الإمبراطورية الآشورية (4)
#مهدي كاكه يي#
الحوار المتمدن-العدد: 6023 - 2018-10-14 - 17:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (60) – الآشوريون
الإمبراطورية الآشورية (4)
في الحلقة السابقة تحدثنا عن قسمٍ من ملوك الإمبراطورية الآشورية الثانية (744 – 612 قبل الميلاد). في هذه الحلقة نواصل الحديث عن القسم الآخر من ملوك هذه الإمبراطورية.
5. أسرحدون Esarhaddon (681 - 669 قبل الميلاد): خلق إغتيال (سنحاريب) أزمة سياسية حادة في الإمبراطورية الآشورية نتيجة الصراعات التي نشبت داخل الأُسرة المالِكة. قام (أسرحدون)، الإبن الأصغر لِ(سنحاريب) بالإستيلاء على الحُكم من خلال إستخدام القوة ضد إخوته الذين كانوا ينافسونه على حُكم آشور. بعد إستلامه الحُكم، قام (أسرحدون) بإعادة بناء بابل وإعادة المهجّرين من سكانها إليها، وكان هذا العمل موضع إستحسان سكان بابل. كذلك وطّد علاقاته مع الميديين في الشمال الشرقي، وأخمد إنتفاضة (صيدا) التي حدثت في عهده وقام بِتدمير هذه المدينة، كما وطّد علاقاته مع التجار في أعالي شبه الجزيرة العربية للحفاظ على خطوط القوافل التجارية من جنوب العربة حتى مصر عبر سيناء. حارب أسرحدون الميديين. تصالح مع الكميريين والأشكوزيين القادمين من أرمينيا. تعامل بِقسوة وبطش مع الأطراف المنتفضة. قام في سنة 675 قبل الميلاد بِحملة عسكرية على مصر، عابراً سيناء بِمشقة وبعد معارك عديدة، التي إستمرت حتى سنة 671 قبل الميلاد، تمت هزيمة الجيش المصري الذي كان يقوده ملِكه (تهراقا) وإستولى الجيش الآشوري على العاصمة المصرية (ممفيس)، وأعلن (أسرحدون) نفسه ملِكاً على مصر السفلى والعليا وعلى أثيوبيا، إلا أن هذا الوضع لم يدُم طويلاً. توفي هذا الملِك في سنة 669 قبل الميلاد عندما كان في مدينة (حرّان). قبل وفاته كان قد أوصى أن يُخلّفه إبنه (آشور بانيپال) حاكماً لِ(نينوى) وأن يصبح إبنه (شمش شم اوكن) حاكماً لِ(بابل)، وهذا ما حصل بعد وفاته في سنة 669 قبل الميلاد.
6. آشور بانيپال Ashurbanipal ( 669 - 627 قبل الميلاد): كما مرّ ذكره، بناءً على وصية الملِك (أسرحدون)، إعتلى عرش آشور إبنه الأصغر (آشور بانيپال) بعد وفاة (أسرحدون). تولّى الأخ الأكبر لِ(آشور بانيپال) حُكم بابل. واصل (آشور بانيپال) القيام بِحملات عسكرية ضد الإنتفاضات والثورات التي كانت منتشرة في أرجاء الإمبراطورية الآشورية. جرت أولى حملاته العسكرية على مصر فإستولى على عاصمتها (ممفيس) وطارد الفرعون المصري (ترهاقا) الى مدينة (طيبة) عاصمة مصر العليا فإحتلها وقام بِتعيين ملوك وولاة وحاميات في الدلتا وقامت جيوشه بِتدمير مدينة (طيبة). إستمرّ الإحتلال الآشوري لمصر لمدة 15 سنة. حارب الآشوريون مملكة إيلام، حيث قام آشور بانيپال بِقطع رأس الملِك الإيلامي (تيومان) وعلّقه في الحديقة الملكية في نينوى. عاد اشور بانيپال مرة أخرى الى القيام بِحملةٍ عسكرية على مملكة إيلام، حيث حرق عاصمتها (سوسة) ونبش قبور ملوكها ونثر الملح على أنقاض المدن المُخرّبة والتي بها إستطاع القضاء على هذه المملكة.
في سنة 651 قبل الميلاد، تمرَّد عليه أخوه الأكبر الذي كان حاكماً لِبابل، فنشبت حرب أهلية بين الأخوَين دامت ثلاث سنوات وإنتهت بإستيلاء قوات (آشور بانيپال) على بابل وإحتراق أخيه داخل قصره.
كان لِ(آشور بانيپال) إبنَين توأمين هما (آشور– إتيل – إلاني) و (سن- شار- إشكون)، فقام بِتعيين الأول ولياً للعهد، إلا أنّ أخاه التوأم (سن – شار– إشكون) لم يعترف به. قاد الخلاف بين الأخوَين الى إندلاع القتال بينهما وبين أنصارهما. بسبب هذا القتال، إنتقل (آشور بانيپال) الى مدينة (حرّان) في سنة 632 قبل الميلاد، حيث قد يكون من هناك بدأ بإدارة الحُكم على القسم الغربي من الإمبراطورية الآشورية الى أن توفي في سنة 627 قبل الميلاد.
إشتهر (آشور بانيپال) بمكتبته في نينوى، حيث أنه تمّ العثور على أكثر من 25 الف رُقيم في مكتبة قصره التي تمّ نقل جميعها الى المتحف البريطاني (22).
أصبحت الدولة الآشورية في عهد آشور بانيپال أعظم دولة على إمتداد تاريخها، حيث كانت تضمّ الهلال الخصيب ومصر وإيلام. كما إزدهرت المملكة أيضاً إقتصادياً وثقافياً. الأرشيف الضخم الذي جمعه هذا الملِك في عصره، يُعتبر من أكبر مكتبات العالم القديم.
7. (آشور – إتيل – إلاني Ashur-etil-ilani) (631 – 627 قبل الميلاد): إن معرفة الأحداث التي حصلت خلال حُكم هذا الملِك صعبة بِسبب عدم وجود وثائق آشورية تتعلق بهذه الفترة من الحُكم الآشوري وعدم وجود تسجيلات رسمية للأحداث، مثل النقوش الملكية. أهم مصدر للتعرّف على عهد هذا الملِك هو (وقائع نبوبولاسر)، التي هي بِدورِها تتضمن معلومات ضئيلة جداً عن هذه الفترة التاريخية.
بعد وفاة آشور بانيپال، قامت صراعات خطيرة في الإمبراطورية الآشورية بين عدة أطراف، كلّ طرفٍ يدّعي أحقيته بالعرش الآشوري والتي كانت أحد الأسباب الرئيسة لِسقوط الإمبراطورية الآشورية. كانت المنافسة بين هذه الأطراف غير المعروفة قد بدأت قبل بِضع سنوات من وفاة آشور بانيپال. تقول بعض المصادر إن الملِك آشور بانيپال إنتقل في سنة 632 قبل الميلاد الى مدينة (حرّان) للعلاج وترك حُكم الإمبراطورية الآشورية لإبنه (آشور إيتيل إيلاني)، الأمر الذي رفضه أخوه التوأم (سين شار إشكون) (j).
يبدو بشكل مؤكد أنه بعد وفاة آشور بانيپال، تمّ عقد تحالف بين الميديين و البابليين والسكيثيين والكلدانيين والكميريين (13)، الذين إنتهزوا ضُعف آشور نتيجة الصراعات الداخلية فيها، لإسقاط الدولة الآشورية، فنجحوا في هجومهم على الإمبراطورية الآشورية، حيث قاموا بِتدمير عسقلان وحرق مدينة (كالح) بِشكل كُلّي ومُداهمة مصر، إلا أنه نتيجة أسوار مدينة نينوى القوية لم يستطيعوا إحتلال هذه المدينة وإستطاعت آشور أن تحمي ما تبقّى من جيشها الذي لجأ الى خلف تلك الأسوار، مما جعل المهاجمين ترك مدينة نينوى والإنتقال إلى مناطق أخرى من الإمبراطورية الآشورية للأستيلاء عليها. بعد ذلك قام الملك (آشور إيتيل إيلاني) بتشييد قصر جديد بين حطام المدينة، إلا أنّ المعمار البسيط للقصر وصغر حجمه، يُشيران الى شحة موارد آشور في تلك الفترة.
وفقا لنقش (نابونيدوس) الذي تمّ العثور عليه في مدينة (حرّان)، فأنّ فترة حُكم الملِك (آشور إيتيل إيلاني) دامت ثلاث سنوات، إلا أنّ هناك مرخم من مدينة (نيبور) يعود إلى السنة الرابعة من حُكمه.
ثار القائد العسكري الآشوري (سن – شوم – ميشر) في سنة 626 ضد الملِك (آشور إيتيل إيلاني)، فإغتصب العرش وأعلن نفسه ملِكاً على آشور وطالَب أيضاً بِعرش بابل.
8. (سن - شار- اشكون) (627 - 612): في سنة 627 قبل الميلاد إستطاع هذا الملِك إستعادة حُكم السلالة السرجونية من القائد العسكري الذي إغتصب الحُكم الآشوري وتولّى الحُكم في آشور.
في سنة 626 قبل الميلاد، ثار نبوخذ نصر الكلداني (نبو أبال اوشور) في مدينة الوركاء (اوروك) وقام زعيم الكلدانيين (نبوبلاصر) بِتنصيب نفسه ملِكاً على بلاد بابل وإستطاع أن يسيطر على أجزاء كبيرة من بلاد بابل، منها مدينة بابل نفسها وأجبر الملِك (آشور اتيل ايلاني) على الإنسحاب نحو الغرب، حيث أنه توفي هناك في سنة 625 قبل الميلاد.
في حوالي سنة 626 قبل الميلاد إستطاع السيثييون ضمّ أراضٍ جديدة من الإمبراطورية الآشورية الى مملكتهم في سوريا وفلسطين. كما أنّ الميديين توحدوا في سنة 625 قبل الميلاد تحت قيادة ملِكهم (كَيخَسرَو) وقاموا بِتحرير المقاطعات الميدية التي كانت تحت السيطرة الآشورية.
يذكر المؤرخ الإغريقي هيرودوتس، بأنّ الميديين قاموا في سنة 616 قبل الميلاد بِشنّ هجوم على مدينة نينوى، إلا أنّ السيثيين صدّوا هذا الهجوم الميدي. في سنة 615 قبل الميلاد، إحتل السيثيون (أرابخا) (مدينة كركوك الحالية)، و في سنة 614 استولوا على العاصمة القديمة آشور، وقاموا بنهبها وتدميرها.
في عهد الملِك الآشوري (سن- شار- اوشكن) آخر ملوك السلالة الآشورية، قام الملِك الميدي (كَيخَسرَو) والملِك البابلي (نبوبلصر) بإقامة تحالف بينهما وإتفقا على الهجوم على بلاد آشور. طلب الملِك الآشوري المساعدة من حليفه، ملِك مصر وكانت مصالح مصر تتطلب تقديم المساعدة الى بلاد آشور للحيلولة دون وقوع المنطقة التجارية المهمة في بلاد سوريا تحت سيطرة بلدانٍ لا تربطها بها علاقات صداقة وتعاون. أخذت القوات الكلدانية والميدية بِتحريك قواتها نحو الدولة الآشورية، حيث قامت القوات الكلدانية بِطرد الحاميات العسكرية الآشورية من بلاد بابل وثمّ هاجمت مدينة آشور في سنة 615 قبل الميلاد، إلا أنّ هذه القوات لم تستطع الإستيلاء على مدينة آشور، مما إضطرت الى الإنسحاب. بعد إتفاق الكلدانيين الميديين على الهجوم المشترك على بلاد آشور، بدأت قواتهم بالهجوم، حيث إستطاعوا الإستيلاء على مدينة أرابخا ( كركوك الحالية) وآشور ومدينة (تربيص) الواقعة في ضواحي نينوى في سنة 614 قبل الميلاد. تمّ إختتام هذا الهجوم الناجح بمصاهرة سياسية، حيث تمّ زواج ولي العهد البابلي الشهير (نبوخذ نصر) وإبنة الملك الميدي (أُميد) (k)، تلك الأميرة التي من أجلها قام نبوخذ نصر ببناء الجنائن المعلقة والتي تُعتبر إحدى العجائب السبعة في العالم لتوفير الأجواء الجبلية للملكة الكوردية التي أحبها كثيراً .
في سنة 612 قبل الميلاد، تم الهجوم الرئيس على العاصمة الآشورية، نينوى وتم الإستيلاء عليه بعد حصار دام ثلاثة أشهر، حيث تهدمت المدينة وتمّ إشعال النيران فيها وسلب ونهب قصورها ومعابدها، حيث مات آخر ملِك آشوري الذي كان (سن شار اشكون) في قصره المُحترق.
تمكنت بعض وحدات الجيش الآشوري من الإنتقال الى مدينة (حرّان). في مدينة حرّان، نصّب قائد الجيش الآشوري في غرب البلاد نفسه ملِكاً لِبلاد آشور، مُنتحِلاً إسم مؤسس الدولة الآشورية، (آشور اوباليت الثاني) (612 - 609/605 قبل الميلاد). طلبت الدولة الآشورية المساعدة من الملِك المصري (بسماتيك الأول)، إلا أنه على الرغم من وصول بعض المساعدات العسكرية المصرية ومقاومة الجيش الآشوري للهجمات الميدية والكلدانية، فأنّ الجيش الآشوري والجيش المصري إندحرا أمام الجيش الميدي والكلداني في منطقة (كركميش)، فهرب الجيش المصري وقُضي على الجيش الآشوري وذلك بعد مرور سنتين على سقوط مدينة نينوى. في هذا الوقت، إضطر قائد الجيش الكلداني (نبوخذ نصر) أن يعود الى بلاد بابل لإعتلاء العرش البابلي بعد وفاة والده، حيث أنه لهذا السبب لم يستمر في ملاحقة الجيش المصري، رغم وصول قواته الى الحدود المصرية. البابليون والميديون إحتلوا مدينة حرّان في سنة 610 قبل الميلاد، دون القيام بِتدمير المدينة كُلّياً و في سنة 609 قبل الميلاد، إستسلمت بقية القوات الآشورية للقوات الميدية والبابلية وبذلك كانت خاتمة الدولة الآشورية. التي أشغلت المنطقة بِحروبها وغزواتها.
13. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الثانية، بغداد، 1955، صفحة 191.
22. فاضل عبد الواحد علي. أسطورة وملحمة. دار الشؤون الثقافية العامة، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1997، صفحة 30.
i. John Nicholas Postgate (1994). Early Mesopotamia: Society and Economy at the Dawn of History. P. 16.
j. https://www.ancient.eu/Ashurbanipal/
k. Gadd, C.J. (translator and editor). The Fall of Nineveh. The Newly discovered Babylonian Chronicle, No. 21,901, In the British Museum. - London: Harrison and Sons, 1923: 42 + plates. Digitized by Library of Oriental Institute, Chicago University.
[1]