هل النساطرة هم أحفاد الآشوريين؟ (3)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6170 - 2019-03-12
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في 11 نيسان من سنة 1852ميلادية قدَّم عالِم الآثار الإنگليزي (هنري كريسويك راولنسون) بحثاً إلى الجمعية الآسيوية الملكية بعنوان (تاريخ آشور المستقى من الكتابات التي إكتشفها لايارد في نينوى)، وبين سنتَي (1854–1855م) وصلت إلى بريطانيا حوالي (25000) قطعة أثرية آشورية التي إكتشفها (لايارد)، والتي أحدثت إهتماماً كبيراً في الأوساط الشعبية البريطانية، حيث أن الطبقة البريطانية المتدينة أعجبت بها كثيراً نظراً للتشابه بينها وبين ما ورد في الكتاب المقدس عن الآشوريين، وإعتقدت هذه الطبقة أنّ هذه الآثار المكتشفة تشهد على مصداقية ما جاء في الكتاب المقدس.
تلقّى رؤساء أساقفة (كارنتربري) الإنگليزية بين سنة (1844–1868م) رسائل كثيرة من الشخصيات النسطورية، تدعوهم لمساعدتهم. تلبية لطلبهم، قام رئيس أساقفة كارنتربري (چارلس توماس لونگلی Charles Thomas Longley) (1862-1868م) في سنة 1866ميلادية، بإرسال بعثة دينية الى النساطرة، قابلت خلال زيارتها البطريرك النسطوري وبعض الأساقفة. ثم قام رئيس أساقفة كارنتربري (كامبيل تايت Campbell Tait (1868–1882م) بتشكيل لجنة دائمة برئاسة (إدورد لويس كوتسEdward Lewes Cutts) (1824–1901م) وإرسالها سنة 1876م الى المناطق الجبلية التي يعيش فيها النساطرة في شمال وجنوب وشرق كوردستان، لتفقّد وضعهم ومحاولة إقناعهم لتبديل مذهبهم[a].
في سنة 1877 ميلادية، قام (كوتس) بجهود تبشيرية كبيرة بين النساطرة، ونشر مقالاً بعنوان (المسيحيون تحت الهلال في آسيا)(b). في سنة 1881 ميلادية، تأسست إرسالية بإسم (بعثة رئيس أساقفة كارنتربري إلى الآشوريين) (c) وهذه كانت أول مرة في التاريخ تُطلق كنيسة إسم الآشوريين على النساطرة. أخذت هذه البعثة في سنة 1886 ميلادية في تعليم النساطرة القراءة والمبادئ الدينية. في سنة 1890 ميلادية وصلت راهبات عضوات في (جمعية راهبات بيثاني) التابعة للكنيسة الانگليكانية، الى مدينة ورمێ (أورميا) الواقعة في شرق كوردستان، حيث قمن بتعليم البنات النساطرة العلوم الدينية واللغة السريانية والجغرافية والتدبير المنزلي وغيرها(d).
استمرت البعثات الأنگليكانية في زيارة المناطق النسطورية بحيث لم تكن مناطق النساطرة تخلو من أعضاء بعثة كارنتربري إلى الآشوريين الجدد(e)، ولم تنجح تلك البعثات بإقناع النساطرة بترك مذهبهم، لكنها نجحت بإقناعهم أنّ (النسطورية و النساطرة) لا تُليقان بهم، ومن المفضل تغييرهذين الإسمَين الى (آثور و آثوريين) لكي ترفعا من شأنهم في الأوساط العالمية وليُمهّد الطريق لهم للإنتساب إلى الآشوريين القدماء(1)، وأخذت التسمية الآشورية تلقى إهتماماً كبيراً من الكُتّاب والمبشرين والسياسيين الإنگليز في بداية القرن العشرين مثل، (تيرو دانگان) الذي زار النساطرة في سنة 1912 ميلادية وقام بترجمة الوصف الملحمي للملِك الآشوري (سرجون الثاني)، و(آرثر جون ماكلين) (1858–1943م) الذي ألّف في سنة 1895 ميلادية كتاب (قواعد اللهجة السريانية الشرقية المحكية للنساطرة) ووضع قاموساً لها في سنة 1901 ميلادية، والعقيد (مونسيل) قنصل بريطانيا في مدينة (وان) الواقعة في شمال كوردستان، الذي تجول في المنطقة سنة 1900 ميلادية وأصدر عدة كُتب عن النساطرة، و(مس بيل) (1868–1926م) مستشارة المندوب السامي البريطاني في العراق، والعقيد (ستافورد) الذي في سنة 1935 ميلادية، قام بِتأليف كتاباً بعنوان (مأساة الآشوريين).
أهم شخصية روّج للإسم الآشوري هو (وليم ويگرام William Wigram) (1872–1953م) الذي أرسله رئيس أساقفة كارنتربري في سنة 1898 ميلادية، وبقي هناك 24 سنة، وإتخذ قرية (بيباد) الواقعة في غرب مدينة (ئامێدی) مقرَّاً لبعثة كارنتربري، حيث أنه أقام علاقات وطيدة مع البطريرك النسطوري وعامة النسطوريين وأتقن اللغة السريانية وأسس مدرسة في المنطقة. في سنة 1909 ميلادية، الَّف (ويگرام) كتاباً بِعنوان مقدمة في تاريخ الكنيسة الآشورية أو كنيسة الإمبراطورية الساسانية الفارسية، وقدّم إهداء الكتاب إلى البطريرك النسطوري (پولس إيشاي) (1918–1920م) (f). عن سبب تأليف هذا الكتاب، يذكر (ويگرام) أنّ هذه الكنيسة عُرفت في التاريخ بإسم الكنيسة الشرقية أو السريانية أو الكلدانية أو النسطورية، وهذه مشكلة للقارئ الانگليزي الذي لا يُفرِّق بين الكنيسة الشرقية كالروسية واليونانية وبين الكنيسة الشرقية النسطورية(g)، وإعتبر (ويگرام) في كتاباته النساطرة أحفاد الآشوريين القدماء. لم يستعمل (ويگرام) الإسم الآشوري للدلالة على النساطرة قبل بداية الحرب العالمية الأولى التي بدأت في سنة 1914 ميلادية، بإستثناء في كتابه المذكور أعلاه، حيث كان يستخدم الإسم النسطوري والسرياني وأسماء العشائر مثل (التِياريين) و(جيلويا) للدلالة على النسطوريين، وكان يُسمِّي قراهم بالمسيحية أو النسطورية. لم يستخدم (ويگرام) الإسم الآشوري في الفصول الستة عشرة الأولى من كتابه المنشور في سنة 1914 ميلادية، إلا أنه في الفصول الأخيرة من كتابه أخذ يستعمل الإسم الآشوري وذلك لأسباب سياسية وهي وقوف النساطرة إلى جانب الإنگليز في الحرب. كما أنه أخذ يستعمل الإسم الآشوري بكثرة للدلالة على النساطرة في كتابه المعنون (حليفنا الصغير)(h) الذي نشره في سنة 1920 ميلادية، مقتبساً التعبير من رئيس أساقفة كارنتربري (راندال داڤيدسون Randall Davidson) (1903–1928م) الذي إستعمله إبان الحرب العالمية الأولى في خطابه أمام مجلس العموم البريطاني حيث أنه إستعمل عبارة (حلفاؤنا الآشوريون) في إشارته إلى النساطرة(2).
المصادر والملاحظات
1. احمد سوسة، ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق. جامعة بغداد، 1978،صفحة 59.
2. يوسف مالك، الخيانة البريطانية للآشوريين. ترجمة يونان ايليا يونان، 2004، صفحة 62.
a. Joseph, John. The Modern Assyrians of the Middle East: Encounters with western Christian missions, archaeologists, and colonial powers. 2000, p. 98.
b. Christians under the Crescent in Asia.
c. Mission of Archbishop Canterbury to the Assyrians.
d. https://en.wikipedia.org/wiki/Society_of_the_Sisters_of_Bethany
e. Wigram, William Ainger. The Cradle of Mankind: Life in Eastern Kurdistan. 1914, p. 218.
f. Wigram, William Ainger (1910). An introduction to the history of the Assyrian Church´-or-the church of the Sassanid Persian Empire, 100-640 A.D. Society for Promoting Christian Knowledge, UK.
g. The last reference, p. 3.
h. Wigram, William Ainger. Our Smallest Ally. 2010.
[1]