عارات الأنفال والتاريخ الأسود !؟ (2-4)
#كفاح محمود كريم#
في صبيحة ذلك اليوم الأسود من تاريخ العراق وشعوبه يوم الثامن من شباط 1963 أنقض البعثيون وازلامهم على مدينة السليمانية البطلة فاعتقلوا المئات ليعدموهم في ساعات في أول درس من دروس الابادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الكورد، ويدفنوهم جميعا في مقبرة هي الأولى في سلسلة المقابر الجماعية على ثرى كوردستان العراق.
لقد كانت بحق الدروس الأولى للأنفالات وعاراتها التي استخدمت فيما بعد، بل وقد اعتُمدت تلك السياقات في التعامل مع الكورد وقضيتهم حتى بعد الانقلاب عليهم من قبل عبد السلام عارف، وتحجيمهم وإبعادهم عن السلطة. فقد أصبحت ثقافتهم وممارساتهم سلوكا لمعظم قطعات الجيش العراقي الذي كان يحتل كوردستان فيما بعد إزاحتهم المتميعة من قبل عارف الأول.
ومع عودتهم في انقلاب 1968 ابتدأوا عصرا من الخباثة والحقد الأسود واللؤم الجبان تجاه كل القوى الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها شعب كوردستان وثورته المعاصرة. وانهالوا على كوردستان أرضا وشعبا بحرب هوجاء قاسية وقذرة في محاولة لسحقها أو إضعافها تماما في أول أيام اغتصابهم للسلطة بعد انقلابهم الأسود في تموز 1968. وحينما لم يفلحو في كسر شوكة هذا الشعب وإصراره على الحياة الحرة الكريمة التفوا حوله في محاولة استدراجه إلى ما سمي وقتها باتفاقية آذار التي غدروا فيها قيادة كوردستان بعد اقل من شهرين من توقيعها في محاولة اغتيال البارزاني الخالد.
وخلال أربع سنوات بعد اتفاقية آذار مارسوا فيها شتى أنواع الكذب والمماطلة وسياسة التعريب والاغتيالات من سنجار إلى مندلي وخانقين، عملوا فيها على إفشال أول محاولة لحل القضية الكوردية بالطرق السلمية، ليتآمروا مع نظام الشاه وبمباركة من الاتحاد السوفييتي السابق وكل الأنظمة العربية والإسلامية لذبح الثورة الكوردستانية وسحق الكورد في العراق، بأنفالات لا تقل عما جرى في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.
فقد بدأت عملية تهجير واسعة للسكان بعد انتكاسة الثورة في آذار 1975 من المناطق الكوردية إلى الجنوب والوسط العربي من العراق في عملية بشعة لا مثيل لها في التاريخ المعاصر، حيث تم تشتيت الغوائل والسكان وتوزيعهم على القرى في الجنوب والوسط، وتشجيع وإغراء السكان في هذه المناطق إلى التزوج من بناتهم مقابل مبالغ مغرية من المال، بعد تعريضهم للجوع والعوز والإذلال لأشهر طويلة. ومن ثم بدأت عمليات التصفية للرجال دون الخمسين سنة ممن يعترضون أو يظهرون غضبهم أو استيائهم من الأوضاع.
وفي جهة أخرى بدأت عمليات أكثر بشاعة ضد الكورد في بغداد والكوت وديالى والفرات الأوسط، في ما عرفت في وقتها بالتبعية الإيرانية، حيث تعرض ما يقارب المليون من الكورد في هذه المناطق إلى عمليات التهجير ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة واحتجاز الشباب والرجال ورمي آلاف العوائل خلف الحدود الدولية مع إيران.
لقد شهدتُ في عامي 1978 و1979 وما تلاهما أبشع صور الانهيار الأخلاقي والإنساني للسلطة الحاكمة آنذاك، فقد رأيت عملية تهجير عدة عوائل كوردية في الحلة وكيفية إخراجها في الصباح الباكر من بيوتها إلى ناقلات الجيش المعروفة بالزيل، وسط هتافات الأطفال وترديدهم لأناشيد تمجد( البعث والقائد الضرورة ) دون أن تحمل أي شيء معها من أثاث بيتها، وتسلم كل وثائقها الرسمية من هويات الأحوال المدنية وشهادات الجنسية وسندات الأملاك وجوازات السفر وشهادات التخرج من المدارس أو الكليات، إضافة إلى سرقة كل أموالهم ومصوغاتهم الذهبية.
وبعد أن هجروا مئات الآلاف منهم قاموا بقتل آلاف مؤلفة من شبابهم ورجالهم الذين كانوا قد فصلوهم عن عوائلهم قبل التهجير في معتقلات وسجون سرية، شهدت نهايتهم في أبشع عمليات التطهير العرقي والمذهبي للسكان في الشرق الأوسط إن لم يكن في العالم.
بهذه الأخلاقيات والسلوكيات حكم النظام ألبعثي دولة العراق ومكوناته، ليدخل عقد الثمانينات ويبدأ حربه مع إيران، في أتفه حرب عرفتها المنطقة في تفاصيلها ونتائجها وعبثيتها وخسائرها الكارثية على العراق وإيران، في ضل صمت عربي وعالمي رهيب لعملية ذبح مئات الآلاف من الرجال والأطفال، وتدمير آلاف القرى والبلدات، ولكي تحرق الأخضر واليابس في أغنى دولتين من دول المنطقة.
[1]