الموصل مدينة كوردستانية عبر التأريخ
محمد مندلاوي
في الآونة الأخيرة أشاع العروبيون في محافظة (الموصل) حيث يهيمنون على إدارة المحافظة، الأكاذيب، و الخرافات، عن تاريخ الشعب الكوردي العريق، كعادتهم بدؤوا بتزوير الحقائق التاريخية، التي تذكر الكورد و مساهماتهم العظيمة، في بناء صرح الحضارة بأحرف من نور، قبل أيام قليلة زعم أحد الأخوين (نجيفي)، أن الكورد ليس لهم تاريخ في (الموصل)، و يدعي كذباً و بهتاناً، أن وجود العربي في (الموصل)، أقدم من وجود الآخرين، نقول له و لغيره، ليعلموا جيدا،ً أن كتب التراث العربي، ذكر تاريخ نزوح، واستيطان، جميع العشائر العربية في (نينوى)، التي وفدت إلى إليها، بعد (الفتح) الإسلامي بعدة قرون، و منها، ما لم، تتجاوز تاريخ وجودها في (نينوى)، ثلاثمائة سنة، باستثناء ثلة من الغزاة الأوائل، الذين استقروا فيها منذ (الفتح) العربي الإسلامي.
إن كتب التاريخ العربي، لا تذكر وجود العرب في (العراق)، قبل نشر الدعوة الإسلامية، الذي تم بحد السيف، حاول بعض العروبيون، التلاعب بالتاريخ، ليعودوا بتاريخ وجودهم ليس في (الموصل) فقط، بل في (العراق) أيضاً، إلى عصر (البابلي) الحديث، على طريقة سيدهم المقبور (صدام حسين)، الذي دعا في السبعينات من القرن الماضي، إلى إعادة كتابة التاريخ من جديد، كان يربو من وراء هذه العملية، تزوير التاريخ كما يشاء. لكن كتب التراث العربي، تذكر خلاف ما يزعم هؤلاء العروبيون، حيث تذكر تلك الكتب، أن الاستيطان العربي في (العراق)، بدأت بعد سنة (18) للهجرة، (639) ميلادية، باستثناء (ربيعة بن نصر) و أهل بيته، الذي كتب إلى الملك الساساني في (العراق)، يطلب منه الإذن و الموافقة، ليستوطنوا في أرض (العراق) هو و( عشيرته). تنقل لنا المصادر العربية، أن الملك الساساني، أنزلهم على حدود العراق الصحراوي، كحراس، لحماية مواشيهم ودوابهم من السرقات، التي كانت تتم على أيدي الأعراب، الذين يأتون من الجزيرة العربية، ليسرقوا، بهذا الصدد يقول العلامة (جواد على الطاهر) في كتابه التاريخي الشهير (مفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام): فوقع في نفس ربيعة بن نصر ما قالا،فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك (فارس) يقال له (سابور بن خرزاد) فأسكنهم (الحيرة). كانت عاصمة دولة (إيران) آنذاك (المدائن)، التي تقع أطلالها اليوم قرب بغداد.
يقول المؤرخ العربي الإسلامي (أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري) المتوفى في بغداد سنة (297 للهجرة المصادف 892 ميلادية ) في كتابه الشهير (فتوح البلدان) (الجزء الثاني): ولى (أنو شروان) ابنه لما كانت السنة التي بعث فيها رسول الله (ص) (عبد الله بن حذافة السهمي) إلى (كسرى برويز) وهي سنة سبع من الهجرة ويقال ستٍ زاد الفرات ودجلة زيادة عظيمة لم ير مثلها قبلها ولا بعدها. وانبثقت بثوق عظام فجهد (برويز) أن يسكرها فغلبه الماء، ومال إلى موضع البطائح فطفا على العمارات والزروع فغرق عدة طساسيج - مفردها طسج تعني الناحية أو القرية باللغة الفارسية - وركب (كسرى) بنفسه لسد تلك البثوق، ونثر الأموال على الأنطاع وقتل الفعلة بالكفالة، وصلب على بعض البثوق فيما يقال أربعين جساراً في يوم فلم يقدر للماء على حيلة. ويضيف (البلاذري) في كتابه ثم دخلت العرب أرض (العراق) وشغلت الأعاجم بالحروب.
يذكر (البلاذري) في فصل آخر من كتابه الشهير (فتوح البلدان) (فتح) (الموصل) واستيطان العرب فيها يقول: ولى (عمر بن الخطاب) (عتبة بن فرقد السلمي) (الموصل) سنة عشرين، فقاتله أهل (نينوى)،فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوةً، وعبر (دجلة) فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية. ثم فتح (المرج) وقراه،وأرض (باهذرة)،و(باعذرى)،و(الحنانة)، و(المعلة)،و(دامير)، وجميع معاقل (الأكراد). يذكر (البلاذري) أيضاً عن (العباس بن هشام الكلبي)،عن أبيه، عن جده قال: أول من اختط (الموصل) وأسكنها العرب ومصرها (هرثمة بن عرفجة البارقي). هرثمة هذا كان قائد الجيش الإسلامي، الذي بُعث من مكة في بلاد العرب، إلى ديار الموصل الكوردية قبل (14) قرن، ويتضح جلياً من خلال كتاب (البلاذري)، حين غزت القبائل العربية تلك البلاد، كان الكورد موجودون فيها منذ آلاف السنين، سؤال موجه إلى كل عروبي، تسول له نفسه أن يتهكم بتاريخ الكورد المُشرق، ماذا يقول عن هذا المصدر العربي، الذي يذكر وجود الكورد في (الموصل) قبل الغزو العربي، هناك عشرات بل مئات المصادر العربية، وغير العربية، التي تذكر وجود الكورد في (العراق) و (كوردستان) قبل الاستيطان العربي فيها بعشرات القرون، مثال باحث الآثار الفرنسي، (جان ماري دوران) الذي نشر في باريس، سنة (1997)، ترجمة اللوحات الأثرية (السومرية)، التي تتعلق بالممالك التي شهدتها (كوردستان)، في (الألف الثاني) قبل الميلاد، و يشاهد في هذه الألواح، اسم إمارة (كوردا)، التي كانت في جبل (سنجار)، و كوردستان الملحقة بسوريا، (جان ماري دوران - وثائق مراسلات قصر ماري - المجلد الأول 645 صفحة، مطبعة سيرف باريس، 1997 والمجلد الثاني 688 صفحة عن إمارة (كوردا)، انظر المجلد الأول الصفحات:60، 393، 414، 415، 416، 423، 427، 433، 503، 515، 517، 604، 605، 617، 622 ، باللغة الفرنسية ،المصدر كوردستان نيت). من الذين ذكروا اسم الكورد في (الموصل) قبل الميلاد، القائد اليوناني (كزينفون)، في كتابه ( أناباس) ( رحلة العشرة آلاف مقاتل ) الذي مر ب(الموصل) أثناء رجوعه من (بابل) إلى (اليونان)، في منتصف القرن (الخامس) قبل الميلاد، فقد ذكرها هكذا موسيلا و ذكر وجود (الكورد) في هذه المنطقة، و صعوبة اجتيازه لمناطقهم، بسبب محاربتهم له، و تكبيد جيشه العديد من القتلى، و لم يذكر (كزينفون) في كتابه، وجوداً للعرب لا في ( العراق)، الذي لم يكن يحمل هذا الاسم في ذالك الزمان و لا في (الموصل). والتسمية التي ذكرها (كزينفون) (موسيلا)، هي التسمية الكوردية الصحيحة، لا يزال الكورد يستعملوها، حيث يقول الكوردي إلى اليوم (موسيل – MUSIL) و (كزينفون) دونها بطريقة يونانية (موسيلا)، ثم جاء (الغزاة) العرب، وغيروا اسمها إلى (الموصل)، أن سياسة تغيير أسماء الأماكن والأشخاص، كانت ولا زالت سائدة عند العرب، و هدفهم منها هو تغيير الهوية الأصيلة لتلك المناطق، ليتسنى لهم فيما بعد، الإدعاء بأن هذه المناطق عربية، كما حصل مع (موسيل) وغيرها من المناطق التي وصلتها حوافر خيول (الغزاة) العرب. يزودنا (البلاذري) في صفحات أخرى من كتابه (فتوح البلدان) حيث يقول حدثني (أبو رجاء الحلواني)، عن (أبيه)،عن (مشايخ) شهرزور قالوا: (شهرزور) و (الصامغان) و (دراباد) من فتوح (عتبة بن فرقد السلمي). فتحها وقاتل (الأكراد) فقتل منهم خلقاً، يذكر (البلاذري) في فصل فتوح كور الدجلة - الكور جمع كورة تعني مدينة أو قرية وهي كلمة (أعجمية) غير عربية - يقال: إن (خالداً) لم يسر من (البصرة) حتى فتح (الخريبة)، وكانت مسلحة (للأعاجم)، فقتل وسبى. المقصود ب(الأعاجم) هنا (الكورد). ويضيف (البلاذري) إن (الحيرة) قد فتحت وقتل قتل عظيم من (العجم)، و وطئت خيل (المسلمين) أرض بابل.
هناك مصدر آخر مهم، لا يقل أهمية عن كتاب (فتوح البلدان)، وهو كتاب (الكامل في التاريخ) ل(أبو حسن علي بن محمد بن عبد الكريم)، المعروف ب (ابن الأثير) المولود سنة (1160) ميلادية و المتوفى سنة (1233 ) ميلادية جاء في (المجلد الثاني) في كتابه المذكور: قدم (المثنى بن حارث الشيباني) و(سلمى بنت خصفة) زوج المثنى بشراف وكان (المثنى) بعد موت أخيه قد سار إلى (قابوس بن قابوس بن المنذر) بالقادسية وكان قد بعثه إليها (الفرس) يستنفر العرب فسار إليه (المثنى) فقفله فأنامه ومن معه وسار إلى (سعد) يعلمه برأي (المثنى) له وللمسلمين يأمرهم أن يقاتلوا (الفرس) على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب ولا يقاتلوهم بعقر دارهم. ويضيف أن أهل السواد (العراق) استغاثوا إلى (يزدجرد) وأعلموه أن العرب قد نزلوا (القادسية) ونهبوا الدواب و الأطعمة وإن أبطأ الغياث أعطيناهم بأيدينا وكتب إليه بذلك الذي لهم الضياع بالطف وهيجوه على إرسال الجنود. كلام واضح وضوح الشمس، لا يحتاج إلى تأويل، أو تفسير، حيث أن (القادسية) التي تقع في أقصى جنوب العراق، لم تكن جزءاً من أرض العرب، فكيف بوسط و شمال العراق (موصل)، التي تبعد عن (القادسية) ب (600) كيلو متر، ذكر (ابن الأثير) هنا كلمة الطف فيها ضياع وقرى (الأعاجم). جاءت في القواميس العربية مثل (قاموس المحيط) ل(أديب اللجمي وشحادة الخوري)، و (الوسيط) ل(مجمع اللغة العربية) بمصر، و(محيط المحيط) ل(بطرس البستاني)، و(لسان العرب) ل(ابن منظور)، الخ أن الطف تعني ما أشرف من أرض العرب، على أرض (العراق)، أي أن أرض العرب، كانت في غرب نهر الفرات، أو ما تسمى اليوم بصحراء (المملكة العربية السعودية). ويذكر (ابن الأثير) فتح الموصل مشابه لما ذكره (البلاذري) يقول: إن (عمر بن الخطاب) استعمل (عتبة بن فرقد) على (الموصل) و(فتحها) سنة (عشرين) فأتاها فقاتله أهل (نينوى) فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوةً وعبر (دجلة) فصالحه أهل الحصن الغربي وهو (الموصل) على (الجزية) ثم فتح (المرج) و(بانهذار) و (باعذرا) و(حبتون) و(داسن) وجميع معاقل الأكراد و (قردى) و (بازبدى) وجميع أعمال (الموصل) صارت (للمسلمين). جاءت في هذه المصادر، ذكر الكورد نصاً كما يكتب ويتداول اليوم، وجاءت أيضاً في ذات المصادر، أسماء مدنهم الكوردية، وتلك المصادر، لم تذكر اسماً لأية مدينة، أو قرية، عربية في (العراق)، عدم ذكرهم في هذه المصادر، هو تأكيد على عدم وجودهم قبل تلك (الفتوحات) في بلاد بين النهرين (العراق). بعد تلك (الفتوحات)، قام الكورد، بثورات عديدة في (موصل)، ضد الاحتلال العربي الإسلامي، من هذه الثورات، على سبيل المثال و ليس الحصر، ثورة سنة (281) للهجرة ، و ثورة سنة (284)، و ثورة الكورد الهذبانية في سنة (293).الخ
جاء في المنجد العربي، طبعة دار المشرق، سنة (1973) طبعة (الحادية والعشرون)، صفحة (695) ما يلي : موصل مدينة في العراق تقوم على أنقاض مدينة ساسانية. قبل المنجد العربي، ذكر هذا الكلام (ليسترنج) في كتابه التاريخي المعروف (بلدان الخلافة الشرقية) قائلاً: إن الملك الساساني بنى في موضع (موصل) الحالي مدينة للكورد سماها (بوذأردشير). إن الساسانيين، دليلاً على انتمائهم للعرق الكوردي، كانوا في أية بقعة، يبنون مدينة، يسمون فيها إحدى الأحياء، باسم شعبهم الكوردي، تذكر لنا المصادر العربية وغيرها، ما يلي كانت توجد في مدينة ( المدائن - سلمان پاك) (30) كيلو متر جنوبي بغداد التي بنيت من قبل الملك الساساني، في بداية القرون الأولى الميلادية، (حي كوردآباد- الحي الكوردي)، يذكر المؤرخ العربي الإسلامي (ياقوت الحموي - 1179- 1229م) في كتابه الشهير (معجم البلدان) اسم سبعة أحياء في عاصمة الإمبراطورية الساسانية، (المدائن)، اسم إحداها (كوردآباد - الحي الكوردي). حكم هؤلاء الساسانيون بين سنة (224-651) الميلادية، اقتبست الدولة العربية الإسلامية، الكثير من الحضارة الساسانية الكوردية.
كان الغزاة العرب، عندما يأتون للغزو إلى (العراق) بلاد بين النهرين، يجلبون معهم أسرهم أيضاً، لأن هدف الكثير منهم هو البقاء والاستيطان في هذا البلد، الذي يدر لبناً و عسلاً، و ذات الهدف نفذوه في البلاد الأخرى، التي (فتحوها)، مثل (مصر)، و(سوريا)، و بلاد (شمال أفريقيا)، حيث استولوا على تلك البلاد، و فرضوا عليها هوية عرقهم العربي، حيث تعرف اليوم، بسوريا العربية، و مصر العربية، و أصحابها الشرعيين، أصبحوا غرباء فيها، مثل الأقباط في المصر، و السريان، و الكورد، في سوريا. الخ
تنقل لنا كتب التاريخ العربي، إحدى الحالات التي تظهر فيها امرأة أحد الغزاة، وهي تحث المقاتلين على القتال، كي لا يغتصبوها، (الأعاجم)، يقول (البلاذري) بهذا الصدد: فلما استعمل (عمر) (عتبة بن غزوان) قدم معه (نافع) و(أبو بكرة) و(زياد). ثم إن (عتبة) قاتل أهل مدينة الفرات، فجعلت امرأته (أزده) تحرض الناس على القتال، وهي تقول : إن يهزموكم يولوجوا فينا الغلف. (الغلف) في لسان العرب يعني ذَكر الرجل الذي لم يختن بعد، بما أن (الأعاجم) غير مسلمين آنذاك، يعني أنهم غير مختنين، حسب اعتقاد العرب و قول هذه المرأة، التي كانت تحاول شد عزيمة الغزاة على القتال، تقول لهم أن غلبوكم، سيغتصبوننا وهم غير مختنين. ثم يذكرنا (البلاذري ( في كتابه ب (فتح) (ميشان ميسان) و (دشتميسان)، اسمين لمدينة وسهل كورديتين، اليوم تسمى حصراً (ميسان – عمارة). نقول لأخوين (نجيفي)، ولكل من يدعي، أن للعرب وجود في (العراق) قبل الإسلام، فليقل لنا، كما أسلفنا، اسم مدينة، أو قرية، أو منطقة، باللغة العربية، في هذا البلد قبل نشر الإسلام فيه،لا يأتينا باسم (آرامي) أو (بابلي) أو (آشوري) و يدعي أنه اسم عربي نريد منه اسم عربي صادر من شعب عربي، أي أن العرب هم من سموا تلك المدينة أو القرية.
[1]