الأسباب الكامنة في صمود الأديان الكوردية الأصيلة وديمومتها
د. مهدي كاكه يي
تعرضت كوردستان بإستمرار للغزوات الأجنبية وتم إحتلالها وحُكمها من قِبل العديد من الشعوب والممالك في حقب زمنية مختلفة، إلا أنّ عقائد شعب كوردستان وأديانها صمدت أمام العقائد الغريبة التي حملها الغزاة والمحتلون معهم الى أرض كوردستان وتمسك الشعب الكوردي بأديانه المسالمة والمتسامحة رغم القتل والعنف والتهديد والسبي التي تعرض لها و الجزية والضرائب الباهظة التي فُرضت عليه. إستمر معظم الشعب الكوردي في الإحتفاظ بأديانهم ومعتقداتهم الى النصف الثاني من القرن السادس عشر أي الى قبل حوالي 400 سنة، حيث حينذاك ضعفت مقاومة الشعب الكوردي نتيجة المجازر التي تعرض لها والضرائب الباهضة التي كان على مواطني كوردستان المحتفظين بأديانهم دفعها، فأصبحت أكثرية الشعب الكوردي مسلمين.
رغم القتل ودفع الجزية والإضطهاد الديني الذي تعرض له الشعب الكوردي، إلا أن نسبة معتنقي فروع الديانة اليزدانية [الإيزدية والهلاوية (العلوية) واليارسانية والدروزية والشبكية والزردشتية] تٌقدّر اليوم بِحوالي 30% من مجموع نفوس الشعب الكوردي المُقدّرة بِحوالي 50 مليون نسمة. هذا يعني أن حوالي 70% (35 مليون نسمة) من الشعب الكوردي منسلخون من دينهم والآن هم مسلمون. رغم المذابح والمآسي التي تعرض لها معتنقو هذه الأديان، تحتفظ هذه النسبة العالية من الكورد بأديانهم الأصلية ولم تنقرض هذه الأديان، بل أنها في عهد نهضتها الآن وأتوقع عودة الملايين من الشعب الكوردي الى أحضان دياناتهم الأصيلة من جديد بمرور الوقت بفضل زيادة الوعي الوطني والقومي للشعب الكوردي ومعرفتهم لِقيمة وأهمية اللغة و الثقافة الكوردية والتراث والتاريخ الكوردي، حيث أن هذه الأديان تُشكّل جزءاً مهماً من الثقافة الكوردية و التراث والتاريخ الكوردي، كما أن كتبها مكتوبة باللغة الكوردية التي هي ثروة أدبية وشعرية كوردية ضخمة وثمينة، لا يمكن الإستغناء عنها والتي ساهمت عبر التاريخ في الحفاظ على اللغة الكوردية وتطويرها.
ديمومة وإستمرارية هذه الأديان تعود الى 5 أسباب رئيسية وهي:
1. أصالة الديانة اليزدانية بمختلف فروعها وتجذّرها في نفوس الشعب الكوردي منذ آلاف السنين وسلمية وتسامح هذه الديانة وعدم تبشيريتها، كلها عوامل إيجابية هامة ساهمت في تمسك معتنقيها بها والتضحية في سبيلها.
2. إقتباس فروع الديانة اليزدانية بعض الرموز الإسلامية وإضافتها الى معتقداتها، هي من العوامل المهمة التي ساهمت في حماية معتنقيها من القتل والإضطهاد والحفاظ على هذه الفروع الدينية وبقائها وديمومتها. على سبيل المثال، في الديانة اليارسانية والهلاوية أصبح علي بن أبي طالب شخصية مقدّسة و في الديانة الإيزدية تمت تسمية الملاك (ميكائيل) بإسم (الشيخ أبو بكر) وتمّ تعريب الإسم الكوردي (آدي) الذي هو إسم أحد آلهة أسلاف الكورد الهوريين الى (عَدي) (جرنوت فيلهلم. الحوريون. ترجمة وتحقيق فاروق إسماعيل، الناشر: دار جدل، الطبعة الأولى، 2000، صفحة 100).
3. قيام معتنقو هذه الأديان بممارسة طقوسهم الدينية بشكل سرّي تفادياّ للتعرض للقتل والعنف والإهانة. بمرور الزمن وتواصل أجيال أصحاب هذه الديانات، أصبحت السرّية وإخفاء أسرار هذه الأديان من الواجبات الدينية، حيث يظن معتنقو هذه الأديان في الوقت الحاضر بأنّ الحفاظ على أسرار هذه الأديان هي من الفرائض الدينية التي يجب التقيّد بها. من خلال الإنكفاء والإنزواء والعزلة والإبتعاد عن عرض الطقوس والمناسبات والإحتفالات الدينية وإخفائها والتستر عليها، نجح أصحاب الديانات الكوردية في التخفيف عن التهديدات والضغوطات الإسلامية عليهم وذلك بعدم تحدّيهم للمسلمين والإبتعاد عن الظهور العلني. هذا العمل ساهم أيضاً في إستمرارية هذه الأديان وحماية حياة معتنقيها.
4. إدّعاء قسم من أصحاب هذه الديانات بأنهم مسلمون، كما هو الحال بالإدعاء بأن نسب الإيزديين يعود لِيزيد بن أبي سفيان وأن الهلاويين واليارسانيين والدروز والشبك هم من الفرق الشيعية.
5. التضاريس الجبلية الوعرة لكوردستان كانت ملاذاً آمناً لأصحاب الديانات الكوردية الأصيلة، حيث إستطاعوا الدفاع عن أنفسهم. كان البدو العرب يلاقون صعوبة كبيرة في الوصول الى مثل هذه المناطق الجبلية العالية الباردة، حيث أنهم متعودون على العيش في بيئة صحراوية حارة.
[1]