الميثرائية هي إمتداد للديانة اليزدانية
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 6262 - 2019-06-16
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الدين اليزداني، تاريخه، معتقداته، لغته وطقوسه (1)
الميثرائية هي إمتداد للديانة اليزدانية
في البداية من المفيد التعريف بأسلاف الكورد الخوريين (الهوريون) لِعلاقتهم بالموضوع. يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد بأن أغلب المناطق الشمالية لبلاد ما بين النهرَين عُرفت في المصطلحات البابلية ب (سوبارتو Subartu)، وأن سكانها كانوا غير ساميين وغير هندو أوروپيين وأن (سوبارتو) هي إسم جغرافي يعني (الشمال أو المنطقة المرتفعة)(1)، أي المنطقة الشمالية من بلاد ما بين النهرَين أو المنطقة الجبلية منها. من جهة أخرى يقول السير سدني سمث بان السكان السوباريين القاطنين في أعالي القسم الغربي لدجلة، كانوا معروفين بإسم الهوريين (الخوريين) الذين إستطاعوا ان يبسطوا سيطرتهم في القرن 18 قبل الميلاد على القسم الأكبر من سورية الحالية حتى نهر الفرات وأن المصريين في تلك الفترة كانوا يُطلقون على سورية الحالية إسم بلاد هورو(a). هكذا أنّ (لسوباريين) يعني (شماليين أو جبليين أو سكان الشمال أو سكان المنطقة الجبلية) وهؤلاء السوباريون هم الخوريون الذين كانوا سكان سوبارتو.
يقول الدكتور جمال رشيد أحمد بأن الخوريين ظهروا منذ الألف الثالث قبل الميلاد وجاء في السجلات المسمارية في الألف الثاني قبل الميلاد بأن الخوريين كانوا سكان المناطق الواقعة على نهر الزاب الصغير وسهول (بيتوانه) و(كركوك) و(الموصل) و(وان) و(الجزيرة) ووديان نهر الخابور وصولاً الى مدينة (حلب) الحالية وأطرافها(2). كما يشير الدكتور احمد محمود الخليل الى أن (وليام لانجر) يذكر بأنه في حوالي عام 1690 قبل الميلاد بدأ الخوريون يهاجرون من موطنهم (سلسلة جبال زاگروس) و ينتشرون في مناطق تمتد من مدينة (وان) شمالاً الى مناطق (شَوشاره) و(نوزي) الواقعة قرب مدينة كركوك جنوباً والى شمالي الموصل غرباً(3)(4).
عُثر على مجموعات من الوثائق الخورية في نوزي (يورگان تبه، جنوبي كركوك) ومحيطها وفي (ماري) و(إيمار) الواقعتَين على الفرات الأوسط وفي (أوگاريت) وفي العاصمة الهيتية هاتوشا (بوغازكوي الواقعة في شرقي أنقرة). كما ترد تعابير ومفردات وأسماء أعلام خورية في كثير من الوثائق المكتشفة في مناطق مختلفة من الشرق القديم.
إنتشرت اللغة الخورية على نطاق واسع عند إتساع المملكة الخورية في أواسط الألف الثاني قبل الميلاد، وأصبحت لغة لها مكانة بارزة في المنطقة. من الجدير بالذكر هو أنّ اللغة الأورارتية منحدرة من اللغة الخورية.
كانت اللغة السوبارية (الخورية) وكتابتها المسمارية هي من أقدم اللغات والكتابات. اللغة السوبارية (الخورية) هي لغة إلتصاقية مثل السومرية. كانت الحضارة السوبارية (الخورية) تنافس الحضارة السومرية حتى في ظهور الكتابة بل وفي تدشين العصور التأريخية رغم عظمة وبكورية الحضارة السومرية(5).
يشير الدكتور جمال رشيد احمد بأن جيجر يذكر أن إسم الخوريين مرتبط بإسم الإله خوارH-var- إله الشمس، حيث لا يزال إسم الشمس باللغة الكوردية هو خۆر(6). إن هذه التسمية في بلاد سوبارتو و تعميقها بمفهوم ديني ومن ثم بمفهوم قومي على جميع السكان الذين آمنوا بإله الشمس والنور في بلاد سوبارتو من گوتيين ولوليين وكاشيين، له مغزى تأريخي عظيم، حيث أنها تعني بأن هذه المجموعة البشرية كانت تعبد إلهاً مشتركاً و تقوم بأداء طقوس دينية مشتركة. الديانات التي كانت سائدة في بلاد سوبارتو، كانت تدّعي بأولوية وعظمة إله الشمس من بين الآلهة الأخرى. يستطرد الدكتور جمال رشيد أحمد في حديثه بأنه لا يزال إسم إله الشمس باقياً في نفس المنطقة بشكل خورماتو (طوزخورماتو، تازه خورماتو)، كما هو الحال مع إسم باگاداتو التي تحولت الى (باگادات بغداد) أي عطاء الإله باگا.
هكذا كان تقديس الطبيعة وعبادة قواها سائدة في معتقدات السوباريين (الخوريين)، حيث أن الصليب المتساوي الأضلاع الخوري – الميتاني كان رمزاً للإله ميثرا. لا يزال يتم رسم هذا الصليب على أجساد الأطفال المرضى ويتم وضعه في رقاب الأطفال والحيوانات الأليفة، كما يتم رسمه على الأدوات المنزلية. لذلك كانت عبادة الشمس من العبادات السائدة عند شعوب الشرق الأوسط ومصر(7).
لا يزال تقديس الشمس باقٍ في فروع الديانة اليزدانية، مثل الإيزدية و اليارسانية. كانت الشمس هي الإله الأول للسوباريين (الخوريين) ومن ثم تأتي الكواكب الأخرى وخاصةً كوكب الزهرة والقمر، بعد الشمس في القدسية و العبادة، لذلك كان السوباريون و الأقوام الزاگروسية القديمة الأخرى يجعلون مقابر موتاهم بإتجاه شروق الشمس نتيجة تقديسهم لإله الشمس وكانوا يدفنون حاجيات الشخص المتوفي معه في قبره. كما أنه من المفيد القول بأن السوباريين كانوا يحترمون الأديان الأخرى، الى جانب إحتفاظهم بمعتقداتهم الدينية و كانوا يمنعون التطرف والعنف(8).
لقد عثر علماء الآثار على بعض الأدعية الدينية، التي تُشير الى أنه كانت للمرأة مكانة مرموقة في المجتمع السوباري (الخوري)، حيث كانت المرأة متمتعةً بحريتها و إستقلاليتها في كثير من الأمور. الآثار المكتشفة تدل أيضاً على أن المرأة كانت تؤدي الأعمال الكتابية في الدواوين الى جانب الرجل(9).
يُعرّف الپروفيسور (مهرداد إيزادي) الديانة اليزدانية بأنها دين خوري (هوري) قديم ويذكر بأنه قد يكون أسلاف الكورد الميتانيون قاموا بإيجاد بعض الطقوس الڤيدية التي تظهر بِوضوح في الديانة اليزدانية(b).
نستنتج مما تقدّم، بأنّ اليزدانية كانت دين الخوريين، حيث أنّ كلمة (خور) و(هور) باقية في اللغة الكوردية وتعنيان (الشمس). يتبين من إسم (الخوريين) أنهم من معتنقي الديانة اليزدانية الشمسانية. كما تمّ ذكره أعلاه، إنتقل الخوريون من سلسلة جبال زاگروس الى مناطق سهلية في كوردستان في حوالي سنة 3000 قبل الميلاد وهذا يعني أن الدين اليزداني عمره أكثر بكثير من 5000 سنة، حيث لا بد أنهم كانوا يُدينون أيضاً بالديانة اليزدانية في موطنهم الأصلي (جبال زاگروس) قبل نزوحهم الى المناطق الكوردستانية السهلية. من جهة ثانية، أنّ الميتانيين أسسوا مملكتهم في حوالي سنة 1450 قبل الميلاد والذين كانوا يعتنقون الديانة الميثرائية. إندمج الميتانيون مع الخوريين وإكتسبوا تقديس الشمس واللغة الخورية منهم. هذا يعني أنّ الديانة اليزدانية أقدم بكثير من الديانة الميثرائية وأنّ الميثرائية هي إمتداد للديانة اليزدانية.
المصادر
1. الدكتور جمال رشيد أحمد. دراسات كردية في بلاد سوبارتو. بغداد، 1984، صفحة 3.
2. الدكتور جمال رشيد أحمد. ظهور الكورد في التاريخ. دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، كوردستان، الطبعة الأولى، 2003، صفحة 601.
3. الدكتور احمد محمود الخليل. تاريخ مملكة ميتّاني الحورية. 2013، صفحة 12.
4. وليام لانجر. موسوعة تاريخ العالم. أشرف على الترجمة د. محمد مصطفى زيادة. الطبعة الأولى، القاهرة، 1963، صفحة 62.
5. محاضرة للدكتور خزعل الماجدي في لاهاي في هولندا بتأريخ 02-10-2010.
6. الدكتور جمال رشيد أحمد. دراسات كردية في بلاد سوبارتو. بغداد، 1984، صفحة 25، 26).
7. المصدر السابق، صفحة 27.
8. محاضرة للدكتور خزعل الماجدي في لاهاي في هولندا بتأريخ 02-10-2010.
9. جورجي زيدان. العرب قبل الاسلام. الجزء الأول، الطبعة الثانية، دار الهلال، 1922، صفحة 67.
الهوامش
a. Smith, Sidney (1928). Ancient Kurdistan.
b. https://en.wikipedia.org/wiki/Yazd%C3%A2nism
[1]