حيث أنه بلد غني بالنفط وذو نسبة سكانية عالية.
إن موقف الحكومات الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك موقف إسرائيل من الصراع الطائفي في المنطقة، هو إستمرار هذا الصراع لإستنزاف القوى البشرية والموارد المالية الإيرانية و موارد البترول للدول الخليجية كما حصل بالنسبة للحرب الإيرانية – العراقية التي حصلت في الثمانينات من القرن المنصرم، حيث دامت هذه الحرب لمدة ثماني سنوات. من خلال إندلاع الحروب السُنّية – الشيعية في المنطقة، فأن الدول الغربية وإسرائيل تهدف أيضاً الى القضاء على أكبر عدد ممكن من الإرهابيين السُنّة وأفراد الميليشيات الشيعية. خير مثال على ذلك هو تفرّج الدول الغربية وإسرائيل على الحرب الدائرة في سوريا التي تقوم بإستنزاف القوى البشرية والمادية الإيرانية والسورية والقوى البشرية لحزب الله وفي نفس الوقت يتم قتل الإرهابيين السُنّة على أيدي القوات العلوية والشيعية. هكذا بدأ إستنساخ السيناريو السوري في العراق. تدع الدول الغربية إستمرار هذه الحروب الطائفية في المنطقة بحيث لا تُشكّل خطراً على المصالح الغربية ولا تؤثر على تدفق البترول من المنطقة الى الغرب. إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد إنفراد الشيعة بالحكم في العراق والذي يؤدي بدوره الى زيادة قوة ونفوذ إيران في المنطقة، بل تعمل على خلق توازن للقوى الشيعية والسُنّية في هذا البلد وفي منطقة الشرق الأوسط.
إلقاء نظرة على المجتمعات العراقية، يتبين بأنها لا تزال عبارة عن مجتمعات زراعية ذات بُنية قبلية و يلعب الدين والطائفة دوراً مركزياً في حياتها، حيث لا تزال العائلة والقبيلة هي السائدة وتراكمات العقائد الدينية والمذهبية لا تزال مترسخة في عقول الغالبية. لذلك فأن العائلة والقبيلة ورجل الدين هم الذين لا يزالون يديرون البلاد ويحتكرون الحكم والسلطة والثروة وأنّ ما تتم من عمليات إنتخابية تشريعية وبلدية وسن دساتير عراقية، ماهي إلا إجراءات صورية لا تصمد أمام سيادة الثقافة الدينية والطائفية والقبلية السائدة في المجتمعات العراقية. لهذا السبب لا يمكن نجاح أنظمة ديمقراطية في العراق، بل لا تنجح مثل هذه الأنظمة في كافة المجتمعات المتأخرة إجتماعياً وفكرياً. تأكيداً على ذلك، هو الفتوى التي أفتى بها المرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني بالجهاد ضد الإرهابيين. هذه الفتوى الدينية الملزَمة للطائفة الشيعية في العراق، تُثبت بؤس النظام السياسي العراقي وغياب دور الهيئات التشريعية والقضائية والتنفيذية العراقية في إتخاذ القرارات الهامة. أين هو دور البرلمان العراقي الذي يُمثّل الشعوب العراقية من إعلان الحرب في البلاد وإتخاذ قرارات خطيرة تخص هذه الشعوب؟إ من هنا يتبين بأن صلاحيات المرجعية الدينية هي صلاحيات مطلقة وأن ممثلي الشعوب العراقية في البرلمان المنتخبين لا دور لهم في إتخاذ قرارات مهمة، مثل إعلان الحرب.
إن فتوى المرجعية الشيعية الدينية بحمل السلاح هي إعلان حرب وضمنياً أنها إعلان حرب طائفية، حيث أن الشيعة لوحدهم ملزَمون شرعاً بإطاعة وتنفيذ أوامر المرجعية المذكورة. بذلك تم خلق جيش رديف للجيش النظامي العراقي، كما تقول الحكومة العراقية. في الحقيقة أن هذا الجيش الرديف ليس جيشاً بل هو عبارة عن ميليشيات شيعية التي ستصبح القوة العسكرية المهيمنة في العراق وسيتم تهميش الجيش العراقي النظامي وإضعافه وسيكون دوره هامشياً. يتمّ تأسيس هذا الجيش الشيعي الرديف على غرار الحرس الثوري الإيراني (پاسداران) وأعتقد أن قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني المتواجد حالياً في بغداد، هو صاحب فكرة تأسيس هذا الجيش على غرار ما هو موجود في إيران. أين موقع العرب السُنّة والكوردستانيين في مثل هذا الجيش الرديف الذي يتألف من الشيعة فقط؟! هذه الإجراءات زادت من الصراع الذي كان موجوداً بين الشيعة والسُنّة والكوردستانيين و عمّقت التنافر والصراع بينها، وهي إنقلاب على العملية السياسية في العراق وتفرّد للأحزاب الإسلاموية الشيعية بالحكم في العراق وأن هذه الإجراءات جرّدت السُنّة والكوردستانيين من التمتع بأي دور في حكم العراق. هكذا أصبح من المستحيل أن تعيش هذه الشعوب ضمن كيان سياسي واحد إسمه العراق.
من جهة أخرى، قال السيد السيستاني، في بيان صادر عن مكتبه بأن: على جميع المواطنين ولاسيما في المناطق المختلطة ان يكونوا بأعلى درجات ضبط النفس في هذه الظروف الحرجة، حيث ناشد السيستاني العراقيين أيضاً على الإبتعاد عن أيّ تصرف ذي توجه قومي أو طائفي يسيء الى وحدة النسيج الوطني للشعب العراقي. هذا البيان الصادر عن السيستاني لسكان المناطق المختلطة مذهبياً وقومياً هو إشارة واضحة بأنه لا يعترف بحق شعب كوردستان في تقرير المصير ويؤمن بوحدة العراق عندما يقول: الإبتعاد عن أيّ تصرف ذي توجه قومي أو طائفي يسيء الى وحدة النسيج الوطني للشعب العراقي. كما أنه ذكر مصدر في مكتب المرجعية الشيعية العليا لوكالة كل العراق[اين] بان المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني طالب برفع صورته من القنوات الفضائية ووضع خارطة العراق مكانها. هذا تأكيد آخر على إلتزام السيستاني بالوحدة القسرية بين الشعوب العراقية ووقوفه ضد إرادة شعب كوردستان في الحرية والإستقلال.
مما تقدم، فأن المرجعية الدينية الشيعية والأحزاب الإسلاموية الشيعية لا تعترف بحقوق الشعب الكوردستاني في الحرية والإستقلال ورغم الحرب الأهلية التي يعيشها العراق الآن، فأن المالكي وأعضاء حزبه ووسائل إعلامه يهددون شعب كوردستان ويتوعدون بِغزو إقليم جنوب كوردستان بعد أن ينجحوا في حربهم على العرب السُنّة في العراق وأن الصحفيين والكُتّاب المأجورين من قِبل المالكي من المستعربين الشيعة، لقاء حفنةٍ من الدولارات المنهوبة من ثروات الشعوب العراقية، يقومون بِشن هجوم إعلامي شرس، ملئ بالكذب والدجل ومشبّع بالشوفينية والحقد الأعمى ضد شعب كوردستان لِتخويفه وإستعباده من جديد، دون أن يعلم هؤلاء بأن الدنيا قد تغيرت وموازين القوى في العراق والمنطقة قد تغيّرت وأن الشعب الكوردستاني سائر في طريقه نحو الحرية والإستقلال وسيتمكن من تحرير أرضه التاريخية من دنس الإحتلال والإستيطان. يذكر هؤلاء بأن الكوردستانيين يسرقون نفط العراق وأنهم إحتلوا كركوك. منذ تأسيس الكيان العراقي، تشتري الحكومات العراقية الأسلحة الفتاكة بِواردات النفط الكوردستاني في كركوك وتُبيد بها شعب كوردستان وتهدم مدن كوردستان وقراها. الموارد الطبيعية في كوردستان هي ملك لشعب كوردستان وكفى سرقة ونهب خيرات كوردستان من قِبل المحتلين. مدينة كركوك بناها أسلاف الكورد الخوريين في حوالي 3000 سنة قبل الميلاد وفي ذلك الوقت لم يكن أي وجود للعرب في بلاد ما بين النهرين. لذلك فأن قوات الپيشمَرگة لم يحتلوا كركوك بل حرروا مدينتهم من الإحتلال.
يرتبط الشعبان الشيعي والكوردي بأواصر الدم والقرابة، حيث أنهما أحفاد السومريين الذين كانوا يعيشون في منطقة سلسلة جبال زاگروس الكوردستانية، قبل أن ينزحوا الى جنوب بلاد ما بين النَهرين. بالإضافة الى صلة الدم والقرابة بين الشعبَين، فأنهما يشتركان في الظلم والإبادة اللتَين تعرضا لهما عبر تاريخهم المخضب بالدماء ولذلك يجب أن يجمع هذين الشعبَين خندق واحد للتنسيق والتعاون فيما بينهما ضد مؤامرات الأعداء لبناء حياة حرة كريمة لهما، إلا أن الأحزاب الإسلاموية الشيعية تحاول تخريب هذه العلاقة التاريخية بين الشعبَين الشقيقَين. محاولات بث الفرقة بينهما من قِبل الأحزاب الإسلاموية الشيعية ناتجة عن تبعية هذه الأحزاب للنظام الإيراني الذي يحتل جزءً من كوردستان ويقف هذا النظام والأنظمة الأخرى المحتلة لكوردستان، بوجه تطلعات الشعب الكوردستاني نحو الحرية والإستقلال.
أما موقف عنصريي العرب السُنّة من شعب كوردستان، فهو معروف، حيث أن عمليات الأنفال والمقابر الجماعية وإستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعب كوردستان وتهجير أعداد هائلة من هذا الشعب الى خارج كوردستان وتعريب وتخريب كوردستان، شواهد على محاولتهم لإزالة وجود الشعب الكوردي وإلغاء هويته ولغته وتاريخه وتراثه.
إن المجموعات المسلحة التي تقاتل الحكومة العراقية والتي سيطرت على مدينة الموصل وتكريت وغيرهما، هي مجموعات بعثية بشكل رئيس وبأسماء مختلفة، تعمل تحت ستار الدين لإخفاء هوية حزب البعث بسبب دمويته وإجرامه وتاريخه الأسود. إن حزب البعث له إمكانيات مالية ضخمة بسبب تخصيص نسبة من واردات النفط لحزب البعث خلال حكمه للعراق، حيث قاموا بإدخار هذه الأموال في البنوك الغربية وإستثمارها في مختلف بقاع العالم لإستخدامها في إستلام الحكم في العراق فيما لو فقدوا السلطة في هذا البلد. كما أن حزب البعث حكم العراق لمدة 35 سنة وكان جميع ضباط الجيش والشرطة أعضاء في حزب البعث، لذلك فأن لهم كوادر إستخباراتية وعسكرية محترفة وذات خبرات عالية بالإضافة الى كَون البعثيين دمويين، يستخدمون القوة والإجرام والبطش والتهديد وكل الوسائل الأخرى المتاحة لتحقيق أهدافهم. هكذا نرى شعب كوردستان يعيش في ظل ظروف حرجة، يُعاديه حزب البعث والإرهابيون والأحزاب الإسلاموية الشيعية وعليه أن يضع إستراتيجية وخطة عمل للحفاظ على وجوده وتحقيق أهدافة في حياة حرة كريمة.
خلال الحرب الأهلية الجارية في العراق بين السُنّة والشيعة، فأن سكان إقليم جنوب كوردستان بشكل خاص وشعب كوردستان بشكل عام يمرون بظروف إستثنائية، تتطلب القيام بأعمال إستثنائية ونضال خاص للحفاظ على وجودهم كشعب وأمة عريقة ولتأمين حرية وإستقلال كوردستان. هذه الأعمال الإستثنائية سيتم الحديث عنها في الحلقة القادمة.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]