العروبيون وجرائمهم ضد الكورد (الفيلية)
محمد مندلاوي
عقدت المحكمة الجنائية العراقية في السادس و العشرين من كانون الثاني 2009 لمحاكمة ثلة من مسئولي نظام البعث العروبي الدموي الذي اقترف أبشع الجرائم بحق الكورد (الفيلية) الذين ليس لهم ذنب سوى أنهم كورد أصلاء و ينتمون للأمة الكوردية. لذلك كانوا هدفاً للقتلة البعثيين للتنكيل بهم و إنزال المصائب و الويلات عليهم و تشريدهم خارج الديار و مصادرة أموالهم و ممتلكاتهم و إعطائها كهبات، حيث منحها رأس النظام المجرم صدام حسين لأعضاء حزبه العروبي العنصري. كما أن نظام القتلة احتفظ بأبناء هذه الشريحة الأصيلة كرهائن في معتقلاته سيء السيط، حيث تمت تصفيتهم بدم بارد و إخفاء أثرهم و لم يعثر على رفاتهم إلى الآن رغم مرور ستة سنوات على تحرير العراق من براثن حكمهم الدموي.
السياسة المنهجية للنظام البعثي العروبي ضد الشعب الكوردي بصورة عامة و ضد شريحة الكورد (الفيلية) بصورة خاصة، بدأت بعد انقلابهم الأسود في الثامن من شباط سنة (1963) على الزعيم عبد الكريم قاسم، حيث تسنى لحزب البعث الفاشي بعد هذا الانقلاب الدموي المشاركة في قيادة السلطة في العراق مع شريكهم في القتل و الإجرام والخيانة عبد السلام عارف لمدة تسعة أشهر ثم أطاح بهم عبد السلام عارف ليتفرد وحده بالسلطة. خلال هذه الأشهر التسع أذاق حزب البعث العروبي الكورد مر العذاب و بصورة خاصة الكورد (الفيليين) في بغداد، العاصمة والمدن الأخرى. خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة التي لم تتعدَ أشهر معدودة، غيّر حزب البعث بالإرهاب المنظم جزءاّ كبيراً من ديموغرافية مناطق الكورد (الفيلية)، حيث هجروا العديد من العائلات في تلك المدن الكردية إلى المدن ذات الكثافة العربية ثم استولوا عنوة على الأراضي الزراعية التابعة لتلك العائلات الكردية المهجرة و منحوها للعرب الذين استقدموهم من مناطق عربية و قاموا كعادتهم الإجرامية بتصفية العديد من أبناء الكورد (الفيلية) في هذه المدن على يد أزلام جهازهم القمعي (الحرس القومي). أتذكر جيداً في سنة (1963) و نحن نذهب إلى المدرسة، كنا نرى الناس في شوارع و محلات مندلي وهم يتحدثون عن قتل أحد المعلمين تحت التعذيب من قبل هؤلاء البعثيين. أتُهم في حينه مسئول البعث في قضاء مندلي، و هو يقف اليوم في قفص الاتهام أمام العدالة و يحاكم مع عدد من مجرمي البعث على جرائمهم التي اقترفوها بحق الأبرياء من الكورد و القوميات الأخرى.
انتقلنا سنة (1964) من مندلي إلى العاصمة بغداد و سكنا في منطقة شارع الكفاح التي تسكنه غالبية كوردية. في سنة (1966) ذات يوم استيقظنا على صراخ وعويل النساء في البيوت المجاورة لبيتنا، حيث اتضح لنا فيما بعد إن أهل الدار و هم من الكورد قد اكتشفوا رفات جثة مدفونة في إحدى الغرف ( قبو - سرداب). بعد إخراج الجثة، بدأ الناس تتساءل عن سكان الدار قبل هذه العائلة، حيث تبين أن هذا الدار كان مقراً ل (الحرس القومي)، الجهاز القمعي لحزب البعث الدموي في سنة (1963) و تلك الجثة هي لإحدى ضحاياهم من الكورد (الفيلية) التي تم تصفيته بطريقة وحشية ثم أخفوا جريمتهم في إحدى غرف البيت كي لا تنكشف.
بعد عودتهم المشئومة إلى السلطة في انقلاب (1968) استمروا على نفس النهج السابق بل أشد قسوة من قبل في اضطهاد الكورد (الفيلية) و بشتى الوسائل و الذي يسمى في القانون بإرهاب الدولة المنظم، على سبيل المثال لا الحصر قام البعث بتغيير جميع أسماء القرى و النواحي و الشوارع في المدن الكردية (الفيلية) إلى أسماء عربية ثم قاموا بتهجير أعداد كبيرة من الكورد (الفيلية) إلى إيران تحت ذرائع واهية ومعروفة مسبقاً. بعد هذه السياسات العنصرية المقيتة شنوا هجومهم الواسع على الحركة التحررية الكوردستانية و التي فشلت فشلاً ذريعاً بعد هزيمتهم النكراء في كوردستان و إظهار قوة الكوردستانيين التي أثبتت وجودها كقوة مقاتلة نداً لند لحكومة بغداد لذلك اضطروا لفتح باب المفاوضات مع الحركة التحررية الكوردستانية و التي انبثقت عنها اتفاقية (11) آذار سنة (1970) التي عرفت ببيان آذار. لم تمضِ على هذه الاتفاقية اشهر قليلة حتى قامت حكومة البعث بحملة تسفيرات شرسة ضد الكورد (الفيلية) في العراق و كانت تحت ذريعة كاذبة و ملفقة مدعيّة بأن هؤلاء الكورد (الفيلية) من التبعية الإيرانية. على أثر تلك الحملة الظالمة أبعدوا عشرات الآلاف من هذه الشريحة إلى إيران. كان هدف حكومة البعث من وراء هذه العملية الدنيئة هي ذو شقين: أولاً توجيه ضربة للحركة التحررية الكوردستانية بما تملكها من ثقل جماهيري كبير بين أبناء هذه الشريحة المناضلة في العاصمة بغداد، و ثانياً تقليص ثقل وكثافة هذه الشريحة في العاصمة بغداد التي تعتبر في منظور حزب البعث أكبر مدينة كوردية، لذلك اتخذوا قراراً مسبقاً بإخلاء هذه المدينة من الكورد (الفيلية) لأنها حسب منظور البعث تعتبر مدينة بغداد اكبر مدينة كوردية، حيث كانت نفوس الكورد فيها أكثر من مليونين نسمة، بينما اكبر مدينة كوردية في حينه هي هولير (أربيل) لم تتجاوز نفوسها المليون نسمة. لذا اعتبر نظام البعث وجود الكورد في العاصمة بغداد بهذه الكثافة و بهذا الثقل الاقتصادي يشكل خطراً كبيراً على تطبيق سياساته العنصرية تجاه الشعب الكوردي، لذلك قام النظام بإسقاط الجنسية العراقية عن عشرات الآلاف منهم وتهجيرهم إلى إيران تحت ذرائع و حجج واهية ليس لها أي مسوغ قانوني.
المعروف للقاصي و الداني أن هؤلاء الكورد (الفيلية) هم من سكان العراق قبل النزوح العربي إليها بآلاف السنين، حيث يذكر كتب التاريخ العربي بأن التواجد العربي في العراق جاء بعد نشر الدعوة الإسلامية، حيث أرسل عمر بن الخطاب جيوشه لاحتلال هذا البلد. بينما الكورد (الفيلية) هم أصحاب العراق الشرعيين و بناة مدينة بغداد قبل ميلاد المسيح بعشرات القرون.
لتوضيح أكثر حول سياسات حزب البعث المعادية للكورد (الفيلية)، يقول وزير الدفاع العراقي السابق حردان عبد الغفار التكريتي في مذكراته طبع (الطلبة المسلمين العراقيين) (القسم الأول) صفحة (34) حول الخلاف مع إيران الشاه الذي ألغى اتفاقية شط العرب ما يلي : اعتبر أبو هيثم (أحمد حسن البكر) الظروف مهيئة للقيام بتسفير الإيرانيين من العراق و دعانا لذلك إلى اجتماع في القصر الجمهوري، حيث جرت محادثات بين بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة بشأن ذلك. اقترح صالح مهدي عماش إن يجري تمشيط شامل لكل الحاملين للجنسية الإيرانية، – مع العلم أنهم كانوا يحملون الجنسية العراقية، لكن العروبيين لا يعترفون بتلك الجنسية. في مفهوم و أدبيات حزب البعث أن كل كوردي(فيلي) هو إيراني و كل شيعي هو عجمي، حيث لا فرق لديهم إن كان هذا الشيعي عربياً أو كوردياً أو تركياً. في هذا الصدد يذكر أيضاً جواد هاشم وزير التخطيط العراقي السابق في مذكراته كما يلي: إن الكثير من قادة حزب البعث يحملون موقفاً عدائياً و عنصرياً تجاه الشيعة، و لا يرونهم عربا الخ. - و تسفيرهم إلى إيران .. و قال -: إنها فرصة العمر، و يجب استغلالها للتخلص من الإيرانيين خلال شهر واحد فقط ، و بذلك نخلق مشكلة كبرى لإيران ، لأن الإيرانيين المقيمين في العراق يتجاوز عددهم النصف مليون نسمة، و هذا العدد الضخم يكفي إذا تحول إلى لاجئين أن يخلق مشكلة كبرى لإيران كما إن العملية ستوفر لنا أموالاً ضخمة لأننا سنمنعهم من نقل أية نقود أو حاجيات إلى إيران .. و هذا يعني الملايين . و هكذا ابتدأت السلطات الخاصة بتسفير الإيرانيين بصورة جماعية بدءً من بغداد و الحلة و النجف و انتهاء بالبصرة.
عشية هجومه المباغت على إيران في سنة (1980)، قام النظام البعثي العروبي كعادته بشن هجوم واسع على مدن الكورد (الفيلية) و بصورة أشد و أقسى على مدينة بغداد العاصمة، حيث وضعوا مئات الآلاف من الشيوخ من كبار السن و النساء و الأطفال في ارتال من سيارات الزيل العسكرية التي نقلتهم إلى الحدود الإيرانية وهم بحالة يرثى لها، بعد إنزالهم من السيارات العسكرية هددوهم بحراب البنادق كي يتوجهون نحو إيران و أنذروهم بعدم العودة و من يحاول العودة إلى العراق سوف يكون مصيره القتل. أما الشباب دون الثلاثين من العمر و الذي يقدر عددهم بالآلاف، فحجزوهم في معتقلاتهم لحين تم تصفيتهم جسدياً و لم يعثر على رفاتهم إلى الآن. بعد هذا التهجير الوحشي العنصري، استولى النظام على جميع أموالهم و ممتلكاتهم المنقولة و غير المنقولة وتم توزيعها على القتلة البعثيين كهبات منحها لهم رأس النظام المقبور صدام حسين ولم تعد لهم تلك الممتلكات إلى الآن.
للأسف الشديد الكوردي (الفيلي) إلى يومنا هذا واقع تحت الظلم و التعسف و التفرقة العنصرية بعد السنين الطويلة التي قضاه في إيران والتي أبعد إليها نتيجة للسياسات العنصرية التي أشرنا إليها و التي اتبعها النظام السابق ضد الكورد. عاد جزءٌ من هذه الشريحة بعد التحرير إلى العراق، يعدوه الأمل بأن يتم إنصافه من قبل الحكومة المنبثقة من عدد من الأحزاب الحاكمة التي أصدرت قانوناً اسقط بموجبها تلك القوانين الشاذة التي أصدرها النظام البعث المباد بحق هذه الشريحة و القانون الجديد الذي بموجبه تعاد للكوردي (الفيلي) جنسيته العراقية. لكن النظرة العنصرية الاستعلائية لا زالت قائمة بحق الكوردي (الفيلي)، حيث تعاد له جنسيته العراقية لكن تدون فيها عبارة عنصرية مقيتة (إيراني متجنس في العراق). للعلم أن في عهد نظام صدام المعادي لكل شيء كوردي لم تكن هذه الصيغة موجودة في دفاتر نفوس الكورد (الفيلية). يكاد المرء لا يصدق كيف يرضى الكوردي (الفيلي) لنفسه قبول هذه الصيغة التي سوف تكون كسيف ديموقليس مسلط على رقبته. كيف تفسر الحكومة العراقية هذه الصيغة؟ إن لم تكن هذه الصيغة عنصرية لتتفضل و تقول لأبناء هذه الشريحة ماذا تعني هذه الكلمات التي تدون في هوية هذا الكوردي الذي بني على أكتافه هذا البلد. لماذا لا ينظر مجلس الوزراء العراقي في إحدى اجتماعاتها الأسبوعية إلى إحدى هويات الكورد (الفيلية) الخضراء التي منحوا في إيران و ينظروا إلى الفقرات التي دون فيها و هي كالآتي: فلان ابن فلان عراقي مبعد إلى إيران يحمل هذه الهوية للتعريف به فقط و ليس لها أي اعتبار آخر. ألم يكن أكثر حكام العراق الجدد في الأمس القريب نزلاء طهران و منحوا مثل هذه الهويات الخضراء؟ ألم تعلم الحكومة العراقية أن الكوردي (الفيلي) ممنوع من العمل في جميع المحال في إيران لأنه عراقي ولا يحمل وثائق إيرانية لذا لا تستطيع الجهات الرسمية الإيرانية تسجيله في إدارة العمل والشؤون الاجتماعية وفق القانون التعليمي لا يجوز لهم إنهاء المراحل الدراسية في المدارس و المعاهد الإيرانية لأنهم أجانب ولا يحق للأجنبي إنهاء المراحل الدراسية في إيران في المدارس الإيرانية؟ لكن وزارة التربية في إيران بدافع إنساني تسمح لهم من شغل مقاعد دراسية كذا سنة كي يتعدوا الأمية، إذا كان هذا الكوردي يحمل وثائق إيرانية فلماذا يعامل كأجنبي متواجد على الأراضي الإيرانية؟ مسكين هذا الكوردي (الفيلي)، بعد الحرب العالمية الأولى و احتلال وطنه كوردستان و تقسيمه بين دول المنطقة، أصبح يعاني الأمرين من هذه الحكومات، حيث يقال له عراقي في إيران و يقال له إيراني في العراق. بعد كل هذا التعسف الذي يجري في العراق الجديد بحق الكورد عموماً و(الفيلية) خصوصاً يقولون لدينا حكومة القانون وحكومة الوحدة الوطنية للتلاعب بمشاعر الناس.
كيف تسمح حكومة إقليم كوردستان لنفسها قبول هكذا أعمال عنصرية مشينة تجري بحق مواطنيها الكورد. تحدث بين الحين و الآخر خلافات بين حكومة إقليم كوردستان و الحكومة الاتحادية في بغداد حول بعض الشؤون الإدارية أو ما شابه، حيث تقوم حكومة الإقليم بإرسال إشارات قوية إلى الحكومة في بغداد وتضع أمامها خطوط حمراء و صفراء، إن فعلت كذا و كذا، بينما تتم تسمية المواطنين الكورد (الفيلية) بالإيرانيين، تسكت عنها كأن هذه المسألة لم تحدث في العراق ولا تخص شريحة من شعبها هي مسئولة عن حمايتها دستورياً في الدولة الاتحادية. فواجب حكومة إقليم كوردستان أن لا تسكت على هذه التجاوزات الخطيرة بحق أبنائها من الكورد (الفيلية). على أبناء و بنات الكورد (الفيلية) أن يعتصموا أمام برلمان كوردستان لأنه هو ممثلهم القومي في العراق و كوردستان أو ليعتصموا أمام مقر الحزبين في بغداد و مطالبة قيادة الحزبين، الإتحاد الوطني الكوردستاني و الديمقراطي الكوردستاني بمفاتحة الحكومة الاتحادية في بغداد بإزالة هذه الوصمة التي إن ثبتت في وثائقهم العراقية فسوف يكونون هم و أحفادهم عرضة للتهجير و الاعتداءات في كل لحظة. على الفيليين أن لا يتركوا هذه العملية الدنيئة تمر. حذاري أن يدع العروبيين يتلاعبون بعقولكم بكلام معسول و تحتها سم الأفاعي. طالبوا حكومتكم، حكومة إقليم كوردستان لتكون طرفاً مع الحكومة الاتحادية لإزالة هذه اللعنة التي إن ثبتت في وثائقكم العراقية فسوف تلاحقكم و تكونون في أية لحظة عرضة للابتزاز من قبل الآخرين الذين لا يريدون لكم الخير و ينظرونا إليكم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة.
في الحقيقة يجب أن تقال بكل صراحة و وضوح بأن هذه التسميات المعيبة كإيراني الذي يقال للكوردي أو شعوبي الذي يقال لمن يحاول أن يعيش حراً دون قيود أو أعجمي لكل شيعي و غيرها من الكلام الذي يطلق على غير العربي هي نابعة من ثقافة عربية صحراوية عدائية. إنه واجب إنساني يقع مسئولية معالجتها على عاتق النخبة العربية من خلال كتاباتهم أو من خلال وسائل الإعلام المتعددة و إلا ستبقى هذه الممارسات العنصرية لطخة عار في جبين الإنسان العربي، لقد حان الوقت في العراق لتشمروا عن سواعدكم لإزالة هذه الصفحات المشينة بالمصطلحات العنصرية من تاريخكم. كيف نفهم هذا عندما نقرأ في جنسية الكوردي (الفيلي) الذي تجاوز عمره السبعين عاماً و يدون في جنسيته ولادة بغداد بين قوسين (إيراني متجنس)، الإنسان يرى صعوبة في فهم هذه الصيغة، مواطن عمره سبعين سنة و ولادته في العراق و مع ذلك يشار إليه في جنسيته العراقية بأنه (غير عراقي)، ماذا يستطيع الإنسان يسمي هذه السياسة إن لم تكن العنصرية. لو نترك آباء و أجداد هذا الكوردي الذين هم أصحاب هذه الأرض الشرعيين (العراق) و نعود إلى هذا الشخص السبعيني فقط، الذي ولد في العراق، ألا تكفي هذه السنين السبعين ليصبح عراقياً؟!!
في لقاء تلفزيوني في قناة الفيحاء قدمه الإعلامي المتميز الدكتور محمد الطائي استضافه فيه القاضي منير حداد و هو كوردي (فيلي) كان البرنامج مخصص لمعانات الكورد (الفيلية) في عهد حزب البعث المنحل و الزمن الحالي، شارك في البرنامج عبر الهاتف القانوني الأستاذ طارق حرب. سوف لا أخوض في مجمل اللقاء و الأحاديث التي جرت، إلا أنني أشير إلى الكلام الذي قاله الأستاذ طارق حرب رئيس جمعية الثقافة القانونية، حيث طرح محاور البرنامج الدكتور محمد الطائي سؤالاً على الأستاذ طارق حرب عن تدوين كلام معيب في الجنسية العراقية التي تعاد للكورد (الفيلية)، حيث يدون فيها (إيراني متجنس في العراق). للأسف كان جواب المحامي طارق حرب كالآتي: شهادة الجنسية العراقية سُميت خطأً بهذه التسمية، هي الواقع الجنسية العراقية أما الجنسية العراقية فهي هوية الأحوال الشخصية، حيث كانت تمنح للعراقيين و لغير العراقيين، يا أستاذ طارق لم يسمع أحدٌ في العراق بهذا الكلام منذ صدور قانون الجنسية في بداية العشرينات من القرن الماضي إلى الآن، كان الكوردي (الفيلي) حاله حال الكثير من العراقيين يحمل الجنسية العراقية فقط و يخدم العسكرية، حيث لم يُقل له في يوم من الأيام أنت أجنبي، إذا كانت الجنسية تمنح للأجانب فكيف يحمل الجنسية العراقية التي تسميه حضرتك هوية الأحوال الشخصية و يخدم العسكرية؟ هل هناك قانون في العالم يسمح للأجنبي بأداء الخدمة العسكرية أم هذا الكلام لتبرير جعل الكورد (الفيلية) أجانب (إيرانيين) وفق القانون لأن أكثرية الكورد (الفيلية) يحملون الجنسية العراقية ولا يمنحوا تلك الوثيقة التي تسمى الشهادة الجنسية (خطأً) على مدى أكثر من ثمانين سنة لم يشاع مثل هذا الكلام في أوساط العراقيين لا في العهد الملكي ولا في العهد الجمهوري. لو كانت هذه التسمية هي حقيقة قانونية أكان يخفى على نظام صدام و الذي كان الكثير من رجال القانون في خدمته و رهن إشارته لاستخدام تلك الثغرة القانونية ضد الكورد (الفيلية) لماذا قام نظام البعث بجريمة التهجير في جنح الظلام و بعيداً عن وسائل الإعلام، حيث كان يستطيع بأن يقول للعالم بملء فمه بأن هؤلاء إيرانيون وهذه الوثيقة (الجنسية العراقية) التي يحملونها خير دليل على أنهم غير عراقيين لأنها تعطى فقط للأجانب ليست هناك أي وثيقة على طول تاريخ العراق الحديث تقول بأن الجنسية العراقية ما هي إلا هوية الأحوال الشخصية، كان كل إنسان عراقي يحمل الجنسية العراقية و هوية الأحوال الشخصية و البطاقة الشخصية. كان هذا حال معظم العراقيين. ربما بعد تهجير سنة (1980) قام نظام صدام حسين بمثل هذه الألاعيب القانونية حيث جعل الجنسية العراقية هوية أحوال شخصية أما قبل سنة (1980) التي تم فيها تهجير الكورد (الفيلية) فلا يوجد مثل هذه القوانين في العراق، حيث تقول أن الجنسية هي هوية الأحوال الشخصية و الشهادة الجنسية هي الجنسية العراقية. كل عراقي يعلم إلى الآن أن الشهادة الجنسية مدونة في أعلاها الشهادة الجنسية العراقية و كذلك الجنسية مدونة على الغلاف الخارجي الجنسية العراقية و الهوية الشخصية و هي كارت صغير عليها صورة حاملها مدونه عليها الصيغة التالية: الهوية الشخصية.
بعد أن هجروا من العراق إلى إيران، انتقل العديد من الكورد (الفيلية) إلى الدول الأوربية لطلب اللجوء و بعد مضي خمسة سنوات على تواجدهم في دول (الكفار) منحوا جنسية تلك البلدان دون أي إعاقة وحالهم حال شعوب تلك البلدان يتمتعون بكامل حقوق المواطنة.
الأحزاب والجمعيات الكوردية (الفيلية) وما أكثرها في العراق و خارج العراق و بعضها تأسست في دول إقليمية تحمل لون نظام ذلك البلد و البعض الآخر تأسست بإيعاز من جهات طائفية، فأنها أقرب ما تكون إلى حسينية من جمعية أو حزب، هؤلاء جميعاً لم يحركوا ساكناً في كل ما يجري ضد هذه الشريحة التي يقولون أنهم يمثلونها وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن هؤلاء لا يمثلون هذه الشريحة بل يمثلون أنفسهم فقط. إن الممثل الشرعي و الوحيد لهؤلاء هو برلمان و حكومة إقليم كوردستان رغم تقاعسها و تلكؤها في الدفاع عن هذه الشريحة يبقى البرلمان و حكومة الإقليم و الأحزاب الكوردستانية الممثلين الشرعيين لإقليم كوردستان و للقومية الكردية في العراق. فيا أيها الكوردي (الفيلي) صحيح انك تحمل الجنسية العراقية كبقية الكورد في العراق، لكن جسدك وروحك و انتماءك هي للأمة الكردية. كن حذراً وإياك إن تخطأ في الحسابات عليك إن تلاحظ نتائج انتخابات المحافظات الأخيرة بأن الحزب الذي حصل على النسبة الأكبر فيها هو ذالك الذي يرفع شعار الدولة المركزية القوية و دولة (القانون) وحكم الدستور. هذه شعارات آنية دعائية ألم ترَ صاحب هذه الشعارات يصرخ ليل نهار ويطالب بتغيير الدستور لإعطائه صلاحيات واسعة لكي يحكم كما يشاء دون حسيب أو رقيب؟ ليعلم الكوردي أن أي تلاعب أو تغيير في الدستور هو عمل عدائي موجه ضد أحرار العراق بصورة عامة و ضد الشعب الكوردي بصورة خاصة.
أيها الأخوة و الأخوات من الشريحة (الفيلية): المنطقة قد بدأت فيها عجلة التغيير ولم تتوقف إلى الآن. إن أردتم كي لا تتعرضوا إلى تهجيرات و تصفيات جسدية أخرى ونهب لممتلكاتكم ، رصوا صفوفكم وسيروا خلف قيادتكم الكوردستانية المتمثلة ببرلمان و حكومة إقليم كوردستان. إن أهملت هي مطالبكم بقصد أو بدون قصد، طالبوها واعتصموا أمام مقراتها و دوائرها بطريقة حضارية. اعرضوا عليها مشاكلكم و معاناتكم في بغداد و المدن الأخرى لكي هي تتابع و تطالب الحكومة الاتحادية في بغداد بتحقيق مطالبكم المشروعة، بدون برلمان كوردستان وحكومة إقليم كوردستان لن تتحقق لكم مطالبكم وسوف تكونون عرضة للابتزاز و الاعتداء في أي لحظة من قبل قوى الظلام و قوى القومجية، خاصة بعد أن ثبتوا في وثائقكم (الجنسية) نصاً يقول أنكم من الجالية الإيرانية في العراق. لذا يستطيعون في أي لحظة إخراجكم من بيوتكم وقذفكم خارج الحدود.
يحاول البعض من أجل مآربه الخاصة أن يظهر جزءً من اضطهاد الكورد (الفيلية) و يعزونه إلى انتمائهم الطائفي الشيعي، هذا غير صحيح قط، إن هؤلاء الكورد الأصلاء يتعرضون للاضطهاد حتى لو كانوا على أي دين أو مذهب آخر و الانتماء الطائفي ليس له أي دافع في تعرضهم للتشريد و الاضطهاد لأنهم ليسو من غلاة الشيعة بل أنهم متحضرين بعيدين عن التعصب المذهبي. كان وما يزال السبب الوحيد لمعاناتهم على مر التاريخ هو انتمائهم القومي لأنهم جزء لا يتجزأ من الأمة الكردية. لقد تعرضت هذه الشريحة إلى المظالم حتى في العهود القديمة جداً عندما كان الحكام من الشيعة و الدليل الذي نسوغه فيما نقول لاضطهادهم ككورد هو الحكم الحالي في العراق، أليس الحكم شيعي؟ إذاً ماذا نقول عن إلصاق تهمة الإيرانية بهم في وثائقهم العراقية أليست هذه اضطهاد لهم؟ و ماذا نقول عن ممتلكاتهم التي صودرت من قبل النظام البعثي ولم تعد لهم إلى الآن دون وجه حق؟ أليس هذا اضطهاد أم الاضطهاد في قواميس العروبيين هو القتل و الذبح فقط؟.
كي لا يساء الفهم بين العربي و العروبي: إن العربي ذلك الإنسان المسالم حاله حال أي إنسان متحضر على كوكبنا يتمنى أن يعيش جنباً إلى جنب مع أخيه الإنسان في وئام وسلام، بينما العروبي هو ذلك الإنسان العربي الذي ينظر نظرة استعلاء و ازدراء إلى الآخر و يحمل في داخله الحقد و الكراهية لجميع الشعوب التواقة للحرية و التحرر، ويؤمن بالعنف والقتل لتحقيق أهدافه الشريرة، خير من يمثل تلك المدرسة العنصرية العروبية حزب البعث و من على شاكلته حيث يستعمل العنف و القتل وسيله لتحقيق أهدافه.
[1]