الملِكة الميتانية (نفرتيتي Nefertiti)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6729 - 2020-11-11 - 23:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مكانة المرأة في الأديان الكوردية (7)
مكانة المرأة في الحضارة الخورية (الهورية) (2 – 2)
الملِكة الميتانية (نفرتيتي Nefertiti)
نظراً للدور الكبير الذي لعبته الأميرة الميتانية (تادو-هيپا Tadu-Hepa) نفرتيتي في الحياة السياسية والدينية المصرية الفرعونية، نركّز في هذا المقال على الحديث عن هذه الأميرة.
الميتانيون هم جزء من الخوريين (u)، حيث أنهم ظهروا منذ حوالي سنة 1500 قبل الميلاد وقاموا بِتوحيد الممالك الخورية في مملكة بإسم (مملكة ميتاني)، وجعلوا مدينة (واشوكاني Washukkanni) الواقعة في منطقة الجزيرة بإقليم غرب كوردستان، عاصمةً لمملكتهم. ضمّت مملكة ميتاني معظم مناطق أقاليم جنوب ووسط وغرب كوردستان، حيث أنها امتدّت من مدينة نوزي (مدينة كركوك الحالية) إلى البحر الأبيض المتوسط(26).
تشير المكتشفات الأثرية الخورية إلى أنه كان للميتانيين دور كبير في ظهور العلاقات الدبلوماسية بين دول الشرق الأدنى القديم. في بداية تأسيس مملكة ميتاني، كانت مصر الدولة المنافِسة الرئيسية للميتانيين عندما كان الملِك الفرعوني (ثوتموس الثالث Thutmose III) في الحُكم. بعد معارك قليلة للميتانيين ضد الفراعنة في سبيل السيطرة على غرب كوردستان، أصبح الجانبان حليفَين بعد أن رأوا أن مملكة آشور في الشرق ومملكة الهيتيين (الحثيين) في الشمال أصبحتا قويتَين، وتريدان السيطرة على سوريا الحالية التي كان قسم منها يحكمه الميتانيون والقسم الآخر كان تحت حُكم المصريين. لذلك رأى كل من الفرعون المصري (آمنحوتپ الثاني Amenhotep II) والملِك الميتاني (أرتاتاما الأول Artatama I) أن من مصلحة مصر ومملكة ميتاني عقد معاهدة سلام وتحالف بينهما للتصدّي للأخطار التي كان يُشكّلها كلّ من الهيتيين والآشوريين، للمملكتَين. طبقاً للإتفاقية التي أُبرِمت بين الجانبَين، تمّ تقسيم سوريا مناصفةً بين مصر ومملكة ميتاني، وأصبحت منطقة (حِمْص) الحدود الفاصلة بين النفوذ الميتاني شمالاً والنفوذ المصري جنوباً. كما أنه تمّ عقد اتفاقية صداقة وتحالف بين الميتانيين والمصريين ضد الهيتيين (الحثيين) في عهد الملِك الميتاني (أرتاتاما الثاني Artatama II) والفرعون المصري (تحوتموس الرابع) (27)، لحماية مصالحهما من التهديدات التي كانت تُشكّلها الإمبراطورية الهيتية (الحثية) التي ظهرت في المنطقة آنذاك.
بعد هذا التحالف أصبحت علاقات ملوك الميتانيين متينة مع فراعنة مصر وأخذو يتبادلون الرُسل والهدايا معهم. تتويجاً للعلاقة الودية التي سادت بين الملوك الميتانيين و فراعنة مصر، الفرعون المصري (آمنحوتپ الثالث Amenhotep III) (حكمَ عام 1391 – 1353 قبل الميلاد) تزوّج (گيلوهيپا Gilu-Hepa)، التي كانت أخت الملك الميتاني (توشراتا Tushratta) (حكمَ من حوالي عام 1382 الى عام 1342 قبل الميلاد) (v) الذي هو والِد الفرعون (أخناتون). تظهر من النقوش المكتوبة على الألواح الطينية، أنّ هذه الأميرة الميتانية عند زواجها، أخذت معها الى مصر (317) وصيفة وخادمة وكان ذلك في السنة العاشرة من حُكم الفرعون (أمنحوتپ الثالث Amenhotep III) [28].
كما أن الفرعون المصري (أمنحوتپ الثالث Amenhotep III) تزوج أيضاً إبنة الملِك الميتاني (توشراتتا) التي كان إسمها (تادو-هيپا Tadu-Hepa) (1381-1341 قبل الميلاد). عندما توفي الفرعون المصري (أمنحوتپ الثالث Amenhotep III)، تزوج إبنه (أمنحوتپ الرابع Amenhotep IV) (حكمَ من عام 1353 الى عام 1337 قبل الميلاد) الأميرة الميتانية (تادوهيپا Tadu-Hepa)، والذي غيّر إسمه فيما بعد الى (أخناتون)، وأطلق إسم (نفرتيتي Nefertiti) على زوجته (تادوهيپا Tadu-Hepa) والتي أصبحت الملِكة الفرعونية الشهيرة في التأريخ بجمالها ودورها المحوري في حُكم مصر الفرعونية [w، x]. في رسالة ميتانية التي باقية الى الآن، ويمكن قراءتها بِوضوح، وهي للملِك الميتاني (توشراتتا) مُرسَلة الى الفرعون المصري (أمنحوتپ الثالث)، يُعلن فيها قبوله لزواج إبنته (تادوهيپا Tadu-Hepa) من الفرعون المصري (أمنحوتپ الثالث) (29). (نفرتيتي) تعني باللغة المصرية القديمة (الجميلة قد وصلتْ) (30). يوجد تمثال (نفرتيتي) في متحف برلين في ألمانيا. من الجدير بالذكر أنّ (نفرتيتي) مولودة في سنة (1381) قبل الميلاد وكان عمرها (15) سنة عندما تزوجت الفرعون المصري (أمنحوتپ الثالث) (31). بعد وفاة زوجها، تزوجت (أمنحوتپ الرابع) وكان عمرها ثلاثين سنة وكانت لها (6) ست بنات (32). كانت (نفرتيتي) ذات قدّ نحيل ولون عينيها فستقي وطولها (140) سنتيمتر وذات بشرة بيضاء (32).
(آتون) تعني (طاقة الشمس)، حيث دعا الفرعون (أخناتون) الناس الى عبادة هذا الإله، الذي هو الإله الوحيد الذي يجب أن تتم عبادته لأنه خلقَ البشر في كل مكان. رجال الدين الذين كانوا يعبدون الإله (آمون) وقفوا ضد هذه الدعوة ل(أخناتون)، مما اضطر أن يترك العاصمة (طيبة) والقيام ببناء عاصمة جديدة له في مصر، أسماها (أخت - آتون) التي تعني (أُفق آتون) وانتقل اليها (33).
تحت تأثير زوجته (نفرتيتي)، آمن الفرعون أخناتون بالمعتقدات الدينية الخورية الشمسانية التي كانت زوجته (نفرتيتي) تؤمن بها، حيث قام مع زوجته بنشر هذه المعتقدات الدينية في مصر وأوجدا ديناً توحيدياً يؤمن بإله واحد وهو (آتون) أي (طاقة الشمس). فرضَ (أخناتون) عبادة الإله (آتون) بدلاً من الإله (آمون) وبذلك قام بثورة دينية كبرى التي إنعكست بدورها على الحياة في مصر، خاصةً الحياة الثقافية والفنية فيها. هكذا بدأت تسود المعتقدات الدينية الخورية في مصر الفرعونية. بعد إيجاد الدين الجديد، غيّر الفرعون (أمنحوتپ الرابع) إسمه الى (أخناتون) الذي يعني “أفق آتون”. كما أنه بعد إيجاد الدين الجديد، أطلق على زوجته (تادوهيپا) إسم “نفرنفراتون نفرتيتي” الذي يعنى “آتون يشرق لأن الجميلة قد وصلتْ”. يُعتبَر دين (أخناتون) أقدم دين توحيدي في تاريخ البشرية.
[1]