إقليم جنوب كوردستان و العولمة و تطورات المنطقة -1-
د. مهدي كاكه يي
إن العولمة و ثورة المعلومات و الإتصالات جعلت من عالمنا الكبير مجرد قرية صغيرة، سكانها في إتصال متواصل، يتبادلون المعلومات بسرعة و سهولة و يتلقون أخبار الأحداث الجارية في كل بقعة من بقاع كرتنا الأرضية حال حدوثها. الشركات و الإستثمارات العالمية بدورها قد تخطت الحدود المرسومة بين الدول، بل أزالتها و جعلت منها ساحة موحدة لنشاطاتها و عملياتها. العولمة غيّرت الكثير من المبادئ و القيم و المفاهيم و المصطلحات التي كنا نؤمن بها و نظن بأنها خالدة لا تموت. مفاهيم السيادة الوطنية و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، رغم قيام الحكومات الشمولية بإبادة شعوبها و نهب ثروات بلدانها دون أن تُحاسِبها منظمة الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان و الدول الديمقراطية، هي الأخرى قد تغيّرت، و خاصة بعد زوال فترة الحرب الباردة، حيث بدأت منظمة الأمم المتحدة و منظمات المجتمع المدني و حكومات الدول الديمقراطية تتدخل لإنقاذ الشعوب المضطهَدة من قِبل حكوماتها الشمولية المتخلفة. بالإضافة الى أن إضطهاد الشعوب هو جريمة بحق البشرية كلها، فأنه يؤثر أيضاً سلباً على إقتصاد قريتنا الكونية و على الحالة الإجتماعية لسكان كوكبنا الأرضي. هكذا غيّرت هذه الثورات التكنولوجية الحياة على الكرة الأرضية و أحدثت ثورة سياسية و إجتماعية و إقتصادية و ثقافية و فكرية عظمى و لا يمكن لأية قوة في العالم إيقاف هذه الثورة الإنسانية أو حجب تأثيراتها على الأفراد و الشعوب على السواء.
إقليم جنوب كوردستان يُشكّل جزءً صغيراً من العالم و لا يزال رسمياً عبارة عن مقاطعة تابعة للدولة العراقية، أي أن حكومة واحدة لا تنفرد بحكم الإقليم و إنما كل من الحكومة الكوردستانية المحلية و الحكومة العراقية الإتحادية تحكمان الإقليم و تصدران التشريعات و القوانين و القرارات و تعقدان الإتفاقيات التي تؤثر على حياة سكان الإقليم و تجعل الإقليم مجالاً أكثر إنفتاحاً في تلقي تأثيرات العولمة، قياساً بالشعب المحكوم من قِبل حكومة شمولية واحدة تحاول حجب المعلومات و الحقائق عن شعبها. بكلام آخر فأن سكان إقليم كوردستان يتأثرون بشكل كبير بالعولمة و ثورة الإنترنت و الفضائيات و الموبايل و الإستثمارات و إنتقال رأس المال و الشركات الأجنبية. كما أن شعب كوردستان يعاني من الإحتلال و الإستيطان و التقسيم و التجزئة منذ قرون طويلة و هذا ما يدفع الشعب الكوردستاني الى تقبّل التطورات الجارية و الترحيب بالتغييرات المحلية و الإقليمية و العالمية و الهادفة الى إنشاء أنظمة سياسية ديمقراطية و تمتّع الشعوب و الأفراد بحق تقرير المصير. هكذا فأن شعب كوردستان قد بدأ يتغير فكرياً و سياسياً و ثقافياً و أنه مُقبل على تغيّرات أساسية كبرى لا يمكن إيقافها أو عرقلتها. هذه التغيّرات هي نتاج العولمة و لا علاقة لها بظهور منظمات و أحزاب كوردستانية جديدة على الساحة الكوردستانية لأن هذه المنظمات و الأحزاب نفسها هي من إفرازات العولمة و أنها جزء من التغييرات التي تُحدثها العولمة. إذن التغيّرات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية و الفكرية الناتجة عن العولمة بدأت تحدث في الإقليم الجنوبي لكوردستان و ستستمر هذه التغيّرات و لا يمكن لجهة ما أن تقف في طريقها. عليه ينبغي أن يخطط سكان الإقليم و يُنظم حياتهم على ضوء هذا الواقع الجديد الذي سيُزيل الأنظمة الإجتماعية العشائرية و السياسية المتخلفة للمجتمع الكوردستاني و يستبدلها بنظام ديمقراطي، يرتكز على العلمانية و حكم المؤسسات و القانون و حرية التملك و التعبير و المعتقد.
النضال الكوردستاني من أجل الحرية و الإستقلال هو نضال صعب و يواجه معوقات كثيرة، حيث أن كوردستان محتلّة من قِبل عدة دول و التي تُشكّل جغرافياٌ طوقاً حول كوردستان و بذلك تكون كوردستان تحت حصار الدول المحتلة لها. كما أن الدول المحتلة تتعاون فيما بينها لإدامة إحتلالها لكوردستان و فرض واقع الإحتلال على الشعب الكوردستاني. من جهة أخرى، فأن المجتمع الكوردستاني هو مجتمع متخلف، لا تزال العشائرية و الطائفية تنخر جسده. كما أن تجزئة الشعب الكوردستاني و وقوعها تحت إحتلال عدة دول، قد قادت، الى حد ما، الى إختلافات في مسار التطور الإجتماعي و الثقافي و الفكري و الإقتصادي بين سكان الأقاليم الكوردستانية المختلفة. قبول الغالبية العظمى من الأحزاب السياسية الكوردستانية بأن كل إقليم من الأقاليم الكوردستانية هو جزء من الدولة التي تحتل ذلك الإقليم، جعلت القضية الكوردستانية قضية داخلية بحتة للدول المحتلة لكوردستان و أدت الى إستمرار النزيف الكوردستاني و خراب كوردستان و إنكماش جغرافيتها بسبب التتريك و التعريب و التفريس و الإستتراك (إنسلاخ المرء من قوميته و الإنتماء الى القومية التركية) و الإستعراب و الإستفراس (إنسلاخ المرء من قوميته و الإنتماء الى القومية الفارسية). ربط كوردستان بالدول المحتلة لكوردستان من قِبل الأحزاب الكوردستانية، نتج عنه رفع شعار الحقوق الثقافية أو الحكم الذاتي لشعب كوردستان أو المطالبة بعيشه في ظل نظام فيدرالي ضمن الدول المحتلة لكوردستان. هذا الأمر أربك النضال الكوردستاني و قادَ الى تضحيات جسيمة من أجل تحقيق أهداف مبتورة و حتى أن هذه الشعارات المرفوعة من قِبل تلك الأحزاب هي شعارات غير قابلة للتطبيق في مجتمعات بدائية متخلفة، تتأصل فيها ثقافة الإبادة و القتل و الإرهاب و الكراهية. كما أن الفترة الزمنية الطويلة التي خلالها ترزح كوردستان تحت الإحتلال ، أدت الى تتريك و تعريب و تفريس و إستتراك و إستعراب و إستفراس الملايين من الكورد و الذي هو خسارة فادحة للشعب الكوردستاني. من جانب آخر فأن إحتلال كوردستان من قِبل عدة دول أدى الى تجزئة اللغة الكوردية و الكتابة بها بثلاث أنواع من الحروف (اللاتينية و العربية و السنسكريتية) و الى التباعد بين اللهجات الكوردية، و بذلك يفتقد الشعب الكوردي اليوم الى لغة موحدة تجمعهم و توحّدهم. هذه الأمور و غيرها هي من العوامل التي تجعل النضال التحرري الكوردستاني صعباً، و يحتاج الى جهود إستثنائية و قيادة عصرية مخلصة و محنكة، ترفع شعار إستقلال كوردستان وتكون مؤهلة لقيادة شعب كوردستان لتحقيق حريته و إستقلال بلاده.
لو نلقي نظرة على الواقع السياسي في إقليم جنوب كوردستان، نرى أن الفرد و العائلة و العشيرة و الحزب لها الدور الحاسم في تركيبة نظام الحكم و مواقع السلطة و النفوذ، حيث يكون الشكل الهرمي للسلطة و النفوذ و الثروة من القمة الى القاعدة كالآتي: الفرد – العائلة – الأقارب – العشيرة – الحزب. الأشخاص الذين كانوا يقودون الكفاح المسلح في الجبال، هم أنفسهم الذين يديرون الإقليم في الوقت الحاضر، بالرغم من إفتقارهم الى معرفة و تجارب في شئوون إدارة البلاد. هنا لا أعني بأن قيادات الكفاح المسلح كانت يجب أن تتنحى جانباً و تترك الحكم، بعد تخلص إقليم جنوب كوردستان من الحكم البعثي، بل كان من الواجب السماح للخبراء المختصين، كلاً في إختصاصه بالقيام بأعباء الإدارة و البناء و التخطيط و أن تقوم القيادة السياسية بمهام الإشراف على مقاليد الحكم بشكل رمزي. هنا أقول كان من الواجب ترك أمور إدارة الإقليم للإختصاصيين، إلا أن العقلية العشائرية و الحزبية للقيادة الكوردستانية لا تُفكّر إلا بالتفرد بالحكم و السيطرة المطلقة على كافة هياكل الحكم في الإقليم و الإستحواذ على ثروات الشعب و الإعتماد على أفراد العائلة و العشيرة و من ثم أعضاء الحزب في حكم الإقليم، دون مراعاة المصلحة العليا لشعب كوردستان. أفرزت هذه العلاقات الإجتماعية المتخلفة ظهور حكم فردي و عائلي و عشائري، بينما أصبح الحزب واجهة لهذا النوع من الحكم العشائري. نتيجة إفتقار الكثير من القيادات السياسية في الإقليم الى الإخلاص للوطن و الى المؤهلات، دبت الفوضى في إدارة الإقليم و الذي يفتقر الى خطط إنمائية علمية مبرمجة للنهوض ببناء البلاد و تحقيق التقدم في كافة مجالات الحياة و توفير حياة حرة كريمة للشعب. هؤلاء هم القادة الكوردستانيون، بينما لو نلقي نظرة على سر نجاح الشعب الإسرائيلي، نرى أن أحد الأسباب الرئيسة لهذا النجاح هو إخلاص القادة الإسرائيليين لشعبهم و وطنهم و تحلّيهم بنكران الذات و وضع المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية و الحزبية. بعد تأسيس دولة إسرائيل الذي تحقق من خلال كفاح صعب و مرير، أعلن القادة اليهود الذين قادوا كفاح الإستقلال، من أمثال دافيد بن غوريون و إسحاق زائفي و مناحيم بيغن و غولدا مائير و غيرهم بأن مهمّتهم قد إنتهت، حيث تحقق إستقلال إسرائيل و لم يقبل أي منهم أن يتقلد منصب رئيس الوزراء لقيادة الدولة الجديدة، الى أن تم إجبار بن غوريون على قبول منصب رئيس الوزراء ليصبح بذلك أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل. وجود قادة كوردستانيين من هذا الطراز، سيُساهم في تحقيق حُلم الكوردستانيين في تحقيق إستقلال كوردستانهم.
أختار عادةً المقارنة بين النضال الكوردستاني و النضال الإسرائيلي بسبب كون النضال الإسرائيلي كان و لا يزال أصعب و أعقد من النضال الكوردستاني لأسباب عديدة لا يسمح المجال هنا للخوض فيها، و لنجاح الإسرائيليين في بناء دولة ديمقراطية عصرية متقدمة خلال الأعوام الثلاث و الستين الماضية و التي هي عمر دولتهم، رغم الحروب الدامية التي خاضوها و رغم أنهم لا يزالون في حالة حرب مع العرب و التي تستنزف الثروة البشرية و المادية الإسرائيلية. بعد أسابيع من الإعلان الرسمي لتأسيس دولة إسرائيل، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون بحل جميع المنظمات اليهودية المسلحة، مثل منظمة الهاجاناه و منظمة شتيرن و منظمة الإرجون و المنظمة الأخيرة كان يقودها مناحيم بيغن و ذلك لتأسيس جيش الدفاع الإسرائيلي. عندما كانت سفينة ألتالينا في طريقها الى إسرائيل، مُحملة بأسلحة تعود لمنظمة الإرجون الصهيونية، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بإغراق السفينة المذكورة لمنع إستمرار تواجد الميليشيات المسلحة في البلاد. في كوردستان، بعد مرور عشرين عاماً على الحكم الكوردستاني لا يزال كل حزب له ميليشياته و رغم وجود حكومة و برلمان في الإقليم، فأن حكام كوردستان لم يؤسسوا جيشاً موحداً ليدافع عن مصالح سكان الإقليم. لم يكتفِ القادة الكوردستانيون بعدم تأسيس جيش وطني، و إنما يتشبثون بالحكومة العراقية لدفع رواتب الميليشيات الحزبية و بذلك تصبح القوات المسلحة في الإقليم معتمدة على حكومة بغداد مالياً و تسليحياً و يفقد الحكم الكوردستاني إستقلاله و إستقلال قراراته. بدلاً من تأسيس جيش وطني موّحد و مستقل للدفاع عن كوردستان، يعمل حكام إقليم جنوب كوردستان على ربط مصير القوات الكوردستانية بحكومة بغداد و التي ستتحكم بهذه القوات عن طريق التمويل المالي.
إن تركيبة النظام السياسي في إقليم جنوب كوردستان هي إستنساخ لتركيبة الأنظمة الشمولية في منطقة الشرق الأوسط، حيث يسيطر القائد و العائلة و الأقارب و العشيرة و من ثم الحزب على كافة مرافق الإقليم و ثرواته و هم فوق القانون و المحاسبة. هذا الواقع ناتج عن تخلف المجتمع الكوردستاني الذي لا يزال عبارة عن مجتمع زراعي يتحكم فيه النظام القبلي. هذا النظام المتخلف في طريقه الى الإختفاء، حيث نعيش في عصر العولمة الذي يعجز النظام العشائري على مواكبته و التفاعل معه. عليه فأن النظام السياسي الحالي في الإقليم سينهار في المستقبل المنظور. هناك مَن يعيش على وهم قدرة حكام الإقليم على إجراء إصلاحات جذرية و تجديد أحزابهم و عصرنتها، إلا أن هذا الأمر لا يحدث لأن ثقافتهم هي ثقافة شمولية و أفكارهم متخلفة عاجزة عن مواكبة العصر الحاضر و التلاقح معه. جيل الشباب، جيل العولمة، و الأكاديميون و المثقفون الكوردستانيون سيستلمون زمام الحكم نتيجة المؤهلات التي يمتلكونها و التي تؤهلهم ليكونوا جزءً من العالم الجديد الذي نعيشه الآن. هنا لا أتحدث إعتباطاً، بل أن هذا هو قانون الحياة. الحياة البشرية تتطور و معها تتبادل الأجيال الأدوار، حيث أن لكل زمان رجالاته. تتطور وسائل الإنتاج و التكنولوجيا و نمط الحياة و تُصاحبها تغيّرات إجتماعية و إقتصادية و ثقافية و فكرية و سياسية تُزيل الوسائل و الأنظمة القديمة و بذلك تختفي الوجوه القديمة على المسرح السياسي لعجز أصحابها عن مواكبة مسيرة تطور الحياة و تظهر وجوه جديدة، أصحابها مؤهلون لقيادة المجتمع، تبعاً لمتطلبات المرحلة الجديدة.
نتيجة تخلفها، لم تفكر القيادة الكوردستانية في الإقليم في توفير عناصر الأمن الوطني الكوردستاني لتأمين قدرة التجربة الكوردستانية على الإستمرار و بناء أسس و متطلبات تأسيس دولة كوردستان. من أهم مرتكزات الأمن الوطني الكوردستاني هو وجود نظام حكم ديمقراطي، يتبنى العلمانية و يتمتع المواطنون في ظله بحرياتهم و حقوقهم و يتفادى تدخل الأحزاب في أمور الحكم و إستقلالية السلطات القضائية و التشريعية و التنفيذية و توفير الأمن الغذائي و الإقتصادي و الثقافي و التربوي و العسكري، حيث أن المواطنين الكوردستانيين في الوقت الحاضر يعتمدون في غذائهم و ملبسهم و مصادر طاقتهم على الخارج. الجانب الخطير من هذا الأمر هو إعتماد الإقليم بشكل خاص على الدول المحتلة لكوردستان و خاصة تركيا و إيران في ذلك، حيث أصبح الإقليم سوقاً للمنتجات الرديئة و الفاسدة لهذه الدول و تابعاً إقتصادياً لها و أصبح السكان عبارة عن مجتمع مستهلك لا ينتج شيئاً. تهتم سلطات الإقليم ببناء الفنادق و المطاعم و البيوت الفارهة، دون الإهتمام بالمشاريع الإنتاجية في مختلف المجالات من زراعية و صناعية و إدارية و البنى التحتية و غيرها.
هنا أود أن أناقش أيضاً مسألة صيانة مكتسبات إقليم جنوب كوردستان و معارضة الحكم. البعض يرون أن قيام المظاهرات و الإحتجاجات و مطالب الأحزاب المعارضة في الإقليم، تعمل على القضاء على التجربة الكوردستانية في الإقليم و إنهيارها. لا يمكن للتجربة الكوردستانية أن تستمر و تنجح بدون وجود معارضة قوية تراقب عمل الحكومة و توجه النقد لها. قبل ظهور حركة التغيير كان الحزبان الحاكمان يقتسمان الحكم و الثروة بينهما و يقرران ما يحلو لهما من قرارات و يحصلان على ما يريدان من إمتيازات و ثروات دون وجود أي إعتراض أو أية مُساءلة. الى الوقت الحاضر لا يعرف الشعب عن المبالغ التي يحصل عليها رئيس الإقليم و رئيس الحكومة و الوزراء و أعضاء البرلمان، كرواتب و إمتيازات. كما ذكرتُ، فأن القيادة الحالية، بحُكم تخلفها، غير قادرة على تحقيق أهداف الشعب الكوردستاني في الحرية و الإستقلال و تحقيق طموحات المواطنين في الإقليم. بكلام آخر فأن القيادات و الأحزاب الكلاسيكية في الإقليم تحمل في دواخلها عناصر فنائها و زوالها لعجزها عن التفاعل مع التغيّرات الكبرى التي حصلت في العالم و المنطقة. نعيش اليوم في عصر الإنترنت و الفضائيات و الموبايل التي غيّرت الحياة على كوكبنا، و مع ذلك فأن قادتنا يوهمون أنفسهم بأنهم قادرون على الإستمرار في الحكم من خلال حكم الفرد و العائلة و العشيرة و قيادة الشعب كالبهائم الى حيث يريدون، دون إستيعاب التغيّرات الكبرى التي حصلت في فكر المواطن الكوردستاني و وعيه و إحتياجاته و طموحاته و دون القدرة على فهم التطورات التأريخية التي حصلت و تحصل حولنا في المنطقة و العالم و التي قادت الى زوال العديد من الحكومات الشمولية في المنطقة. إذن لا أمل في القيادات الكوردستانية الحالية في تحقيق أهداف الكوردستانيين، بل ستقودهم من هزيمة الى أخرى و تتنازل عن حقوق شعب كوردستان من أجل مصالحها الشخصية. إستجدائهم بمحتلي كوردستان للحفاظ على كراسي حكمهم و عدم عودة المناطق المسلوخة من كوردستان إليها رغم مرور أكثر من 8 سنوات على سقوط حكم حزب البعث في العراق و إهتمام القيادة بالحصول على المناصب و الأموال من الحكومة العراقية، بدلاً من الإهتمام بالقضايا الإستراتيجية للشعب الكوردستاني، هي أمثلة على عجز القيادة الكوردستانية في أن تصبح بمستوى المسئولية الوطنية التي تتطلبها المرحلة التي يمر بها شعب كوردستان و المنطقة و العالم.
مما تقدم، يحتاج المواطنون في الإقليم الى تأسيس أحزاب و منظمات و حركات واعية و عصرية، قادرة على الإرتفاع الى مستوى الأحداث و تحقيق حرية الشعب و إستقلال كوردستان. شعب كوردستان بحاجة ماسة الى تنظيمات سياسية شابة، قادرة على دراسة الواقع الكوردستاني و الإقليمي و العالم، لوضع إستراتيجية التحرر الوطني و إستنباط وسائل متقدمة للنضال و العمل السياسي و النجاح في تحقيق مقومات الأمن الوطني الكوردستاني للإقليم، لأن بدون الأمن الوطني لا يمكن للتجربة الكوردستانية أن تستمر و تحيا. يحتاج الإقليم الى تأسيس منظمات مستقلة للمجتمع المدني في مختلف المجالات لتلعب دورها في تثبيت الحكم الديمقراطي و الحفاظ عليه. يحتاج الإقليم الى نظام علماني، يعمل على إزالة العلاقات العشائرية المتخلفة و يعتمد على الكفاءة و الخبرة في تبؤ المناصب و المسئوليات. نظام يمنع تدخل الأحزاب في شئون الحكومة. يحتاج الكوردستانيون الى نظام القانون و المواطنة و المؤسسات المدنية الحضارية و العدالة الإجتماعية، نظام يمتلك أجهزة قضائية و تشريعية و تنفيذية مستقلة و نظام حكم يقوم بإيجاد لغة كوردية مشتركة و إحياء الثقافة و التراث و التأريخ الكوردستاني. نظام سياسي يعترف بحقوق كافة القوميات و المذاهب و الأديان في كوردستان و يحقق المساواة بينها. نظام يحقق مساواة المرأة و الرجل و يوفر الرعاية للطفل و كبار السن و يضمن الرعاية الإجتماعية و الصحية و الحصانة ضد البطالة للشعب. حكومة تجعل من كوردستان بلداً متقدماً و متطوراً في كافة مجالات الحياة و تواكب الدول المتقدمة في تطورها و رفاهية شعوبها.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]