العلاقات الآشورية - الميتانية (3)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6064 - 2018-11-25 - 18:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في عهد الملِك الميتاني (شوتارا Suttara)، قام الملك الآشوري (ادد نيراري) بِمُهاجمة بلاد خانيگلبات، وإستطاع إلحاق الهزيمة بالملِك الميتاني وأسرِهِ هو وأفراد عائلته والمجيء به إلى بلاد آشور، حيث أعلن فيها الولاء لِبلاد آشور وأقسم على دفع الجزية(18).
رغم إحتلال الآشوريين لأراضٍ ميتانية، فأن المملكة الميتانية إحتفظت بوجودها، حيث إحتفظ الملك الميتاني (شوتارنا Shuttarna) بعلاقات جيدة مع الآشوريين وأعاد إليهم أبواب القصر الملكي الآشوري التي سبق للملك الميتاني (شاوشتاتار Shaushtatar) أن أخذها الى مملكة ميتاني.
لم تستمر العلاقات الآشورية الميتانية الودّية لِفترة طويلة، حيث ثارت مملكة (خانيگلبات) على بلاد آشور في عصر الملك الميتاني (واشاتا Wasatta)، فقاد الملك الآشوري (ادد نيراري) حملة عسكرية ثانية ضد المملكة، حيث إستطاع إلقاء القبض على الملك (واشاتا Wasatta ) وأسره وأسر أفراد عائلته والعديد من الميتانيين. بعد إحتلال الآشوريين لمملكة ميتاني، قام الآشوريون بترحيل قسم من سُكّانها الى بلاد آشور، وكان معظمهم من الخوريين، حيث تمّ إستخدامهم كأيدي عاملة رخيصة في بلاد آشور.
في عهد الملك الآشوري (شلمنسر الأول Shalmaneser I) (1270 - 1240 قبل الميلاد)، أعلنت مملكة (خانيگلبات) إستقلالها عن النفوذ الآشوري، حيث ثار الملك الميتاني (شاتوارا Shattuara) الذي كان إبن أو إبن أخ الملك الميتاني (واساهاتا Wasahatta)، ضد الإحتلال الآشوري بمساعدة الهيتيين و البدو الآراميين (Ahlamu) وكان ذلك في حوالي عام 1250 وكان جيشه مُجهّزاً بشكل جيد و إستطاع تحرير جميع الممرات الجبلية والبحيرات بحيث أن الجيش الآشوري عانى من العطش أثناء تقدمهم، إلا أنه مع ذلك إنتصر الملك الآشوري (شلمنسر الأول) إنتصاراً ساحقاً على الهيتيين والميتانيين(19).
يدّعي الملك الآشوري (شلمنسر الأول) بأنه في تلك الحرب، قام بِقتل 14 400 رجُلاّ وأمّا الباقون فقد تم إعماؤهم ورميهم بعيداً. نقوشاته تذكر بأنه قام بإحتلال تسعة معابد محصّنة وحوّلَ 180 مدينة خورية الى أكوام من الأنقاض وأنه قام بِذبح جيوش الهيتيين و حلفائهم البدو الآراميين كالخِراف. كما تُشير نقوشاته الى أنه قام بالإستيلاء على المدن التي تبدأ من (تايدو Taidu) الى مدينة (إريدو Irridu) وكذلك جبل (كاشيار Kashiar) واصلاً الى نهر الفرات وكل من قلعة (سودو Sudu) و (هرّانو Harranu) الى (كَركَميش Carchemish) الواقعة على نهر الفرات. نقشٌ آخر يُشير الى بناء معبد للإله الآشوري (أداد) في مدينة (كاهات Kahat) الميتانية والتي تم إحتلالها أيضاً من قِبل الآشوريين.
عند تولّي الملك الآشوري (توكلتي تنورتا الأول) (1244 – 1204 ق.م.)، تجدّد الصراع من جديد بين الآشوريين والميتانيين، حيث قام الآشوريون بِمهاجمة مملكة ميتاني وألحقوا الهزيمة بجيشها، وبهذه الهزيمة سقطت وإنهارت مملكة ميتاني وإختفت من الوجود.
أحد نقوش الملِك الآشوري (أدد نيراري الأول) الذي مكتوب في مطلع سنة 1300 قبل الميلاد، يذكر إسم ملك خانيگلبات الهوري (شاتوارا الأول) وكذلك إسم مدينة (واشوكاني) بصيغة (آشوكاني). في هذا النقش، يزعم هذا الملِك الآشوري بأنه دمّر مدينة (واشوكاني) عدة مرات، بالإضافة إلى إسم مدينة (تئيد) القريبة من (واشوكاني) والتي أصبحت مركزاً لحليفهم الملِك الميتاني (شوتارنا الثالث) الذي كان خِصماً للملِك الميتاني الآخر (ماتي وازا). رداً على تهديدات الآشوريين المستمرة للملِك الميتاني (وازاشتا)، إضطر هذا الملِك إلى الاستنجاد بالهيتيين الذين لم يلبّوا طلبه للنجدة بسبب إنشغالهم مع المصريين في معركة (قادش) التي جرت في سنة 1275 قبل الميلاد.
كما عبّر الملِك الآشوري (آدد نيراري الأول) بصورة مُبالغة عن إنتصاراته على الميتانيين في سردٍ ورد في نقش له عن بناء قصر له بمدينة (تئيد)، حيث يقول فيه: قبضتُ على (آشتورا) ملِك (خانيگلبات) وأحضرتُه إلى مدينة (آشور) وأقسم بين يديّ على أن يرسل لي الهدايا، ثم تركتُه أن يذهب، وكذلك هرب مني (وازاشتا) إلى الملِك الهيتي، طالباً منه المساعدة، ولكنه لم يُلبِّ له، وقد إنتصرتُ عليه بِفضل الأسلحة الجبّارة للإله آشور وبِحماية الآلهة (آن) و(أنليل) و(إيا) و(سين) و(شمش) و(آدد) و(عشتار) و(نرجال)، وإحتلتُ (تئيد) و(أمسكو) و(كخت) و(شورو) و(نبلو) و(خرو) و(شدخو) و(آشوكاني) حتى مقاطعة (آريد) ومقاطعة (كشياري) (طور عابدين الحالية ) و(شود) و(حرّان)، وأخرجتُ نساء (وازاشتا) وأبناءه وبناته وقواته من مدينة (آريد) وأحضرتُهم أسرى مُقيّدين إلى مدينة آشور وأحرقتُ وخرّبتُ (آريدو) وقراها.
هكذا كان يتباهى الملِك الآشوري بالقتل والحرق برعاية الآلهة، علماً بأنّ تقريره مشكوك به، وخاصةً أن المصادرالتاريخية تؤكد أنّ (وازاشتا) لم يقع أسيراً بيدِه وظل محتفظاً بسيادته وأنّ معاهدة السلام الهيتية المصرية جعلتهما تقفان في وجه الحملات الآشورية، وأنّ (شتوارا الثاني) خليفة (وازاشتا) أثبت وجوده في وجه الملِك الآشوري (شلمانسر الأول) (1263 - 1234 ق.م.) وذلك بِفضل دعم الهيتيين وقبائل (أخلامو) الآرامية له .
لِطبيعة ملوك الآشوريين المولِعة بالقتال والحروب، لا تخلو نقوشُهم من الحديث عن تمجيد شخصيتهم والتباهي بما يُشبه النصر على الخصوم، لذلك يروي لنا (توكولتي نينورتا) (1233 - 1197 ق. م.)، وهو إبن (شلمانسر الأول) وخليفته، كيف أنّ أباه كان قد إنتقم من السوباريين الهوريين الذين لم يدفعوا الجزية له، فقام بِحملة على التحالف الهوري في بلاد آلز (آلش) وبلاد (آمدنو) وبلاد (برلمزي) وغيرها.
منذ أواخر القرن الثالث عشر، تُركّز النصوص على أنّ ملِكاً ميتانياً كان ملِكاً على (خانيگلبات) وعلى الأسماء الخورية، بدون ذكر إسم الدولة الميتانية بسبب دخول كوردستان في صراع ضد الآشوريين، حيث أنّ الكالتيين الكورد، الذين ينحدرون من الهوريين، كانوا يدافعون عن هذه المملكة في وجه الآشوريين.
في عام 1200 قبل الميلاد، تغيّرت أوضاع منطقة جنوب غرب آسيا بسبب قدوم الشعوب الإيجية الهندو - أوروپية من تراقيا، التي كان الفريجيون في مقدمتها، والذين إحتلّوا وسط الأناضول وقضوا على المملكة الهيتية ودمّروا العاصمة (خاتوشا).
المصادر
18. عامر سليمان. العراق في التأريخ القديم. الجزء الثاني، الموصل، 1993، صفحة 65.
19. الدكتور منير يوسف طه. علاقات الآشوريين بالأقاليم المجاورة. موسوعة الموصل الحضارية، المجلد الأول، الموصل سنة 1993، صفحة 112.
[1]