عارات الأنفال والتاريخ الأسود !؟ (3-4)
#كفاح محمود كريم#
وفي مطلع الثمانينات مارست سلطة البعث في العراق واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية واللا أخلاقية بحق البارزانيين حينما انتقت الذكور منهم، بما يقارب الثمانية آلاف من الأطفال والشباب والرجال البارزانيين، لتقوم بقتلهم جميعا بأسلوب بدائي لم تقترفه أكثر الأقوام همجية في تاريخ البشرية في كل العالم بهذا الأسلوب لقتل الذكور، في عملية ابادةٍ للبارزانيين ضنا منهم في قطع نسلهم وإنهائه؟
وما كادت الحرب مع إيران تنتهي حتى عادت العقارب من جديد تنفث سمومها في مكونات العراق وشعوبه، لتعبر ثانية عن مركبات النقص الهائلة في تكوين مفاصلها وقياداتها وأحقادهم العنصرية ضد الكورد والتركمان والكلدان وغيرهم من الأعراق والأقوام.
وتبدأ عمليات الأنفال ثانية من جديد بأساليب أكثر وحشية وبدائية، حيث أعطت لقطعانها الهائجة والمليئة بالحقد ومركبات النقص والانفلات الأخلاقي بالهجوم على كوردستان والبدء بالسلب والنهب والقتل والاغتصاب وتدمير كل شيء، على شعب اعزل تماما، ضرب عدة مرات بضربات كيماوية دمرت مدنه وقراه. وسيقت آلاف العوائل إلى مصيرها المجهول بعد تدمير قراها وبساتينها وينابيع المياه والمساجد والكنائس والمدارس وكل شيء له علاقة بالإنسان والحيوان والنبات في هجمة عنصرية بربرية على الحياة.
لقد كان أبشع ما في الأنفال عمليات فصل الأطفال عن أمهاتهم وإعطائهم لأمهات أخر أثناء عمليات نقلهم إلى خارج كوردستان، لقد توقفت كثيرا عند هذا السلوك وبحثت في جرائم مماثلة في التاريخ الأسود للبشرية فلم أجد مثيلا لهذا السلوك لا في التاريخ القديم أيام الهكسوس أو المغول والبرابرة ولا أيام النازية والفاشست في مطلع ومنتصف القرن الماضي ولا حتى لدى الصهيونية وإسرائيل أو في رواندا ويوغسلافيا، إلا عند من اقترفه في أنفال حزب البعث والجيش العراقي وعصابات ما كان يسمى بالجيش الشعبي المتخصصة بالسلب والنهب ( إلا ما كان منهم مغصوبا وترفع عن اقتراف تلك الجرائم ).
ولعل من أبشع صور الانفالات ما لم يذكر أو يقال لحد الآن، وما لم تشهده الكاميرات أو الوثائق، ولا زلنا نتذكر تلك المجاميع من الرعاع وسقط المتاع ممن هم خارج مؤسسة الجيش وميليشيا الحزب ممن شجعتهم أجهزة الأمن العسكري والاستخبارات على نهب وسلب القرى والبلدات من المدن والقرى المتاخمة لكوردستان لكل شيء ممكن أن يسرق ويحمل ليباع في الأسواق، إضافة إلى عشرات أو ربما مئات النساء اللاتي خطفن وزوجن لرجال في القرى والأرياف خارج كوردستان في أبشع صور النخاسة العنصرية البائسة.
وهنا لست بصدد التعرض لتواريخ وتفاصيل ما جرى في واحدة من أقذر صفحات تاريخنا في العراق وتاريخ البشر في العالم وأكثرها سوادا وخزيا في ما سمي بالأنفال، بقدر ربط الماضي لهؤلاء الذين حكموا العراق في غفلة من زمن السقوط والتردي وما اقترفوه منذ الساعات الأولى لاغتصابهم السلطة في ذلك اليوم الأسود من شباط 1963 حينما بدأنا نؤرخ لسقوط القيم والأخلاق والإنسانية لبلد كان ذات يوم مسرحا لحضارات وأقوام تناحرت وتعايشت لكنها ما اقترفت عُشر ما اقترفه العنصريون الذين حكموا العراق منذ فجر 8 شباط 1963 وحتى سقوطهم المخزي في نيسان 2003، من جرائم بحق البشرية في العراق وكوردستان.
هذه الجرائم التي اقترفت في العراق وكوردستان يتحمل وزرها بنفس الكم والحجم الأخلاقي كل من سكت عليها ومارس التعتيم والتضليل للرأي العام، أو ساهم فيها ممن قدموا خدماتهم الرخيصة في الإعلام أو السلاح أو النهب والسلب التي رافقتها أو المرور عليها مرور الكرام وقبولها دون اكتراث من الشياطين الخرس ممن ارتضوا لحد هذا اليوم تبريرها أو السكوت عنها واعتبارها مجرد أخطاء رافقت العمليات العسكرية وليست جرائم يندى لها جبين الإنسانية.
[1]