مكانة المرأة في الحضارة الإيلامية (سنة 3200 – 539 قبل الميلاد) (القسم الأول)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 6711 - 2020-10-22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مكانة المرأة في الأديان الكوردية (3)
نظراً لِكثرة معلومات هذه الدراسة عن مكانة المرأة الإيلامية، قمتُ بتقسيمها الى ثلاث أقسام، أنشرها في ثلاث مقالات تجنباً للإطالة. قبل الحديث عن مكانة المرأة في المجتمع الإيلامي القديم، من المفيد تحديد موقع وحدود ومدن الإمبراطرية الإيلامية والفترات التاريخية للحُكم الإيلامي.
كانت حدود مملكة إيلام تمتد من نهر دجلة غرباً الى بلاد فارس شرقاً ومن طريق همدان – بابل شمالاً الى إمتداد الخليج السومري (الفارسي) حتى مدينة بوشهر جنوباً. كانت مملكة إيلام تضم كلاً من خوزستان ولورّستان وإيلام و پشتكوه وجبال بختياري والمناطق الواقعة في شرق نهر دجلة وكانت عاصمتها هي مدينة سوسة (مدينة شوش الحالية). من المدن الرئيسية الأخرى للمملكة الإيلامية هي مدينة (ماداكتو) التي كانت تقع على ضفاف نهر (كرخه) ومدينة (خايدالو) التي يُعتقد أنها كانت تقع في مكان مدينة خرم آباد الحالية.
مرت مملكة إيلام بِأربع أدوار حُكم والتي فتراتها كانت كالآتي:
1. سنة 3200 – 2700 قبل الميلاد
2. سنة 2700 – 1600 قبل الميلاد
3. سنة 1500 – 1100 قبل الميلاد
4. سنة 1100 – 539 قبل الميلاد
كان النمو الخضري والتكاثري دائمًا مثيرًا للإهتمام لِرَجُل العصر الحجري. خروج النباتات من الأرض كان معجزة بالنسبة له. لقد رأى هذه المعجزة في المرأة أيضًا. إنّ نمو نبات من التربة ومنحه الحياة، يشبه ولادة طفل من إمرأة. حفاظ المرأة على هذا الطفل على قيد الحياة ورعايتها من صدرها ليس أقل من معجزة. المرأة لها دائمًا دور حيوي في الكون دون النظر إلى أبعاد المكان والزمان؛ واجبها هو الإنتاج أو الولادة والتربية والتعليم. عرفوا أن المرأة لها هذه الموهبة، لكن الرجال لم يكن لديهم هذه الميزة. النقوش والزخارف والمصنوعات الفخارية وغيرها من الأعمال التي أقامها الإيلاميون، تدور حول النساء والرجال والتي هي دليل على أهمية هذه المسألة.
لم يكن ممكناً للعقيدة الدينية للإنسان البدائي أن تُجسَّد بشكل موضوعي وتقليد القوى السماوية والأرضية العليا إلا في مبدأ الوجود الأنثوي. كل المجتمعات القديمة كانت تدور وتعبد رمز أو رموز أصل الكائن الأنثوي، وهو الأصل الكبير والأساس للأُم الأصلية. أدى الفكر الديني للإنسان القديم في التطورات اللاحقة في النهاية إلى مرحلة تم فيها قبول عبادة مختلف الآلهة ذات الوجوه البشرية. شهد تاريخ كوردستان تألق مكانة المرأة في فترات مختلفة. كانت النساء في عصور مختلفة يعملنَ كعامِلات الإطفاء ومخترِعات وصانعات الفخار ومكتشفات النباتات ومُزارِعات ومسؤولات القبائل. أصبحت المرأة على دراية بِعِلم الكيمياء عن طريق صناعة الفخار، وعِلم الفيزياء عن طريق الغَزْل، وعِلم الميكانيك من خلال صنع المنسوجات.
إنّ البحث عن مكانة المرأة في الحضارة الإيلامية، ذا أهمية خاصة لأنّ الكورد إستمدوا الكثير من ثقافتهم من الحضارة الإيلامية. مبدأ الوجود الأنثوي كان في قلب الفكر الديني للإيلاميين، حيث كانت الآلهة الإناث من بين الآلهة الرئيسية. في الفكر القانوني الإيلامي، كانت الحضارة الإيلامية من أعدل الحضارات فيما يتعلق بحقوق المرأة. كانت المرأة تتمتع بِوضع إنساني حقيقي ولم تكنْ أبدًا أدنى مرتبةً من الرجُل كمدّعية أو مُدعى عليها. بالإضافة إلى ذلك، فأنَ معظم الفتاوى الدينية كانت تُصدَر من قِبل الآلهة الإناث. في المجتمع الإيلامي، كانت شهادة النساء مقبولة مثل شهادة الرجال، فالوثائق الإيلامية المكتشفة تُظهِر حضور النساء في المحاكم كشاهِدات جنباً الى جنب الرِجال وكانت الإلهة (ایشمه كرب) حاضرة في المحاكم جنباً الى جنب الإله (این-شوشیناك)، حيث وُضعت النساء على قدم المساواة مع الرجال في المحكمة ومثّلت النساء أمام المحاكم دون عوائق أو إشكاليات.
كانت المرأة تتمتع بمكانة راقية لدرجة أن الملِك الإيلامي (شيركوه)، الذي كان ينتمي الى إحدى السُلالات الحاكِمة، عيّن والدته حاكمةً للعاصمة الإيلامية (سوسة) وكان إسمها (شیل-خاخا) (16). كانت مكانة المرأة في المجتمع الإيلامي راقية وتتمتع بِحقوق ممتازة، مقارنةً بالمرأة في المجتمعات السامية.
في البداية كان نظام الميراث في إيلام القديمة يقوم على الأخوة، أي أن الإخوة كانوا أكثر أهمية من الأبناء والبنات في الحصول على الميراث، إلا أنه بمرور الوقت إستُبدل قانون الميراث وحلّ محله توريث البنات والأولاد للميراث. وثائق إيلامية تُظهِر أنه في بعض الحالات تمّ نقل حقوق الميراث بِأكملها الى المرأة لوحدها. في وثيقة، يشترط رجُلٌ أن يحترم الأبناء والِدتهم بعد وفاته، لِيحق لهم الحصول على الميراث من زوجته. كان القانون الإيلامي يضع واجب رعاية الأمهات في سن الشيخوخة على عاتق أولادها بنسبة أكبر من بناتها، ويرثون أحيانًا إذا حققوا توقعات آبائهم.
لعبت المرأة في الحضارة الإيلامية أدواراً مختلفة مستندة على دورها في خصوبة الأرض على أسس إقتصادية. هذه الخاصية قامت بتقوية روح الإيمان والعقيدة في الأم العظيمة لدى الناس في عصرها وكذلك في زيادة الإنتاج. أُسنِدت مهام تنظيم أعمال القبائل وحل خصوماتها وخلافاتها، الى المرأة وكانت تتبوأ المرأة مناصب دينية بالإضافة الى المناصب الوظيفية المدنية. المصطلحات الإيلامية التالية هي للمِهن التي إمتلكتها النساء [d]:
(Amaloop): عنوان وظيفة المرأة العامِلة
(Zkeshish): سيدة المحكمة، أميرة
(Eirti): زوجة
(Mounous): ترجمة لمصطلح الزوجة
(Moutou): امرأة
(Pak): فتاة. كلمة (Pak) بالكوردية تعني (نظيفة أو نظيف) وقد تكون هذه الكلمة الكوردية هي نفس الكلمة الإيلامية، التي تغيّر معناها في اللغة الكوردية بمرور الزمن، حيث أن الفتاة هي الشابة النشطة التي تقوم عادةً بالإهتمام بالبيت وترتيبه وتنظيفه وتزيينه ومن هنا قد يكون تغيّر معنى الكلمة الإيلامية في اللغة الكوردية.
(Ommeh): أُمّ (والدة) الملِك. إنّ هذه الكلمة الإيلامية هي أصل كلمة (أُمة) العربية.
آلهة الأم والخصوبة في إيلام تصورت أن المكان الأفضل كان يعود لإلهة في هذا العالَم وهذا التصور كان خاص بِدين الإيلاميين. هذا التصور بأن المكان الأفضل كان يعود لإلهة في هذا العالَم وكون المكان بمعزل عن آلهة إيلامية أخرى، يُبيّن أن أتباع هذا الدين كانوا يشدّدون على النظام الأمومي. (هينز) [e] يُقدّم فكرةً تُظهِر مصادر ومبررات الإلهة المزدوجة أو الثلاثية خلال ذلك الوقت. في الحقيقة هذا يُمثّل التركيبة الموحدة للسلطة الفيدرالية، حيث كان نظام الحُكم الإيلامي، هو نظام فيدرالي، وكانت في البداية كل دولة لها إلهتها الخاصة. الإلهة (پنيكير Pinikir) كانت إلهة مدينة (سوسه Susa) وكانت الإلهة (كي ري ريساه Ki ri risah) إلهة (بلاد البحر في جنوب الشرق) و الإلهة (پارتي Parti) كانت إلهة دولتَي (مالي أمير Male Amir) و(أنشان Anshan).
يبدو أن آلهة الأم اللواتي كنّ الحاكِمات الرئيسيات لإيلام هنّ كما يلي:
إلهة سيدة المحكمة
والدة الملِك
زوجة الملِك
أخت الملِك
الأميرة
الكاهنة
المرأة الغنية
النساء العاديات (نساء حِرَفيات وفنانات)
تمّ إحلال الآلهة الذكور محل آلهة الأم المذكورة أسماؤهنّ أعلاه، تدريجياً خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، الا أنهنّ لم يفقدن نفوذهن(f). لقد حظيت كل إلهة أُم بالإحترام والتبجيل في منطقتها الخاصة بها وهذه الإلهات كانت متفاهمة فيما بينهن. هذا يؤكد على قانون الدولة الفيدرالية الذي ينص على أنّ كل ولاية من إيلام يجب أن تكون لها إلهة الأم الخاصة بها في تلك الأزمان القديمة. كانت (پنيكير Pinikir) إلهة أم لمدينة سوسه التي كانت من المحتمل تنحدر من جِبال الشمال. كانت (كي ري ريساه Ki ri risah) إلهة الجهة الجنوبية من الخليج السومري (الفارسي) وكانت (پارتي Parti) إلهة الجبل الشرقي من أنشان. لم تكن ايلام تعاني من الإضطرابات أوالقلق لِكونها كانت لها إلهتَين أو ثلاث إلهات أُم. إلهات الأم المحلية المُعينة كُنّ غير متنافسات بين الإيلاميين. كان الإيلاميون يقدمون الهدايا الى الإلهات المحليات والأجنبيات بإنتظام ويقدمون هدية منفصلة لكل إلهة [g]. كانت آلهات الأم لها سيطرة تامة على النظام الديني في إيلام في الألفية الثالثة قبل الميلاد الا أنه لم يكن هناك إختلاف بين مكانة المرأة والرجُل في الألفية الثانية. عندما تبوأ الآلهة الرجال المناصب تدريجياً في النظام الأمومي الإيلامي القديم، حلّ آلهة ذكور محل الإلهات مثل (پنيكير Pinikir) و (كي ري ريساه Ki ri risah) بدون خلاف. الإلهات لم تتم تنحيتهنّ عن رئاسة وقمة المجموعات الدينية لأنه كانت لهنّ مكانة دائمة في قلوب عامة الناس. هذه الحقيقة تظهر من خلال الأعداد الكبيرة للتماثيل الفخارية لإلهات عاريات.
[1]