فهم الديمقراطية والفيدرالية، جهل أم تجاهل لدى البعض
محمود الوندي
من خلال المتابعة الدقيقة لما يكتبه بعض الكتاب سواء على صفحات الجرائد أو مواقع الأنترنيت ، يبدوا واضحاً بأن لدى الكثيرين منهم ضبابية وإشكالية واضحة في فهم الديمقراطية والفيدرالية سببها طبيعة الفكرة السياسية وأيدولوجيتها الذين أعتقنوها والطائفية المتغلغلة في نفوسهم والتي بدأت تطفوا على السطح ، ولا يزال وصف هولاء الكتاب للفيدرالية والديمقراطية في كتاباتهم يعني تقسيم العراق ، وإندفاعهم خلف عملية سياسية معوقة ومشوهة بحجة تباكي على وحدة العراق لأبهام العراقيين ، ففي الوقت الذي يقف هولاء بقوة ضد تطبيع الديمقراطية والفيدرالية وتحت أغطية وستائرمتعددة لأنها مرفوضة من قبل أسيادهم ومحاولتهم أن يضعوا العصى في عجلة التقدم السياسية في العراق وحين نراهم يهاجمون على الذين يطالبون بتطبيقهما لتحقق العدالة الأجتماعية في المجتمع العراقي ، نراهم مرة أخرى يبالغون حتى التخمة وسبغ صفات الوطنية على القوى والشخصيات السياسية الجديدة على الساحة العراقية الذين تعاملوا سابقاً مع النظام الصدامي والذين كانت أيادهم ملطخة بدماء أبناء شعبنا ، أن هذه الكتابات التي تطرح من قبل بعض الكتاب وتصرعلى تلك الأسطونات الفارغة من المحتوى وتقف ضد أرادة الشعب العراقي بحجة مقاوم الأحتلال أو أن هناك خصوصية لهذا الشعب وبحجج وذرائع أخرى لا تصمد أمام المنطق أوالعقل ورغم محاولتهم بركة بعض الكلمات ضمن أجندتهم وأفكارهم السياسية ، لكن لا يدرون أن الكلمات الحقيقة تبقى ناصعة مهما شوهوا معالمها ، وأن كثير من الدول التي أحتلت من قبل دولة عظمى و طبقت فيها الديمقراطية والفبدرالية أثناء الأحتلال (مثل ألمانيا ويابان ) وفي نفس الوقت تحاول شعبها الى خروج الأحتلال من أرضها بعدة طرق سلمية وسياسية وتحريره من تلك الدولة المحتلة.
تطبيق النظام الديمقراطي الفيدراليي في العراق الجديد يعني بناء دولة القانون والمؤسسات لكي تضمن حقوق القوميات والأقليات والمكونات الأجتماعية في العراق وتحافظ على وحدته أي بيها مصلحة عموم العراقيين وتزدهر معها الحريات الأساسية المطلوبة للمواطن الصالح ولا تحتكر السلطة بيد جهة معينة بصورة دائمة وهذا النظام المعمول به في الكثير من دول العالم (مثل أمريكا وألمانيا والهند وأمارات ) ، لأن الديمقراطية والفيدرالية تخلقان الدولة العصرية على الطريق الصحيح لرفع كفاءات التعليمية والفكرية ليتنامي به مؤسسات المجتمع المدني وهيئاته وشفافية ممارستهما في الحقل الأجتماعي والثقافي والأقتصادي والسياسي ، في هذه الحالة تبني العلاقة القوية بين المواطن والدولة ويعتمد النظام على القاعدة الجماهيرية في أصدار أي القرارلأي مشروع وطني يخدم الوطن ، وتطبيقهما يجب أن تكون كاملة وغير منقوصة ولا توجد فيها إستثناءات ويجب أن يكون تطبيقهما على كافة المجلات وعدم مفعمتهما بشيء من التغليف الذي يغير موازين المعادلة ، ولو يحتاج هذا الأمرالى جهود فكري وعملي لإزالة الخوف والريبة على مصادقية المبادئ والقيم السياسي لدى المواطن العراقي وإزالة التضليل والألتباس لدى الحركات السياسية العراقية .
السؤال الذي يطرح نفسه : لماذا الشعب العراقي تستعصى عليه الديمقراطية والفيدرالية والحداثة السياسية كأنه محكوم عليه على طوال التأريخ بالدكتاتورية والأنظمة القمعية وأن لايرى السعادة الى أبد الدهر؟ أم هناك أمل في نهاية نفق جديد أن لا يقل جرائمه من نفق النظام البعثي الدموي ؟ كان يعتقد شعبنا أن الزمن القتل والمقابرالجماعية وأستعمال الأسلحة الكيمياوية قد أنتهى ، وبالفعل فقد أنتهى نظام الحزب الواحد والفكر الواحد والجريدة الواحدة في العراق ، للأسف ظهر اليوم على الساحة العراقية من التيارات والعصابات من فلول البعثيين والمليشيات الأسلامية لعرقلة تتطبق الديمقراطية والفيدرالية على الشعب العراقي ويهدد في كل لحظة من قبلهم ومن قبل الأرهابيين والحثالات الذين جاءوا من وراء الحدود .
الشعب العراقي بجميع أطيافه بعكس هولاء المتخلفون الذين يتناقضون مع الفكرة الحرية والديمقراطية والفيدرالية ومبادئ التعددية الفكرية والتسامح الديني والقومي والحقوق الفردية والأنسانية ، طبعاً الشعب العراقي يرفض الأستبداد والدكتاتورية ويرحب بالديمقراطية والفيدرالية ، يحاول هذا الشعب المسكين تسعد في حياته بعد ان تحررمن العبودية ومظلومية النظام البعثي رغم أنف الرافضين والحاقدين الذين يحاولون عرقلة مسيرته ، يحاول أيضاً أن يسير في ركب الحضارة الأنسانية وبناء دولة مؤسسات دستورية وقوانين حقيقة وتطبيق على الجميع من دون تميز بين غني وفقير أو بين مرأة ورجل ، أي متساوين في الحقوق والواجبات أيا تكون أصولهم القومية أو الدينية وتحترم جميع وتعاملهم على قدم المساواة وأعطاء كل جهة حقها في المشاركة بالسلطة وبشكل سليم وحفاظ على التوازنات السياسية والأمنية والأجتماعية للوطن .
يمكن أن أطرح السؤال بطريقة أخرى : بما إن الشعب العراقي يرفض الأستبداد والدكتاتورية ويقبل الديمقراطية والفيدرالية أذن ما هي الأشكالات التي تواجهنا في عملية التغيير ؟
مشكلتنا في العراق أن هناك تشابك كبير لمصالح فئات وأحزاب مع دول الجوار التي يكون غرضها وهدفها ذات دلالات السياسية محضة ويكون هولاء عائقاً أساسياً للأمان والأستقرار، لذلك ترى هولاء الأطراف من المتضررين والأنتهازين لم يرق لهم بأنجاح عملية الديوقراطية والفبدرالية في العراق يسبب ضرراً بالغاً لهم والخطر يتحدد تلك الزعامات لها أمتداد أقليمي مع دول الجوار لتكون السبب المباشر في زيادة الخراب وفي تعميق هوة الخلاف بين مكونات الشعب العراقي ، وجميع تلك الواجهات فراحت تعمل وبشتى الوسائل على أفشالهما لإبقاء الحالة على ماهي بغية أضعاف السلطة وأنهاكها الى أقصى حد ممكن وتربك الخطوات وتعرقل العمل لأغراض معروفة للمجتمع العراقي لتقويض العملية الديمقراطية والفيدرالية وزعزعة الثقة بين المواطن والدولة ، لولا تلك المشاكل لما أستطاع القيادات والأحزاب المتعاقبة على الحكم الذين يستغلون مناصبهم للإثراء غير المشروع ولممارسة الفساد والرشاوي وأختلاس وتلاعب بأموال الدولة وبشكل مفضوح وبمشاركة مليشياتهم ففي هذه السرقات التي تشكل خطراً على الدولة لا تقل خطوراتها عن المنظمات الإراهبية التي تمارس أبشع الجرائم بحق أبناء شعبينا وأصبح الفساد الأداري والمالي أمراً طبيعياً عندهم ،لذلك تحاول بعض الأحزاب والتيارات والشخصيات التي ترفض الديمقراطية والفدرالية وتتعكزعلى الدعوات الطائفية لتطور التناحر القومي والمذهبي وأستخدام أساليب القتل والتدميروالأغتيالات لتوسع الشرخ بين أطياف الشعب العراقي من أجل أن تكون لها أرضية تقف عليها وتثبت وجودها داخل المجتمع العراقي ووسط حشد القيادات السياسية والأجتماعية ، هولاء لا يريدون الأستقرار والخير للعراقيين لأنهم يعتقدون أن الطريق الأمثل للوصول للغايات المطلوبة يكون بواسطة القتل والأخنطاف وتخريب الأقتصاد البلد وأحداث حالة من الفزع والفوضى وتخويف الشعب من المستقبل الزاهرالذي يحلم به ، يسعون كل اليوم الى زعزعة الأمن والأستقراركما تسعي الجماعات الإرهابية من خلال أعمالهم الأجرامية ضد الشعب العراقي والأجهزة الأمنية الى أيقاف مسيرة البناء والحرية لأبناء العراق، لكي يصل الحال بالأنسان العراقي أن يطالب بعودة الأمورالى ما كانت عليه سابقاً ولم يرث الشعب منه سوى الحقد والبغضاء ، ليجعل المواطن في ريبة وشك من مصدقية الحكومة الجديدة قي تحقيق طموحاته وتذهب كل التضحيات التي قدمها الجماهير العراقية أدراج الرياح ، من ناحية أخرى تتدخل الدول الأقليمية في شؤون العراق التي تمول وتشجع وتصدر الإرهاب الى العراق لتوقف عملية التغيير ، وكذلك الدول الأوربية كفرنسا والمانيا وروسيا وغيرها ترفض هذا التغيير أيضاً على الساحة العراقية لأنها فقدت مصالحها في العراق الجديد ، فكيف لهذه الدول أن تؤيد لحكومة جديدة أي حكومة ديمقراطية فيدرالية لا توجد فيها مصالحها ، من كل هذا نستطيع أن نستنتج بأن أعداء الديمقراطية والفيدرالية كثيرون ومؤثرون ويسعون لأفشال هذه التجربة الجديدة في العراق ، ليس فاقدي الحكم فقط بل فئات أخرى لا تود هذا التغيير لتكن هي السلطة الأعلى في العراق ولها حصة الأسد دون مراعاة مصلحة الشعب العراقي .
المطلوب من القوى والشخصيات الوطنية قراءة أوراقهم من جديد حتى تتضح عندهم الرؤية ولا تختلط عليهم الأوراق أن كانوا يهمهم مصلحة الشعب والوطن لفهم الديمقراطية والفيدرالية للمجتمع العراقي ودعم منظمات المجتمع المدني بأتجاه التثقيف للشارع العراقي وتثقيف الجماهير من خلال الندوات والمؤتمرات لترسيخ قواعد الوحدة الوطنية وإشاعة أجواء المحبة والأنسجام بين مكونات الشعب العراقي لإخراج العراق من هذه المحنة الصعبة ، أنها مطلباً جماهيرياً أجمع عليها أهل العراق وأعتبارهما الدواء الحقيقي لمعالجة الجراح الأنسان العراقي ولمعالجة الأثارالتي تركه النظام البائد ، هما يضمنان الأمان والأستقرار داخل العراق وبعيداً عن التجاهل والتهميش والإساءة للأخرين وتحل من خلالهما مشاكل أجتماعية وأقتصادية للمواطن العراقي ، وتسد الطرق أمام أعوان ومرتزقة النظام البائد وعدم أفساح لهم لتسلط حزب الواحد بواسطة الأنقلابات العسكرية على السلطة وتوفيت الفرصة على أولئك الذين يريدون أعادة الأوضاع الى ما كانت عليه سابقاً والتي شهدها الأمة العراقية في القرن الماضي وتحمل جميع القوميات والمذاهب من التنكيل والمعاناة خلال تلك الحقبة الزمنية القاحلة ، بطبيق الديمقراطية والفيدرالية يحقق مستوى جيد من التلاحم والأندماج الأجتماعي بين أبناء شعبنا ويكون المجتمع في ظل تلك الظروف بعيداً عن العنف وأشكاله ، فلا فرق بين شخص ينتمي الى قومية أومذهب الغالبية وآخر ينتمي الى الأقلية ، هو وجود الدولة الحق والقانون التي تؤمن حق الملكية وحق التفكير والتعبير وحق التشكيل المنظمات المدنية والأنسانية وتفصل بين السلطات الثلاث أي السلطة التشريعية والتنفذية والقضائية ، وتداول السلطة عن طريق أنتخابات حرة ونزيهة التي تحترم الحرية والعدالة وأحترام الأنسان العراقي ،،،،.[1]