ادعاءات النساطرة (الآثوريون) بين الانتساب إلى الأشوريين و أوهام الانتماء إلى العراق 2-9
محمد مندلاوي
في إحدى المقالات النكرة التي تنشر في المواقع الالكترونية تجرأ أحد النساطرة، وتهجم بشكل سافر على العلامة (محمد أمين زكي) مؤلف كتاب (خلاصة تاريخ الكورد و كوردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن) استخف وشكك بهذا الكتاب القيم، الذي يُعتمد عليه في العالم، كمصدر موثوق به في التاريخ الكوردي القديم. إن العلامة محمد أمين زكي، اعتمد في تأليفه لهذا الكتاب، الموسوعة، على مائتين وخمسين مجلداً، من الكتب الإنجليزية و الفرنسية و الألمانية و العربية و التركية و الفارسية. حسبما أورده المؤلف في مقدمة كتابه، حيث أنه استطلع و أدرج آراء أعداد كبيرة من المستشرقين و غيرهم من الباحثين عن الأمة الكوردية. يا لسخرية الزمن يأتي اليوم نفر ضال من النساطرة (الآثوريين) يحور الكلام و يزعم، بأن كتب التاريخ ليست فيها ذكراً للكورد و كوردستان. ألم يعرف هذا النسطوري الضال، أن الكورد بالإضافة إلى لغتهم الكوردية يدونون بعدة لغات أخرى؟ حسب اللغة السائدة في الجزء المحتل من كوردستان. وأن الكاتب النسطوري يجيد العربية و لربما الإنجليزية. ألم يعرف الكاتب أن القسم الأكبر من كوردستان يقع في ما تسمى ب(تركيا)، وهم يدونون باللغة التركية الحرف اللآتيني؟، لأن التحدث و التدوين باللغة الكوردية في (تركيا) ممنوع منذ زمن ليس بقريب ويعاقب عليهما القانون. نتساءل، هل الكاتب النسطوري يجيد اللغة التركية حتى يعرف ماذا دوًن الكورد في تلك البلاد؟. و الشيء نفسه يجري على الكورد في شرق كوردستان (إيران)، حيث اللغة الفارسية هي السائدة باستثناء جزء من كوردستان في إيران يسمح فيه باستعمال اللغة الكوردية وذلك لإصدار بعض الكتب التاريخية و الأدبية ليس إلا. كذلك الجمهورية السورية، التي هي غني عن التعريف باستعمال أساليب وحشية ضد الكورد في غربي كوردستان، بدأً من التهجير القسري لهم من ديارهم، و توزيعها على العربان و استيطانهم فيها. وقبل تنفيذ عمليات التهجير القسري لهم من مدنهم و قراهم قام النظام السوري بعمل عنصري دنيء ضدهم، إلا وهو إسقاط الجنسية السورية عن (300) ألف إنسان كوردي. وفي الستينيات من القرن الماضي قام النظام العنصري في سوريا بإصدار مرسوم جمهوري تم وفقه تغيير أسماء مناطق الكورد في غرب كوردستان إلى أسماء عربية نكرة. إن الذي ذكرته، هو قيض من فيض، من الظلم الذي يلحق بالكورد في ذلك البلد. يأتي الآن كاتب عبثي يعيش في ظل نظام ديمقراطي وله الحق أن يقول ما يشاء، ويطلب من الكورد، يدونوا تاريخهم كما تدون الشعوب الأوربية والأمريكية.؟! ألم تعرف يا هذا أن الكورد شعب واقع تحت الاحتلال المدمر؟ و الذين يحتلون بلادهم، هم أوباش، ليسوا من أصناف البشر. خذ مثلاً نظام صدام المجرم، لقد ختم حكمه البغيض، باستعمال السلاح الكيماوي ضد الكورد في جنوب كوردستان. وتزامننا مع ضرب حلبجة بالسلاح المحرم دولياً قامت قواته بعمليات الأنفال سيئة الصيت التي ذهب ضحيتها (182000) ألف إنسان كوردي . من المؤكد الجيل الناشئ من النساطرة، مثل الأستاذ الكاتب لا يعرفون ولا يدركون ماذا تعني الأنفال، هذا الاسم مستنبط من القرآن توجد سورة في القرآن بهذا الاسم، فهي تعني الغنيمة و السلب كما جاءت في التفاسير، يعني وفق هذا النص القرآني وضعوا الكورد في عداد (الكفار) أعتقد صدام أن هذا تفويض شرعي له حيث أباح لنظامه المجرم أن يفعل ما يشاء بالكورد ولا إثم عليه!!! بدءً بالذبح و اغتصاب النساء و أخذ السبايا وانتهاء بالتهجير والاستيلاء على الأموال الخ هل فهمت الآن يا أستاذ؟ أم أنك نسيت واقع هذه الأمة المر، وأنت تبحث عن الكلمات البذيئة التي وشحت بها مقالك اعتقدت أنك بهذه الألفاظ النابية ستنال من الكورد، و نسيت أو تناسيت أنك تتحدث عن شعب يتعرض منذ قرون للإبادة على أيدي جلاديه، و حضرتك تتوقع منه يؤسس جامعات، مثل سوربون (La sorbonne)، و جامعة أُكسفورد ((The University of Oxford و ينشأ مكتبات، على غرار مكتبة، الكونگرس الأمريكي أو مكتبة الفاتيكان.!! حكم ضميرك يا هذا ثم أطلق العنان لقلمك ال....
يشكك الكاتب النسطوري، بوجود الأمة الكوردية و تاريخها. أستسمحه و انقل له و لغيره نص، من العلامة المختص بالسومريات، الأستاذ (طه باقر) من كتابه الشهير (ملحمة كلگاميش) صفحة (141) ما يلي: اسم الجبل الذي استقرت عليه سفينة نوح البابلي، بحسب رواية بيروسوس (برعوشا، الكاتب البابلي، القرن الثالث ق.م ) باسم جبل ال كورديين أي جبل الأكراد. انتهى الاقتباس. جاءت في الموسوعة الحرة عن بيروسوس، برعوشا أنه راهب و فلكي و مؤرخ كلداني من عبدة الإله مردوخ عاش في القرن الثالث قبل الميلاد. هناك اعتقاد بأن اسمه باللغة الأكدية كان بعل رعي شو و معناه (بعل هو راعيا). أخذ عنه المؤرخان (إليان – (Aelian و (تاتيان – (Tatian من مؤرخي القرن الثاني قبل الميلاد. وتواترت عملية النقل و الاقتباس منه في العصور اللآحقه. بقي كتابه البابليات من أبرز المصادر عن تاريخ بلاد بابل في مطلع العصر السلوقي. وقبل هذا التأريخ بعشرات القرون جاء اسم الكورد في ألواح سومر التي توجد اليوم عشرات الآلاف منها في متاحف أوربا تحديداً بريطانيا و فرنسا.
نتساءل، إذا لم يكن هذا الشعب موجوداً بهذا الاسم – جبل الأكراد-، كيف سمي الجبل باسمه؟. من المعروف للقاصي و الداني أن هذا الشعب، موجود إلى الآن بهذا الاسم الأكراد و بلاده التي تسمى كوردستان، أي موطن الأكراد. أكرر أن هذا الكاتب (كلداني) وليس (كوردي) حتى يحرف التاريخ. قبل التاريخ الذي ذكرناه بزمن بعيد جداً، ذكر اسم الكورد، في ألواح سومر. بإمكان المرء، أن يجد، و يقرأ، هذا الاسم، الذي يملأ بواطن كتب التأريخ، في شتى أنحاء العالم، ولا ينكر هذا إلا أعمى البصر و البصيرة وجاحد. ذكر هذا الكلام العلامة محمد أمين زكي في مقدمة كتابه (تاريخ الكرد و كوردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن) الذي يتهمه الكاتب النسطوري بأنه استند على كتاب (مينورسكي) فقط. يقول أمين زكي في مقدمة كتابه: إذ اطلعت على بضع مئات من المؤلفات المختلفة و المصادر التاريخية العديدة. واقتبست منها نصوصا قيمة، دونت بها مذكرات كثيرة. ثم ساقني القدر بمهمة رسمية إلى أوربا سنة (1331) للهجرة. زرت خلالها كثيراً من المكاتب و خزائن الكتب، ودور الآثار و المحفوظات في (ألمانيا) و (فرنسا) فوقفت على جانب عظيم من المؤلفات النادرة. ثم يضيف محمد أمين زكي أن المصادر التي جمعتها قد أتلفت عندما حرق بيتي، ويستطرد، ذات يوم من أيام سنة (1929) م وقع نظري على ((دائرة المعارف الإسلامية)) في مكتبة مجلس النواب ب(بغداد).فاستعرته للمطالعة والفحص فوجدته مؤلفا قيما حديثا شرعت في وضعه منذ سنة (1905) لجنة علمية مكونة من أخصائيين عالميين ولم تكمله بعد. للأمانة الأخلاقية أنقل نص الذي دونه المؤلف أمين زكي في مقدمة كتابه عن كتاب (فلاديمير مينورسكي) برغم أهميته لكنه لم يكن المصدر الوحيد بل كان مصدراً من بين مئات المصادر التي استقى منها العلامة محمد أمين زكي. و يقول المؤلف، قد لفت نظري في المجلد الثاني منه البحث المستفيض القيم للمستشرق العلامة (فلادمير مينورسكي) عن الكرد و كوردستان.فعكفت على مطالعة هذا البحث مرارا،وأعدت مطالعته مثنى وثلاث،بكل شوق وحنين إلى استئناف العمل على تحقيقها. فقررت حالا المبادرة إلى وضع – (تاريخ للكرد و كوردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن) -. وذلك على ضوء هذا البحث القيم وعلى أساسه ومنواله. وتنفيذاً لتلك الرغبة ترجمت قبل كل شيء جميع ما يتعلق بالكورد و كوردستان من المباحث الخاصة بموضوعنا في الكتاب المذكور، فثرت على بعض منها،وعلى غيرها أيضاً من مصادر أخرى. هذا وقد ساعدني بعض الأصدقاء مساعدة قيمة في البحث عن مصادر خاصة بموضوعي، كما أني استفدت فائدة كبيرة من إرشاد العلامة ((السير سيدني سميث)) مدير دار الآثار العراقية، ومن مساعداته العلمية القيمة. إذ أمدني جنابه بمؤلفه القيم، وبعدة مؤلفات ذات شأن لعلماء آخرون. ولما أكملت دراستي لهذه الكتب والمصادر شرعت في الجمع والتأليف شغلت مدة عام بهذا الكتاب وكتاب (تاريخ الدول الكوردية). لقد وضع المؤلف، في نهاية كتابه، أسماء الكتب والمصادر التي استقى منها، ومن جملة هذه المصادر، الكتاب الموسوعة الكوردية شرفنامه (تاريخ الدول والإمارات الكوردية) (للأمير شرفخان البدليسي). وكذلك كتاب القضية الكوردية للدكتور (بلج شيركو). كان هذا جانباً، من كلام المؤلف، دونه في مقدمة كتابه. حيث قال فيه أنه اعتمد في تأليف كتابه على أكثر من (250) مصدراً من المصادر المعتبرة، كوردية، عربية، تركية، فارسية، ألمانية، إنجليزية. نسأل الكاتب النسطوري، هل المؤلفين عندما يؤلفون الكتب يعتمدون على آرائهم الشخصية فقط، أم على المصادر الأخرى؟. أليس الرجوع إلى المصادر و تثبيتها و تدوينها في نهاية الكتاب تعطي مصداقية لذلك الكتاب.؟ أليس هو هذا الأسلوب العلمي الأكاديمي الصحيح المتبع لدى جميع المؤرخين، وهذا ما فعله العلامة محمد أمين زكي فلذا أصبح كتابه مصدراً يعتمد عليه المؤرخين في الشرق و الغرب. على سبيل المثال وليس الحصر، انظر إلى أهم كتاب تاريخي عربي (مفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) بثمانية مجلدات وضعه العلامة الدكتور (جواد علي الطاهر) ولاحظ المصادر التي اعتمد عليها. و غيره من المؤرخين لا يوجد في العالم مؤرخ وضع كتاباً دون الرجوع إلى غيره من المؤرخين من الذين سبقوه أو الذين عاصروه. لنكن منصفين و واقعيين لو لا بعض مستشرقي الغرب النزهاء، الذين يتسمون بالموضوعية و الدقة العلمية، لكان آثار شعوب شرق الأوسط، إلى الآن تحت الأنقاض. أليس فك رموز الكتابة المسمارية، الغربيون هم الذين فكوها قبل قرنين من الزمان؟. وأيضاً اكتشاف مقابر و كنوز الفراعنة الخ. ثم لماذا لم تشر في مقالك إلى كتاب شرفنامه؟ أهم من كتاب محمد أمين زكي وأقدم منه بأربعة قرون.
في سياق مقاله، يشكك الكاتب النسطوري بالكورد، ثم يقول ساخراً، أن الميديين (ميديا- (Media ليسوا من الكورد. لكي نثبت للأستاذ وللآخرين أن الميديين فرع من فروع الكورد، يجب علينا أن نرجع إلى المصادر المحايدة، بل وحتى إلى تلك المصادر، التي تدخل في خانة أعداء الكورد، منها مصدر العلامة (حسن بيرنيا) الذي شغل منصب رئيس وزراء إيران لثلاث مرات، في زمن حكم القاجاريين (1781- 1925) وهو يعتبر أب التاريخ الإيراني، يقول في كتابه الشهير (تاريخ إيران من بدء التاريخ حتى انقراض القاجارية) طبعة طهران صفحة (57) نقلاً عن البروفيسور ( James Darmesteter ( (1849- 1894). كان أستاذاً في الجامعة الفرنسية (Collège de France). مدرس اللغة الفارسية لطلبة الدراسات العليا. ضليع بالكتاب المقدس (الأفستا) وله ترجمة رائعة لهذا الكتاب الزرادشتي المقدس. لنرى ماذا يقول هذا العالم حول لغة ميديا ولغة أفستا : مما لاشك فيه أن كتاب (أفستا المقدس) لقد كتب باللغة الميدية وهذه اللغة قريبة من اللغة الفارسية، ألا أن بينهما بعض الاختلافات اللغوية، وهذه الاختلافات لم تشكل عائقاً بأن يتفاهم الفارسي مع الميدي بسهولة. ويستطرد (جيمس دارمستر) ( James Darmesteter ( قائلاً هناك العديد من العلماء يعتقدون أن اللغة الكوردية الحديثة هي امتداد للغة الميدية. فقد أضاف قبل هذا العلامة حسن (بيرنيا) في كتابه آنف الذكر في صفحة (48) : إن الميديين شعب من العنصر الآري الذين أسسوا دولة في بداية القرن السابع ق.م لكنه في أي عصر و زمان جاءوا إلى إيران و استوطنوا في آذربايجان و كوردستان ليس معلوماً. ويضيف العلامة (بير نيا) في نفس الصفحة، نقلاً عن (بيروسوس الكلداني) الذي اشرنا إليه في سياق المقال، يقول: في عصر ما جداً قديم حكم الميديون بابل لمدة (224) سنة. و جاءت بهذا الصدد أيضاً في دائرة المعارف الفارسية للعلامة (علي أكبر دهخدا المجلد) العاشر صفحة (15785) طبع جامعة طهران ما يلي: إن دولة العراق تنقسم إلى قسمين قسم عربي في الجنوب وقسم كوردي حيث أرضها جبلية و أغلب سكانها من الأكراد من حيث العادات و التقاليد واللغة هم آريين من القبائل الميدية. و يقول في ذات المصدر ص (15786) يتحدث عن ولايات (عراق العجم) التي تضم المدن الكوردية مثل كرمانشاه و همدان و ري و تتصل بسهول بين النهرين كان اليونانيون يسمون هذه المنطقة ب(ميديا). يتضح جلياً من خلال المصادر العديدة التي أشرنا إلى جزء منها أن الدولة الميدية أسست على أيدي الكورد قبل الميلاد بقرون عديدة، و يؤكد هذا كثيراً من المستشرقين الأوربيين و المؤرخين الشرقيين منهم الپروفیسور (SAYCE) الذي يقول أن الميديين هم من القبائل الكوردية. جاء هذا نصاً في كتاب (تاريخ مشاهير الكورد) تأليف بابا مردوخ، المجلد الثالث، الجزء الثاني، صفحة (1). وجاء أيضاً في كتاب (تاريخ الدول الفارسية في العراق) ل(علي ظريف الأعظمي) صفحة (9) طبع مطبعة الفرات في بغداد سنة (1927) ما يلي: الميديون سكان ميديا أو ميدية أو بلاد مادي و يقال ماذي و هي التي عرفت أخيراً باذربايجان و العراق العجمي معاً ويقال لها مدية أيضاً و يسمى هذا الإقليم ببلاد الجبل أيضاً و من أقسامها شهرزور و حلوان،وهم أي الميديون من الجنس الآري أخوان الفرس و الأفغان و الأرمن و غيرهم من الآريين ومن بقاياهم الآن الأكراد. وكان لهم دولة قديمة كبيرة خضع لحكمها الفرس مدة ثم استولى عليها كورش الفارسي. حول سومر و ميديا يقول الدكتور (لويس عوض) في كتابه الموسوعي (مقدمة في فقه اللغة العربية) الطبعة الثانية صفحة (44) قد دلت الأبحاث التاريخية و الأثرية إلى أن حضارة سومر ( (Sumerفي جنوب العراق، وهي أقدم حضارة معروفة في بلاد ما بين النهرين، كانت حضارة هندية أوروبية. و يضيف لويس عوض، فبتحليل نقوشها وجد العلماء أن اللغة السومرية لغة ميدية سكيذية. هذا ليس كلامنا بل هو كلام إنسان أكاديمي حجة و مرجع في الأوساط الأكاديمية يقول أن اللغة السومرية و اللغة الميدية لغة واحدة وقد أثبتنا في سياق المقال من خلال المصادر المعتبرة وغير كوردية أن الميديين هم فرع من فروع الكورد. وفي مقال سابق أثبتنا أن السومريين أيضاً فرع كوردي. لكن كلامنا لم يرق للكاتب النسطوري فكتب مقالاً يرد علينا فيه بالشتائم والسباب والاستخفاف.
ألا يعرف الكاتب النسطوري لو لم يملك الشعب الكوردي هذا التاريخ و التراث العريق الذي اشرنا إليه لما استطاع أن يصمد أمام هذه الأنظمة الديكتاتورية المجرمة التي أباحت دمائهم وأحرقت مدنهم و قراهم و هتكت أعراضهم، لكن رغم هذا كله لم يقوم الكورد بعملية ضد الأبرياء – كالعمليات الانتحارية الإرهابية التي يقوم بها العرب في مناطق كثيرة في العالم و العراق خير مثال - يخدش بها صفحات تاريخه البيضاء. فليتصور المرء نوع المعانات التي تعرض و يتعرض لها الشعب الكوردي حتى التحدث بلغته ممنوع و يعاقب عليه، أن تجرأ و تحدث بها. فكيف يكون حال الكتابة باللغة الكوردية؟؟. لكن بفضل صمود و مقاومة الكورد فشلت جميع مؤامرات المحتلين الدنيئة، الذين حاولوا إخراج الشعب الكوردي من التاريخ. لقد ثبت هذا الشعب الأبي وجوده رغماً على أنوف الأعداء، ولم يفنى رغم ممارسة السياسات العنصرية ضده و رغم شن الحملات العسكرية و استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، بقى صامداً على أرضه أرض كوردستان المقدسة. لو كان أبناء هذا الشعب كما يتهمهم الكاتب النسطوري (الآثوري) زوراً و بهتاناً ويزعم: أنهم لم يكونوا على علم بمنشئهم وأصولهم التاريخية. لذلك وقفوا، على الدوام، على مفارق دروب الحيرة والارتباك في تحديد الأصل الذي تفرّعوا عنه. لو زعمك هذا صحيح، لانتهى الكورد من الوجود منذ الهجوم الأول عليهم، كما انتهى الآخرون ولم يستطيعوا الصمود بوجه التحديات وأصبحوا جزأً من التاريخ. يعرف القاصي والداني أن مقاومة الشعب الكوردي للمحتلين، وإصراره على أن يبقى شامخاً على أرضه كشموخ آرارات هو الذي افشل و يفشل، جميع المخططات الخبيثة التي تحاول النيل منه و من عزيمته التي لا تلين. نقول لكل الذين يشككون بتاريخ وأصالة الكورد لو لم يعرف هذا الشعب نفسه جيداً، ويعرف الهوية التي يحملها، و يعرف جذوره الضاربة في عمق التاريخ و الأرض التي يقف عليها، كما أسلفنا، كان مثل غيره من شعوب المنطقة قد أفل نجمه و انتهى إلى الأبد، حيث أصبحوا جزأً من قصص الفلكلور. بعد التضحيات الجسام التي قدمها الكورد في سبيل الحرية و الخلاص، و صموده في ساحات الوغى، أصبح عند أصحاب القرار في العالم، مثل أمريكا و الاتحاد الأوروبي و روسيا و الصين و بريطانيا و فرنسا و المنظمة الأمم المتحدة، القناعة التامة بأن وجود الأمة الكوردي على أرضه كوردستان حقيقة و واقع لا يمكن تجاوزها.
يزعم الكاتب النسطوري: إن جميع شعوب شرق الأوسط لها تاريخ مدون باستثناء الكورد الذين يتلخص تاريخهم بالأحاديث المتناقضة و المروية، مشافهة، على مرّ الأزمان. أ يعرف الكاتب أن في شرق الأوسط أربع أمم كبيرة فقط، و الآخرون الذين يستوطنون شرق الأوسط، ما هم إلا طوائف دينية، أو أقليات. هذه الأمم هي الفرس و العرب و الكورد و أخيراً الترك، برغم حداثة وجود هذه الأخيرة، إلا أننا نعتبرها، إحدى هذه الأمم الأربع. لنلقي نظرة الآن على تاريخ هذه الأمم، لنرى هل جاءت ذكرها في التاريخ قبل الكورد، في هذه المنطقة، أم بعدها. برغم أن هذه الأمم كانت تحكم الكورد و تحتل موطنها كوردستان، و تنهب تاريخها وتراثها وتنسبه لنفسها. على سبيل المثال و ليس الحصر: السلالة الهخامنشية الفارسية، عندما احتلت كامل التراب الكوردستاني، في زمن إمبراطورية (ميديا) وضعت أسس و قواعد لتشويه الكورد، و نهبت جانباً كبيراً من حضارة الكورد. أ يعلم الكاتب النسطوري أن الحكم الفارسي، بدأ بعد الحكم الميدي الكوردي، من هنا يظهر أيهما أقدم، ثم كان للكورد دولة ايلام (عيلام) التي كانت سائدة قبل دولة ميديا و دولة الهخامنشيين بقرون عديدة، وكانت حدودها غرباً تصل إلى نهر دجلة. في مقال للكاتب العربي (زهير كاظم عبود) يذكر دولة ايلام (عيلام) وبناتها من الكورد (الفيلية): الذين وطدوا أقدامهم منذ دولة عيلام حيث كانت ميسان (ميشان) عاصمة للكورد اللور الفيلي، منذ زمن الملك العيلامي (بيلي) (2670 قبل الميلاد) الذي كتب تاريخه بشرف وبزهو واضح في تاريخ العراق و كوردستان. ثم نأتي على ذكر العرب و وجودهم على صفحات التاريخ حيث لا يتعدى القرن التاسع قبل الميلاد. أما الأتراك حديثي العهد في شرق الأوسط لقد جاءوها قبل (900) سنة فقط، ليس هناك ذكراً لهم في هذه المنطقة قبل هذا التاريخ.
مقارنة بين الدين المسيحي والدين الميترائي، الدين الذين كان الكورد يعتنقوه في العصور الغابرة، و هو أقدم من الدين المسيحي بقرون عديدة، و نرى اليوم امتداده في الدين الإزدي التوحيدي. ثم جاء بعد الدين الميترائي الدين الزرادشتي الذي ظهر إلى الوجود، سبعة قرون قبل المسيح. الديانة المسيحية اقتبست الكثير من الديانة الميترائية، التي كانت ديانة الشعوب الآرية و منها الكورد، حيث كانت سائدة في كوردستان. ثم اعتنقها الأوروبيون الذين كانوا مع اسكندر المقدوني بعد معركة (أيسوس) التي دارت رحاها قرب قلعة أربيل سنة (333- 331) قبل الميلاد و نقلوها معهم إلى أوروبا. من المفارقات التي بين الميترائية و المسيحية أن ميترا قد صلب ورسم الصليب موجود في إيران و كوردستان قبل ولادة المسيح بمئات السنين. ميترا ولد يوم (25) ديسمبر كذلك المسيح. كذلك شجرة الكرسمس هي شجرة مقدسة في الدين الميترائي الخ.
عند الكورد اليوم عدة أديان من بقايا تلك الأديان الكوردية القديمة وأشرنا في سياق المقال إلى جزء منها كالكاكائية و الزرادشتية و الإزدية و الميترائية الخ. نتساءل هل تأسيس أو الإتيان بأي دين من الأديان، إن كان هذا الدين وضعي أو سماوي ألا يحتاج إلى فلسفة وعلوم ونتاج علمي و أدبي ثري، كالعلوم الإلهية التي تبحث عن الوجود المطلق، من حيث هو، وما يتعلق بأمور غير مادية، كالواجب و الممكن و العلة والمعلول، والبحث في الأرواح وفي الله وعلم ما بعد الطبيعة. وعلوم الدينية الأخرى كالأحكام الشرعية العملية أو الاعتقادية و علم الكلام والفقه الخ. إذاً هنا السؤال يحمل في طياته الجواب المبين. حيث أن وجود هذا العدد من الأديان لدى الكورد، تؤكد للعالم أنهم أصحاب حضارة عريقة، وإلا كيف وضعوا القواعد التي تتعلق بالدنيا و الآخرة لهذه الأديان، في تلك العصور القديمة، الذي كان الإنسان من صعب عليه أن يميز يمينه عن يساره. فقد حاول أعداء هذا الشعب أن يمحوه من الوجود لكنه تشبث بأرضه و عقائده، و فشل أعدائه فشلاً ذريعاً، ولم يحصدوا غير الخيبة و الخذلان.
هل هناك كتاب مدون لإحدى هذه الشعوب، العربية أو الفارسية أو التركية، قبل ظهور الديانة الإسلامية؟. أنا على يقين تام، لا يوجد أي كتاب لهذه الشعوب قد ألف قبل مجيء الإسلام. هذه بالنسبة للشعوب الكبيرة. فكيف إذاً بطائفة نصرانية، ابتدعها المبشرون الأوربيون، قبل اقل من قرنين. إن الكورد لديهم كتابهم المقدس (أفستا) الذي جاء به النبي زرادشت (ع) سبعة قرون قبل ميلاد المسيح. برغم مرور ما يقارب ثلاثة آلاف سنة على وجوده، ألا أنه لا يزال الكثير من كلماته، هي نفس الكلمات الكوردية التي يتداولها الكورد إلى يومنا هذا. ثم ماذا تبغون أنتم من التاريخ، أقصد النساطرة، أنتم أمامكم شوط طويل وطويل جداً حتى تثبتوا للعالم من أنتم لأن قسم منكم و الكاتب واحداً منهم تنكرون أنكم من الكورد. نحن أشرنا سابقاً، أنكم من بقايا الكورد المسيحيين. هنالك آراء للعلماء، تقول أن المبشرين الغربيين،هم الذين ابتدعوكم، ومنحوكم هذا الاسم الكاريكاتيري (الشعب) السرياني الكلداني الآشوري. لقد اشرنا في سياق المقال إلى عدد من علماء التاريخ الذين يرفضون بأنكم امتداد للآشوريين واثبتوا أن الاستعمار البريطاني هو الذي أطلق عليكم هذا الاسم. ثم بالله عليكم هل يوجد في العالم شعب يحمل اسم ثلاثي الشعب السرياني الكلداني الآشوري !!! علاوة على هذا، كل فئة من هذا (الشعب) لديها قاموس خاص بها، كالقاموس (السرياني- العربي) و القاموس (الكلداني- العربي) و القاموس (الآشوري- العربي) بعد كل هذا يدعون أنهم شعب واحد. ثم يأتي أحدهم يستخف بالغة الكوردية و لهجاتها. نطلب منه أن يأتي لنا بقاموس كوردي مدون عليه اسم آخر غير أنه قاموس كوردي.
سأنشر مع المقال صورة خارطة وضعها إنسان تركي قبل (1000) سنة أي بعد الإسلام بأربعة قرون، توجد في الخارطة بجانب (أرض الشام) و (أرض مصر) توجد (أرض الأكراد) إن كنتم صادقين ونزيهين في أقوالكم آتوا لنا بخارطة معتبرة مقبولة وضعها أناس من خارج هذه الطوائف المسيحية مدون فيها اسم بلادكم كما موجود اسم بلاد الكورد بوضوح. شريطة أن لا تأتوا بخارطة لآشور القديمة وتدعوا أنها لكم. لأننا أثبتنا ليس هناك صلة بينكم أنتم نصارى اليوم وبين آشور القديمة. نحن ننتظر.
يقول الكاتب في سياق مقاله: كان الخطاب السياسي والفكري الكردي إلى نهايات القرن المنصرم عقلانيا، منطقيا، ومقبولا لدى جميع شعوب المنطقة جماعات وأفرادا. وقد لاقت قضيتهم العادلة دعما وسندا قويا من كل التنظيمات السياسية، وغالبية المثقفين الأحرار من كل الفئات الاجتماعية، والمكوّنات القومية في كل من العراق وسوريا وخاصة لدى الآشوريين عامةً وسياسييهم ومثقفيهم بشكل خاص.
لم يقل لنا الأستاذ الكاتب (الآثوري النسطوري السرياني الكلداني الماروني)الخ كيف كان الخطاب الكوردي عقلانياً و منطقياً. لم يحدد لنا تاريخه، منذ متى بدأ هذا الخطاب السياسي، ولم يأتي لنا بنماذج من هذا الخطاب، هل هو منذ ثورة عبيد الله النهري في سنة (1880) الذي حارب العثمانيين و الإيرانيين رافعاً شعار الاستقلال و تأسيس دولة كوردستان. أم الخطاب السياسي، إبان حكم الملك محمود الأول، الذي أسس مملكة جنوب كوردستان في سنة (1918) ثلاث سنوات قبل تأسيس المملكة العراقية الحديثة من قبل بريطانيا العظمى.أم العديد من الثورات و الانتفاضات الكوردية التي كانت ترفع شعار تأسيس الدولة الكوردستانية، أسوة بدول العالم. نحمد لله، في سياق كلامه، يعترف، أن لنا قضية عادلة. لكن الذي غير عادل، أنه يزعم، أن قضيتنا العادلة، لاقت دعماً و سنداً قوياً من التنظيمات السياسية، و من غالبية المثقفين الأحرار. من كل الفئات الاجتماعية والمكونات القومية في كل من سوريا و العراق، و لدى (الآشوريين) عامة و سياسيهم بشكل خاص. نتساءل كيف كان هذا الدعم و السند من قبلكم؟ أمن خلال تأسيس مرتزقة ما سمي في حينه ب(الليفي الآثوري)؟! التي أسست بعد الحرب العالمية الأولى، من قبل الدولة المحتلة للعراق بريطانيا، لمعاداة الثورة التحررية الكوردستانية و ضد الشعب الكوردي. أم كان دعمكم للكورد من خلال الجريمة التي قامت بها (اللفي الآثوري) في كركوك سنة (1924). وقبلها سنة (1923) في موصل. أم اشتراك (الليفي الآثوري) مع الجيش البريطاني، ضد مملكة جنوب كوردستان، التي أسسها ملك محمود الأول، في العقد الثاني من القرن العشرين. هل تعتقدوا أن الكوردي ساذج إلى هذا الحد تمحى من ذاكرته هذه الجرائم التي قامت بها ما كانت تسمى ب(قوات اللفي الآثوري). هل ساندتم الكورد، عندما أرسل النظام السوري في بداية الستينات من القرن الماضي، جيش اليرموك الأوباش، لمساندة القوات العراقية، لقتل الكورد وحرق قراهم في جنوب كوردستان (عراق). صحيح أن الكورد لا يردوا على جريمة بجريمة لكنهم لا ينسون. بدليل الجرائم التي اقترفت ضدهم إبان حكم الحكومات العراقية من فيصل الأول إلى صدام حسين. لكن بعد تحرير العراق لم يقوم الكوردي بأي عمل ثأري ضد العرب بل نشاهد أن العرب و المسيحيين في بغداد و الموصل يفرون إلى كوردستان لطلب الحماية من الكورد خوفاً من العروبيين. هذه هي شيمة و أخلاق الكورد، مدنهم وبيوتهم مفتوحة أمام الجميع. ولا يردون على جريمة بجريمة.
هذه الخارطة وضعها محمود الكاشغري سنة 1072 – 1074 ميلادية موجودة في كتابه (ديوان لغات الترك)
[1]