هل إقليم كوردستان بحاجة إلى حركة تغيير؟
محمد مندلاوي
إن العنصريين العروبيين، أعداء الكورد و كوردستان، دائماً يزعمون، بأن الكورد، يجيدون كل شيء ألا السياسة. لقد كذبناهم في جميع المواقف و المواقع، و كشفنا زيف ادعاءاتهم الباطلة، و أثبتنا لهم، أن الكورد، كجميع الشعوب في المعمورة، يجيدون كل شيء، كما يجيده الآخرون، لا هم عباقرة، فوق الآخرين ولا هم جهلة دو الآخرين، و خير شاهد على ذلك، التاريخ الذي يشهد للكورد من خلال ذكره لرجاله العظماء، الذين لم يبخلوا يوماً ما في العطاء. لقد ساهموا بجدارة في بناء صرح الحضارة البشرية، جنباً إلى جنب، مع إخوانهم من شعوب الأرض. لكن في الأونه الأخيرة، نشاهد على أرض الواقع، أن جزأً من إدعاءات العنصريين، أثبتت صحتها، بأن الكورد لا يجيدون السياسة، لكنهم يجيدون ما سواها، للأسف الشديد، أن حركة التغيير، التي يرأسها الأستاذ أنوشيروان مصطفى، بأعمالها الصبيانية، قد أثبتت إلى حد ما، صحة و فحوى هذه المقولة العنصرية.
أولى بركات حركة التغيير، بدأت تهطل على الكورد، من سماء السفارة الأمريكية، التي تمثلت بتصريح السفير الأمريكي في العراق، (كريستوفر هيل): لم يعد الكورد في هذه الانتخابات موحدين.هذا الكلام الذي صدر من شخص يمثل القرار السياسي الأمريكي في العراق، له مغزى و دلالة، وسوف يكون له صدى و أثر كبير، في مراكز القرار في الولايات المتحدة الأمريكية. أقل ما يقال عن هذا التصريح، أنه لا يخدم الكورد قطعاً، ويضرهم دون شك. و السبب الذي دفع (كريستوفر هيل) يقول هذا الكلام، هي حركة التغيير، التي أطلقت العنان لمؤيديها بالنزول إلى الشارع في السليمانية وبعض المدن الكوردستانية الأخرى بطريقة استفزازية و العبث بالنظام و بمقدرات المواطنين، مما استوجب تدخل قوات حفظ النظام، لإعادة النظام إلى طبيعته.
الحقيقة يجب أن تقال، حيث أن الشعب الكوردي في هذا الظرف العصيب، في غنى عن التغيير الذي يأتي من خارج كتلة التحالف الكوردستاني، ولا يخدمه، بل يكون خطراً عليه، وعلى مصالحه، وانجازاته المحدودة، الذي حققها بعد سقوط نظام البعث المجرم، لسبب بسيط، وهو إن معالم نظام الحكم في العراق، غير واضحة إلى الآن، رغم وجود الدستور الدائم، الذي يترنح بين الكتل السياسية. هناك من يرفض هذا الدستور جملة وتفصيلا، و هناك من يحاول بشتى الطرق و الأساليب، تبديل بنوده التي منحت الكورد جزأً من حقوقهم، إلى بنود تكبلهم و تضطهدهم، يعني بكل وضوح اضطهاد الكورد دستورياً أن صح التعبير. أليس كان حرياً بالأستاذ أنوشيروان مصطفى و حركته التغيرية، أن يضغطوا على كتلة التحالف الكوردستاني بأسلوب حضاري، من داخل حدود إقليم كوردستان، ولا ينقلوا مشاكلهم إلى خارج حدود جبال حمرين، حفاظاً على مصالح شعب كوردستان. بل تقتضي مصلحة الشعب الكوردي، و تحتم في هذا الظرف الدقيق،أن لا تخوضوا الانتخابات الاتحادية هذه المرة، وتنتظروا الانتخابات القادمة بعد أربع سنوات، إلى أن تتضح لكم الصورة كاملة في العراق. ألا يعرف الأستاذ أنوشيروان، أن الشعب الكوردي لا زال في دائرة الخطر و أعداءهم يحدقون بهم من كل حدب وصوب؟. أنا كمواطن كوردستاني، لا أدعوا حركة التغيير أن تترك لكتلة التحالف الكوردستاني الحبل على غاربة. لكني أقول يجب على حركة التغيير أن تتريث قليلاً وتأخذ الحجة على كتلة التحالف الكوردستاني. بالأمس القريب صرح رئيس إقليم كوردستان الأستاذ مسعود البرزاني، أن هذه الانتخابات، سوف تكون انتخابات مصيرية للعراق و كوردستان. إذاً بعد أربع سنوات من الآن، ستنتهي الحجة، أي دورة انتخابية واحدة، و مدتها أربع سنوات، و أربع سنوات تعتبر لا شيء في عمر الشعوب. ثم بعدها تنتفي الحجة، وتكون كتلة التحالف الكوردستاني، أمام الأمر الواقع، أما قد حققت الجزء الأكبر من وعودها التي قطعتها على نفسها للشعب الكوردي، وأما أن تخذل الشعب فعليها أن تغادر إلى صف المعارضة، و تخلي موقعها لكم، بالطبع هذا يحدث بعد انتخابات حرة و نزيهة، لأن الشعب لا ينتخب كتلة لا تحقق له حقوقه القومية و لا تعيد له مناطقه المستقطعة، التي آلت كتلة التحالف الكوردستاني على نفسها أن تعيدها إلى الإقليم، وكذلك يحتم عليها خلال هذه الدورة الانتخابية، أن توفر للشعب الكوردي المستوى الأدنى من الحياة الكريمة.
لنفترض جدلاً، أن حركة التغيير، ستفوز بأغلبية المقاعد المخصصة لإقليم كوردستان، في البرلمان العراقي القادم. بناءً عليه، تصبح الحركة شريكاً في الحكومة الفيدرالية في بغداد، وهنا البيت القصيد، هل توجد عندها، الكوادر الكافية؟ لتشغل المناصب و المقاعد التي ستحصل عليها وفق استحقاقها الانتخابي. إن غالبية شعب كوردستان تشك أن تكون حركة التغيير قادرة على إملاء تلك المقاعد البرلمانية و المناصب الحكومية بجدارة مهنية. كما ليست لديها أدوات الضغط على الحكومة الفيدرالية في بغداد، لتنفذ وعودها و التزاماتها للكورد، كالتي تملكها كتلة التحالف الكوردستاني. ثم كيف سيكون شكل العلاقة، بين حركة التغيير كأكثرية برلمانية مفترضة في بغداد، مع حكومة وبرلمان إقليم كوردستان التي تدار من قبل كتلة التحالف الكوردستاني، والتي تملك الأكثرية في الإقليم. أنا أعتقد في هذه الحالة ورغم فارق التشابه بينهما لا تكون العلاقة أفضل من التي توجد في محافظة الموصل بين قائمة الحدباء العروبية العنصرية و قائمة نينوى المتآخية. في هذه الحالة سيدفع المواطن الكوردستاني الثمن باهظاً و ليس أحد سواه. لو نلقي نظرة على أرقى الأنظمة في الدول الديمقراطية المتقدمة نرى أن إدارة البلد بقطبين متعارضين تكون فاشلة ولا تملك مقومات النجاح .على سبيل المثال وليس الحصر نأخذ ولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر مركز الديمقراطية في العالم، في بعض الانتخابات يفوز مرشح حزب الديمقراطي بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لكن الحزب يخسر في كسب غالبية المقاعد في الكونجرس الأمريكي، ولهذا يواجه الرئيس خلال سنوات حكمه، مشاكل كبيرة و شائكة حيث يصعب عليه تجاوزها بسهولة، و يصعب عليه أيضاً تنفيذ برنامجه الحكومي، الذي وعد ناخبيه إن ينفذه لهم، لأنه على أساس ذلك البرنامج أنتخب كرئيس للجمهورية.
ثم في علم السياسة، هنالك قاعدة، تقول أي تغيير يحدث في أي بلد أو مجتمع، يحتاج إلى فترة زمنية غير محددة، قد تطول وقد تقصر، لكي يعيد المجتمع عافيته و يقف على قدميه، أي سيصبح ذلك المجتمع مجتمعاً مرتبكاً وغير موحد. هنا يأتي السؤال، هل الوضع الكوردي في هذه المرحلة الحساسة، يحتمل أن يكون الإقليم ضعيفاً و مرتبكاً أمام بغداد، و أمام الآخرين؟، الذين يتربصون بالكورد و يتحينون الفرصة للانقضاض عليهم،هل السياسي الكوردي الذي يحمل راية التغيير، لا يعرف هذه المخاطر، التي تحدق بالكورد من كل حدب وصوب؟ هنا تكمن المشكلة، أن عرفها ولا يعيرها أهمية من أجل مصالحه الشخصية أو عداءات شخصية فهذه طامة، وأن يجهل هذه المخاطر فالطامة أكبر. ألا يعرف الأستاذ أنوشيروان مصطفى، منذ أكثر من عقد و بعد توحيد الخطاب السياسي الكوردستاني، وأعداء الكورد و كوردستان يراهنون على حدوث شرخ في القرار الكوردستاني؟ وهذا ما تقدمه لهم حركة التغيير على طبق من ذهب.
هناك بعض الكلام، يصدر عن حركة التغيير، يجعل المواطن الكوردستاني، يتخذ موقف حاسم من هذه الحركة. مثال كلام السيد (عدنان عثمان) عضو برلمان كوردستان، عن حركة التغيير، والذي وصف پيشمرگة كوردستان بالميليشيا، هذا الكلام يردده العنصريون حيث يصفون قوات الپيشمرگة في الموصل بالميليشيا. كيف بإنسان كوردي يسمح لنفسه أن يردد أقوال العروبيين. لو كان قصد القادة الكوردستانيون الأوائل، الذين أطلقوا اسم الپيشمرگة على قوات الدفاع الكوردستاني هو الميليشيا لكنوا منذ البداية يسموا هذه القوات بميلشيا حيث إن الكلمة موجودة في اللغة الكوردية، لا يحتاج يسموا قوات الدفاع الكوردستانية بالپيشمرگة و يقصدون به الميليشيا. بعد مرور أكثر من نصف قرن على هذه التسمية المقدسة تأتي حركة التغيير وتريد إزالتها و تغييرها إلى ميليشيا، أ هذا هو التغيير الذي تريدونه في كوردستان؟! تجريد الكورد من الأسماء الخالدة في تاريخهم. هل تعلم حركة التغيير لولا قوات الپيشمرگة ما كان الشعب الكوردي ينعم بهذا الأمن و الأمان المستتب في كوردستان، الذي جعل العرب و المسيحيين والصابئة في مدن العراق يفرون إلى إقليم كوردستان لطلب الحماية. هناك شيء آخر أكثر خطورة من تسمية الپيشمرگة بالميليشيا، وهي المناطق المستقطعة من كوردستان، قبل فترة قاد بعض العنصريون العرب، حملة شعواء ضد قادة الإقليم، و ضد الدستور العراقي، الذي جاء فيه هذه المناطق تحت تسمية المناطق المتنازعة عليها، عذرهم أنهم قالوا أن المنازعات تحدث بين الدول فقط، بما أن الإقليم جزء من العراق، يجب إن تسمى هذه المناطق، بالمناطق المختلفة عليها، لان الاختلاف يحدث داخل البلد الواحد والشعب الواحد، من هؤلاء العنصريين الذين قادوا هذه الحملة الفاشلة ضد الكورد و ضد بنود الدستور العراقي وائل عبد اللطيف و زمرة من العنصريين على شاكلته. ثم ما لبثت قناة (KNN) في نشراتها الإخبارية تردد هذه الكلمة القبيحة –المختلفة- التي هي ضد الكورد و كوردستان. تدعي حركة التغيير بأن رمز الذي ترفعها كتلة التحالف الكوردستاني في هذه الانتخابات هو مقتبس من شركة أجنبية أو ما شابه،أي إنسان لو يعرف جزأً يسيراً من الفن يعرف أن رسم الحصان مع الشمس يعني الحرية. فأية حرية تقصد كتلة التحالف الكوردستاني هذه هي التي تجاوب عليه. لم يقال المثل اعتباطاً (ليس هناك دخان بدون نار) فبعد الكلام الذي قلناه أعلاه وما نسمعه عن تأييد (فاتح كريكار) لحركة التغيير، و كذلك ما يقال عن العلاقة مع المستوطنين العرب في كركوك و التركمان، ثم يقارن الإنسان الكوردي تلك الأخبار مع تصريح قادة حركة التغيير في الحقيقة يولد لديه شكوك وهواجس كثيرة عن هذه الحركة. صحيحا ليس هناك دخان بدون نار. الذي يزيد شكوك الإنسان الكوردي عن حركة التغيير، جملة أشياء لقد سردنا جزأً منها في سياق المقال، كالمناطق المتنازعة عليها التي أصبحت بقدرة قادر يحمل اسم المناطق المختلفة عليها. علم كوردستان الذي يفتخر به الكورد، وعمره أقدم من عمر أكثر من نصف الدول الأعضاء في أمم المتحدة، لا ترفعه الحركة وتتعذر بأعذار واهية لا أساس لها من الصحة، حيث تقول أنه مقدس و لا يجوز رفعه في كل مكان و في كل مناسبة، كأن أعلام الدول توضع في صناديق و تحتفظ بها في المتاحف. بينما في كل يوم نشاهد، من خلال وساءل الأعلام، شعوب العالم كيف ترفع علمها و تضعه في كل مكان، هناك جمهورية جارة لإقليم كوردستان، تضع علمها حتى على دورات المياه.
نحن الكوردستانيون، لا نقول أن تأسيس حركة التغيير خطأ، لكن الذي نقوله، هو أن الخطأ يكمن في التوقيت، و التصرف غير المسئول لقادتها و لأنصارها. الوضع الكوردي لا يحتمل تأسيس لمثل هذه الحركة، لأن الكورد تحرروا من نظام صدام حسين قبل عقدين لكن التحرير الحقيقي حدث قبل سبع سنوات لم تسنح لهم الفرصة بعد ببناء الإقليم من الدمار الذي ألحق به، وصورة النظام السياسي في الإقليم في تحسن مستمر و تكتمل شيئاً فشيئاً. كان يجب على حركة التغيير التريث إلى انتخابات (20014) لإكمال الحجة و لحين زوال الخطر العروبي الذي يتربص بالكورد. لأن جميع الكتل السياسية تقول بعد هذه الانتخابات ستحدث تغييرات كثيرة وعلى رأسها مراجعة و تغيير أكثر من خمسين مادة أو بند في الدستور الفدرالي العراقي. كما قلنا في سياق المقال لا يعتقد المواطن الكوردستاني أن حركة التغيير سوف تكون قادرين على مقارعة الكتل والأحزاب العربية في بغداد أفضل و أجدر من كتلة التحالف الكوردستاني التي لديها التجربة الطويلة مع تلك الكتل والأحزاب و كما أسلفنا لديها أدوات الضغط و الحنكة السياسية.
أنا كمواطن كوردستاني، أود هنا أسجل موقف، أقول بصريح العبارة نحن إلى الآن لسنا دولة، و حقوقنا تتأرجح على يد عفريت في بغداد، و وضعنا غير مستقر، و يدعو للقلق. لذا شعب كوردستان لا يحتاج في هذا الظرف بالذات إلى التغيير، لأن أي التغيير يحدث الآن سوف تعم كوردستان الفوضى، و هذا التغيير لا يخدم الكورد بل يضرهم أشد الأضرار. فلذلك نقول و نردد الحكمة القديمة (طير في اليد خير من عشرة على الشجرة).
[1]