الشعب الكوردي في الانتخابات الأخيرة و الانتخابات القادمة
محمد مندلاوي
جرت في31-01-2009 انتخابات مجالس المحافظات في عموم العراق باستثناء إقليم كوردستان و محافظة كركوك السليبة. شملت هذه الانتخابات أيضاً المناطق المستقطعة الأخرى من كوردستان التي تنتظر تطبيق المادة (140) لكي تعود إلى مكانها الطبيعي في الإقليم الكوردستاني وهي تبدأ جغرافياً من (جصان – گه چینة) إلى ( سنجار - شنگال) والتي تسمى بمنطقة (گه رمیان - باجرمي).
جرت الانتخابات أيضاً في العاصمة بغداد التي تسكنها شريحة كبيرة من الكورد والذين هم امتداد لل (الكيشيين) إحدى قبائل الأمة الكردية و التي أسست الدولة (الكيشية - كاردونياش) و حكمت (بابل) من سنة (1531) ق.م إلى سنة (1155) ق.م. قبل هذا التاريخ بآلاف السنين كان أجداد هؤلاء الكورد البغداديين نواة لبناء حضارة عريقة في التاريخ التي تعرف بالحضارة السومرية في بلاد (ميسوپوتامیا – مه يان دوو ئاو – بين النهرين). ليس هنا مجال لخوض تأريخ هذه الشريحة الكوردية في هذه البلاد التي تعرف اليوم ب(العراق)، لكني أردتُ فقط أن أشير إلى عراقة هؤلاء الكورد الأصلاء لكي يعلم القارئ الكريم أن تأريخ وجود هؤلاء الكورد في (بغداد) وفي وسط و جنوب (العراق) يرجع إلى تلك الأزمنة السحيقة و أنهم ليسو طارئين على هذا البلد كما حاول نظام الحكم العروبي العنصري أن يصورهم على مدى عقود من الزمن، بل هم أحفاد تلك السلالة (السومرية) التي وجدت على هذه الأرض قبل الأمم و الشعوب الأخرى بآلاف السنين، أما الذين نزحوا إلى هذه البلاد من الشعوب الأخرى، فأن كتب التراث الإسلامي تكشف لنا بوضوح تأريخ نزوحهم إلى هذه الأرض واستيطانهم فيها.
لنعود الى الموضوع الذي نحن بصدده، و هو انتخابات المحافظات الأخيرة التي أخفقت فيها قائمة التحالف الكوردستاني في عدد من المناطق و منها العاصمة (بغداد)، حيث لم تفز حتى بمقعد واحد في مجلس محافظة (بغداد). إن أسباب هذه الخسارة لا يتحمل معظمها الكورد البغداديين من (الفيليين) و (السورانيين) و (البهدينانيين)، بل إن القسم الأكبر منها تقع على عاتق الأحزاب الكوردستانية نتيجة الإهمال و التقاعس في عملها السياسي و التنظيمي. بعد انتهاء الانتخابات، قال مسئول مركز تنظيمات بغداد للإتحاد الوطني الكوردستاني في برنامج تلفزيوني أن عملنا الدعائي للانتخابات بدأ قبل أسبوع من إعلان بدء الانتخابات و إدلاء الناس بأصواتهم، إن لم يكن هذا إهمال و تقاعس عن أداء الواجب الوطني المقدس، و إلا ماذا نسميه؟! أنا على يقين أن هذا الشخص لا يتحمل وزر هذا الإهمال بل المتقاعس هو حزبه كمؤسسة سياسية غير قادرة على التكيف مع الواقع و المتغيرات الجديدة التي يشهدها العراق وكوردستان. من جهة أخرى كنا نشاهد و نقرأ من خلال وسائل الإعلام المتعددة أن الأحزاب و المنظمات الأخرى بدأت حملتها الدعائية للانتخابات قبل أشهر من إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن بدء الحملة الانتخابية رسمياً.
إن العقلية العشائرية و المناطقية لدى قيادة الحزبين الاتحاد الوطني الكوردستاني و الحزب الديمقراطي الكوردستاني أوجدت هوة بين شرائح المجتمع الكوردستاني التي تتسع يوماً بعد آخر، حيث يرى المواطن الكوردستاني أن القادة (السليمانيين) في الإتحاد الوطني الكوردستاني هم أصحاب اليد العليا في الحزب، بالنسبة لهم أن مدينة السليمانية هي حاضرة الدنيا ودرتها ويجب أن تكون المدينة الأولى في كوردستان. للأسف أنهم يدلون بهذه الأقوال في تصريحاتهم التلفزيونية و نحن نقول أيضاً فلتكن السليمانية مدينة المدن و زينتها، لكن ليست على حساب المدن الكوردستانية الأخرى و كأن المدن الكوردستانية الأخرى ليست لها وجود ولم تدفع ضريبة التحرير في زمن الاحتلال العروبي. في المقابل فأن قادة الحزب الآخر، الحزب الديمقراطي الكوردستاني، فأن (دهوك) أصبحت عندها مركز الكون وما سواها من المدن التوابع التي تدور في فلكها على سبيل المثال نفذ خلال السنة (600) مشروع في دهوك ماذا كانت نصيب (گرمیان) من هذه المشاريع؟، إن حكومة الإقليم تهمل المدن الكوردستانية الأخرى و خاصة في (گه رميان) دون رعاية و اهتمام إلا بالقدر اليسير التي لا تناسب حجم الكثافة السكانية فيها و حجم الدمار الذي ألحق بها في عهد النظام البعثي المجرم الذي كان حاقداً على كل ما هو كوردستاني وعلى وجه الخصوص هذه المنطقة التي صب العروبيون جام غضبهم عليها. أما الكورد في (بغداد) تم تركهم لمصير مجهول بين نارين، نار الإرهابيين العروبيين ونار تعسف حكومة يرأسها رئيس حزب طائفي، أقل ما يقال أنه غير صادق في أقواله ولا يحترم بنود الدستور و ينظر إلى الشعب الكوردستاني نظرة عدائية، حيث أنه يتحين الفرص للتخلص منهم أو إبعادهم عن العاصمة بغداد. إن موقف المالكي و حزبه من الكورد هو نفس موقف سابقاته من رؤساء الحكومات العنصرية التي تعاقبت على دست الحكم في هذا الكيان منذ تأسيسها في العشرينيات من القرن الماضي. إذا يكون رئيس الوزراء نوري المالكي حريصاً على مصالح الشريحة الفيلية و على ممتلكاتهم، لماذا لا يزيل كل هذه العراقيل الجائرة أمام إعادة أملاكهم وأموالهم التي نهبت في بنوك العراق من قبل النظام البعثي المجرم في سنة (1980) قبل تهجيرهم إلى إيران، كيف لنا أن نفهم عدم اهتمام الحكومة بتهيئة الأرضية لعودة مئات الآلاف منهم إلى العراق بعد مضي (29) سنة على تهجيرهم إلى إيران من قبل نظام حزب البعث المجرم، إلى الآن يعيش أعداد كبيرة منهم في ذلك البلد في مخيمات للاجئين تحت ظروف قاسية لا تطاق. في الانتخابات الأخيرة التي جرت في (31) كانون الثاني كدعاية انتخابية التقى رئيس الوزراء نوري المالكي يومياً بشريحة أو عشيرة من العشائر و من ضمن هذه اللقاءات التقى المالكي بعدد من الكورد (الفيلية) ليحثهم على التصويت لقائمته لكن الذي يدعوا للتساؤل أن هذه الشريحة قامت بعد الانتخابات 2009-3-7 في بغداد بإحياء مناسبة تخليداً لذكرى الآلاف من شهداء هذه الشريحة لكن رئيس الوزراء نوري المالكي لم يشارك في هذا الاحتفال الذي جرى تخليداً لذكراهم الذين قتلهم العروبيون بدم بارد هل كان هناك عمل ما عند رئيس الوزراء في يوم السابع من آذار أهم من حضور إحياء ذكرى استشهاد آلاف من البشر ذبحوا دون وجه حق.
إن الدين أو المذهب له دور كبير و مؤثر في حياة المجتمعات الشرقية ومنها المجتمع العراقي و المجتمع الكوردستاني. لذا يتم استغلال هذا الانتماء المذهبي استغلالاً سياسياً من قبل الأحزاب الطائفية بسنتها و شيعتها أبشع استغلال، حيث يحشون رؤوس الناس بأساطير و خرافات لا أساس لها من الصحة. لذا كان الواجب الوطني و القومي يحتم على القيادة الكوردستانية فضح هذه الأفكار و الطقوس المتخلفة التي تملى على الشعب الكوردي بشكل عام و كورد (بغداد) بشكل خاص كي يكونوا على بينة من أمرهم ولا يسيروا خلف الخرافات و الأوهام التي تؤثر سلباً على انتمائهم القومي و الوطني. نعتقد إن فضح هذه الممارسات التي تلحق الأذى بالكورد و كوردستان واجب مقدس يقع على عاتق الحزب الذي يمثل شرائح كبيرة من هذا الشعب و يدعي العلمانية و عضو في الاشتراكية الدولية، يجب عليه أن يكون صادقاً مع شرائح شعبه و مؤازريه لكي يضعهم على الطريق الصحيح، الطريق الذي يوصلهم إلى بر الأمان و يحقق لهم مطالبهم العادلة.
مقارنة بسيطة بين قائمتين في بغداد قائمة (تيار الإصلاح) التي يرأسها الدكتور إبراهيم الجعفري. هذه القائمة هي قائمة شيعية طائفية كشقيقاتها من القوائم الشيعية الأخرى – هذا لا يعني أن القوائم العربية السنية غير طائفية و غير عنصرية و خاصة تلك التي تسمى بجبهة التوافق وغيرها من الجبهات السنية - وبين قائمة التحالف الكوردستاني التي تتأرجح أفكارها بين العلمانية و الدين و القومية و الاشتراكية ولم تثبت الأحزاب المنضوية تحت رايتها على نهج صائب لكي يكون الناخب الكوردي على بينة من أمره من هذه القائمة، لذا وللأسف الشديد استحوذت القوائم الطائفية على أصوات الناخبين الكورد بعد أن خدروه وحشوا رأسه بالكلام المعسول و فتحوا له رصيداً في بنك الآخرة! لو ألقينا نظرة على قائمة الجعفري في هذه الحملة الانتخابية، لنرى ماذا فعل و كيف تصرف في هذه الانتخابات، حيث كان الرجل يظهر للجمهور وهو متوشح بوشاح أخضر وهو رمز علوي شيعي و كان يخطب في الناس و كأنه يقرأ من كتاب مفاتيح الجنان و كان أقرب إلى (روزخون) منه إلى قائد سياسي. لكن يجب أن نقول الحق، أنه و بهذه الخطب الدينية أو بالأحرى المذهبية دغدغ المشاعر الطائفية في وجدان مستمعيه وبذلك استحوذ على عدد من أصوات الناس التي منحته ثلاث مقاعد في مجلس محافظة بغداد. إن إبراهيم الجعفري لم يكن معروفاً في بغداد إلا بعد تحرير العراق من براثن البعث المجرم، بينما القيادات الكوردستانية و مرشحي قائمة التحالف الكوردستاني معروفون لدى البغداديين منذ عشرات السنين، بل معظمهم هم من ولادة هذه المدينة ومع هذا لم يحصلوا على مقعد واحد. الشئ الذي يدعو للحيرة و التسائل هو أننا نقرأ في وسائل الإعلام أن هذين الحزبين الكوردستانيين يدفعان شهرياً في بغداد فقط رواتب لعشرات الآلاف من الناس، يا ترى أين ذهبت أصوات هؤلاء الناس التي من المفروض أن تمنح أصواتها لأولياء نعمتها. هنا نحتاج إلى وقفة و مراجعة للنفس لنعرف ماذا جرى و أين ذهبت أصوات هؤلاء الناس في هذه الانتخابات و التحالف الكوردستاني لم يسجل أي اعتراض على سير العملية الانتخابية في مكاتب انتخابات محافظة بغداد لأن المهنية و التدقيق كان جيداً حسب شهادة المراقبين المشرفين على سير هذه العملية الانتخابية. إذاً هنا يوجد تفسير وحيد لا غير وهو أن الذي يقبض راتب شهري من الحزب الكوردستاني يقبض أيضاً من الحزب الطائفي، فعليه يمنح صوته للحزب الطائفي و به يضمن دنياه و آخرته حسب فكر واعتقاد هذا المواطن المشوش عليه من قبل تلك الأحزاب الطائفية التي تعده بالويل والثبور و الخلود في النار أن لم يمنح صوته لهم.
للأسف الشديد أن الأحزاب الكوردستانية بعقليتها العشائرية و المناطقية تجهل جوانب تاريخية و عشائرية كثيرة لعموم الكورد في جنوب كوردستان و على وجه الخصوص الكورد في منطقة (گه رمیان) أو في العاصمة بغداد، لذا تقع هذه الأحزاب في أخطاء و مطبات كبيرة، على سبيل المثال لا الحصر، يطلقون اسم الكورد (الفيلية) على عموم الكورد في بغداد وهذا غير صحيح إطلاقاً. لذا ترك إطلاق هذه التسمية الخاطئة على جميع كورد بغداد شرخاً و أثراً كبيراً في نفوسهم لأن نسبة الكورد (الفيلية) إلى الكورد غير(الفيلية) في بغداد ضئيل جداً، حيث أن الذين يسمون بالكورد (الفيلية) لا يشكلون أكثر من (15) بالمائة من نفوس الكورد في (بغداد) و إلحاق الكنية بالآخرين على عواهنه لا ترضى بها أي شريحة من شرائح الشعب الكوردي. تخيّل لو تلحق ب(السوراني) كنية (بهديناني) هل يرتضيه أو بالعكس، هل يقبل أن يتخلى (البهديني) عن لقبه القبلي و يحمل لقب (السوراني)؟. لذا يجب على القيادة الكوردستانية التنبه لهذه الهفوة لأن الكوردي الذي ينتمي لهذه الأمة الكوردية و لوطنه كوردستان يعتز أيضاً بعشيرته و قبيلته ولا يقبل التلاعب بكنيته العشائرية حسب أهواء هذه الجهة أو تلك. متى كانت قبيلة (كلهر) التي تضم أكثر من مليون إنسان في شرق و جنوب كوردستان، تنتمي إلى الشريحة الفيلية أو عشيرة (الأركوازي) أو (اللك) متى كانتا تحملان كنية الفيلية هذه العشيرتين تضمان مئات الآلاف من البشر وهناك عشرات من القبائل و العشائر الكوردية تلصق بها كنية (الفيلية) و هي ليست (فيلية) ولا تعلم شيئأ عن هذه الكنية ولا تستسيغها بل هذه العشائر جميعها كوردية و تفتخر بكورديتها و كوردستانيتها أولاً و أخيرا.ً
لقد أشرنا إلى الشخص الذي يتبوأ مركز تنظيمات الإتحاد الوطني الكوردستاني في بغداد وهو مناضل عتيد في صفوف هذا الحزب. لقد ناضل لسنين طويلة في جبال كوردستان الشماء. أثناء وجوده في كوردستان لُقّب من قبل الأخوة في كوردستان بلقب (الفيلي)، أن هذا الرجل لم يكن يحمل هذا اللقب قبل التحاقه بصفوف الحركة التحررية الكوردستانية، وهو من عشيرة عريقة و معروفة ولا أحد من عشيرته يحمل هذه الكنية بل يفتخرون بوطنهم كوردستان و بلقبهم العشائري (قه له ولس). أو المناطقي (مندلي). إن المؤسسة السياسية العربية تستعمل مع الشعب الكوردستاني سياسة (فرق تسد)، لذلك يطلقون هذه الكنية على قسم كبير من العشائر الكوردية لأغراض سياسية لكي يفرقوا بين شعب كوردستان و يسهل لهم الاستحواذ عليهم. لكن عامة الناس من العرب تطلق هذا اللقب على القسم كبير من العشائر الكوردية نتيجة جهلهم بالشعب الكوردي و تاريخه وعدم معرفتهم بأنساب عشائره العريقة.
السبب الآخر لإخفاق التحالف الكوردستاني في بغداد هو مذهبي كما اشرنا إليه. من المعروف للقاصي و الداني أن بغداد أصبحت منذ (2003) ساحة لنشاطات الأحزاب و المنظمات الطائفية، حيث تغدق هذه الأحزاب ملايين الدولارات على مؤسساتها التربوية المذهبية و بعض المؤسسات الخدمية على الطريقة الإسلامية بينما الأحزاب الكوردستانية لا تفعل شيئاً بالإضافة إلى ما ذكرناه في هذا المضمار أن الحزبين الكوردستانين تدفع رواتب للمنتمين لهما وليس لعامة الشعب وإن فعلت شيئأً للعامة من كورد بغداد يكون ذلك يسيراً جداً. كذلك لم تفعل حكومة إقليم كوردستان شيئأً تجاه التهديدات و القتل التي تعرض لها الشريحة الكوردية في بغداد من قبل الإرهابيين من جهة و من قِبل بعض الميليشيات من جهة أخرى التي جعلت الكثير من كورد بغداد يضطرون إلى ترك المدينة و اللجوء إلى مناطق عشائرهم في (خانقين) و( مندلي) و (جصان) الخ. هذا الإهمال وعدم الاهتمام بهم ترك شرخاً آخراً في نفوسهم التي لمسنا نتائجها في (31) كانون الثاني، بل الأخطر من الذي ذكرناه هو ذلك الكلام العنصري المقيت الذي يدون في الجنسية التي تعاد إلى بعض المهجرين العائدين من (إيران) بينما المسئولون الكورد في الحكومة الاتحادية لم يحركوا ساكناً ضد هذه الجريمة التي تفوح منها رائحة العروبيين السفلة الذين كعادتهم لا يحترمون القانون و لا الدستور و كأنهم لم يقرأو القرار الذي أصدره مجلس الحكم و الذي ألغى بموجبه قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل بحق الكورد. ألم يشر الدستور الدائم إلى مظلومية هؤلاء في ديباجته حيث جاء فيه (ومستنطقين عذابات القمعِ القومي في مجازرِ حلبجة وبارزان والأنفال والكوردِ الفيلِيين). رغم هذا الكلام الواضح للظلم الذي ألحق بهم و الاعتداء السافر على حقهم الدستوري، لم تتحرك قيادة التحالف الكوردستاني في بغداد لإزالة تلك التهمة التي تدون في جنسيتهم و شهادة جنسيتهم العراقية التي تعاد إليهم إلا وهي (إيراني متجنس) أو وضع بعض الإشارات من قبل الدائرة المختصة على تلك الوثائق لتميزها عن الوثائق المشابهة التي يملكها العراقيون من غير الكورد. كان الأجدر بالوزراء و المسئولين الكورد أن لا يسكتوا عن هذا الاعتداء السافر الذي يجري بحق مواطنيهم و يقدموا من يقف وراءها للعدالة ليكونوا عبرة للآخرين و إلا لن تنتهي هذه المسلسلة الخبيثة ضد هؤلاء المغدورين. ألم يكن هذا الذي ذكرناه أحد العوامل في عزوف الإنسان الكوردي في بغداد عن الانتخاب لأنه يرى نفسه واقعاً في دائرة الخطر، حيث يفتقر للحماية و التعضيد، و ليس هناك من يحميه من الكلاب المسعورة.
الضبابية في الخطاب السياسي الكوردستاني له مردود سلبي على الإنسان الكوردي و بطبيعة الحال يشمل هذا الكورد في بغداد الذين كانوا يأملون من القيادة الكوردستانية بعد تحرير العراق أن تكون لها خطاباً واضحاً مع الحكومة الفيدرالية في بغداد، إلا أن المواطن الكوردي يرى أن القيادة الكوردستانية غير جادة في إصرارها مع بغداد على تطبيق بنود الدستور وعلى وجه الخصوص تطبيق المادة (140)، بل على العكس يرى المواطن الكوردي أن النعرات العنصرية لدى حكومة بغداد في تصاعد بشكل اضطرادي، حيث أنها لا تتوانى في التحرش بهم في أية لحظة. ألم يدرك قادة كوردستان أن إرسال الجيش العراقي إلى (جلولاء) و (خانقين) و (مندلي) و أخيراً (كركوك) له نتائج سلبية على المواطن الكوردي أينما كان و هذه السلبية يُرى جانباً منها في امتناع الكورد عن المشاركة في الانتخابات. أليس من واجب حكومة إقليم كوردستان دراسة سبب انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة حيث أعلنت المفوضية العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة لم تتجاوز الخمسين بالمائة، أما انتخابات شهر أيار القادم في كوردستان فسوف نرى ماذا تحمل من مفاجئات. بما أن الوضع الكوردي حساس جداً وليس هناك من يريد الخير لهذا الشعب المثابر حيث تحيط بإقليمنا الفتي أعداء لا يكفوا عن حبك المؤامرات و الدسائس ضده و كذلك أعداء هذا الإقليم في داخل العراق لذا يجب على القيادات الكوردستانية أن لا تهمل شعبها الكوردي أينما تواجد في العراق أو كوردستان ولا تتركهم ليكونوا عرضة لاعتداءات الإرهابيين لأن هذه الأعمال الإرهابية التي تطالهم و تبقى دون رد من لدن القيادة الكوردستانية سوف تؤثر سلباً على انتمائهم القومي.
أما أسباب إخفاق قائمة التحالف الكوردستاني في بغداد و التي تقع جزءً منها على الكورد في بغداد أقصد هنا النخب المثقفة منهم التي تخون الأمة الكوردية بأعمالها الصبيانية حيث تؤسس أحزاباً و منظمات و ... تحت يافطة (الفيلية) وهي في الأساس مطية لدول إقليمية و جهات طائفية في أحيان كثيرة دون دراية منها تنفذ مشاريع تلك الجهات المعادية للكورد و كوردستان. كان الأجدر بهذه النخب أن تخدم هذه الشريحة من خلال انضوائها تحت راية الأحزاب الكوردستانية الحاضنة الطبيعية لعموم الكورد أو تؤسس أحزاب كوردستانية لأن هذه النخب مثل بقية الكورد الآخرين هم كوردستانيين، لا أن تؤسس أحزاباً و منظمات كارتونية تخون شعبها. سؤال يطرح نفسه على هؤلاء (الفيلية): ألم تعش في بغداد جالية كبيرة من (البهدينان) و (السوران)؟ هل رأيتم يوماً ما أحدهم أسس جمعية بإسم (السوران) أو (البهدينان) و في الدول الأوربية حيث تنتشر الجمعيات الكوردية بالمئات لم تُرَ بين هذه الجمعيات جمعية بإسم السوران أو البهدينان. هل هناك سورانياً أو بهدينانياً أسس حزباً كوردياً بأحد هذين الاسمين، ما عدا الجمعيات الكوردية (الفيلية) و كأنهم بإصرارهم على هذه النغمة يعترفون و يقولون أن الانتماء القبلي (الفيلي) أقوى من الانتماء القومي الكوردي وهذا ليس له وجود عند جميع شعوب العالم إلا عند هؤلاء الذين يدعون أنفسهم (الفيلية).
هناك بعض الشخصيات الكوردية ترتمي في حضن أحزاب عراقية (شيعية) أو (سنية) همها الوحيد أن تحصل على منصب حكومي أو مقعد في البرلمان العراقي بينما شعبها لا يزال على الطريق ذات الشوكة ولم يصل بعد إلى هدفه المنشود أسوة بشعوب العالم. هؤلاء أيضاً يخونون شعبهم الكوردي من أجل مصالحهم الشخصية. لو افترضنا أن الكتلة الكوردستانية قدم مشروعاً في البرلمان العراقي و جرى التصويت عليه داخل البرلمان و الحزب الذي منح هذا الشخص الكوردي مقعداً في البرلمان يريد الوقوف ضده ويرفع يده بالرفض لذلك المشروع. هنا ماذا سيكون دور هذا الكوردي هل يستطيع مخالفة الحزب الذي منَ عليه بمقعد في البرلمان بطبيعة حاله الانتهازي بكل تأكيد لا يستطيع و عليه لا بد وأن يقف ضد مصلحة و إرادة شعبه. و في هذه الحالة، كما أسلفنا، يصبح الأستاذ أو الأستاذة خائناً أو خائنة وبهذا العمل الخياني سوف يلحق به لعنة الشعب و التاريخ.
إن لدى عامة الكورد الشيعة من (الفيلية) و غير (الفيلية) إلى حدٍ ما الانتماء المذهبي أقوى من الانتماء القومي دون أن يدركوا حيثيات هذا المذهب الذي ينتمون إليه. لذا تراهم في الساعات الحاسمة التي يجب عليهم الوقوف إلى جانب شعبهم، للأسف الشديد يتخذوا موقفاً غير مسئول بالضد من مصالح أمتهم الكوردية، و خير دليل على ما نقول الانتخابات الأخيرة التي جرت في (31) كانون الثاني التي اتضحت فيها أن غالبيتهم في بغداد منحوا أصواتهم للأحزاب الطائفية دون إدراك منهم و ما يترتب على عملهم هذا و ما يحمله من مخاطر على مكتسبات شعبهم و الذين هم يشكلون شريحة منه. يجب على الكوردي أن يعلم علم اليقين أنه يستطيع أن يكون كوردياً جيداً و شيعياً جيداً في آن واحد، حيث يجعل الخطان يسيران أحدهما بموازاة الآخر دون أن يكون الغلبة لخط على الآخر لأن أداء طقوس الدين أو المذهب لابد وأن يجري في مكانها الطبيعي المحدد في المسجد أو الحسينية أو زيارة مراقد الأئمة في العتبات المقدسة. أما الواجب القومي الوطني الذي يقع على عاتق كل كوردي أينما كان، لابد أن يكون معروف لديه أين يؤدي تلك الواجبات القومية الوطنية، على سبيل المثال من أولى واجباتها الحفاظ على الخصوصية القومية و على رأسها اللغة الكوردية و كذلك الدفاع عن شعبه إن تعرض لاعتداء من قبل جهة معتدية و المشاركة في استفتاء لتقرير مصير شعبه وأيضاً المشاركة بروحية عالية في الانتخابات الخ، هذه هي بعض الواجبات القومية و المذهبية التي يجب على الإنسان أن يلتزم بتا، إذاً فلا تعارض بين الانتماء القومي واعتناق أي دين أو مذهب لأن الاثنين لا يلتقيان على مضمار واحد، كلُ له ساحته و دوره الذي يؤدى فيه واجباته.
أود هنا أن أشير إلى بعض الروايات الإسلامية الشيعية عن الشعب الكوردي الذي لم يطلع عليها الكثير من الكورد (الفيلية) والتي تحط من كرامتهم و آدميتهم حيث تصفهم بأبناء (الزنا) وأبناء (الشياطين)، أي أنهم ليسو من بني البشر و حتى ليسو من الشياطين الذين أسلموا بل هم من الشياطين الكفرة. حسب بعض هذه الروايات. لا اقصد هنا الإساءة بل الإطلاع على بعض الجوانب التي تتعرض لهذا الشعب بطريقة تدعو إلى التساؤل و خاصةً إن هذه الروايات موجودة في أهم مصادر المذهب الشيعي والتي تدعو إلى عدم التعامل مع الكورد في شتى المجالات كالبيع و الشراء و عدم مصاهرتهم و البعض الآخر من هذه الروايات تدعو إلى قتلهم لأنهم من الجان الكفرة كما تصفهم، إن كان هناك شخص ما أو جهة ما يقول هذه الروايات غير صحيحة و كذا وكذا طيب ليس لدينا أي اعتراض ليزيلوها من هذه الكتب و تنتهي الموضوع. هذه المصادر هي كالآتي:
روى الكليني في الكافي عن أبى الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (الإمام جعفر الصادق) فقلت: إن عندنا قوما من الأكراد، وأنهم لا يزالون يجيئون بالبيع ، فنخالطهم ونبايعهم ؟ قال : يا أبا الربيع لا تخالطوهم ، فان الأكراد حي من أحياء الجن ، كشف الله تعالى عنهم الغطاء فلا تخالطوهم ( جاء هذا الكلام في كتب كبار أئمة الشيعة و مشايخهم منهم: الكافي ج (5) ص (158) رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي ج (1) ص (520) جواهر الكلام للشيخ الجواهري ج(3) ص (116) من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق ج (3) ص(164) (تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ج (7) ص (405) بحار الأنوار، للعلامة المجلسي ج (1)ص(83) تفسير نور الثقلين، للشيخ الحويزي ج (1) ص (601) سند هذه الرواية هو ذات مقام رفيع جداً في التراث الشيعي ألا وهو الإمام جعفر الصادق (ع) الذي يُعرف المذهب الشيعي باسمه أيضاً (المذهب الجعفري). تولد سنة (148) للهجرة المساوي (765 ) للميلاد وهو ابن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، صهر نبي الإسلام (ص) و خليفته من بعده. جاء في الكافي لللكليني ج (5) ص (352) لا تنكحوا من الأكراد أحدا فإنهم جنس من الجن كشف عنهم الغطاء).
ويقول الشيخ الطوسي في النهاية ص(373) : وينبغي أن يتجنب مخالطة السفلة من الناس والأدنين منهم، ولا يعامل إلا من نشأ في خير، ويجتنب معاملة ذوي العاهات و المحارفين. ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد، ويتجنب مبايعتهم و مشاراتهم و مناكحتهم. قال ابن إدريس الحلي: ولا ينبغي أن يخالط أحدا من الأكراد ، ويتجنب مبايعتهم ، ومشاراتهم ، ومناكحتهم( السرائر ابن إدريس الحلي ج (2) ص( 233)، عن الصادق (ع) ) لا تنكحوا من الأكراد أحدا فأنهن حبس من الجن كشف عنهم الغطاء (تذكرة الفقهاء العلامة الحلي ج (2) ص (569).
ينبغي أن يتجنب مخالفة السفلة من الناس والأدنين منهم ولا يعامل إلا من نشأ في الخير ويكره معاملة ذوي العاهات والمحارفين ويكره معاملة الأكراد ومخالطتهم ومناكحتهم» (كفاية الأحكام- المحقق السبزواري ص (84) الحدائق الناضرة - المحقق البحراني ج (81) ص (40) : و ج (42) ص (111) جامع المدارك - السيد الخوانساري ج (3) ص (137) - تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي ج (7) ص (11) وسائل الشيعة (آل البيت ) - الحر العاملي ج (71) ص (416). وسائل الشيعة (آل البيت ) الحر العاملي ج (82) ص (382) : حدثني أحمد بن إسحاق أنه كتب إلى أبي محمد ( عليه السلام ) يسأله عن الأكراد فكتب إليه لا تنبهوهم إلا بحر السيف (أي القتل). و رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن أبي عبد الله. جاءت كلمة إل(حر) في لسان العرب لأبن منظور (قاموس اللغة العربية) أي القتل اشتدَّ . ومنه
قول أبي الطيّب المتنبي: بأجسام يحر القتل فيها... وما أقرانها إلا الطعامُ.
لنرى ماذا يقول السيد أبو الحسن مرجع الشيعة الأعلى في عصره و كيف يصف الأكراد ويضعهم مع أبناء (الزنا) و (الفاسقين) بينما الكورد (الفيلية) و غير (الفيلية) من الشيعة في بغداد و غيرها من المدن لا يزالون يقدسون هذا الرجل بعد مضي أكثر من نصف قرن على وفاته، لنقرأ هذا الكلام للسيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني (قدس) الذي جاء في كتابه: وسيلة النجاة ص (341) في باب النكاح لا ينبغي للمرأة آن تختار زوجاً سيء الخلق والمخنث والفاسق وشارب الخمر ومن كان من الزنا أو الأكراد أو الخوزي أو الخزر.
لا ننسى أن أهل التسنن أيضاً عندهم واحدة من هذه الروايات ينقلها لنا راغب الأصفهاني ت (502) للهجرة في كتابه محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء ج (1) ص(160) ). ذكر أن عمر بن الخطاب (رض) روى عن النبي (ص) أنه قال:الأكراد جيل جن كُشف عنهم الغطاء، لا نعلم صحة هذا الحديث الذي ينقل عن أحد أهم الشخصيات الإسلامية وهو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) لا نعلم أن المذهب السني في أي مرتبة يضع هذا الحديث و فيما لو يأخذون به أم لا، لكن الأحداث و المجازر التاريخية التي ارتكبت ضد االكورد قد استند فاعلوها إلى مثل هذه الأحاديث. ولا ننسى أن الترك العثمانيين القادمين من حدود الصين قد احتلوا في ما تسمى اليوم ب(تركيا) و أسسوا فيها بالقتل و سفك دماء الأبرياء من الكورد إمبراطورية شاسعة، قد قام هؤلاء الترك بمثل هذه الجرائم الوحشية ضد الشعب الكوردي و قتلوا مئات الآلاف منهم تحت ذرائع شبيهة بهذه الرواية و في عصرنا الحاضر قام المجرم صدام حسين بسلسلة طويلة من الجرائم ضد الشعب الكوردي منها ما عرفت بعمليات (الأنفال) التي هي سورة في القرآن و التي راح ضحيتها مائة و أثنان و ثمانون ألف شهيد من النساء و الشيوخ و الأطفال و كذلك تصفيته للآلاف من شباب الكورد (الفيلي) والكورد الشيعة في معتقلاته الرهيبة.
في النهاية أود أن يعلم الكورد الشيعة في العراق الذين يقطن جزء منهم خارج إقليم كوردستان و على وجه الخصوص الكورد القاطنين في بغداد. مما لا شك فيه أنكم عراقيون و تحملون الوثائق العراقية، لكن يجب أن تعرفوا جيداً أنكم كورداً أصلاء لكم خصوصيتكم القومية ولكم إقليمكم و برلمانكم و حكومتكم. الواجب القومي يحتم عليكم أن ترصوا صفوفكم خلفها وهي التي تمثلكم في دولة العراق الفدرالية و أي ابتعاد عنها و الارتماء في أحضان جهات غير كوردستانية هو نوع من أنواع الخيانة بحق الكورد و كوردستان التي لا تغتفر. لذا يجب عليكم أن تنتبهوا جيداً في الانتخابات القادمة في نهاية هذه السنة و أن تدركوا جيداً أن ممثلكم الشرعي و الوحيد هو الأحزاب الكوردستانية لا غيرها، لذا يجب عليكم اتخاذ الحيطة و الحذر من الجهات التي تعاديكم ولا تريد لكم الخير وكذلك الذين يعدونكم أصنافاً من دون البشر ويأتون بالأساطير و الخرافات عنكم للاستحواذ على أصواتكم التي لها دور كبير في بغداد، عاصمة العراق الفيدرالي. إننا كأبناء هذه القومية ننتقد حكومتنا في الإقليم و أحزابنا الكوردستانية و نشير إلى مكامن الخطأ كي تنتبه لدورها الوطني و تستقيم في أداء واجباتها القومية و الوطنية . قد يكون كلامنا في بعض الأحيان جارحاً لكننا في الأول و الأخير نبقى كورداً و كوردستانيين و نبقى جزءً في هذا الفلك المقدس كوردستان.
إن الذين يتهمون الكورد اتهامات شنيعة و يشككون بأصالتهم وقدمهم في التاريخ البشري و مساهماتهم في بناء الحضارة الإنسانية نقول لهم إن الأمة الكردية كانت على مر التاريخ و مازالت كتلك الشجرة المثمرة التي تتعرض دائما للرمي من قبل الطفيليين.
[1]