سيبقى نوروز الكورد إلى أبد الدهر رمزاً للحب والحياة
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، أقرت منظمة الأمم المتحدة، جعل عيد نوروز، عيداً للتراث العالمي،لقد جاء هذا الإقرار بعد طلب تقدم به عدداً من الدول، كأفغانستان و طاجيكستان و إيران و آذربايجان و كازاخستان و قرقيزستان و تركمنستان و جمهورية (تركيا). ولم يدرج في هذا القرار التاريخي، اسم إقليم كوردستان، أو اسم العراق كدولة فيدرالية التي تضم إقليمين، إقليم عربي، وإقليم كوردي، وهذا الأخير حسب جميع شواهد التاريخ، اقترن اسمه بهذا العيد منذ عشرات القرون، وعلى أرضه جرت أحداث تلك القصة، التي أدت إلى انتفاضة الشعب الكوردي على الملك الظالم (ضحاك) والانتصار عليه، وإعلان ذلك اليوم الخالد، باليوم الجديد (نوروز). في العام الماضي، وبمناسبة إقرار ذلك القرار الأممي المجحف، الذي لم ينصف تاريخ وتراث الأمة الكوردية، بصفتي كمواطن كوردستاني شعرت بالحيف الذي وقع علي مجدداً من هذه المنظمة، فلذا كتبت مقالاً تحت عنوان (نوروز رمز الحب والحياة) طالبت فيه الدكتور (هوشيار زيباري) وزير خارجية العراق الفيدرالي، أن يطالب منظمة أمم المتحدة، بإدراج اسم إقليم كوردستان في قرارها التاريخي، الذي اعتبرت فيه نوروز عيداً عالمياً، لكن السيد الوزير، حسب علمي، لم يحرك ساكنا ضد هذا القرار الذي جرح مشاعر سبع ملايين كوردي في الإقليم الذي يمثله سيد وزير الخارجية في الحكومة الفيدرالية،هذا بالإضافة إلى خمسة وثلاثون مليون كوردي في الأجزاء المحتلة من قبل حكومات إيران وتركيا وسوريا. حتى فخامة رئيس الجمهورية (جلال طالباني) الذي بصفته رئيس جمهورية العراق الفيدرالي، حيث انه يمثل جميع العراقيين، ومن ضمنهم الكورد في إقليم كوردستان، لم نسمع أنه طلب من رئيس الدبلوماسية العراقية، أن يطلب الأمم المتحدة، بتصحيح قرارها آنف الذكر، بإضافة اسم العراق الفيدرالي إليه. وكذلك رئيس إقليم كوردستان السيد (مسعود البارزاني) الذي منحه الشعب الكوردي في الإقليم صوته في انتخابات حرة، لكي يصون حاضره المشرف وماضيه التليد، أيضاً لم نسمع أنه قام بعمل دبلوماسي لتصحيح الخطأ... الذي وقعت فيه المنظمة الدولية. وبعد مرور عدة أيام على تمرير ذلك القرار... في أمم المتحدة، الذي صادف عيد نوروز، احتفلت دول الثمانية صاحبة المبادرة... في إيران، و كان من ضمن المدعويين الذين استضافهم رئيس جمهورية إيران (محمود أحمدي نژاد)، الرئيس العراقي (جلال طالباني). لكننا لم نسمع من وساءل الأعلام، أن الرئيس العراقي قدم اعتراضه لرؤساء تلك الدول المعنية، التي التقى بها في إيران،والتي قامت بتلك المبادرة الكيدية في الأمم المتحدة، الذي يدعو المواطن الكوردستاني للتساؤل، لماذا لم يسألهم فخامة الرئيس طالباني، عن سبب تخطيهم لبلده في مثل هذا الأمر، الذي يضم أحد الشعبين الرئيسيين، وهو الشعب الكوردي، الذي ينسب إليه تاريخيا هذا العيد، والذي من خلاله انتشر إلى أصقاع العالم. للأسف لم يقدم الرئيس العراقي تفسيراً أو شرحاً لهذا الغبن الفاحش، الذي وقع على شعبه العراقي بصورة عامة، وشعبه الكوردي في إقليم كوردستان بصورة خاصة، الذي يُكون فخامته مع رئيس الإقليم ثنائيي الزعامة فيه. أنني كإنسان كوردي، واجبي القومي يحتم علي، أن أشارك شعبي في الضراء والسراء، لذا أكرر في هذه المقالة طلبي القديم الجديد، من قادتنا سيادة الرئيس مام جلال وسيادة الرئيس كاك مسعود، أن يتابعوا هذه المسألة مع منظمة الأمم المتحدة، من خلال القنوات الدبلوماسية، لرفع الغبن الذي وقع على الشعب الكوردي، نتيجة لسياسة هذه المنظمة الدولية الخاطئة. إن القيادات الكوردستانية إذا تريد السعي لاسترداد حق الكورد التاريخي في هذا المضمار،عليها أن تلجأ إلى المؤرخين الكورد، لكي يزودوها بالوثائق التاريخية التي تؤكد أن نوروز عيداً قومياً للكورد.حيث إن جل المصادر التي تتحدث عن عيد نوروز كعيد قومي للكورد، هي مصادر غير كوردية، بل قسم منها تعود لتلك الدول التي حاولت على مدى تاريخها، أن تشوه الكورد و ماضيهم المشرق، لكن في لحظة اللاوعي، وقعوا فيما لا يحبذون. على سبيل المثال وليس الحصر، هذا هو شاعر الفرس الأكبر أبو القاسم الفردوسي (935- 1020)م الذي حاول أن يسيء إلى الكورد، ببتر جانب كبير من تاريخهم العريق، حيث نسب الكورد في ملحمته الشاهنامة، إلى تلك الأعداد الذين ساعدهم طباخ الملك ضحاك، بالفرار إلى الجبال، ونسي الفردوسي، أن هؤلاء هم الذين أعلنوا الثورة فيما بعد، و قضوا على الملك، بقيادة كاوه الحداد، الذي ذبح له ولدين من أولاده وأطعما للحيتين اللتين كانتا على كتفي الملك. بهذا الصدد، أعود إلى مقالي السابق واقتبس منه جزئية التي تتعلق بموضوعنا، وبهذه الواقعة، وهي نقلاً عن الدكتور (رشيد ياسمي) في كتابه الشهير الذي وضعه باللغة الفارسية (كُرد و پیوستگی نژادی و تاریخی او – الشعب الكوردي و جذوره العرقية و التاريخية) الطبعة الثالثة، طبع دار ابن سينا،ص (116)، حيث يذكر أحد عشر بيتا من شعر الفردوسي، التي جاءت في ملحمته المعروفة بالشاهنامة، لكي نتجنب الإطالة، نذكر بيتا واحداً من تلك الأبيات الأحد عشر، أو ما يسمى في القصيدة، ببيت القصيد، يقول: كنون كرد از آن تخمه دارد نژاد ... كز آباد نايد بدل برش ياد. ما معناه، أن هؤلاء الكورد من نسل أولائك الناجون من ظلم ضحاك وفق ما جاءت في القصة، هؤلاء هم الذين ثاروا على الملك الظالم، وعلى أيديهم ألقى حتفه. يضيف الدكتور (رشيد ياسمي) في كتابه آنف ذكر، وفي ذات الصفحة إلى مصدر آخر الذي ينسب عيد نوروز إلى الشعب الكوردي، وهو موريه، في كتابه (سياحتنامه دوم- رحلته الثانية) ص (357) يقول: في (31) آذار في سنة (1812)م احتفل الإيرانيون في منطقة دماوند بمناسبة خلاص الإيرانيين من ظلم ضحاك، وكانوا يسمون هذا العيد، العيد الكوردي. – منطقة دماوند تقع في شمال إيران على بعد (50) كيلوا متر من العاصمة طهران،و سكانها ليسو كورداً وأنها تبعد عن كوردستان مئات الكيلو مترات— كذلك ذكر عيد نوروز كعيد قومي للكورد العلامة الروسي فلاديمير مينورسكي في دائرة المعارف الإسلامية، تحت مادة الكرد. أيضاً تطرق إلى هذه المناسبة السعيدة، العلامة (محمد أمين زكي) في كتابه الشهير (خلاصة تاريخ كورد و كوردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن) صفحة (47) طبع سنة (1961) نقلاً عن العلامة موريه، قائلاً: كانت تقام حفلات كبيرة بمناسبة خلاص إيران من ظلم ضحاك (بيورآسب) السفاك ولا يزال يطلق على هذا المهرجان اسم جژن كوردي أي العيد الكوردي. وينقل أمين زكي أيضاً عن المؤرخ الألماني الشهير (فون هامر) قائلاً: إن رواية (جژن كردي – العيد الكردي) هذه ما هي إلا صفحة تاريخية مجيدة للشعب الكردي. ويذكر أمين زكي في كتابه المذكور أعلاه، في ص (48) بهذا الصدد، نقلاً عن الدكتور فريج، في كتابه (كوردلر - الكورد): أن العيد الكردي ما هو إلا علامة على السرور و الابتهاج بالخلاص من ظلم ضحاك.
قد يقول البعض أن ما ذكرناها من قصص وروايات تاريخية عن عيد نوروز، أنها أساطير دونها المؤرخون و الشعراء، نقول لهؤلاء، لربما جانب كبير من صياغة هذه القصة، يكون من صنع خيال الإنسان، لكن التي نريد إثباتها هنا، هي تلك الروايات التي صدرت بمجملها من مدارس تاريخية وأدبية غير كوردية. كتلك الروايات الإسلامية التي جاءت في مجمل الكتب الإسلامية، و التي تقول، أن الذي أشار إلى وضع النبي إبراهيم في المنجنيق كان شخصا كورديا اسمه (هيزن) القصة واضحة أنها ملفقة ضد الكورد من قبل الفرس ومن ثم العرب، لكن الذي يخدمني أنا ككوردي في هذه القصة شيئين، الأول وجود و ذكر اسم الكورد صراحة قبل أربعة آلاف سنة، والشيء الثاني، يتعلق بصنع المنجنيق في ذلك العصر الغابر، أليس يوازي صنع صاروخ في عصرنا الراهن؟ أليس هذا يدل على أن هذا الكوردي صاحب حضارة عريقة باعتراف محتليه؟. هذا ما نريد إيصاله لمن يزور التاريخ، من فمك أدينك، إما الجانب الغيبي في رواية النبي إبراهيم الذي يسيء إلى هذا الكوردي المغضوب عليه، فأترك جوابه إلى العالم الآخر، عالم أللا عودة، وإلى من له حق السؤال هناك. إما حقيقة العيد الذي له علاقة بمناخ و طبيعة كوردستان فهو شيء آخر يعلمه أبناء الأمة الكوردية جيداً، ولا ننسى أن امتداد هذا العيد أيضاً مرتبط بمناخ وطبيعة بلدان الشعوب الآرية الأخرى، التي تبدأ من أقصى الشمال الأوروبي في مملكة السويد، وتنتهي في أقاصي الولايات الهندية في آسيا.
كان هذا جانباً يسيراً من تاريخ هذا العيد الكوردي،الذي جاء على لسان غير الكورد،والذين أقروا بأنه عيداً كوردياً خالصاً، ليس فيه أية شائبة، نتساءل، لماذا إذاً هذا التردد،و التلكؤ، من أصحاب الأمر،بعدم مطالبتهم أمم المتحدة، أن تراجع قرارها غير السليم. نكرر على قادتنا، ونقول لهم، أنتم الربان الذين تقودوننا بين الأمواج المتلاطمة، للوصول بنا إلى شاطئ الأمان، أن مسؤولية الحفاظ على وجودنا وتاريخنا و موروثاتنا أثناء هذه المسيرة المحفوفة بالمخاطر تقع على عاتقكم، فلذا أنتم مطالبون من الشعب بالحفاظ على كل شيء يتعلق بوجوده، فلا يجوز إهدار أو تنازل عن أي شيء يخص تاريخ الكورد، لأن من يتنازل عن شيء من تاريخ شعبه، مما لا شك فيه قط، سوف يتنازل عن أشياء كثيرة من حاضره أيضاً. قيل قديماً الشعب الذي لا يملك تاريخاً، غير جدير بالبقاءصدق القائل، لأن التاريخ هو الوجود بذاته.
[1]