ادعاءات النساطرة (الآثوريون) بين الانتساب إلى الأشوريين و أوهام الانتماء إلى العراق 1-9
محمد مندلاوي
بعد تحرير العراق سنة (2003)، من براثن الطغمه البعثيه المجرمة، وإنقاذه من الحروب العبثية، التي زجه بها، حاكمه الأرعن، لأتفه الأسباب. تارة ضد إيران. و تارة ضد دولة الكويت، واحتلالها وضمها إلى العراق. وحروبه القذرة، التي استمرت منذ سنة (1968) إلى نهاية حكمه الدموي، ضد الكورد، لا لشيء، إلا لأنهم كورداً. في الساعات الأولى بعد تحرير العراق، هربت جميع القيادة البعثية، كالعادة إلى جحورها. خوفاً من انتقام الشعب منهم، لما اقترفوها من الجرائم بحقه، والعبث بمقدراته. لكن الحكم الوطني الجديد، لم يكن هذه المرة، على منوال الحكومات التي كانت تأتي إلى سدة الحكم بانقلاب دموي. لأول مرة، في تاريخ العراق، منذ تأسيسه سنة (1921)، تشترك في إدارته كافة شرائح الشعب. فلذا أن نظام الحكم الفيدرالي، ليس مثل الأنظمة الديكتاتورية المجرمة، التي توالت على دفة الحكم في بلاد الرافدين. بل أن أسلوب النظام الفيدرالي، في إدارة البلد، هو انعطافة كبيرة، في تاريخ ممارسة الحكم ومداولته في شرق الأوسط. منذ اليوم الأول لإدارة الدولة، اتخذ النظام الفيدرالي، الدستور مرجعاً له، و تطبيق القانون، بأسلوب حضاري لإدارة الدولة، هدفاً سامياً لا يحيد عنه. حيث لا يجوز في العراق الجديد، أن يعتقل الإنسان بطريقة عشوائية، دون الرجوع إلى المحاكم و نصوص القانون. بعد أن استتب الأمر في البلاد، وهدأ غضب الشعب العارم، بحق أعضاء حزب البعث المجرم، وعرفوا أن القانون هو الحاكم في البلد، ولا خوف عليهم من انتقام الشعب منهم. لأن القانون أصبح هو سيد لا غير، كعادتهم استغلوا بنود هذا القانون الحضاري الراقي، وإنسانية القيادة الوطنية، المتمثلة بالحكومة الاتحادية. خرجوا من أوكارهم، ليعبثوا في الأرض إجراماً و فساداً، كما كانوا يفعلون، إبان حكمهم الدموي. وما لبثت حتى ارتعدت فرائص الأنظمة الديكتاتورية العروبية خوفاً وفزعاً من التجربة الديمقراطية الناشئة في العراق، فلذا اتحدت مصالح هذه الأنظمة الديكتاتورية، التي تتخوف من التجربة الديمقراطية الناشئة في العراق، مع مصالح البعثيين المجرمين، وأمدتهم بكل وسائل القتل و الدمار، وفتحت لهم حدودها على مصراعيها، استغل هؤلاء المجرمون هذه الفرصة، و باشروا باستهداف البلد بالقتل والتفجيرات. وجعلوا من أرض العراق، مسرحاً لعملياتهم الإرهابية الدنيئة. و نتيجة لهذه الأعمال الوحشية، التي يندى لها جبين الإنسان، دفع الشعب ثمناً باهظاً، من دماء أبنائه الأبرياء.
مما لا شك فيه، أن العمليات الإرهابية، التي نفذت ضد العرب و الأكراد. كذلك شملت جزء منها، كنائس الطوائف النصرانية، في مدينتي (موصل) و (بغداد) اللتان تتمركز فيهما طوائف النصارى. من المعروف، أن هذه الطوائف، سكنت في العراق و كوردستان، في تواريخ متباينة، وبصورة خاصة، بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918) حيث جاءت بهم القوات البريطانية، بعد أن طردتهم الدولة العثمانية، نتيجة خيانتهم لها، تارة مع الروس القياصرة، و تارة مع البريطانيين. وقبلها كانوا في طلائع قوات المغول، التي دمرت بغداد و أربيل والمدن الكوردية الأخرى عن بكرة أبيها، و من ثم دمرت هذه القوات، بلاد الشام، وفعلت بها كما فعلت ببغداد و أربيل و المدن الأخرى. لكي لا يزايد أحد على الكورد، يجب أن تبان الحقيقة بوضوح، برغم أنها (كالنحلة في جوفها العسل وفي ذنبها إبرة)، إلا أننا سوف نكشفها و نتطرق لها تباعاً.
إن الديانة النصرانية، انتشرت في العراق و كوردستان في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الميلادي. كما جاءت في الكتب التاريخية الموثقة. و بعد هذا التاريخ أيضاً، واصلت انتشارها في أعماق بلاد الكورد. كان في ذلك التاريخ، يحتم على معتنقي الدين الجديد، أن يرتلوا طقوس العبادة و الصلوات بلغة غير لغتهم. حيث تسمى لغة الكنيسة والأديرة، وهي اللغة الآرامية لغة (الإنجيل) التي تأتي، بعد اللغة اليونانية، اللغة التي دون بها الرسل، الأناجيل الأربعة. وبمرور الزمن أصبح معتنقي هذا الدين، بجانب لغتهم الكوردية، يستعملون لغة الآرامية، التي هي لغة الكنيسة و طقوس العبادة. كما اللغة العربية في الدين الإسلامي حيث هي لغة القرآن و العبادات و الصلاة. بعد انتشار الدين الإسلامي في كوردستان، وفرضه على الكورد بحد السيف (اسلم تسلم و إلا لحقك إثم المجوس) والتباين الشاسع بين المسيحية والإسلام الذي كان له الدور الأول والأخير لتمزيق وحدة الشعب الكوردي بين معتنقي النصرانية و معتنقي الإسلام منهم، وأصبح هذا التمزيق بمرور الزمن، أن إحدى الشريحتين تباعد رويداً رويدا وتقوقع داخل الأديرة والكنائس، وأسس لنفسه بيئة دينية كنسية، تستعمل لغة الكنيسة، ونتيجة لهذا التياعد، حدث ما حدث، حيث نرى أن بعضاً من هؤلاء الذين اعتنقوا الدين المسيحي، أصبح عندهم، الانتماء الكنسي أو الديني، أقوى من الانتماء القومي الكوردي. لكن برغم هذا، لا يزال القسم الأكبر من هؤلاء، بجانب لغة الكنيسة، يحتفظ بلغته الكوردية، و يتعامل بها في حياته اليومية، فقط قسم ضئيل منهم، ساروا وراء الأوهام، حيث خدعهم المبشرون البريطانيون، و على رأسهم المستشرق الپروتستاني الأسكوتلندي (دبليو. أي. ويگرام) و غيره من المستشرقين لأغراض سياسية، حيث أغروهم بأنهم أحفاد الآشوريين، وصدق هؤلاء المساكين هذه الكذبة، وساروا ورائها يتخبطون، كما يسير الأعمى في متاهات الطرقات و الدروب.
هناك شاهد آخر يؤكد، بأن النصارى في كوردستان، هم من القبائل الكوردية. وهو وجود عدد من القبائل الكوردية التي لا زالت إلى اليوم تعتنق أبنائها الدين النصراني و الدين الإسلامي والدين الكوردي القديم الدين الإزدي، أي أن القبيلة الكوردية الواحدة، فيها من معتنقي ثلاثة أديان، وهذا خير شاهد ودليل بأنه كلما جاء دين جديد أخذ مكان الدين السابق. مثال عشيرة (داسيكان) في شمال كوردستان التي ذكرها (محمد أمين زكي) في كتابه القيم (خلاصة تاريخ الكرد و كردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن) ص (402) حيث يقول: تعتنق أبناء هذه القبيلة قسم منهم الديانة الإزدية وقسم آخر الديانة النصرانية وقسم ثالث الديانة الإسلامية. ونفس الشيء في قبيلة (عليان)، أيضاً في شمال كوردستان، قسم منهم بقوا على دين آبائهم وأجدادهم وهو الدين الإزدي التوحيدي، وقسم اعتنقوا النصرانية بعد انتشارها في كوردستان، وقسم ثالث في هذه العشيرة قبل الإسلام بعد (الفتح) الإسلامي. كذلك عشيرة (درمانه) أيضاً فيها من الديانات الثلاثة النصرانية و الإزدية و الإسلام. ونفس الشيء في عشيرة (هاواركا- هويركان). ويضيف أمين زكي في كتابه المشار إليه ص(402) يظهر أن هناك صلة بين هؤلاء الهاواركيين وبين (هاوري) الإزدية. هناك أيضاً عشيرة (هركي) الكوردية الكرمانجية، التي لم يشر إليها محمد أمين زكي، وهي على الحدود في شرق كوردستان، في منطقة (أرومية) وتسميتها قريبة من (هاوركي) و هي اليوم تعتنق الإسلام. وفي جنوب كوردستان في محافظة الموصل، حيث مضارب عشيرة السندي، تعتنق أبنائها الديانة الإسلامية و النصرانية. ولا ننسى عشيرة (محلمية) الكوردية التي كانت تعتنق النصرانية، ثم أسلمت، ولا تزال بعض الأسر منهم نصارى. ويذكر المسعودي في كتابه مروج الذهب المجلد الثالث أن الكورد النصارى من اليعاقبة والجورقان يسكنون في الموصل و حول جبل جودي. ذكر العديد من المؤرخين نصارى الكورد في كوردستان باسم اليعاقبه و النساطرة.
جاءت في الموسوعة الحرة، أن الآراميون تعلموا فن كتابة الأبجدية من الكنعانيين وأن اللغة الآرامية، هي لغة ليست بشعب خاص أو بشعب محدد، أنها لغة كانت سائدة في الشرق القديم، وكتبت بها مخطوطات البحر الميت، وسفري دانيال وعزرا، وهي اللغة الرئيسية في التلمود، و انتشرت مع انتشار الدين المسيحي في جبال أرمينيا و كوردستان. وأنها لغة تتحدث بها بعض الناس لأسباب دينية و متحدثيها عادة يتحدثون لغة أخرى في حياتهم اليومية وهي لغتهم الأصلية. وبالأحرى نرى أن العديد من اللغات المقدسة ماتت أو يفهمونها الناطقين بها بصعوبة بالغة مثال: اللآتينية التي تستخدمها الكنيسة الكاثوليكية. اليونانية الكوينية، تستخدمها الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية. لغة الكنيسة السلافية القديمة. الآرامية التي هي لغة الصلاة و التعليم في اليهودية. كذلك العبرية القديمة.
إن الادعاءات الساذجة، لهؤلاء النصارى، بالانتماء لشعوب انقرضت، كالآشوريين و غيرهم من شعوب (بلاد بين النهرين) و كوردستان، دفعت الكثير من المؤرخين الغربيين و الشرقيين، مسيحيين ومسلمين وغيرهم، رفض دعوى، أن هؤلاء المسيحيين النساطرة، هم أحفاد الآشوريين. من هؤلاء المؤرخين، المؤرخ العالمي الشﮪير (جيمس موريس- (James Morris يقول في كتابه ( الملوك الهاشميون ) صفحة 105 ما يلي: ليس لﮪؤلاء أي ( الآثوريين،النساطرة ) أية علاقة عرقية ب ( آشور ) نينوى، التي أبيدت عن بكرة أبيها في سنة (612) ق.م. قبل هذا المؤرخ تنبأ النبي (ناحوم) في الكتاب المقدس العهد القديم (التوراة) دمار وفناء و نهاية آشور قائلاً : وها الرب قد أصدر قضاءه بشأنك يا أشور: لن تبقى لك ذرية تحمل اسمك. وأستأصل من هيكل آلهتك منحوتاتك و مسبوكاتك، وأجعله قبرك، لأنك صرت نجساً. وفق هذه النبوءات، التي تؤكد بصورة واضحة لا لبس فيها، بأن الآشوريين انتهوا و انقرضوا سنة (612) ق.م. وما هؤلاء الذين يزعمون أنهم آشوريون، ما هم إلا نساطرة من نصارى الكورد. يقول المؤرخ (جيمس موريس) فقد أشفق عليﮪم الإنكليز، بعد انتﮪاء الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وجلبوﮪم إلى مملكة العراق، التي تأسست من قبل بريطانيا العظمى سنة (1920)، بعد انتهاء الحرب العالمية المذكورة أعلاه. وتؤكد المصادر العديدة أن أصل تسميتهم ب(الآثوريين) ليس لها علاقة ب(الآشوريين) الذين حكموا في العصور الغابرة، بل هي مشتقة من (الثورانيين) أي (الجبليين)، بالسرياني، وإنما ما يسمى ب(آشور) و (آشوريين) تسمية جاءت بها ما تسمى بالأحزاب الآشورية. جاء في الكتاب التاريخي الشهير (وفيات الأعيان) ل(ابن خلكان) طبع بيروت مجلد الثالث صفحة (348) ما يلي: هكاري موطن النساطرة، هم قبيلة من الأكراد، لها معاقل و حصون و قرى في منطقة الموصل. يؤكد الشماس (كوركيس مردو) في بحثه القيم و باعتماده على العديد من المصادر الموثقة بأن هؤلاء الذين يدعون أنهم أحفاد الآثوريين ما هي إلا تسمية ابتدعها الإنكليز. ينقل عن كيوركيس بنيامين في كتابه (الرئاسة/ طبعة شيكاغو 1987 م) الذي عاش في تلك الفترة فتكون شهادته صادقة: إن اسم (الآثوريين) ابتدأ بتداوله الإنكليز منذ نهاية القرن التاسع عشر،عندما وصل المبشرون الإنكليز من إنكلترا إلى ديارنا سنة 1884 ميلادية. يضيف الشماس كوركيس مردو، لقد لعبت البعثات التبشيرية الأوروبية دوراً بارزاً في تهيئة المناخ لاستثارة النزعات القومية و الدينية، وكان بعثة الكنيسة الإنگليكانية (بعثة أسقف كانتربري) الأشد خداعاً و تخريباً بين أدوار البعثات الأخرى،حيث يشير الدكتور (أحمد سوسه) إلى هذا الدور في كتابه ( العرب واليهود في التاريخ ص 596- 597) وفدت إلى جماعة (مار شمعون) بعثة إنكليزية، حاولت تحويل هذه الجماعة من مذهبهم النسطوري إلى مذهبها البروتستاني، غير أنها لم تفلح، ولكنها نجحت في إقناعهم بأن (النسطورية – النساطرة) لا تليقان بهم، وعليهم استبدالها بلفظتي (آثور – آثوريين) لكي ترفعا شأنهم في الأوساط العالمية، ويكون بالإمكان في هذا الحال نسبهما إلى الآشوريين القدماء، ,يضيف أحمد سوسه، لم يذخر رئيس البعثة (وليم ويگرام) وسعاً في لعب دور دعائي كبير لنشر هذا الاسم (آثوريين)،بينما لم يكن هؤلاء النساطرة يعرفون هذا الاسم إلا بعد قدوم هؤلاء المبشرون. ينقل الباحث عن جون جوزيف في كتابه (النساطرة و مجاوروهم الإسلام/طبعة 1961 م) إن الإرسالية التبشيرية الإنكليزية التي استفردت بالنساطرة الكلدان في منتصف القرن التاسع عشر، كانت تلقب ببعثة رئيس أساقفة كانتربري إلى المسيحيين النساطرة،وهي أول من أطلق عليهم تسمية (آثوريين). ثم يقول إن المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني يذكر في كتابه (تارخ الوزارات العراقية/المجلد الثالث ص. 254-255) إن الإنكليز وحدهم فقط يطلقون على النساطرة اسم (الآثوريين) بينما الجميع بدعونهم (تِيارية) ويضيف ولا علاقة عرقية لهؤلاء النساطرة بآشوريي نينوى، وإنما هم نساطرة مسيحيون. ويزودنا المؤرخ عبد الرزاق الحسني في صفحة (256) من كتابه (تاريخ الوزارات العراقية) المجلد الثالث:إن الكولونيل الإنكليزي (ليچمان) جاءت له فكرة إسكان هؤلاء النساطرة في القرى الكوردية الواقعة على الشريط الحدودي ل(تركيا) عقاباً للأكراد الذين أعلنوا العصيان عليهم مرتين، وقد نال الاقتراح تأييد (ولسن) الحاكم البريطاني في شهر آب سنة (1920) وقد استهل رسالته البرقية كما يلي: ستتوفر لدينا فرصة تتيح لنا إنصاف الطائفة الآثورية بشكل يرضيها ويرضي الأفكار الأوروبية من حيث الحق و العدل، و تساعدنا على إيجاد حل لأعسر مشكلة تخص الأقلية الدينية و العرقية في كردستان، و تجعلنا في مأمن من خطر قد يهدد السلم في شمال الفرات، وفي ذات الوقت نكون قد عاقبنا مثيري اضطرابات العمادية، إنها فرصة لن تعود ثانية، وقد تم تكليف المبشر (وليم ويگرام) ذي الخبرة الواسعة بشؤون هؤلاء النساطرة للإشراف على تنفيذ هذه الخطة. لاحظ حتى القائد الإنكليزي (ليجمان) عدو الكورد، لم يستطع أن ينكر وجود كوردستان، وأن هؤلاء المسيحيين، استوطنوا فيها من قبل قوات الاحتلال البريطاني. وجاء في المصدر المذكور في حاشية الصفحة (257) المجلد الثالث ورد نقلاً عن التقرير البريطاني ما يلي: قام الإنكليز بتجنيد ما يقارب ألفي فرد من هؤلاء النساطرة،استعانوا بهم في قمع ثورة العشرين(1920) أطلقوا عليهم (الجيش اللفي).
بين فترة وأخرى، يُنشر في بعض المواقع الالكترونية، مقالات لبعض العبثيين، الذين يحاولون من خلالها، بث الريبة والشكوك عن الأمة الكوردية وتاريخها ولغتها وإسهاماتها في بناء الحضارة. من خلال بث هذه الإشاعات المغرضة غير النزيهة، يصبون إلى تشويه الحقائق على القارئ، لكي يلتبس عليه الأمور، و يجهل حقيقة الأمة الكوردية وعدالة قضيتها. من بين هؤلاء الكتاب، بعض من حملة الأقلام من النساطرة (الآثوريين)، المناهضون دائماً لكلما هو كوردي. حيث لا تمر مناسبة دون أن ينشروا في مواقعهم، الكلام الملفق، عن أصالة الشعب الكوردي وتاريخه التليد. بما أن هؤلاء الذين يكتبون عن الشعب الكوردي وتاريخه، يفتقدون إلى أبسط المعلومات عن المادة التي يكتبون عنها، فتصبح جل مقالاتهم التي تمس الكورد بسوء، مادة للسخرية و التهكم عند القراء. يا ترى هل الأمة الكوردية مسئولة عن ضحالة معلوماتهم و سطحية ثقافتهم في هذا المضمار .؟! إن المشكلة التي يعاني منها المثقف غير الكوردي، في شرق الأوسط، أنه يجهل الكثير عن الكورد وتاريخهم و حضارتهم، بخلاف المثقف الكوردي، الذي يلم بجانب كبير من المعلومات،عن منطقة شرق الأوسط و تاريخها، وحضارات شعوبها. بينما في الجانب الآخر المثقف غير الكوردي، كما أسلفنا، ليس لديه أية معلومات عن الكورد و كوردستان، إلا النزر اليسير، لا نعرف أن هذا عمداً أو جهلاً أو تهاوناً. أليس من واجبات المثقف أن يدس أنفه في كل مكان ليعرف الغث من السمين، إذاً لماذا لا يبحث المثقفون من غير الكورد في مجاهل تاريخ و اللغة الكوردية،؟ ليتعرفوا على جانب من حضارة هذا الشعب، الذي على أرضه رست سفينة النبي نوح، و أصبحت أرضها مهد البشرية الثانية، ومنها انطلقت الحياة إلى أصقاع المعمورة. ألم يسمع هؤلاء المثقفون بكتاب زرادشت المقدس أفستا؟ الذي دون باللغة الميدية الكوردية. و يقول المثقفون من غير الكورد خطأً أن هذا الكتاب المقدس دون باللغة الفارسية القديمة. بينما يرى القارئ فيه بسهولة العديد من الكلمات الكوردية، التي ليست لها وجود في اللغة الفارسية، و هي كلمات خاصة بجلالة اللغة الكوردية. هذا ما تطرق له المفكر الكوردي (مسعود محمد) في كتابه القيم (لسان الكورد). في أحيان كثيرة يكتب المثقف غير الكوردي، عن أديان بعض القبائل في مجاهل أفريقيا، ولا ضير في هذا، لكنه لم يحاول في يوم من الأيام الغوص في بحر الأديان الكوردية القديمة. الأديان التي كانت سائدة في المجتمع الكوردي قبل الدين الإسلامي والمسيحي، و حتى قبل الدين اليهودي. حسب معلوماتي أن عدد الذين كتبوا عن بعض الأديان الكوردية القديمة، لا يتجاوز عددهم على عدد الأصابع في اليد الواحدة. أليس التعريف بالشعب الكوردي وتاريخه وتراثه هي مسئولية تقع على كاهل المثقف الذي ينتمي إلى هذه الطوائف. لكن للأسف الشديد، نرى خلاف هذا، حيث أن هؤلاء المثقفين، يجهلون حقيقة وجود الشعب الكوردي و تاريخه المشرف. للأسف الشديد ينسب هؤلاء المثقفون بعمد أو بدون عمد كلما هو كوردي إلى الأمم الأخرى. أو يشككون بأصالته بكلام خرافي يبغون من ورائه تشويه تاريخه و حضارته، وفي النهاية يقصدون تشويه صورة الإنسان الكوردي. مثال كتاب (زرادشت المقدس) الذي تطرقنا إليه. أو كتابي (جلوة و مصحفي رش) اللذان بالديانة الإزدية التوحيدية، وهما مدونتان باللغة الكوردية. للأسف نرى أن المثقف من غير الكورد يوجد لديه معلومات سطحية عن الدين الإزدي و عن كتبه المقدسة و بصورة خاصة كتابيه المذكورين أعلاه . والشيء نفسه يجري على كتب الديانة (الكاكائية) المقدسة، والتي تسمى بالكوردية (سه رئه نجام – المصير) وأنها مدونة باللغة الكوردية، وعدد صفحاتها تقارب (14) ألف صفحة، والتي دونت من قبل عدد من علماء و نوابغ هذا الدين التوحيدي، منهم العلامة و الشاعر (بابا طاهر الهمداني) عاش بين سنة (937 – 1010) ميلادية. و الشخصية الدمثة المتواضعة (عمر بن لهب) الملقب ب(بهلول) المتوفي سنة (219) للهجرة. وأيضاً من فطاحل علماء هذا الدين (نعمت الله جيحون آبادي مكري) (1288- 1338) للهجرة، صاحب ديوان (شاهنامه حقيقة) الذي يحتوي على (11117) بيت شعر، وفيه يتحدث عن الدين والدنيا، بلا شك يقصد دنيا الكورد، لأنه عاش ومات في كوردستان. وعشرات غيرهم من علماء هذا الدين، الذين تركوا إرثاً زاخراً، يسير علي نبراسه أبناء هذا الدين التوحيدي القويم، إلى ما شاء الله. ونحن نتطرق إلى بعض كتب الكورد لا نستطيع نجهل كتاب العلامة (محمود بايزيدي) (تاريخ كوردستان الجديد) الذي ألفه في سنة (1857) ميلادية. ثم الموسوعة التاريخية الكوردية، التي هي عبارة عن أربعة كتب في مجلد واحد، والتي ألفها الأمير (شرف خان البدليسي) أمير إمارة بدليس في شمال كوردستان (تركيا) سنة (1597) ميلادية، أي قبل أكثر من أربعة قرون، التي تعتبر مصدراً مهماً في التاريخ الكوردي. ترجم هذا الكتاب الموسوعة، إلى لغات عديدة، منها الإنجليزية و الألمانية و العربية و الآذرية و الروسية و التركية والأرمنية. الخ لقد أهدى المؤلف، هذا كتابه إلى شاه (عباس الصفوي) ملك إيران، و مساحة مملكة إيران في ذلك العصر كانت أكبر بكثير مما هي عليها اليوم. توجد ضمن الكتاب خارطة كوردستان، التي تبدأ من مضيق هرمز في الخليج (الفارسي) إلى ساحل بحر الأبيض المتوسط، رسم هذه الخارطة في ذلك العصر لكوردستان و تحديد مساحة أرضها، يدل على وجود الوعي القومي عند الكورد، في ذلك الزمان. إذا لم تكن كوردستان بهذه الحدود، لضرب شاه (عباس الصفوي) عنق الأمير، لأنه يدعي شيء غير واقعي وغير موجود، لكن الشاه عباس الصفوي قبل الكتاب كهدية واقتنع أن هذه الأرض هي حدود كوردستان الطبيعية.
نسأل من المشككين بالتاريخ وتراث الأمة الكوردية، هل كان يوجد وعي قومي في ذلك العصر عند شعوب الشرق الأوسط، من غير الكورد؟! من المعروف، أن أكبر الأمم في شرق الأوسط، كانت الأمة العربية، لكن جميع الدول التي أسستها، هي دول إسلامية، ليس لها طابع قومي. و كذلك الأتراك القادمون من حدود الصين، أيضاً إمبراطوريتهم كانت إسلامية سنية، بل قبلية، بدليل، لم تكن باسم الأتراك، كانت باسم رئيس إحدى قبائلهم وهو (عثمان)، لذا سميت بالدولة العثمانية. في العصر الحديث قام الشعب الكوردي بعديد من الثورات على الإمبراطورية العثمانية، من أجل التحرر و الاستقلال. واستمرت هذه الثورات فيما بعد ضد قوات الاحتلال البريطاني، لقد اندلعت جميع هذه الثورات الكوردية من أجل شيء مقدس وسامي وهو تحرير و استقلال كوردستان. سنذكر عدد من الثورات الكوردية، التي رفعت راية الاستقلال و التحرر. على سبيل المثال وليس الحصر. ثورة (محمد باشا راوندوزي) في سنة 1835- 1837. ثورة (بدرخان باشا) أمير بوتان في سنة 1842- 1848. ثورة ملك محمود الأول في جنوب كوردستان (1918) ثورة الشيخ (عبيد الله النهري) في سنة 1880- 1881 حيث حارب الشيخ، الدولتين، العثمانية و الإيرانية معاً من أجل الاستقلال و تأسيس دولة كوردستان المستقلة. ثورة سمكو الشكاكي (إسماعيل) بين سنوات (1921 – 1924) التي قامت في شرق كوردستان. هناك العديد من هذه الثورات الوطنية، التي قامت في كوردستان قبل هذا التاريخ وبعده، جميعها رفعت راية الاستقلال و الخلاص من نير الاحتلال الأجنبي.
حكم الأتراك العثمانيون أربعة قرون شعوب شرق الأوسط، هل قامت شعوبها بثورة رفعت فيها راية الاستقلال و رفضت الاحتلال التركي البغيض؟! باستثناء الكورد. أكبر تلك الشعوب كان الشعب العربي هل قاموا بثورة ضد الاستبداد التركي؟ باستثناء ثورة (1917) التي كانت بإيعاز ومؤازرة بريطانيا العظمى من خلال الجاسوسة (مس بيل) و الجاسوس (لورانس العرب - Lorans alarab)، و دول أوربية أخرى. هل قام المسيحيون النساطرة (الآثوريون) بثورة تذكر في التاريخ، ضد الحكم العثماني،؟! الذي أذلهم و أحط من كرامتهم بل على العكس، كانت الطوائف المسيحية وعلى وجه الخصوص في العراق وكوردستان، وعلى مدى تاريخهم مرتزقة، مرة لبريطانيا، و مرة لروسيا القيصرية، من منا لم يسمع بقوات (الليفي الآثوري) التي كانت قوات مرتزقة لبريطانيا تستعملهم لإخماد ثورات الكورد التي كانت تقام ضد الاحتلال البريطاني لكوردستان. وقبل ارتمائهم في أحضان بريطانيا، كانوا في مقدمة القوات القيصرية الروسية التي فتكت بالكورد وأحرقت قراهم ومدنهم في شمال وشرق كوردستان. ومنذ ذلك التاريخ يطلق الكورد على النساطرة اسم (فه له ره شك - كناية عن النساطرة القرويين القتلة) لما لا قوه من سلب ونهب وقتل على أيدي هؤلاء النساطرة المنضوون تحت لواء القوات الروسية القيصرية. بل حتى في أسوء عهود التاريخ، الذي هو تاريخ حكم المغول لبلدان شرق الأوسط، كان هؤلاء النساطرة (الآثوريون) في طلائع قوات المغول، التي دمرت بغداد و أربيل ودمشق، وسائر بلدان شرق الأوسط، كانت. وزوجة القاتل هولاكو كانت نسطورية (آثورية) وهي التي مهدت الطريق للنساطرة ليتبوأ مواقع حساسة في جيش المغولي، الذي أحرق اليابس والأخضر. نتساءل، عن ماذا تدل هذه الثورات الكوردية المباركة؟ إذا لم يكن هذا الشعب هو صاحب هذه الأرض، و له حضارة وتاريخ عريق عليها.؟و لماذا صمت الآخرون ولم ينتفضوا ولو لمرة واحدة ضد الاستبداد و الاحتلال التركي العثماني،؟! الذين لم يدخروا جهداً باستعمال الخازوق ضدهم على مدى أربعة قرون.
هذه الحلقات التسعة، التي ستأتي تباعاً هي رداً على كاتب نسطوري، كتب مقالاً تحت عنوان (الأكراد يعيدون كتابة التاريخ على مزاج أولياءهم) قل أدبه على الكورد. مقاله منشور في هذا الموقع www.almahatta.net و مواقع أخرى.
[1]