مَن لا يلتزم بالدستور العراقي، حكومة إقليم جنوب كوردستان أم الحكومة العراقية؟
د. مهدي كاكه يي
في هذه المقالة، يتم تسليط الأضواء على خرق الحكومة العراقية للدستور العراقي وعدم الإلتزام به وقيامها بتطبيق موادها بصورة إنتقائية. قد يقول قائل بأن الكورد هم شركاء في الحكومة العراقية وهم أيضاً يتحملون مسئولية خرق الدستور العراقي. بهذا الصدد نقول بأنّ الأحزاب الإسلامية الشيعية الطائفية تُهيمن على مجلس النواب العراقي وعلى الحكومة العراقية والقضاء العراقي ولا سلطة فعلية للكورد و لا للطائفة الُسُنّية في العراق، حيث أن الشراكة في الحُكم هي شراكة صورية.
هذه المقالة تتضمن الحديث عن المادة الأولى من الدستور العراقي التي تمنح إقليم جنوب كوردستان الحق في الإستقلال إذا ما تمّ خرق الدستور العراقي من قِبل الحكومة العراقية. كما أنها تُشير أيضاً الى بعض مواد الدستور التي قامت الحكومة العراقية بِعدم الإلتزام بها على سبيل المثال، لا الحصر.
1. الحكومة العراقية تدّعي أن إستفتاء إستقلال إقليم جنوب كوردستان غير دستوري. هذا الإدعاء غير صحيح، حيث أن آخر جملة من ديباجة الدستور تقول:
(إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادة) .
هذه الجملة واضحة جداً، حيث أنه بموجبها يُشترَط الإلتزام بالدستور العراقي لكي يتم الحفاظ على إتحاد مكونات العراق.
كما أن المادة الأولى من الدستور العراقي تنص على ما يلي:
[جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق].
إنّ عبارة وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق تعني أن الإلتزام بالدستور من قِبل الحكومة العراقية يضمن وحدة العراق، وتعني هذا النص أيضاً بأنّ أي خرقٍ لِمواد الدستور من قِبل الحكومة العراقية يُلغي وحدة العراق.
2. تنص المادة 9 من الدستور العراقي على ما يلي:
أولا ً
أ تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو اقصاء وتخضع لقيادة السلطة المدنية وتدافع عن العراق ولا تكون اداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة.
ب يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة.
إخترقت الحكومة العراقية كلاً من الفقرة (أ) و (ب) من هذه المادة، حيث أنّ الشيعة المستعربين يشكّلون الغالبية العظمى من أفراد الجيش العراقي، بل أنه جيش شيعي، بينماعلى سبيل المثال، أنّ نسبة الكورد في الجيش العراقي لا تتجاوز 1% من مجموع أفراد هذا الجيش رغم أن نسبة الكورد تُقدّر ب(21%) من نفوس العراق.
لم تلتزم الحكومة العراقية بالفقرة (ب) من هذه المادة أيضاً، حيث تشكّل العديد من الميليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) التي خارجة عن سلطة الحكومة العراقية. قامت إيران بتأسيس القسم الأكبر من هذه الميليشيات، مثل ميليشيات قوات بدر وعصائب الحق وغيرها التي هي على غرار الحرس الثوري الإيراني وتأتمر بأوامر قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني. العدد القليل المتبقي من هذه الميليشيات تتبع مرجعية السيستاني.
من جهة أخرى، فأّن قوات الپيشمەرگه هم حرس حدود إقليم جنوب كوردستان ويُشكّلون جزءاً من الجيش العراقي حسب الفقرة الخامسة من المادة (121) من الدستور العراقي التي تقول:
خامساً: تختص حكومة الاقليم بكل ما تتطلبه إدارة الاقليم، وبوجه خاص انشاء وتنظيم قوى الامن الداخلي للاقليم كالشرطة والامن وحرس الاقليم.
رغم عدم دستورية تأسيس الميليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) التي تنتمي لأحزاب ومجموعات سياسية، إلا أن الحكومة العراقية خصصت لأفراد هذه الميليشيات رواتباً وتزوّدها بما تحتاج لها من أسلحة ومعدات، بينما تمتنع الحكومة العراقية عن دفع رواتب الپيشمەرگه الذين هم جزء من القوات المسلحة العراقية حسب المادة (121) من الدستور العراقي وتتعامل الحكومة العراقية مع قوات الپيشمەرگه كقواتٍ مُعادية، حيث أنها بالإضافة الى الإمتناع عن دفع رواتب أفرادها، فأنها تمتنع عن تزويد قوات الپيشمەرگه بالسلاح. لا تكتفي الحكومة الشيعية في بغداد بالإمتناع عن تزويد قوات الپيشمەرگه بالأسلحة، بل تتمادى في ذلك وتقوم بِمنع وصول المساعدات العسكرية التي يتلقاها الإقليم من الدول الغربية، حيث تقوم الحكومة بِتفتيش الأسلحة المُرسلة للإقليم قبل إستلامها من قِبل الإقليم رغم الحرب الدائرة بين قوات الپيشمەرگه والتنظيم الإسلامي الإرهابي، داعش.
3. تنص المادة (65) على:
اولاً يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى بمجلس الاتحاد يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.
ها مضت 12 سنة على وضع الدستور وحكّام العراق لم تقم بتشريع قانون (مجلس الإتحاد) الذي سيتشكل من ممثلي إقليم جنوب كوردستان والمحافظات العراقية ويكون للإقليم ولكل محافظة عراقية حق نقض أي قرار أو قانون يخص الإقليم أو المحافظة المعنية على غرار مجالس الإتحاد في الدول الفيدرالية الأخرى في العالم.
4. لم تقم حكومة بغداد بِتشريع قانون تنظيم أجهزة الإستخبارات الوطنية الذي تنصّ عليه المادة (84) من الدستور وقانون إنشاء المحكمة العليا الوطنية التي تنص عليه المادة (92) من الدستور.
5. المادة (80) من الدستور العراقي تنصّ على ضرورة موافقة مجلس النواب على تعيين كبار ضباط الجيش. لا تلتزم الحكومة العراقية بهذه المادة الدستورية، حيث يقوم رئيس الوزراء بتعيين كبار قادة الجيش، دون موافقة مجلس النواب العراقي.
6. المادة (112) من الدستور العراقي تنص على منح حكومة الإقليم والحكومة العراقية دوراً في إنتاج وإستثمار النفط والغاز. لقد مضت 12 سنة على سن الدستور العراقي، والحكومة العراقية تعرقل سن قانون النفط والغاز الذي تمّت كتابته منذ سنوات عديدة ليتم توزيع إدارة قطاع النفط بين الجانبَين.
7. المادة (140) من الدستور العراقي تنص على ما يأتي:
أولاً:- تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكل فقراتها.
ثانياً:- المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملةً (التطبيع، الإحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، لتحديد إرادة مواطنيها) في مدةٍ أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة.
كما نرى فأنّ الدستور العراقي ينص على إنجاز التطبيع والإحصاء والإستفتاء في محافظة كركوك والمناطق الكوردستانية غير التابعة إدارياً لإقليم جنوب كوردستان بإنتهاء سنة 2007. ها قد مضت على إنتهاء مدة تنفيذ هذه المادة حوالي 10 سنوات دون أن تقوم الحكومة العراقية بالإلتزام بالدستور العراقي وتنفيذ هذه المادة الدستورية.
8. بناءاً على طلب رئيس الوزراء العراقي، صوّت مجلس النواب العراقي الذي تُهيمن عليه الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية، على إقالة محافظ كركوك من منصبه على الرغم من أن الدستور العراقي لا يخوّل مجلس النواب مثل هذه الصلاحيات، حيث أنّ إقالة المحافظ هي من صلاحيات مجلس محافظة كركوك.
[1]