الوسائل السلمية للنضال الكوردستاني (2) (الحلقة الأخيرة)
د. مهدي كاكه يي
هناك الملايين من الكوردستانيين الذين يعيشون في المدن الكبيرة للدول المُغتصِبة لكوردستان، حيث يُقدّر عدد الكورد الذين يعيشون في إستانبول لوحدها بأكثر من سبعة ملايين نسمة و تعيش عدة ملايين من الكورد في كل من أنقره و إزمير و قونية و مناطق و مدن أخرى في تركيا، بالإضافة الى الملايين من الكورد الذين يعيشون في المدن الكبرى للدول المُغتصِبة الأخرى، مثل مدن طهران و شيراز و خراسان و بغداد و دمشق و حلب و غيرها. هذه الأعداد المليونية للكورد الذين يعيشون في مدن الدول المُغتصِبة لكوردستان، يمكن أن يلعبوا دوراً حاسماً في شل الحياة في المدن الكبرى في كل من تركيا و إيران و العراق و سوريا من خلال إعلان العصيان المدني و الإضراب عن العمل و الإضراب عن الطعام و تنظيم التظاهرات المليونية و قطع خطوط المواصلات من خلال تكوين عوازل بشرية في الشوارع الرئيسية و الساحات العامة. بهذه الوسائل النضالية في عقر دار المحتلين سيفرض شعب كوردستان إرادته على المحتلين و يجبرهم على الإستسلام و الإعتراف بحق الكوردستانيين في الحرية و الإستقلال.
يعيش في الدول الغربية أكثر من مليون كوردي و هؤلاء يمكنهم أن يلعبوا دوراً كبيراً في النضال الكوردستاني و يكونوا سنداً قوياً لنضال الكوردستانيين في كوردستان و في الدول المحتلة، حيث أنهم يعيشون في دول ديمقراطية تسمح لهم بالقيام بمختلف الفعاليات من إضراب عن الطعام و تنظيم المظاهرات و إيصال الصوت الكوردستاني الى مسامع منظمة الأمم المتحدة و عواصم الدول الكبرى و إقامة الندوات و المهرجانات و الحفلات و المعارض للتعريف بالشعب الكوردستاني و بإحتلال بلده و حرمانه من حق الإستقلال و التمتع بحقه في تقرير مصيره بنفسه كالشعوب الحرة الأخرى في العالم و التعريف بتأريخه و تراثه و فنونه.
هكذا فأن الجاليات الكوردستانية في الخارج تستطيع إيصال الصوت الكوردستاني الى الرأي العام العالمي و الأمم المتحدة و حكومات الدول الكبرى و منظمات المجتمع المدني و الشخصيات الدينية في البلدان التي يعيشون فيها و في نفس الوقت يكونون سفراء كوردستان في هذه الدول للتعريف بالشعب الكوردستاني و بحضارته و تراثه و الإستعباد الذي يعاني منه في ظل الإحتلال و إلغاء الهوية و اللغة و التأريخ و التراث.
أود أن أذكر هنا بأنه كان ينبغي على قيادات الأحزاب السياسية الكوردستانية تغيير إستراتيجيتها منذ إنتهاء الحرب الباردة في بداية العقد التاسع من القرن العشرين، أي قبل أكثر من عشرين عاماً و جعل الكفاح المسلح يأتي في المرتبة الثانية و التركيز على العمل السياسي و توعية و تنظيم الجماهير الكوردستانية و مساعدتها لتعلم اللغة الكوردية و تعريفها بالتأريخ العريق للأمة الكوردية و تأسيس منظمات المجتمع المدني و ترتيب البيت الكوردستاني في كافة أجزاء كوردستان، و من ثم القيام بالنضال السلمي الذي نتحدث عنه لتحقيق نقلة نوعية في النضال الكوردستاني و بالتالي تحرير كوردستان و تحقيق إستقلالها.
هناك نقطة مهمة أخرى أود الحديث عنها هنا وهي تحديد الجهات و القوى و الدول التي يمكن للكوردستانيين أن يتلقوا التأييد و الدعم منها و الجهات و القوى و الدول التي تقف ضد حق شعب كوردستان في التحرر و الإستقلال.
في البداية يجب القول بأنه في السياسة ليست هناك صداقات و عداوات، بل مواقف الدول و المنظمات السياسية تحددها مصالحها. على ضوء هذه الحقيقة، فأن الدول المُغتصِبة لكوردستان و المنظمات السياسية العربية و التركية و الفارسية التي تحمل الفكر العنصري، هي القوى التي تقف بوجه تطلعات شعب كوردستان في الحرية و الإستقلال و لذلك يجب على القيادات السياسية الكوردستانية عدم الإعتماد على هذه الجهات في النضال الكوردستاني بأي شكل من الأشكال و تجارب كثير من الثورات الكوردستانية التي حدثت في السابق تظهر أن إنهيارها كانت بسبب إعتمادها على المساعدات المقدمة من قِبل الدول المُغتصِبة لكوردستان. من جهة أخرى، كما ذكرتُ آنفاً بأن السياسة و العلاقات بين الشعوب و الدول هي علاقات مصالح بحتة، فأن الدول الكبرى و الدول الغربية الديمقراطية تتحدد مواقفها من القضية الكوردستانية على ضوء تقاطع أو تلاقي مصالحها مع إستقلال كوردستان، إلا أنه في نفس الوقت فأن الرأي العام في هذه الدول و منظمات المجتمع المدني و الصحافة و الكنيسة تلعب دوراً كبيراً في تحديد سياسات حكومات هذه الدول. لذلك من الممكن الحصول على دعمٍ معنوي و مادي للقضية الكوردستانية من هذه الدول.
في الحقيقة أن مواقف الشعوب و الدول و المنظمات السياسية و حتى منظمات المجتمع المدني في هذه الدول، من إستقلال كوردستان، تعتمد بالدرجة الرئيسية على العامل الذاتي لشعب كوردستان، حيث عندما تكون للكوردستانيين مرجعية سياسية موحدة و دستور ديمقراطي و أحزاب سياسية عصرية و قوة إقتصادية و عسكرية لا يمكن الإستهانة بها، حينئذٍ يستطيع شعب كوردستان فرض إرادته على الآخرين و إثبات وجوده كشعب له الحق في التحرر و الإستقلال. إن العوامل الذاتية الكوردستانية تلعب الدور الرئيس في النضال الكوردستاني لتحقيق أهدافه، بينما العوامل الخارجية هي عوامل مساعدة، حيث أن وحدة الكوردستانيين و قوتهم قادرة على تغيير سياسة و إستراتيجيات الدول الكبرى و الدول المُغتصِبة لكوردستان تجاه القضية الكوردستانية.
[1]