الديانة اليارسانية (الكاكائية) هي إمتداد للديانة المثرائية
د. مهدي كاكه يي
الديانات الإيزْدية و المَزْدَكية و اليارسانية (كاكەيي) والهلاوية (العلوية) و الدروزية والشبكية هي من بقايا االديانة المثرائية المتجلية في الديانة اليزدانية. قبل ظهور المسيحية، كان جميع الآريين يعتنقون الديانة المثرائية. عليه فأن الديانة اليزدانية هي أقدم بكثير من الديانة الزرادشتية، حيث أنه قبل أكثر من 3500 سنة، كان أسلاف الكورد الميتانيون يُدينون بالديانة المثرائية. كما أن الميديين كانوا يعتنقون الديانة اليزدانية، حيث أن اليزدانية كانت الدين الرسمي للإمبراطورية الميدية.
تظهر بقايا معتقدات الديانة المثرائية بوضوح في هذه الأديان الكوردية، مثل تناسخ الأرواح والإعتقاد بوجود قوتَين متضادتَين وهما الخير والشر، وكذلك قُدسية الشمس والنار وتقديم القرابين (النذور) للأحياء والأموات و تقبيل الأرض الذي هو طقس ديني للتعبير عن حب الإنسان للأرض وشكرها، حيث يعيش الإنسان عليها و أن إستمرارية حياته مرتبطة بها.
لذلك فأن الديانة العلوية و الإيزدية و الدروزية و اليارسانية (الكاكائية) والشبك تكاد تكون ديانة واحدة. إن هذه الأديان متشابهة في العقيدة و الشخصيات الدينية و الإيمان بتناسخ الأرواح و النظام الطبقي و الطقوس الدينية من صوم و تقديم النذور و التكايا و الإحتفاظ بالشارب و غيرها، حيث أن جميعها ينحدر من الديانة المثرائية. الإختلافات البسيطة الموجودة بين هذه الأديان، ناتجة عن العزل الجغرافي بين أصحاب هذه الأديان، حيث أن عيشها ضمن كيانات سياسية مختلفة والتباعد الجغرافي بينهم والعيش بمعزل عن بعضهم البعض، خلقت بمرور الزمن هذه الإختلافات البسيطة في أسماء الشخصيات الدينية والطقوس الدينية وغيرها.
بالنسبة الى تسمية العلويين، يذكر البروفيسور جمال نبز في كتابه المعنون المستضعفون الكورد وإخوانهم المسلمون، طُبع سنة 1994، بأن أصل كلمة علوي يعود الى الكلمة الكوردية هالاڤ التي تعني بالكوردية بخار الماء المغلي المشبه بالنار المستعرة وكذلك لظى النار نفسها. إقتبست اللغة التركية هذه الكلمة من الكوردية وحورّتها الى ألڤي التي تعني لظى النار. هذا الإسم له علاقة بالنار المقدسة في الديانات الكوردية القديمة.
بالنسبة الى الدروز، فأن عائلة جانبولاد (جنبلاط) في لبنان التي تُدين بالديانة الدروزية، ينتمي نسبها الى الأمير الكوردي (منتشا = مند) الذي كان أميراً للإمارة الكوردية (كلس) و خدم الدولة الأيوبية في الشام و أصبح هناك والياً لناحية (القصير) الواقعة على مقربة من مدينة (أنطاكية) الواقعة في شمال كوردستان و بعدها أصبح أمير أمراء الشام و حلب. في عهد السلطان العثماني (سليمان)، تم إسناد منصب الإمارة الى إبنه (جانبلاد) و الذي إستمر في الحكم الى عام 1016 الهجري (1584 ميلادي). في سنة 1630 ميلادية، إنتقل سعيد بك إبن جنبلاط زاده مع إبنه (رباح) الى بيروت و إستقرا هناك. علماً بأنّ العائلة الجنبلاطية كانت تعتنق الديانة الإيزدية1.
بعد سقوط الإمبراطورية الميدية وتأسيس الدولة الأخمينية الفارسية التي كان الدين الزرادشتي الدين الرسمي لها، نجحت الحكومات الفارسية المتعاقبة في إجبار نسبة قليلة من الكورد اليزدانيين، خاصةً كورد المدن، بإعتناق الديانة الزرادشتية، بينما بقيت غالبية الكورد متمسّكين ببقايا الديانة اليزدانية، حيث لم تتمكن الديانة الزرادشتية الهيمنة على الديانة اليزدانية.
بعد ظهور الإسلام وإحتلال كوردستان من قِبل العرب، بدأت الديانة اليزدانية تصارع من أجل البقاء ضد الزرادشتية السياسية الفارسية وضد العقيدة الإسلامية2. على سبيل المثال، تعاون الحكام الفُرس مع الدولة العباسية للقضاء على ثورات الخوراميين اليزدانيين في القرن التاسع والعاشر الميلادي، حيث قام بابَك الخورامي بثورة عارمة التي دامت من سنة 816 – 837 ميلادية ضد الحكم العربي الإسلامي3 (إسم الخوراميين متأتي من خۆر التي تعني بالكوردية الشمس).
ظلت الديانة اليَزدانية بفروعها المختلفة سائدة بين الشعب الكوردي إلى القرن الثاني عشر الميلادي، أي الى قبل حوالي 800 سنة4. في القرن الحادي عشر الميلادي تم عقد تحالف بين الخلافة العباسية والترك السلاجقة وتم غزو بلدان غرب آسيا من قِبل السلاجقة الذين قاموا بالقضاء على الإمارات الكوردية التي كانت قائمة في المنطقة، من ضمنها الإمارات الروادية في أَذربيجان وجنوبي القوقاز والبرزيكانية في همدان والشدّادية في أرمينيا والدوستكية في وسط وشمال كوردستان وإمارة (شوانْكارَه) في بلاد فارس وإمارة (أَرّان) التي كانت واقعة في كل من أَذربيجان وأرمينيا وجورجيا الحالية4.
في النصف الثاني من القرن 16 الميلادي، أي منذ حوالي 400 سنة، أصبحت غالبية الكورد مسلمين واضطرّت فروع الديانة اليَزْدانية {إيزْدي، يارْساني(كاكه يي)، هلاوي (علوي)، الشبك، الدروز) إلى إقتباس بعض الرموز الإسلامية وإضافتها الى معتقداتها لحماية معتنقيها من القتل والسبي والظلم والإهانة وللحفاظ على دينهم الكوردي الأصيل. على سبيل المثال، سُمّي الملاك ميكائيل (الشيخ أبو بكر) في الإيزدية، وأصبح علي بن أبي طالب شخصية مقدّسة رئيسية عند اليارسانيين (الكاكائيين) والعلويين الكورد، وحلّت الأسماء العربية محل الأسماء الكوردية عند أتباع هذه الفروع اليزدانية، فالإسم الكوردي العريق (آدي) مثلاً، كان إسم أحد آلهة أسلاف الكورد الخوريين، أصبح إسمه عند الإيزديين إسماً عربياً وهو (عَدي)5 ونسبَ أمراء الإيزديين أصلهم إلى الأسرة الأُموية العربية، وإتخذوا بعض أسمائهم مثل إسم (مُعاوية).
صمدت فروع الديانة اليزدانية أمام كافة الضغوط والبطش وإستمرت الى يومنا هذا بسبب أصالتها الكوردية وترسّخها في المجتمع الكوردي وكونها جزءّ مهماً من ثقافة ولغة وتراث وتاريخ الشعب الكوردي التي حافظَ عليها أتباع هذه الديانات وتحمّلوا من أجلها المآسي والويلات، إلا أنهم لم يستسلموا، بل أصرّوا على حماية معتقداتهم الكوردية والثقافة الكوردية والتراث الكوردي والتاريخ الكوردي وقدّموا ولا يزالون يقدّمون التضحيات والقرابين في سبيل الحفاظ على الهوية الكوردية المتجسدة في أديانهم.
يرتكز الدين الكاكه يي على خمس مرتكزات أساسية وهي:
1. النظافة: تعني نظافة الجسم والفكر وصدق الوعد وحُسن السلوك.
2. الصدق: يعني إختيار الطريق الصحيح والإبتعاد عن الأعمال السيئة.
3. الإبتعاد عن الأنانية وحب الذات والإنتصار على الرغبات الدنيوية.
4. مساعدة الآخرين والتضحية في سبيلهم والعمل على توفير الرفاهية للناس.
5. عدم إيذاء أو الإضرار بالنار والهواء والماء والتربة والطبيعة والإنسان والحيوانات والنباتات والأشجار والطُرق.
دين الكاكەیی هو دين توحيدي وغير تبشيري. لا وجود للموت في هذا الدين، حيث يؤمن معتنقيه بتناسخ الأرواح. عند موت الإنسان تنتقل روحه الى جسد إنسان أو حيوان آخر. كما أن هذا الدين ليس له نبي أو رسول مُرسَل من الخالق لأن الرب يُظهر نفسه كإنسان في سبع مرات ويعيش بين البشر ويقوم بإدارة شؤونهم.
في هذا الدين هناك 4 طبقات دينية في المجتمع وهي إبتداءً من أعلى مرتبة دينية الى أدنى مرتبة: پیر، دليل، باوه، العامة. يحتفظ معتنقو هذا الدين بالشوارب ولا يؤمنون بالشهادة الإسلامية ولا بالجنة والجهنم، حيث أن الجنة والجهنم موجودان في هذه الدنيا ولا يؤمنون بالثواب والعقاب في الآخرة. يقومون بالتعميد كما في المسيحية لتسمية أطفالهم عند الولادة. لا يصلّون، بل أنهم يقدمون النذور خلال إجتماعات دينية خاصة، تتم خلالها قراءة أدعية خاصة بهم. لا يصومون شهر رمضان، بل يصومون لمدة ثلاث أيام في منتصف الشتاء. لا يحجّون الى مكة، بل يحجّون الى ضريح (سان سهاك) الموجود في منطقة هورامان في الجانب الواقع في شرق كوردستان. لهم كتاب ديني مقدس إسمه (سَرَنجام) المكتوب باللغة الكوردية وجميعه عبارة عن أبيات شعرية. يؤمن الكاكەییون بوجود 7 قدّيسين ولا يلعنون الشيطان لأن الشيطان هو من مخلوقات اليزدان (الرب).
المصادر
1. محمد أمين زكي المعنون (1948). خلاصة تأريخ الكرد و كردستان – تأريخ الدول و الإمارات الكردية في العهد الإسلامي. الجزء الثاني، مطبعة السعادة، مصر، صفحة 376 – 380).
2. إبن خلدون. تاريخ ابن خلدون. الجزء الرابع، صفحة 993.
3. الطبري. تاريخ الطبري. الجزء الثامن، صفحة 622.
4. عبّاس إقبال (1984). الوزارة في عهد السلاجقة. ترجمة د. أحمد كمال الدين حلمي، الطبعة الأولى، صفحة 29.
5. جرنوت فيلهلم (2000). الحوريون. ترجمة وتحقيق فاروق إسماعيل، الناشر: دار جدل، الطبعة الأولى، صفحة 100.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]