آن الأوان لإعلان إستقلال كوردستان
د. مهدي كاكه يي
إقليمياً، تعاني منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والدول المُغتصِبة لكوردستان بشكل خاص، من الحروب الأهلية وتعجز حكوماتها عن السيطرة على الأوضاع المنفلتة في دولها وتنتشر الحروب والفوضى فيها. في سوريا، الحرب الأهلية جارية منذ عدة سنوات والقوى الإسلامية الإرهابية تسيطر على أجزاء كبيرة منها وأجزاء كبيرة من إقليم غرب كوردستان تمّ تحريرها وتمّ بناء إدارة كوردستانية فيه ويواجه هذا الإقليم تحدّيات كبيرة المتأتية من الدسائس التركية وتدّخل الحكومة التركية في شؤون الإقليم الداخلية ومحاولتها إفشال هذه التجربة الكوردستانية بشكل مباشر أو من خلال عملائها ومرتزقتها.
يسود الإنفلات الأمني والتناحر السياسي بين مختلف القوى السياسية في العراق، ويستحيل العيش المشترك بين الكورد والعرب الشيعة والعرب السُنّة في ظل كيان سياسي عراقي، بالإضافة الى إنتشار الفساد المالي والإداري فيه. كما أنّ معظم أراضي إقليم جنوب كوردستان متحررة الآن ويتمتع الإقليم بإستقلال شبه تام. من جهة أخرى فأن المنظمة الإرهابية داعش تحتل أراضٍ واسعة من كلٍ من العراق وجنوب كوردستان.
بالنسبة الى تركيا، فأنّ الثورة مندلعة في شمال كوردستان التي تهز الكيان التركي وأن حكومة إسلامية قائمة فيها، تعمل على إلغاء النظام العلماني في تركيا وإحلال نظام إسلامي فيها ويحاول الرئيس التركي بشكل دؤوب أن يغيّر الدستور التركي ليخلق عن طريقه حُكماً دكتاتورياً فردياً. كل هذا يهدد المصالح الغربية والإسرائيلية. كما أنّ تركيا فقدت أهميتها الإستراتيجية للدول الغربية بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وإنخفاض أهمية النفط للولايات المتحدة الأمريكية بعد إكتشاف النفط فيها بحيث يسد إحتياجات البلاد.
في إيران، يتحكّم الملالي في هذا البلد بالِشعوب الإيرانية وقاموا ببناء نظام سياسي طائفي مذهبي فيها والذي هو نظام بدائي متخلف، عاجز عن الإستمرار والبقاء في عالم العولمة والتحضَر الذي نعايشه اليوم وأن هذا النظام بدون أدنى شك في طريقه الى الزوال في المستقبل المنظور.
ترتبط إسرائيل بِصلات تاريخية تعود الى أكثر من 2600 عاماٌ مع الشعب الكوردي، حيث عاش اليهود مع الكورد في الإمبراطورية الميدية وإلتجأوا الى الشعب الميدي خلال المجازر التي تعرضوا لها من قِبل الآشوريين الذين قام الميديون والبابليون بإسقاط إمبراطوريتهم في سنة 612 قبل الميلاد. كما أن الشعب الكوردستاني، رغم كون أكثرية مواطنيه مسلمين، إلا أنه شعب مسالم ومنفتح، توّاق للحرية وأنه شعب غير متزمتٍ دينياً وليس عنصرياً، يتقبل المبادئ والقيم والأفكار العصرية بسهولة، لذلك فهو قادر على التفاعل مع التطورات السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والتكنولوجية الحاصلة في العالم، كما أنه بذلك يُشكّل جزءاً من الشعوب المؤمنة بالديمقراطية والحرية. تُقدّر نفوس كوردستان بحوالي 50 مليون نسمة، وهي ثروة بشرية كبيرة في المنطقة والتي لا يمكن الإستهانة بها و وأنّ كوردستان بلاد كبيرة، تُقدّر مساحتها بأكثر من نصف مليون كيلومتر مربع، لذلك فهي تلعب دوراً أساسياً في التوازنات الدولية في المنطقة و تساهم في تطويرها وتقدمها و في بناء جسر يربط بين العالم الشرقي والغربي في مختلف مجالات الحياة. كما أن لِكوردستان موقع إستراتيجي مهم وأنها غنية بمواردها الطبيعية من بترول وغاز طبيعي ومعادن ومياه، حيث تقع منابع نهرَي دجلة والفرات فيها. من جهة أخرى، فأن إسرائيل بلد صغير، تبلغ نفوس اليهود فيها أقل من 8 ملايين وذات مساحة صغيرة، إلا أنها دولة متقدمة سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً وتكنولوجياً وعلمياً وعسكرياً. إسرائيل وكوردستان تشتركان في كونهما محاطتَين بالأعداء ووجودهما مهدّد من قِبل هؤلاء الأعداء. عليه فأن تحالف إسرائيل وكوردستان والتعاون والتنسيق معاً في مجالات مختلفة، يخلق منهما قوة إقتصادية وعسكرية كبرى في المنطقة، قادرة على حماية الأمن الوطني لهما وسيغيّر التوازنات والمعادلات الإقليمية القائمة في منطقة الشرق الأوسط ويعمل على ترسيخ الديمقراطية وقبول العيش المشترك بين شعوبها ويقضي على الإرهاب وثقافة الكراهية والعنف والإنتقام المنتشرة بين شعوب المنطقة. هكذا فأنّ مصالح إستراتيجية بعيدة المدى، تربط بين الشعب الإسرائيلي والكوردستاني، بل أن لهما مصير واحد، أيّ نصرٍ أو إخفاقٍ لِأحدهما يؤثر بشكل كبير على الآخر. لذلك لا بد أن ترتبط كوردستان وإسرائيل بِحلفٍ إستراتيجي يمتد لِعشرات أو مئات السنين لضمان أمنهما وتقدم ورخاء شعبَيهما ودمقرطة المنطقة وتطويرها ونشر السلم والمحبة بين شعوبها والتي تُهئ الظروف لإقامة إتحادٍ كونفدرالي بين دول المنطقة في المستقبل البعيد.
دولياً، بالإستناد الى ما جاء أعلاه، فأنّ قيام دولة كوردستان يحافظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وحتى روسيا والصين، حيث تصبح منطقة الشرق الأوسط منطقة آمنة لا تتهدد مصالح الدول الكبرى فيها وسوقاً لمنتجات الدول الصناعية ومصدراً للمواد الأولية وللطاقة لها ومنطقة لإستثمارات شركاتها. كذلك سيختفي الإرهاب الذي يهدد مصالح دول العالم في المنطقة و سيُبعِد التهديدات الإرهابية التي تهدد الشعوب الغربية في داخل بلدانها.
التطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وزوال الحدود السورية والعراقية التي تمّ رسمها تبعاً لإتفاقية سايكس – بيكو وظهور كيانَين سياسيين جديدَين في جنوب وغرب كوردستان اللذَين قائمَين الآن داخل الحدود المرسومة من قِبل الإتفاقية المذكورة ويُداران من قِبل إدارتَين كورديتَين و إنهيار العراق وسوريا كَكيانَين سياسيَين عملياّ، حيث أنهما اليوم عبارة عن كانتونات طائفية، تتحكم بها المجموعات الإرهابية والطوائف والميليشيات السورية والعراقية المختلفة. كل هذه التطورات أنهت إتفاقية سايكس – بيكو عملياً وأنّه أخذ يتبلور رسم خارطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، تأخذ التطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط الكبير وحقوق وحرية وتطلعات شعوب المنطقة بِنظر الإعتبار.
بناءً على ما تقدم، فأن منطقة الشرق الأوسط الكبير تمر بتطورات حاسمة تقود الى تفتت كيانات العديد من دول المنطقة، من ضمنها الدول المُغتصِبة لكوردستان وتأسيس دول جديدة على أنقاضها، أهمها كوردستان، حيث تصبح أكبر دولة في المنطقة. لذلك على القيادات الكوردستانية أن تستوعب التطورات الحاصلة في المنطقة وتهجر عقلياتها القديمة البالية التي عفى عليها الزمن وتحمل عقلية العصر لكي تكون قادرة على رسم إستراتيجية إستقلال كوردستان وتوفير مستلزمات ومقومات نجاحها. من أجل تحقيق هذا الهدف، يجب عقد مؤتمر كوردستاني عام بأسرع وقت ممكن، تشارك فيه على الأقل الأحزاب الكوردستانية الكبرى (حزب العمال الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني و گۆڕان وحزب الإتحاد الديمقراطي) وشخصيات وطنية وأكاديمية وممثلو منظمات المجتمع المدني ويؤسسوا خلال المؤتمر مرجعية سياسية جامعة وقيادة عامة للقوات المسلحة الكوردستانية.
يجب الإقرار بأنّ غالبية القيادات الكوردستانية هي قيادات متخلفة، نرجسية، عائلية، قبلية، جشِعة وعبدة الدولار وأسيرة كرسي الحُكم والسلطة. بكلام آخر أنها ليست مؤهلة لقيادة شعب كوردستان نحو الحرية والإستقلال، من خلال إستثمار هذه الفرصة التاريخية السانحة لشعب كوردستان الذي قدّم مئات الآلاف من الأرواح كقرابين لتحرير شعب كوردستان ووطنه، إلا أن على هذه القيادات أن تعي بأن التطورات العالمية والإقليمية والكوردستانية ومصالح الدول الكبرى وإسرائيل، تفرض نفسها على هذه القيادة وتضغط عليها من أجل تأسيس دولة كوردستان وما على القيادات الكوردستانية إلا الإستجابة لهذه الإرادات وعدم عرقلة قيام دولة كوردستان، وإلا فأنّ شعب كوردستان سوف يُطيح بكل الرؤوس العفنة التي تقف في طريق حريته وإستقلال كوردستانه.
[1]