تاريخ إنتشار الدين المسيحي في كوردستان (8) (الحلقة الأخيرة)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6158 - 2019-02-27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قبل أن نختتم الحديث عن إنتشار المسيحية في كوردستان ودور المسيحيين الكورد في هذا الإنتشار، نذكر في هذه الحلقة الأخيرة معلومات هامة أخرى عن دور الكورد في نشر المسيحية في كوردستان بشكل خاص و في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام و إنخراط الكورد في هذا الدين والدور الكبير للكورد في الفكر والثقافة.
نتحدث في البداية عن أحد المسيحيين الكورد الذي ذاعت صيته وإشتهر في العالم المسيحي وهو الكاتب والمؤرخ المطران (توماس مەرگەیی) الذي أشغل منصب (ميتروپوليتان) مطران أي رئيس أساقفة بيت گرماي (كركوك الحالية). ولد (توماس) في سنة 832 ميلادية في شارزور، وهو إبن يعقوب الذي ينتمي إلى قبيلة (شێروانه). كان توماس راهباً بالأصل من الدير النسطوري الشهير (بيث آبهێ Beth Abhê) الذي يعني (بيت الغابة)[a]. تمّ تأسيس هذا الدير في نهاية القرن السادس الميلادي من قِبل يعقوب، ويقع على قمة جبل بين واديَين، على الضفة اليمنى لنهر الزاب الكبير(a). تمّ تعيينه أسقفاً لهذا الدير النسطوري، ثم إنتقل إلى (مرگه) الواقعة في وسط كوردستان، وأخيراً إستقر في كركوك وأصبح مطراناً لها(a).
في النصف الأول من القرن التاسع الميلادي، ألّف المؤرخ الأسقف (توماس مەرگەیی) كتاباً بعنون (كِتاب الحُكّام) المعروف بإسم (التاريخ الرهباني لِتوماس من مەرگە) والمكتوب باللغة السريانية. في كتابه، تناول توماس بِدقة ووضوح الكثير من المواضيع المتعلقة بِعمله ككاهن وأسقف وثم كمطران وعن عمل كنيسته والتاريخ السابق للمنطقة. من ضمن ما يضمه كتابه من مواضيع، هو إتصالات الكنيسة النسطورية بالملوك الفرس و صراعاتها معهم، إلقاء بعض الأضواء الجديدة على أحداث تاريخ تلك الحقبة التاريخية، تشتت الرهبان من جبل ايزلا، الإرسالية التبشيرية للبطرياركية النسطورية إلى هرقل، إرتداد الأسقف (ساهدونا Sahdona) عن الكنيسة النسطورية وإنتمائه للكنيسة السريانية الغربية، ركود الكنيسة النسطورية في القرن السابع الميلادي، تأسيس 60 مدرسة وإدخال الموسيقى الكنسية في منطقة مەرگە، إعتناق الدين المسيحي من قِبل الشعوب العائشة على الشواطئ الشرقية و الجنوبية لبحر قزوين، البعثات المُرسَلة إلى جنوب الجزيرة العربية وبلاد آريانا والصين للتبشير بالمذهب النسطوري، تراجع النفوذ الفارسي ونمو القوة العربية و غيرها من القضايا والأحداث(a).
في أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر الميلادي، كان الجنود الكورد المسيحيون يُشكلّون حوالي 2.7% من الجيش الذي تواجد في قلعة مدينة شيزر(b).
تحكي عدد من سجلات السفر المختلفة والتي تعود إلى القرن التاسع عشر والقرن العشرين عن عدد من القبائل المسيحية والمُسلمة الكوردية وكان غالبيَّة الكورد الذين إعتنقوا المسيحية من أتباع كنيسة المشرق[c]. كما أفاد باحثون من الجمعية الجغرافية الملكية في عام 1884، حول قبيلة كوردية في سيواس والتي إحتفظت ببعض الشعائر المسيحية(d). كما أنّ العديد من المسيحيين الكورد إنسلخوا عرقياً ولغوياً وثقافياً عن شعبهم الكوردي وأصبحوا من المسيحيين الناطقين باللغات السامية في بلاد ما بين النهرين، خاصةً بعد التوسعات الإسلامية في الشرق الأوسط(e). تمّ العثور على عدد من الصلوات المسيحية باللغة الكوردية والتي تعود إلى القرون السابقة(f).
يذكر المسعودي في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) إسم (16) ستة عشر عشيرة كوردية، إثنتَين منها هما عشيرتان مسيحيتان وهما العشيرة (اليعقوبية) وعشيرة (جورقان) اللتين أفرادهما كانوا يسكنون في مناطق الموصل و جبال جودي(1)، الرحالة الإيطالي ماركو پولو (Marco Polo) المتوفي في سنة 1323 ميلادية، أشار أيضاً الى المسيحيين الكورد، حيث يقول عن الموصل في مخطوطته: يسكن الاجزاء الجبلية جنسٌ من الناس يُسمّون (كورد)، بعضهم مسيحيون من النساطرة أو اليعاقبة و بعضهم الآخر من المسلمين(2).
أنشأ الأسقف (يعقوب) الذي خلّف الأسقف ( يهوذا بن باثيرا)، مدرسةً ذات شأنٍ هام في مدينة نسيبين، التي كانت مركزاً لنشر اللاهوت اليوناني بين المسيحيين. توسعت هذه المدرسة بحيث أصبحت في القرن الخامس الميلادي أكبر مدرسة نسطورية تعمل على نشر المذهب النسطوري في كوردستان وإيران وغيرهما من بلدان الشرق. في بعض الأوقات، وصل عدد طلاب هذه المدرسة الى أكثر من (800) ثمانمائة طالب، ينتمون الى جنسيات مختلفة(3). في القرن السادس الميلادي، كانت هذه المدرسة تضمّ أيضاً بيمارستان (مستشفى)[4].
حكمت العائلة الأرمنيَّة (زاكارد) الأجزاء الشمالية للأراضي الأرمنية في القرن الثالث عشر الميلادي، ويعود أصول هذه العائلة إلى مسيحيين كورد،(g)(h). قامت هذه العائلة بِتنشيط الحركة الفكرية من خلال تأسيس أديرة جديدة(i).
يتطرق كتاب (داسنائي) لمؤلفه (المار يوخنا) الى ملِك مملكة كوردوئين في سنة 120 ميلادية والذي كان إسمه مانيزا روژ ويعنى (عبد الشمس). يصفه (المار يوخنا) بأنه كان وسيماً و على جانب عظيم من رجاحة العقل ورزانة الرأي والقوة، ولهذا أحبته إبنة ملِك الأرمن سيرانوش وتعلقت به و تزوّجت منه، لذلك فأنّ إستيلاء الأرمن على مملكة (كوردوئين) كان إسمياً فقط(5).
من خلال الحلقات السابقة التي تناولت إنتشار المسيحية في كوردستان، يظهر أنّ كوردستان كانت مركز إنتشار المسيحية في مختلف مناطق الشرق الأوسط وأن المسيحيين الكورد لعبوا دوراً رئيسياً في نشر الدين المسيحي في المنطقة وأنّ كوردستان كانت مركز الإشعاع الفكري والثقافي والديني في منطقة الشرق الأوسط. كما تؤكد هذه المعلومات بأن الكثير من المسيحيين الحاليين في كوردستان هم من أصولٍ كوردية.
المصادر
1. المسعودي. مروج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت، دار الأندلس، 1984، الجزء الثاني.
2. ماركو پولو. رحلات ماركو پولو. ترجمة: وليم مارسدن من الإيطالية الى الإنگليزية، ترجمة عبد العزيز جاويد من الإنگليزية الى العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2004، صفحة 37.
3. عبد الرقيب يوسف. الدولة الدوستكية في كردستان الوسطى، الجزء الثاني - القسم الحضاري. الطبعة الثانية، دار آراس، أربيل، 2001، صفحة 167.
4. المؤلف مجهول. التاريخ السعردي. تمّ نشر الكتاب من قِبل أدي شير.
5. انور المائي: الاكرد في بهدينان، الموصل 1961، صفحة 42.
a. THOMAS, BISHOP OF MARGȂ. THE BOOK OF GOVERNORS. EDITED FROM SYRIAC MANU-script-S IN THE BRITISH MUSEUM AND OTHER LIBRARIES. BY E. A. WALLIS BUDGE, Litt. D., F. S. A., FORMERLY SCHOLAR OF CHRIST S COLLEGE, CAMBRIDGE, AND TYRWHITT SCHOLAR, ACTING ASSISTANT-KEEPER IN THE DEPARTMENT OF EGYPTIAN AND ASSYRIAN NTIQUITIES, BRITISH MUSEUM.
b. 5. David Nicolle, Christa Hook, Saracen Faris, 1050-1250 AD, 64 pp., Osprey Publishing, 1994, ISBN 1-85532-453-9, p.7, Table A.
c. John Joseph, The Modern Assyrians of the Middle East: Encounters with Western Christian Missions, Archaeologists, & Colonial Powers, Brill Academic Publishers, 292 pp., 2000, ISBN 90-04-11641-9, p.61.
d. Proceedings of the Royal Geographical Society, 1884, p.313.
e. M.R. Izady, The Kurds: A Concise Handbook, Taylor & Francis, 1992, ISBN 0-8448-1727-9, pp.163,164.
f. Hervas, L. Saggio. (1787). Pratico delle lingue: con prolegomeni, e una raccolta di orazioni dominicali in piu di trecento lingue e dialetti... . Cesena: Per Gregorio Biasini, pp. 156-157.
g. T. F. Mathews, A. Taylor, The Armenian Gospels of Gladzor: The Life of Christ Illuminated, Getty Publications, 2001, ISBN 9780892366279, p.23 .
h. V. Minorsky, Studies in Caucasian History, 196 1957, ISBN 9780521057356 ( p.102.
i. A. Vauchez, R. B. Dobson, M. Lapidge, Encyclopedia of the Middle Ages: A-J, 1624 pp., Editions du Cerf, 2000, ISBN 0227679318, 9780227679319, see p.107
[1]